سُرَّ من رأى تندبُ إمامَها العسكري (عليه السلام)

بقلم: أُم باقر الربيعي عجبًا! - ما بالُ السماءِ حزينة تبكي دمًا، والنجوم مُرتدية أثوابَ العُتمةِ تُخفي نورَها وكأنّها لا تُريدُ البُزوغ مرةً أخرى، أخبريني لِمَ الأسى بادٍ عليكِ وأنتِ الأمانُ لأهلِ السماء؟ - أ تسألينَ والأرضُ قد فارقتْ إمامَها وأمانَها وملاذَ أوليائها؟! ألا ترينَ سُرَّ من رأى ضجَّتْ بأهلِها، وعويلُها وصلَ إلى عنانِ السماء، وكأنّ يومَها يومُ القيامة؟! ولا عجب أنْ يُصيبَها ما أصابَها، وهي فقدتْ نورَ اللهِ في أرضِه، والهاديَ لعبادِه والمنارَ لبلادِه، ومن تحيا به سُنّةُ نبيّه. ألا يعلم بنو العباسِ أنَّ بقتلِهمُ الحسنَ العسكريَ (عليه السلام) انهدّ ركنُ الدين، ويهتزُّ عرشُ الجليلِ، ويغضبُ الجبّارُ وينتقمُ ممَّنْ تلوّثتْ أيديهم بدماءِ ذُريّةِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله). جهدتِ السلطةُ العبّاسيةُ الحاكمةُ آنذاك، على تضييقِ الخناقِ على الإمامِ الحسن العسكري (عليه السلام) بشتّى الأساليبِ وبكُلِّ الطرق؛ التي ما مِنْ شأنِها القضاء على نسلِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)؛ ليسرحوا ويمرحوا كما يحلو لهم، وكأنّ زمامَ الأمورِ بأيديهم، لكن "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (1) وفي تلك الأجواءِ المريرةِ والصعبة؛ التي عاشها الإمامُ (عليه السلام) وشيعتُه المُقربون منه، كان شديدَ الحرصِ على ترتيبِ أمرين في غايةِ الأهمية، يتعلَّقُ بهما أمرُ هذه الأمة بعدَ رحيلِ الإمامِ عن هذه الدنيا: الأمرُ الأوّلُ: مهَّدَ الإمامُ العسكري (عليه السلام)، من خلالِ عدمِ التقائه بالناس إلا الخاصة من أصحابِه للوكالة، عن طريقِ مجموعةٍ من الوكلاء الثقات، الذين يعتمدُ عليهم الإمامُ (عليه السلام)، في حفظِ الودائعِ والأماناتِ وأموالِ التجار من الخُمسِ والزكاة، لكي تُصرَفَ في محالِّها الصحيحة. الأمرُ الثاني: مهَّدَ الإمامُ إلى أمرِ (الغيبة)، غيبة ولدِه الإمامِ المهدي (عجّلَ الله (تعالى) فرجه الشريف)، وكان قد بيّنَ مُسبقًا لخاصةِ شيعتهِ من هو الخليفة والإمام من بعده، وأنه سوف لا يكونَ الإمامُ ظاهراً لهم، فلا يرجعونَ إليه في المسائلِ المُتعلّقةِ بدينهم إلا من خلالِ السفارة؛ التي تكتمِلُ بها الغيبة، فيكونُ السفيرُ هو الواسطة بين الإمامِ الغائبِ وبينَ الناس، في معرفةِ مسائلِ الحلال والحرام... لقد كانَ (عليه السلام) يعلمُ بالحقدِ والضغينة؛ التي تسري في عروقِ بني العباس للقضاءِ على نسلِ الإمامِ العسكري (عليه السلام) قائلًا: "زعمَ الظلمَةُ أنَّهم يقتلوني ليقطعوا هذا النسلَ، فكيفَ رأوا قدرةَ الله... "(2). وتحقّقتْ هذه القدرةُ بأجلى صورِها، وها هي الأيامُ الأخيرةُ من حياةِ الإمامِ العسكري (عليه السلام) أشرفتْ في تناقصٍ من الساعاتِ والدقائق، بعدَ أنْ دُسَّ السمُّ له؛ وأخذتْ حالتُه الصحيّة في تراجُع، إلى أنْ جاءت لحظةُ الفراقِ والرحيلِ عن هذه الدُنيا والالتحاقِ بالعالم العلوي.. نعى ناعي السماء... ماتَ الحسنُ العسكري... وفاضتْ روحُه الزاكيةُ إلى خالقِها، وعلا البُكاءُ والنحيبُ وماجتْ (سُرَّ من رأى) بأهلِها، مودِّعَةً إمامَها حاملةً للنعشِ الطاهرِ، لتُدفَنَ بضعةٌ من الزهراء بأرضِها... فطوبى لها ولثراها. ....................... 1- سورة الأنفال: آية 30. 2- حياة الإمام المهدي عليه السلام - الشيخ باقر شريف القرشي - ج ١ - الصفحة ٢١.

اخرى
منذ 4 سنوات
1011

خاطــــرة

غيّبوا نور الحادي عشر فشع نور المنتظر "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"

اخرى
منذ 4 سنوات
1195

وخبا نورُ السراج..

