بقلم: غدير البغدادي أرضٌ بها آثارُ قُدسٍ تسطَعُ *** وغُبارُها كالدُّرِ فيها يَلمَعُ قد ظَللّت سُحب المكارمِ سِجفُها *** بزُغاب أجنِحة الملائكِ تُرصَعُ وعلى أواوين المُقام تزَركَشت *** شِيَمُ النّجابةِ والمَهابةِ أجمَعُ ينثالُ من جَنَباتِها ريحُ الإبا *** بأريج جَنّات المُهيمنِ توزَعُ جُدرانُها تسمو كما لو أنَّها *** عمَدُ السّمٰوٰتِ العُلا بل أرفَعُ يتناثَرُ الجُلّنار في أرجائها *** والياسمين كذا الخُزامى اليانِعُ يتدفّقُ الصّرحُ المُمَرّدُ لُجَّةً *** منها يعابيبُ الرّزانةِ تَنبَعُ لو عاينَتْ بَلقيسُ مَحضَ جلالهِ *** لَهوَتْ على الأعتابِ شَوقًا تَركَعُ شِيَةُ الوُلايةِ في زوايا ساحِهِ *** آثارُ جِبرائيلَ فيها مَهيَعُ رَهط النّبوّةِ كُل حينٍ وافِدٌ *** قبرَ الدّماثة آمِلاً يستَشفِعُ كفُّ الإنابةِ شَيّدت أركانهُا *** مِنها مُناجاةٌ لآدَمَ تُسمَعُ هِيَ دَوحةٌ لِلمَجدِ يبذُخ غُصنها *** يا سائلي فيها القداسة تَرتَعُ ذي قُبةٍ نوراء تعتَنِقُ الفَضا *** تُنشي الشّموخَ بِغَيثِ مجدٍ يُنقَعُ القبرُ عرشٌ شاهِقٌ فوقَ العُلا **** وضَريحهُ تاجٌ يُضيِءُ و ينصَعُ قبرٌ يَؤمُّ بِرَحبهِ كُلّ الدُّنى *** للوالهِين من الأنامِ ومَفزَعُ قبرٌ حَوى شَرف العفافِ بطُرِّهِ *** قد كان للحوراء زَينَب مَضجَعُ أميرة الفِردَوس تِلكَ عمّتي *** خدرُ عرشِ الله فيها مودَعُ يلتاثُ في أستارها ليلُ الدُّجى *** والشّمس من أركانها تطلَعُ النُّورُ يُشرقُ من لحاظِ جفنوها *** و العِزُّ يُرشَقُ فوقها و يُبَرقعُ النّجمُ يذوي تحت وَقعِ مَدَاسِها **** وَهجُ البُدور بوَجهِ زينب يقبَعُ قد كانَ ميكائيلُ سادِنَ دارها **** والحُور طُرًا للفرائِضِ تخضَعُ هِيَ بضعةُ الكرّار ، راهِبةُ السّما *** في كفّها الأفلاكُ سَعيَاً تتبَعُ هي كعبةُ الأحزان طافَ برُكنها *** وَجدُ الخَليلِ بشجوُ قلبٍ يَخشَعُ يعقوبُ يَبكيها على تِحنانِها *** مِن صَبرها أيّوب كان لَيجزَعُ فيها نبيُّ اللهِ موسى لو يَرى *** جبلَ التّصبُّرِ خَرَّ موسى يَفزَعُ لو هزّت العذراءُ جِذعَ مُصابها *** لتَساقط الحُزنُ الجَنِيُّ الأضوَعُ حارَ الزّمان على رباطةِ جأشِها *** لا ما رأى نِدّاً لها أو يسمَعُ أوَمِثل أُمِّ الخِدر يا لهفي لها *** تعدو إلى تلِّ المُصاب وتُسرِعُ! إذ شاهدت صدرَ الحُسينِ مُهَشّمٌ *** في الطّفِ روحٌ للمَشيئَةِ تُصرَعُ جَلدًا ترى رأس الإمامِ أَمامَها *** وعلى سِنان السُّمرِ جهرًا يُرفَعُ وَطِئَت سنابِكُ شِركِهم صدر الهُدىٰ *** هِيَ خَزنةُ الأسرار ما هِيَ أضلعُ ها إنها فخرُ الإلٰهِ على الوَرىٰ *** هيهات ترضخُ للطُّغاتِ و تخنَعُ
المناسبات الدينيةبقلم: عبير المنظور أولت الأديان السماوية وخاصة دين الإسلام الحنيف أهمية خاصة للإنسان، وأن جميع الشرائع والأديان نزلت لهدايته. الإنسان في الفكر النبوي هو الغاية وهو الوسيلة في الوقت ذاته، فالنبي (صلى الله عليه واله) كان يهدف بالدرجة الأولى إلى صناعة الإنسان بما هو إنسان، إنسان بإيمانه، بعقيدته بمبادئه، بوعيه، بفكره، بمشاعره، بوجوده ككل والهدف من وجوده. لصناعة هذه الغاية (الإنسان) استخدم رسول الله (صلى الله عليه