بقلم: نرجس مهدي لا زلتُ قابعًا في مكاني، شاهدًا على قسوةِ زماني.. سراجٌ أنا مُلتصِقٌ في جداره، مُعلَّقًا بمسمارِ عمري، عبثًا كُنتُ أُحاولُ أنْ أُضيئَ أركانَ داره، والدارُ تتجلّى بفيوضاتِ أنواره.. وكُلُّ الكونِ يشعُّ من سنا وجوده... جميلُ المُحيّا، حَسَنُ القامة، فريدٌ في نسيجه، وحيدُ عصرِه في تكوينه، رجُلٌ تزاحمتِ السجايا في شيَمِه جلالًا وهيبةً، صفاءَ سريرة.. اكتحلَ دينُ اللهِ تعالى بوجوده، بعدَ أنْ رَمدها بالهادي والده.. يا لبهاءِ طلعتِه، اقترنتْ بشمائلِ النبيين صفاتُه، فتعدَّدَتْ مواهبُه، تقطَّرَ بالندى يمينُه.. كثيرًا ماكُنتُ أسمعُ أنينَ صدرِه، يذكرُ بابًا... ضلعًا... مسمارًا... ينوحُ لعليلٍ... خيامٍ... نارٍ... مصابٍ وبلاء... يعيشُ أهوالَ كربلاء.. فأنوحُ لنوحِه، والحرفُ على شفتي يتحيّرُ، ودمعي بآهاتها يتعثر.. حبيسُ بيته، جليسُ داره، ممنوعٌ من لقاءِ شيعته، يُراقبونَ خطواتِه، يحسبونَ أنفاسَه.. غلّوا الحقَّ، وصفّدوا الكلمات، فزمجرتْ أعاصيرُ حقدِهم... ليقتلوك... وتحتَ مراجلِ غيّهم أوقدوا نار غِلَّهم، ولأنَّك سراجُ أهلِ الجنة؛ أبوا إلا أنْ يوتروك.. لم يمهلوه، ومن ذُعافِ سمِّهم سقوه، يلوكه الألم، تعتصرُ شغافَ قلبِه مخالبُ الفراق، يتنفّسُ ألمًا ويزفرُ حسرةً.. تأجَّجَتْ ناري ونزلتْ دمعةُ قلبي قبلَ جفني؛ أسفًا عليه، وتحنُنًا له.. ثاني شباب الأئمة بعدَ جدِّه الجواد (عليها السلام).. إيهٍ يا أبا مُحمّد.. تُقرِّبُ صغيرَك إليك، تودِعُه أسرارَ الإمامة.. يسقيك ماءً ليرويك، ونظراتُ عينك تُناديه: ولدي يا مهدي، أنتَ البقيّةُ من أهلِ بيتي.. تصدَّعَ كبدي، وحبيبُ القلوبِ يتوسَّدُ الفراشَ وعيناه في عيني ولده على مَضضٍ يودِّعه.. فكان الفراقُ كالعلقمِ في طعمه، فذبُلَتْ تويجاتُ روحِه، ونحُلَتْ بتلاتُ عمره... وكأنّي بمولاتي نرجس (عليها السلام) بلهفةٍ وتوجُّعٍ تحِنُّ إليه، تضمُّ مسبحتَه تُناجيها.. لا زالتْ تحتفظُ بدفءِ أناملِه... تاجُ الإمامةِ يشكو حاله، يذرفُ حسرتَه... محرابُه ظلَّ واجمًا لا يدري ما يقول... كأنّه في خفاءٍ يُناديني، أواسيه ويواسيني.. والصدى صار له ضجيج.. فيا روحُ ما أجفاكِ.. كيف تستقرّين وأنتِ بعيدةٌ عن مولاكِ؟! فقرَرتُ أنا السراجُ أنْ أُطفِئَ جذوتي؛ لِأُعلِنَ الحدادَ على مُصيبةِ مولاي الحسن العسكري (عليه السلام)..

اخرى
منذ 4 سنوات
1102

لاحَ النورُ.. أفلَ الظلام

بقلم: إسراء الشلاه بذكرِ الأربعين تَسْكُنُ القلوب يذهبُ ما رانَ عليها، وتشتدُّ البصيرة تُروَّضُ النفوسُ، وتسمو بالفضائل سخاءٌ، نخوةٌ، زُهدٌ، إيثار نفيرٌ عام، من كُلِّ حدبٍ وصوبٍ يَنْسلون تناغمتْ أرواحُهم بلا سابقِ معرفة اضمحلّتْ نزعاتُهم البشرية، توسّموا بأخلاقِ الملائكةِ همّتُهم كهمّةِ جنديٍ غيور، لا تَفترُ بنصبٍ ولا لغوبٍ يترصّدُهم عدوّهم عاجزًا يائسًا عن فكِّ طلاسِم قوّتِهم الأرضُ عندَهم تفيضُ أمانًا وسلامًا يسيرون فيها لياليَ وأيامًا آمنين ضيّقةٌ تتسِعُ لهم! حارتِ العقولُ عن كُنْهِ سرِّها فيها يَشبعُ الجائعُ، يَبرأُ السقيمُ، يُؤْوى الغريب اجتمعوا رغمَ شتاتِ اللغاتِ والألوانِ والأصولِ تحيتُهم فيها عطرةٌ طيبةٌ كمن يُحيّي بطاقةِ ريحانٍ يُمّهدون السبيلَ لذخيرةِ الغد ورجاءِ المعمورةِ يرومون وَصْلَ شمسٍ ظلّلها السّحاب متى ينزلُ الغيثُ ونرتوي من ظمأِ الانتظارِ متى تكتحلُ العيونُ بنورِ ربِّها يا سيدَ العالم، ألا من لقاءٍ قريبٍ؟!

المناسبات الدينية
منذ 4 سنوات
328

أقراطٌ وخاتم!

بقلم: شهد الورد في زاويةِ غرفتي جلستُ وأثنيتُ ركبتي، أغمضتُ عيني فرأيتُ أرضًا جرداء.. نعم، بها نهرٌ لكنّها صحراء... أدرتُ عيني يمينًا ويسارًا وكأنْ أصابَها البلاء... رأيتُ وحشًا بهيئةِ إنسانٍ يبتسمُ وبيده شيءٌ يرمي به إلى الهواء ثم يعودُ إلى كفِّه! أمعنتُ النظر، عجبًا! ماذا رأيتُ؟ رأيتُ أقراطًا وخاتمًا ملطخةً بالدماء! أعرفُ هذين الشيئين جيّدًا... فالأقراطُ من خزائنِ الجنة، والخاتمُ من إرثِ الأنبياء.. أغمضتُ عيني بشِدّةٍ علّي أنسى ما رأيت... لكن كابوس الأمس قد عادَ... فتلك الفتاةُ الصغيرةُ التي بلغتْ من الكِبَرِ عتيًا! نعم، هي صغيرةٌ لكن ملامحَ الحُزنِ فيها أكبر! جاثية على رُكبتيها تبكي على القرآن المُبعثر أمسكتْ بيدِ جُثّةٍ، فاصطبغت يدُها باللونِ الأحمر عجبًا هل هذا حقًا يحدثُ؟! هلِ السهامُ قد مزّقتْ هذا القرآن؟! لكن لا ينزفُ بل إنَّ نورَه قد أسفر.. اتكأتِ الفتاةُ العجوزُ على صخرةٍ كادت، بل إنَّ الصخر حقًا تفطَّر! أمن ثقلِ حملِ هذه الفتاة، أم أنّه لم يصبرْ على رؤيةِ النارِ في ثيابِ العترةِ تسعر؟