واله) الإنسان نفسه كوسيلة لتحقيق تلك الغاية انطلاقًا من المبدأ القرآني (إن الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) [الرعد/١١] فالإنسان هو وحده قادر على صناعة الإنسان كإنسان إذا التزم بتعاليم النبي (صلوات الله وسلامه عليه وآله) وتمسك بدينه القائم على الفطرة الإنسانية والمبادئ الحقة. واستخدم رسول الله (عليه وعلى آله آلاف التحية والسلام) في تحقيق ذلك عدة أساليب مهمة منها: * رسم معالم طريق الحق. *ترسيخ تعاليم الشريعة الإسلامية في المجتمع. *إشاعة الثقافة القرآنية بين أوساط المسلمين. *التأكيد على أخذ العظة والعبرة من الأمم الأخرى، خاصة المذكورة قصصهم في القران كمحاولة منه (صلى الله عليه وآله) لترصين المجتمع الإسلامي أكثر من خلال التعلم من السنن الكونية والتاريخية في هذه الحياة. كل تلك الأساليب على المستوى النظري. أما على المستوى العملي فنرى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله): *قد عمل على توحيد كلمة المسلمين ومؤاخاتهم مع بعض. *بالإضافة الى تعزيز الأواصر والروابط بين المسلمين. *وترسيخ تلك القيم النظرية على أرض الواقع لصنع جيل مسلم واعٍ ومدرك لمسؤولياته الكبيرة في الحفاظ على وحدة المجتمع واستقامة أفراده وتقويم الاعوجاج فيه بالحكمة والموعظة الحسنة. * نبذ التنافر والتناحر والنعرات القبلية والصفات الجاهلية وتذويب كل تلك الخلافات في بوتقة الإسلام الواحد الذي يجمع الجميع تحت سقف الجميع، فكان الإسلام دينًا سامٍ وحضارة وعلمًا وصل إشعاعه الى أوروبا وأنار عصورها المظلمة. وما أحوجنا اليوم لتطبيق فكر النبي (صلى الله عليه وآله) في أمتنا الآن في هذا المقطع الزمني بالذات من تاريخ العراق حيث نحتاج لتوحيد الكلمة ورص الصف من الداخل لننطلق بقوة مرة اخرى الى الخارج لنطبق مبادئ الرسول (صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله الطاهرين) التي أرادها من صناعة الإنسان أولًا في داخل مجتمعه ثم النهوض بهذا المجتمع بصلاح أفراده ثم انطلاق المجتمع المسلم الى آفاق واسعة نضيئها بنور الإسلام وتعاليم نبي الرحمة.
المناسبات الدينيةبقلم: يا مهدي أدركني أسرار الدعاء يوم عاشوراء لما نظر الإمام الحسين (عليه السلام) إلى جيش يزيد يوم العاشر من محرم، رفع يده الى السماء وقال: اللهمّ، أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبةً منّي إليك عمَّن سواك فكشفته وفرّجته، فأنت ولي كلّ نعمة ومنتهى كلّ رغبة. لو وقفنا نتأمل قليلًا في كلمات الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) لطال الوقوف عليها، ففي كل كلمة بحر من المواعظ والدروس والعبر، هكذا هو خط الرسالة، رضا وتسليم وعشق لذات الله المقدسة، فما هو سر تمسك الأنبياء والأولياء بالدعاء؟ ابتداءً علينا أن نفتش في كتب اللغة عن معنى الدعاء. الدعاء مصدر من مادة (دعو) فيقال: دعوتُ الرجلَ، وهو الميل له بصوت وكلام. أما الدعاء في الدين، فهو بمعنى بالميل والرغبة الى الله تعالى، ويكون أما لنزول الخير أو لكشف الضُر. وقد أمر الله تعالى عباده بالدعاء في كتابه الكريم فقال (عز من قائل) (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (1)، وقال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (2) ونهى عباده عن الدعاء والطلب من غيره (جل وعلا) فقال (وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ، فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) (3). نخلص الى أن الدعاء هو من الأمور المحمودة إذا كان العبد يميل ويتذلل ويرغب الى خالقه، وفي الطرف المقابل نجد أنه من الأمور المَعيبة التي نهى الله تعالى عنها عباده فيما إذا كانت لغيره (جل وعلا)، وفي هذا الأمر فائدتان -أخلاقية وعقائدية- في آن واحد. أما الأخلاقية: فإن الله تعالى أودع في داخل الإنسان قوى متعددة، فإن أحسن استعمالها ارتفع في سلم الكمالات، وإلّا فإنه يقع في شراك إبليس، ومن أخطر هذه الأمور هو (الكبر) الذي هو في قبال الذل، فإن دعاء الرجل لغير الله (عز وجل) مذلة له، حيث إن من يدعوه إن كان صالحًا فقد كان عليه أن لا ينتظر من أخيه المسلم أن يريق ماء وجهه وعندها فلا حاجة للدعاء والتوسل بل يبادر فورًا في قضاء حجاته قبل أن يسأله، وأما إن كان غير ذلك فعندها سيذل ذلك الرجل، وهو سلوك غير أخلاقي، فإن الله تعالى كرم النفس الإنسانية بصورة عامة والمؤمنين بصورة خاصة. أما العقائدية: فهي التأكيد على أنه ليس هناك موجود قادر على تلبية أو تحقيق مطلبك غير الله تعالى، فمهما بلغ ذلك الشخص الذي تدعوه من القوة والسلطة إلّا أنه في ذاته محتاج الى الله تعالى بل هو غير قادر على دفع المرض عن نفسه فكيف يدفع عنك، ففرعون -الذي ادعى الربوبية- لم يستطع أن يشفيَ ابنته الوحيدة التي كانت تعاني من مرض عضال، فنحن محتاجون في أصل وجودنا واستمراره الى الله (جل وعلا)، أما ما نقوم به من قضاء حوائج الناس فما نحن فيها إلا أسباب وضعها الله تعالى، وقد أمر الله تبارك وتعالى أن نتمسك بالأسباب، فنحن مجرد أسباب تسخر لقضاء حوائج الآخرين ولا يمكن أن نستغني عن هذه الأسباب ولكن يجب أن نثبّت بأن هذا السبب هو بتسخير منه (جل وعلا). فالدعاء هو أمر متعلق بالذات المقدسة فقط ومنحصر بها، وهو أمر قد أكد عليه القرآن الكريم من خلال سرد قصص الأنبياء والصالحين وكيف أن الإنسان بعد أن تُغلق عليه الأبواب جميعها لن يجد أمامه سوى هذا الباب الذي لا يغلق أبدًا، وهو باب الرحمة الإلهية والرجاء به (جل وعلا)، وأعتبر أن القنوط من رحمته إثمًا عظيمًا، وذلك لما ينطوي تحته من اعتقاد ملوث بكون الله تعالى غير قادر على تحقيق مراد هذا الفرد وحاشا الله تعالى، فإنه (جل وعلا) هو القادر على كل شيء، ولكن قد يمسك الله تعالى الدعاء ويؤخر الإجابة وذلك لمصلحة وحكمة لا يعلمها العبد، فعن الإمام زين العابدين (صلوات الله وسلامه عليه) قال: المؤمن من دعائه على ثلاث: إما أن يدخر له، وإما أن يعجل له، وإما أن يدفع عنه بلاء يريد أن يصيبه. (4) فقد يمنع الله تعالى الإجابة لعدة أسباب منها: الأول: حيث إن الدعاء هو خطاب موجه من العبد الى ربه فلا بد له من آداب على من يريد أن يحصل على الإجابة أن يلتزم بها، وقد ذكرتها روايات أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) ونذكر البعض منها على نحو العجالة: 1- البسملة أي أن يبتدأ المؤمن بقول (بسم الله الرحمن الرحيم). 