اخرى
منذ 4 سنوات
878

وبرًا بوالدتي

بقلم: دعاء احمد في صباحٍ حزينٍ ومؤلم، والغيومُ السوداءُ تملأ السماء وتحجُبُ أشعةَ الشمس، واللونُ الأسودُ يُغطّي جُدرانَ المدينة في كُلِّ ناحية، وللرياح دويٌّ كصياحِ النوائح، وصوتُ خطواتِ المُعزّين، ورائحةُ الجمرِ المُنبعثة من المواكبِ الخدمية التي تستعدُّ لاستقبالِ الزائرين، وصوتٌ يُعبِّئُ شوارعَ المدينةِ، تلمسُ منه العشقَ الصادق والولاء: "أهلا بزوار أبي عبد الله".. ما هي إلا لحظاتٌ حتى ابتلّتِ الأرضُ بدموعِ السماء حزنًا على سيّدِ الساجدين وزين العابدين (عليه السلام)، كان ذلك في الخامسِ والعشرين من مُحرّم الحرام، والكونُ ينعى فقيدَه وأيّ فقيدٍ؟ إمامٌ معصومٌ من سُلالةٍ طاهرةٍ مُطهَّرةٍ، اهتزّتْ لمصابه السماءُ والأرض، وانثلمت ثلمةٌ في الإسلام، قضى نحبه بأبي وأمّي مسمومًا على أيدي الطغاة والظلمة.. خطبٌ به قد هـُدَّ ركنُ الرشادْ ... حين قضى بالسمِّ زينُ العبادْ خرجَ سجّاد من منزله مُرتديًا السواد حزنًا على مصائب آلِ مُحمّدٍ بعدَ أنْ أودعَ قُبلةً على جبينِ والدته وانحنى يُقبِّلُ يدها.. أسألُكِ الدُعاء يا أُمّاه.. فأجابت: بيّضَ اللهُ وجهَك عندَ السيّدةِ الزهراء (عليها السلام) يومَ القيامة، يا بُني توكّلْ على اللهِ وتوسّلْ بصاحبِ الزمانِ، واتجه نحوَ قبرِ الحُسين (عليه السلام) لتعزيته على مُصابِ ولدِه زين العابدين، ثم اتجه إلى موكبِ شبابِ علي الأكبر لخدمةِ الزائرين.. قام بكُلِّ ما أوصته به... ما هي إلا ساعاتٌ حتى ارتفعَ أذانُ الظهرِ فشرعوا بالوضوء والصلاة، وبعد ذلك اتجه الموكبُ شبابًا وشيبةً لضريحِ أبي عبد الله (عليه السلام)... هتفَ الحاجُّ علي: ولدي سجّاد انطلقْ بموكبِ العزاء، واحملْ لافتةَ الردّة، وبدأتِ الأصواتُ تعلو والصدورُ تُضرَبُ ودموعُ المُعزّين تهطل.. وبعدَ تلك المسيرةِ من قبرِ أبي الفضل العباس إلى قبرِ أبي عبدِ الله الحُسين (عليهما السلام)، وبعدَ أنِ انتهتْ مراسمُ العزاء توجّهَ سجّاد إلى مذبحِ الإمامِ الحُسين وتوسّلَ بالسيّدةِ الزهراء روحي فداها، وسالتْ دموعُه لتحقيقِ أُمنيته التي بقيتْ في صدره ولم يستطِعِ البوحَ بها؛ لأنّ سجّاد كان المُعيلَ الوحيدَ لوالدته المُعاقة التي أقعدها المرضُ على كُرسي مُتحركٍ، ولكنّه لم يعجزْ يومًا عن خدمتِها فكانَ نِعمَ الولدُ البار التقي. وعندما خرج من الضريحِ متوجهًا إلى بابِ الخروج رَبَتَ على كتفِه صديقُه تقي: هيا بنا لنذهبَ قليلًا ونتجولَ في شوارعِ المدينة، فاعتذر سجّادُ عن تلبيةِ دعوتِه ... قال تقي: ولكن لماذا؟ قال سجّاد: اليومُ هو يومُ مُصيبةٍ وليس من اللائق أنْ نتجوّلَ من أجلِ أنْ نُريحَ أنفسَنا، وثانيًا والدتي بانتظاري فعليَّ أنْ أذهبَ إليها لا أُريدُ تركَها بمُفردها.. قال تقي: أوَما زلتَ تهرعُ كالطفلِ في أحضانِ والدتِك أم تخشى التوبيخ يا صديق، وضحكَ باستهزاء.. ثم أكملَ يقول: قبل أنْ أخرجَ إلى العزاء ملأتُ البيتَ بصوتي عندما قالتْ لي أمّي: لا تتأخرْ، أخشى عليك.. هل رأتني طفلًا صغيرًا لتقول لي هذا؟! آهٍ كُلُّ يومٍ صراخٌ وخناقٌ بسبب تدخلها.. قال سجاد: وهل من الأدبِ يا صديقي أنْ ترفعَ صوتَك أمامَ أمِّك؟! أهذا ما تعلّمْتَه؟! تخرجُ إلى عزاءِ الحُسين (عليه السلام)، وأنت ترفعُ صوتَك عليها! أين تأثيره عليك إذن؟ ثم أكمل: اسمعْ يا صديقي، إذا أردتَ أنْ ينظرَ إليك اللهُ (تعالى) ثم إمامك (عجّل الله فرجه) فعليك ببِرِّ والدتِك... وعندما ترفعُ صوتك عليها فهذا من العقوق.. قال تقي: أووه بدأنا بالمحاضرة.. قال سجّاد: ليست محاضرةً يا صديقي، ورَبَتَ على كتفِ صديقِه تقي، وأكملا مسيرهما ثم تابعَ سجّاد: أتعلمُ أيَّ إمامٍ كُنتَ في عزائه اليوم؟ وكيفَ كان خُلُقُه مع أُمّه؟! سأتلو على مسامعك يا صديقي هذه الرواية فاستمع جيدًا: عَهِدَ الإمامُ الحُسينُ بعد موتِ والدةِ الإمامِ زين العابدين -وهو لا يزالُ صغيرًا- إلى سيّدةٍ من أمّهاتِ أولاده بالقيامِ بحضانةِ ولده زين العابدين ورضاعته ورعايته، وقد ذكر الرواةُ أنّه امتنعَ أنْ يؤاكلها فلامَهُ الناسُ، وأخذوا يسألونه بإلحاحٍ قائلين: أنتَ أبرُّ الناس، وأوصلُهم رحمًا، فلماذا لا تؤاكلُ أمّك؟ فأجابهم: أخشى أنْ تسبقَ يدي إلى ما سبقتْ عينُها إليها فأكونَ قد عققتُها، وهذا ما ذكرَه الشيخُ الصدوقُ (رحمه الله) في كتابِ الخصال ص 518، فإذا كان هذا أدبُ الإمامِ مع مُربيته، فمن نحنُ حتى نرفعَ أصواتنا يا تقي؟ سكتَ تقي برهةً ثم قال: نعم أيُّها المُهذبُ البارّ، سأذهبُ الآن وألتقيكَ فيما بعد. قال سجّاد: حسنًا، ولكن سأدعوك اليومَ عندي إلى العشاء ثوابًا للإمام زين العابدين (عليه السلام) في البيت فأرجو أنْ تقبلَ دعوتي يا تقي. قال: مؤكد سآتي حُبًّا وكرامةً للإمام زين العابدين (عليه السلام). قال سجّاد: حسنًا يا تقي، جعلَ اللهُ لك نصيبًا من اسمِك، وجعلك من الأتقياء الصالحين، ثم قال بابتسامة: سأصنعُ لك طعامًا بيدي ما رأيك؟ ابتسم تقي وقال: أعانني الله تعالى.. وما إنْ وصلا ضريح أبي الفضل العباس حتى استأذنَ تقي صديقَه ورحلَ، ووقفَ سجّاد أمامَ ضريحِ أبي الفضل العباس مُسلِّمًا عليه: "السلامُ عليك يا أبا الفضل العباس وعلى أختك الحوراء زينب، بنفسي أنت يا مولاي من صابرٍ مُحتسب" ثم أكمل: "يا كاشفَ الكربِ عن وجهِ أخيك الحسين، اكشف الكرب عن وجه أخي تقي، يا أبا الفضل.. تقي شابٌ شهمٌ وشجاعٌ ونقيُ القلب.. أسألُك بحقِّ أخيك الحسين أنْ تكفلَ قلبَه وتجعلَه من الصالحين"، ثم انحنى وسلَّمَ على الإمامِ مرةً أخرى وأكمل مسيره باتجاه البيت. سجاد وتقي جاران وصديقان منذُ الطفولة، فقدا والديهما منذُ الصغر، وافترقا في مرحلة الإعدادية إلا أنَّ تقي أخذه بُهرجُ الدنيا الخدّاع وتغيّرَ كثيرًا وساءتْ أوضاعه وخصوصًا أخلاقه في البيت مع والدته وأخواته إلا مع صديقه سجّاد فقد كان يكنُّ له كُلَّ الاحترام والتقدير، ودائمًا كان يقول له: ستبقى نِعمَ الصديق، وخير قدوةٍ يا سجّاد. أما سجّاد فمنذُ طفولته تحمّلَ المسؤوليةَ وخصوصًا أنّ والدتَه لا تستطيعُ التحرُّكَ بسبب المرض، ولكن رغم ذلك كانتْ تحرصُ على تعليمِه وتهذيبه بأخلاقِ أهلِ البيت (عليهم السلام) وكانتْ بين الحينِ والآخر تشرحُ له رسالةَ الحقوق لزين العابدين (عليه السلام)، وكانتْ تقولُ له: إنّه دستورُ الحياة وما إن أنهى دراستَه الأكاديمية حتى سعى إلى أنْ يكون حافظًا للقرآن وحقق ما تمناه. عادَ سجّادُ إلى البيت وسلَّمَ على والدتِه بكُلِّ حُبٍ واحترامٍ وقال: بعد إذنكِ أيّتُها الحبيبةُ فقد دعوتُ صديقي إلى العشاء هذا المساء.. فقالت له: البيتُ بيتُك يا بُني.. ثم أكملت بابتسامةٍ: فدتْكَ روحي أراكَ مهمومًا... قال: بدأتُ أخافُ على تقي.. ادعي له يا أُمّي أنْ يُصلِحَ اللهُ أمره.. قالت: اللهم اصلحْ شأنَه كُلَّه إنّك سميعٌ بصيرٌ بحقِّ محمدٍ والِ محمد. ثم ذهب سجّاد إلى المطبخ وبدأ بتحضير الطعام، وما إنْ أتمَّ حتى دخلَ إلى غرفته وأحضر بعضَ الكتبِ إلى غرفةِ الضيوف.. طرقَ تقيُّ البابَ فتحَ له سجّاد الباب وقال مازحًا: أتيتَ قبلَ الموعدِ! ضحك تقيُّ وقال: مُتشوِّقًا إلى طعامك أيُّها المُهذب.. ارتفعَ أذانُ المغرب ثم توجها إلى الصلاةِ، وبعدَ الصلاةِ توجها إلى المائدة وبعد ذلك جلسا في غرفةِ الضيوف ثم بدأ سجاد يقول: اليومُ هو يومُ استشهادِ الإمامِ سيّد الساجدين، ما رأيك أن نقفَ على رحابِه قليلًا؟ قال تقي: يسرُّني ذلك... سحب سجّادُ كتابَ رسالةِ الحقوق للإمامِ زينِ العابدين ثم بدأ يقول: لا يخفى علينا يا صديقي أنّ الإمامَ هو ابنُ من، وولادته وسيرته ولو على النحو القليل، لكن سنقفُ على محطاتٍ من فترةِ إمامته الشريفة. يستمعُ تقي بكُلِّ شوقٍ؛ لأنّه كان يُحِبُّ كلامَ سجاد كثيرًا، أكملَ سجّادُ: بعدَ أنْ مرَّتْ أيام الطفِّ وعادَ إمامُنا إلى مدينةِ جدِّه ناعيًا أبيه، وأخذَ على عاتقِه إكمال رسالةِ الطف استخدمَ البُكاءَ سلاحًا يهزُّ به عروشَ الظالمين؛ ليُبيّنَ للناسِ ظلامةَ أبيه وأهلِ بيتِه، بل استخدمَ الإمامُ نشاطًا فكريًا من نوعٍ آخر وهو أسلوبُ الدعاء، ما يُخلِّصُ الناسَ من عبوديةِ المخلوق وذُلِّ السُلطانِ والشهواتِ إلى عبوديةِ الخالق وتحريرِ النفسِ وتزكيتِها، وفي فترةِ إمامتِه الشريفة يا تقي شهدتِ الأمّة ازدهارًا فكريًا واسعًا لم يشملْ فقط المدينة بل المُدنَ الإسلامية جمعاء. وكانت لهذه الحركة نتائجُ علميةٌ وفكريةٌ تخرّج منها العديد من المُفكرين والفقهاء، وكان من نتائج هذه الحركة الفكرية هي رسالة الحقوق التي هي دستورُ الحياةِ الشاملِ والمنهجِ القويم. وبإمكانِك مُتابعةَ الكتبِ التي تنقلُ حياةَ الإمامِ والتعرُّف على فترةِ إمامتِه الشريفة، أمّا هذا الكتابُ وأشار إلى رسالةِ الحقوق فكان أحد نتائجِ ثورةِ الإمامِ الفكرية وهي رسالةٌ يفيضُ بها الوجدانُ روعةً وجلالًا، ويمتلأ بها القلبُ طمأنينةً وإيمانًا وهي مُقوِّمةٌ للأخلاق ومُقدِّرةٌ القيم.. فهي رسالةٌ تهدي للتي هي أقوم يُشيرُ فيها الإمامُ إلى الحقوقِ المُرتبطةِ بالإنسان وأولها حقُّ الله تعالى ثم يُفرِّعُ عليها حقوقَ الإنسانِ المفروضة من الله اتجاه الإنسان وتستطيعُ مُراجعةَ كتابِ شرحِ رسالةِ الحقوق للسيّدِ حسن القبانجي.. أما ما يُهمُني توضيحَه إليك يا صديقي هو حقُّ أمِّك.. فابتسم تقي مُطأطئًا رأسه وقال: كأنّي أعلمُ ما ترنو إليه.. قال سجّاد: نعم.. ثم تابع: فحقُّ أمك فان تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحدا أحدا . وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة بذلك ، فرحة ، موابلة محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي وتكسوك وتعرى وترويك وتظمأ وتظلك وتضحى وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاء ، وحجرها لك حواء وثديها لك سقاء ونفسها لك وقاء ، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك ، فتشكرها على قدر ذلك، ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه. فاعلم يا صديقي أنّ مقامَ الأمِّ مُقدّسٌ وقد أشارَ القرآن الكريم إلى هذا وصرّحتْ به الأحاديثُ الشريفةُ وظفرتْ بعنايةٍ خاصة بتأكيدِ حقِّها وإفرادِها بالذكر.. فحقُّ الأُمِّ بلسانِ الإمامِ السجّاد (عليه السلام) يختصرُ عظمة الأُم وشموخ مقامها ويصوِّرُ عطاءها بأدقِّ تصويرٍ وتفصيلٍ.. والآن هل علمتَ حقوقَ المرأةِ العظيمةِ عليك التي كانتْ لك أبًا وأمًّا؟ قال تقي: نعم، أسألُ الله (تعالى) أنْ يُعينني على برِّها، سأعتذرُ إليها حالَ ما أعودُ.. شكرًا لك... ستبقى نِعمَ الصديق وخير قدوة يا سجّاد. ومرّتِ الأيام وكثُرتْ لقاءاتُ تقي بسجّادٍ وصلُحَ حالُ تقي كثيرًا، وحانتْ أيامُ زيارةِ الأربعين المُباركة فاتفقا على الذهاب إلى النجفِ الأشرف وأن يأتيا كربلاء سيرًا على الأقدام وأصرّت والدةُ سجّاد على الذهاب مع ولدِها قائلةً: أعلمُ أنّي أشقُّ عليك، ولكن هذه أُمنيتي.. فقال سجاد: بل على العكس، سأحملُكِ على ظهري إن أردتِ.. واتجهوا في صباحِ اليومِ التالي إلى النجف الأشرف، وذهبوا إلى زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأقاموا ليلةً في النجف ثم التحقوا بالمسيرةِ الحُسينيةِ المُباركة وأثناءَ المسيرِ ابتسمتْ والدةُ سجّاد: ما رأيُّك يا ولدي أنْ تُرتلَ لنا سورة مريم؛ فقد اشتقتُ إلى القرآن بصوتك.. قال تقي: يبدو أنّي لن أوفَّقَ لذلك سأعود إلى الموكب الذي أقمنا فيه يبدو أنّي نسيتُ هاتفي هناك.. قال سجّاد: حسنًا سنسبقُك في المسير، وبدأ سجّادُ يقرأ كهيعص.. حتى وصل إلى آية: "وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيًا" فدوّى انفجارٌ رهيبٌ وما هي إلا لحظاتٌ حتى عانقتْ روحُه السماءَ وتحقّقَ ما تمنّى عندَ قبرِ الحُسين (عليه السلام) والتحقَ بركبِ الشهداء مع والدتِه.. سمعَ تقيُّ الانفجارَ وهرعَ يركضُ وما إنْ وصل حتى رأى صديقَه مُضرّجًا بدمه والابتسامةُ تعلو مُحيّاه، عانقه وقال: السلامُ عليك يومَ ولِدْتَ ويومَ استُشهِدتَ ويومَ تُبعثُ حيًا.. ليتني كُنتُ معكم فأفوزَ فوزًا عظيمًا.

اخرى
منذ 4 سنوات
1312

طريقُ العاشقين

بقلم: وسن فوزي منصور تسألُني الطُرُقاتُ: إلى أين المسير؟ يسودُ صمتُ تلك الخُطى وتأبى أنْ تُجيب.. أربعونَ يومًا مضتْ وما زالَ القلبُ أسيرًا ... لا يُطلقُ سراحه ولا يستأنفُ الخروجُ من ذلك المصير ... أمروا باعتقالي إلى أنْ يتضحَ البيانُ ويأتي النذير ... وأنا بين أربعين آهٍ.. وأربعين حسرةً تستجير... محفورٌ أنت في زنزانةِ نفسي... أغلالُك تشدُّني من معصمي، تأخذني من الشتاتِ والضياعِ إلى حيث أنتمي ... سجّانُك يترصّدُني كأذانِ صلاةٍ يرميني بسهامٍ تُنبِّهُني من غفلتي.. أبحثُ عن النورِ في ترتيلِ مُناجاتِك لتنجلي ظُلمتي ... لأُبصرَ اسمَك مطبوعًا على وجهِ يدي كأحرفٍ كوفيةٍ على جدارِ مسجد.. أرادوا انتزاعَك بسوطِ اعترافي ... تفاجؤوا! إنّك راسخٌ في ذاكرتي ... يملأُ اسمُك مُفكرتي ... بعثروا أشيائي لم يجدوا سوى دمعتي وشوقٍ لا يُطفِئُ لوعتي. نظرَ القاضي في قضيتي ... وأعلن أنْ لا يوجدَ تفسيرٌ لحالتي... واتهموني بجنونِ حُبٍّ أبدي لا ينتهي... حملوني على قارعةِ الطريق حيثُ المسير إليك ... ابتهجتْ روحي وحلّقَتْ عاليًا في سماءِ العاشقين الذين وجدوا العشقَ الحقيقي بحُبِّ (الحُسين)

الخواطر
منذ 4 سنوات
363

المنبرُ الحُسيني قضيةٌ وهدف

بقلم: وجدان الشوهاني لطالما اقترنَ المنبرُ بالإمامِ الحُسين (عليه السلام)، ولم يُفكِّرِ البعضُ بالسبب حتى توهّمَ الكثيرُ بأنَّ المنبرَ هو اكتشافٌ ظهرَ بعدَ عاشوراء الحسين (عليه السلام)! مع أنّ التأريخَ أثبتَ أنّ المنبرَ هو مرقاةٌ يرتقيها الخطيبُ ليُكلّمَ الناسَ، وهو مرتبطٌ بالأنبياء (عليهم السلام)؛ لأنّهم بُعثوا من أجلِ أنْ يُكلِّموا الناسَ ويُرشدوهم لطريقِ الحقِّ، كما إنّ القرآنَ أشار لذلك من خلالِ قصةِ النبي شُعيب (عليه السلام) مع قومِه؛ فكان من ألقابه (شيخُ الخطباء). ولا ننسى ارتقاءَ نبيّنا الأكرم مُحمدٍ (صلى الله عليه وآله) المنبرَ وكذلك المعصومين من أهل بيت النبوّةِ (عليهم السلام). وبهذا فالمنبرُ ليس اكتشافًا عاشورائيًا ولا إسلاميًا، بل هو قرآنيٌ ألهيٌ للخواصِ من الناس، ولكنّه كما الكثير من الشرائع التي أصابها التحريف فانحرفت، كذلك المنبرُ انحرف عن المسارِ الذي أرادَه اللهُ (عزّ وجل) له من خلالِ اعتلائه من قبل كُلِّ مَن هبَّ ودب، بعد شهادة النبي (صلوات الله عليه وآله) حتى عام 61 من الهجرة ،حيث واقعة الطفِّ وما جرى على أهلِ بيتِ النبوّةِ (عليهم السلام) من مصائبَ يشيبُ لها الرأس. فعاشوراءُ قضيةٌ خرجَ من أجلِها خامسُ أهلِ الكساء (عليه السلام)، وكتبَ بدمِه ودماءِ أهلِ بيتِه وأنصارِه عنوانَها وهو الإصلاح عندما قال (عليه السلام): "إنّي لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مُفسدًا ولا ظالمًا، وإنّما خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في أُمّةِ جدّي". ومن هُنا اقترنَ المنبرُ باسمِ الحُسين (عليه السلام)، وأصبحت له قضيةٌ اسمُها الإصلاح، وكان الهدفُ هو تنزيهُ المنبر من شوائب الانحرافِ التي طالته من قبلِ الكثير سواءً قبلَ الإسلام أو بعد استشهاد النبي (صلوات الله عليه وآله)، حيث اعتلاه من انحرف عن مساره (صلوات الله عليه وآله) وبالخصوص بني أميّة. وممّا يؤكِّدُ قولَنا هو كلامُ الإمام السجاد (عليه السلام) عند دخوله مجلسَ الطاغيةِ يزيدَ (لعنه الله) في الشام بعد مقتلِ أبيه الحسين (عليه السلام) فقال: "يا يزيد، ائذن لي حتى أصعدَ هذه الأعوادَ فأتكلّمُ بكلماتٍ للهِ فيهنَّ رضا ولهؤلاء الجلساء فيهنَّ أجرٌ وثواب". فربما كان وَصف إمامُنا السجاد (عليه السلام) -وهو أوّلُ خطيبٍ حُسيني- المنبر بالأعواد كنايةً وتأكيداً للانحراف الأموي، حيثُ كانت منابرُهم للتضليل، والمنبر إنّما أرادَه اللهُ وأهلُ بيته (صلوات الله عليهم) أنْ يكونَ منبرَ إصلاح. ومن بعدِ السجّادِ (عليه السلام) كانت لمولاتنا زينب ( عليها السلام) وقفةٌ منبريةٌ أخرى ضدَّ طاغيةِ الشام يزيد (لعنه الله)، وهذا هدفٌ آخر من أهدافِ الحُسين (عليه السلام) في أنَّ المرأةَ شريكٌ مهمٌ في القضيةِ الإصلاحية خصوصًا، وأنَّ مشيئةَ اللهِ (تعالى) اقتضت خروج النساء مع الحُسين (عليه السلام) في قضيته الإصلاحية، فكان للمرأةِ دورٌ بارزٌ؛ فزينبُ والسجّادُ (عليهما السلام) كانا رائدي المنبرِ الحُسيني.. ولكن لم يسلمِ المنبرُ الحُسيني بعدَ غيبةِ الإمام (عجّل الله فرجه) من المُغالطات، فهُناك الكثيرُ ممن يعتلي المنبر الحسيني، ويرفعُ رايةَ الإصلاح ولكن يُريدُ به تضليلَ الناس، وهذا ما يُسمّى (كلمةُ حقٍّ يُرادُ بها باطل).. ومن هنا سيكونُ أحدُ أهدافِ الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، هو تحقيقُ الهدفِ في تنزيهِ المنبر، ومن ذلك نفهمُ معنى نداء الإمام عند ظهوره –كما يُنقل عن لسان حاله-: "يا أهلَ العالمِ، إنَّ جدّي الحُسين قُتِلَ عطشانًا". وما ذلك إلَّا للتذكير بالقضية وتحقيق الهدف، فإلى ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) نسأل الله (تعالى) أنْ نكون وكُلُّ من يُقدّسُ المنبرَ ممّن وعى قضيةَ وهدفَ المنبرِ الحُسيني وعمل به.

اخرى
منذ 4 سنوات
424

الإعلامُ المُزيّفُ والقضيةُ الحسنيةُ والحُسينيةُ وآثارُه في مُجتمعنا اليوم/ الحلقة الثالثة

بقلم: يا مهدي أدركني جواب السؤال الثاني: لماذا لم يسمحْ عمرُ بن سعد للإمامِ الحُسين (عليه السلام) بإقامةِ صلاةِ ظهيرة العاشر؟ قد يتساءلُ البعضُ.. كيف استطاعَ جيشُ عمر بن سعد أنْ يقتلوا تلك النُخبةَ والنجومَ الساطعةَ في يومِ العاشر وهم يدينون بدينِ الإسلام؟ كيفَ يقفُ المُسلمُ أمامَ أخيه المُسلم ليقتله بدمٍ بارد؟ كيف يرى نورَ الأنبياءِ والأولياءِ المُتجلّي في وجهِ سيّدِ الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) ولا تتحرّكُ في داخلِه تساؤلاتٌ تُعيدُه من غفلته؟ في الحقيقةِ إنّ هناك عواملَ عديدةً أودتْ بقلوبِ هذه المجموعة وجعلتها تتحرّكُ بأجسادٍ خاويةٍ منها التعوّدُ على أكلِ الحرام وغيرها من الأمورِ التي هي ليست محلَ كلامِنا ها هُنا؛ لذا سنذكرُ العاملَ الذي يخصُّ موضوعنا، وهو الإعلامُ المُزيّف، الذي قامَ به عمر بن سعد وأسياده بتضليلِ تلك العقولِ التي كانت ترى القليلَ من النور فأطفأت تلك الشمعة الأخيرة وجعلتْها تسيرُ مُعصّبَةَ العينين في دهليزِ الخديعة.. ومن تلك الخُدَعِ أنّهم أشاعوا بأنّهم يقاتلون فئةً خرجتْ عن دينِ الإسلام؛ لذا كانَ لا بُدّ من عدمِ السماحِ للإمامِ (صلوات الله وسلامه عليه) من أنْ يُقيمَ صلاةِ الظهر يومَ العاشر، فإنّ الإذنَ له بإقامةِ الصلاةِ أمامَ جيشِ العدو يعني الكشفَ عن هويةِ أعدائهم، وأنّهم يدينون بدينِ الإسلام. جوابُ السؤال الثالث: ما السبب وراء حمل النساء مع موكبِ الإمامِ الحُسين (عليه السلام)؟ أحد الأسباب المهمة وراءَ ذلك هو الإعلام، فإنَّ الإعلامَ إمّا أن يكون مُضلِّلاً، وإمّا يكون كاشفاً عن الحقائقِ بمصداقيةٍ وشفافيةٍ ووضوحٍ... لذا نجِدُ إصرارَ الإمامِ الحُسين (صلوات الله وسلامه عليه) على أنْ تكونَ أختُه الحوراءُ زينبُ (صلوات الله وسلامه عليها) رفيقةَ ثورتِه منذُ الخطوةِ الأولى التي خرج بها من المدينةِ إلى كربلاء، بلِ المُهمّةُ الأكبرُ لها هي بعد استشهاده (صلوات الله وسلامه عليه) فقد كانَ لصوتِها الصادح بالحقِّ أثرٌ في إيقاظِ النفوسِ وقرعِ أجراسِ ضمائرها، بل تلك الأجراسُ هزّتْ عروشَ الطُغاةِ وبيّنتْ زيفَ أكاذيبِهم وحقيقةَ مُعتقداتِهم الفاسدة، وكُرهِهم البغيض لله (تعالى) المُتمثِّلُ بكُرهِهم لأهلِ بيتِ النبوّة (صلوات الله وسلامه عليهم). لذا كان من اللازمِ خروجُ تلك اللبوةِ الهاشميةِ لضرورةِ الحفاظِ على الدينِ وإعلانِ نصرِ ثورةِ الإمامِ الحسين (صلوات الله وسلامه عليه). المحور الثاني: الإعلامُ المُزيّفُ وعالمُنا المُعاصر. إنّ الواقع والتاريخَ أشبه بدائرة مُفرغة ندورُ في داخلِها لنرى الأحداثَ كأنّها شريطُ سينمائي كُلّما ينتهي يُعادُ تشغيلُه مُجدّدًا، ولكن بشخصياتٍ جديدةٍ تلعبُ نفسَ الأدوار، أمّا أنا وأنت فلنا الخيارُ في أنْ نكونَ من المُتفرِّجين الصامتين، أو أنْ نقطعَ ذلك البثّ بحروفِ العلمِ، ونبحث عن الحقائقِ لنرفعَ غمائمَ الأوهامِ عن العقول، ونوقدَ شموعَ الأملِ في النفوس. فلك أنْ تختارَ أيَّ الدورين، والأمرُ لك، وأنتَ صاحبُ القرار: *إمّا أنْ تكونَ أداةً يُسيطرُ بها العدو على عقلك أولًا، ثم على مُعتقدِك ومُجتمعِك فتكونَ أنتَ عودُ الثقاب الذي يوقِدُ فتيل الفتن.. *وإمّا أنْ تكونَ أنتَ قطرةُ الماءِ التي تُطفئ تلك الفتن بنباهتك وفطنتك. للإعلامَ في يومِنا هذا خيوطٌ عنكبوتيةٌ كثيرة ومتشابكة، تصِلُ إلى بيوتِنا وأُسَرِنا من خلالِ المواقع الاجتماعية التي من خلالها يتداولُ الناسُ الأفكارَ والكلماتِ على مُختلفِ المستوياتِ السياسيةِ والاجتماعيةِ والدينيةِ وما إلى ذلك، وقد تصِلُك عن طريقِ رسمٍ كاريكاتوري، أو من خلالِ خاطرةٍ، أو حتى صورٍ صامتة، ولكن بالتالي لها تأثيرٌ على عقلِك الفردي وعلى العقلِ الجمعي أيضًا. وهذا يعني أن كل من يدخل في مضمارِ هذا العالم، فقد وقعتْ على عاتقِه مسؤوليةٌ عظيمةٌ وهي إنقاذُ نفسِه وأسرته ومُجتمعِه من الخطرِ الذي يواجهُه ومُحاربة تلك الفتن والأفكار من خلالِ علمِه وعقيدته، فإمّا أنْ يُحاربَ أو يستسلمَ لتلك الخيوطِ العنكبوتيةِ؛ ليقعَ في شباكِها كالحشرةِ التي لا تستطيعُ أنْ تنقذَ حتّى نفسها. ولك بعضُ النصائحِ التي يُمكِنُ أنْ تتبعَها لكي لا تكونَ أداةً سهلةً بيدِ غيرِك، واعلمْ أنّك مُحاسبٌ على كُلِّ كلمةٍ تنشرها، أو تكونَ سببًا في الترويج لها، فهلْ لديكَ ما تُجيبُ به خالقَك يومَ لا ينفعك إلا عملك؟ ومن تلك النصائح: أولًا: إذا أردْتَ أنْ تُشاركَ غيرك رأيه دقِّقْ في تلك الكلمات، واقرأ ما تودُّ مشاركته للآخر؛ إذ قد يكونُ الطعمُ في السطرِ الأخير أو الكلمة الأخيرة. ثانيًا: تأكّدْ من مصدرِ الحديث أو الرواية؛ لأنها قد تكونُ موضوعةً فتكونَ قد شاركتِ غيرَك بالكذبِ على المعصوم. ثالثًا: لا تنشرْ ما يُثيرُ الفتنَ، ويُشوِّهُ صورةَ الحقائق. وهُنا لا بُدَّ من الإشارةِ إلى أمرٍ مهم وهو: لا تجعلْ لتلك المنشورات أثرًا بالغًا في حياتك؛ فتبثَّ ما فيها من طاقةٍ سلبيةٍ كانتْ أو إيجابية، فتنعكس على سلوكياتك، بل اسعَ إلى أنْ تُحصِّنَ نفسَك بحجابِ الايمانِ، ولا تسمحْ لتلكَ الموجاتِ السلبيةِ أنْ تؤثرَ على حياتك، وحاولْ أنْ تستلهمَ من قصصِ التاريخ، وتستفيدَ من تلك التجاربِ العظيمةِ الضخمةِ لتغلبَ أمواجَ الفتنِ فتصلَ ومن معك بقاربِ النجاةِ إلى ضِفّةِ الأمان.

اخرى
منذ 4 سنوات
387

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76847

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56652

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44114

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43539

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40351

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33541