2- الصلاة على النبي محمد وعلى آله الطاهرين والختم بها أيضًا، فإنها مجابة، وإن الله سبحانه وتعالى يستجيب ما بينهما كما ذكر في الروايات الشريفة. 3- الحمد والثناء على الله تعالى، وهذا ما نجده في أغلب أدعية المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم). 4- التوسل بالصالحين. 5- الإقرار بالذنب، والتضرع والتذلل له (جل وعلا). 6- اختيار الأزمنة والأمكنة التي هي من مظان إجابة الدعاء. 7- تقديم الدعاء للآخرين على الدعاء للنفس. 8- وحسن الظن بأن الله تعالى سيستجيب الدعاء. وهناك أمور أخرى كثيرة يطول المقام فيها، فإن التزم العبد بهذه الأمور فقد حقق بعضًا من شروط إجابة الدعاء. (5) الثاني: هناك بعض الأمور التي تحجب الدعاء وتمنع الإجابة فتكون عائقًا من إيصال الدعاء ومنها: أولًا: الذنوب، فإن أذنب العبد بعد أن دعا الله تعالى أمسك الله عنه لذنبه فعن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) أنه قال: "لا تستبطئ إجابة دعائك وقد سددت طريقه بالذنوب" (6) وفي دعاء كميل المروي عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) يقول: (اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء) فهنا إشارة منه (صلوات الله وسلامه عليه) على أن هناك ذنوبًا معينة تكون كالأغلال التي تقعد بالدعاء وتمنع من ارتفاعه واستجابته، وقد سُئل الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) عن تلك الذنوب فقال: "سوء النية والسريرة، وترك التصديق بالإجابة والنفاق مع الإخوان وتأخير الصلاة عن وقتها". وهنا لا بد أن نشير إلى أن المؤمن يجب أن لا يستصغر الذنوب وإنما عليه أن ينظر إلى من يعصي وإلى عظمته، فمهما كان الذنب صغيرًا إلّا أنه قد يتحول إلى ذنب عظيم لعظمة الخالق، وعلى المؤمن أن يجنب نفسه من الصغائر لأنها مع الإصرار والتكرار ستكون كبيرة كما هو مشار إليه في روايات أهل البيت (عليهم السلام). ثانيًا: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إن الدين الإسلامي متكون من ثلاثة محاور أساسية وهي: أصول وفروع وأخلاق، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروع الدين ولكن للأسف نجد الكثير ممن يتهاون ويستخف بهما، على الرغم من أن لهما ذات الأهمية التي لبقية الفروع الأخرى، ومن يتركهما وهو قادر على الإتيان بهما فإن له عقوبة معجلة في الدنيا قبل الآخرة، فقد روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "إذا لم يأمروا بمعروف ولم ينهوا عن منكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي، سلط الله عليهم شرارهم، فيدعوا عند ذلك خيارهم فلا يستجاب لهم" (7) لذلك فإن الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) وقف بوجه المنكر وأمر بالمعروف وبذل في ذلك نفسه وأولاده وأصحابه حفاظًا منه على الدين من الاندثار. فالدعاء إذن هو الصلة الرابطة بينه وبين خالقه، وإن له أثرًا في نفس العبد حتى وإن لم يستجب منه، إذ سيستشعر وجود الرب قريبًا منه، فهو ليس بحاجة إلى رفع صوته بل تكفي المناجاة في عتمة الليل لينسج من تلك الهمسات المختلطة بدموع الاستغفار كلمات يستنير بها قلبه وتقوّيه على الثبات في طريق الحق، كما قال الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) في دعائه يوم عرفه (ما ذا وجد من فقدك؟ وما الذي فقد من وجدك؟ لقد خاب من رضي دونك بدلًا)، فبتأمل بسيط لهذا المقطع من دعاء الإمام (عليه السلام) نجد السبب المهم الذي كان وراء وقوفه (عليه السلام) بقوةٍ وإباء لم يخشَ ضخامة الجيش أمامه لأنه على يقين من أنه مع الله (جل وعلا)، وأنه على الحق، فمهما اشتدت الظروف وكثر الظلم والجور عليه، إلا أنه كان يعلم بأن كل ذلك بعين الله تعالى، لذا نجده في كل حركاته وسكناته، ابتداءً من انطلاقه من المدينة وحتى عند لفظ أنفاسه الأخيرة ظهيرة عاشوراء كان لسانه يلهج بالدعاء، هائمًا بذكر الله تعالى منشغلًا عن آلامه شوقًا لملاقاته. إن قوة العبد المؤمن تكمن في قربه الدائم من ربه وخالقه، فلو كان للإنسان شخص يحبه ويمتلك من القوة الجسدية والاجتماعية التي تجعل الناس تهابه وتخشاه، تجد ذلك الإنسان يستمد القوة منه فيما إذا تعرض لموقف ما، كما هو الحال عندما يتوجه الطفل الصغير الى حضن والديه عند تعرضه لأمر ما، فكيف إذا كان المؤمن على علاقة متينة مستمرة بالقوي العزيز، لذا نجد هناك تأكيدًا على الدعاء وأنه سلاح الأنبياء والصالحين، وأن الله تعالى ليحب صوت عبده المؤمن حين يناجيه، وملائكة السماء تستأنس بصوته وتألفه لأنه يدعو الله تعالى في الشدة والرخاء، فإن الحاجة الى الدعاء ليست فقط لقضاء حاجة أو رفع بلاء، بل إن الحاجة إليه أعظم من ذلك فإن أردت -أيها المؤمن- أن تدوم النعم عليك فلا تنقطع عن مناجاة ربك. في الختام نقول: ليس هناك إلزام بأن يكون الدعاء بصيغة معينة خاصة، بل لك أيها المؤمن أن تدعو بما شئت، وكلما اقترب العبد من ربه وعرفه حق معرفته دعاه بلسان أجمل، إلا أن الدعاء حيث إنه مفتاح الإجابة، فينبغي أن يكون من حيث مصدره المعصوم، وليس هناك من يعرف الله تعالى أفضل من أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، لذا فمن أراد أن يتقن الدعاء ويضمن الإجابة ويستلذ بتلك المناجاة فليغرف من ينابيعهم وينهل منها، فإن كلامهم نور يضيء القلوب حتى وهم في أحلك الظروف وفي أصعبها، فما أجملها من كلمات ختم بها سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) حياته: اللهم متعال المكان عظيم الجبروت شديد المحال غني عن الخلائق عريض الكبرياء قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب اذا دُعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، تدرك ما طلبت شكور إذا شُكرت، ذكور إذا ذُكرت، أدعوك محتاجًا وأرغب إليك فقيرًا، وأفزع إليك خائفًا وأبكي مكروبًا، وأستعين بك ضعيفًا وأتوكل عليك كافيًا، اللهم أحكم بيننا وبين قومنا فإنهم غرونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمد بن عبد الله الذي اصطفيته بالرسالة وائتمنته على الوحي، فاجعل لنا من أمرنا فرجًا ومخرجًا يا أرحم الراحمين. _______________ 1- سورة غافر، آية (60). 2- سورة البقرة، آية (186). 3- سورة يونس، (106). 4- تحف العقول-ابن شعبة الحراني- ص280. 5- منقول من شرح الشيخ حسين الأسدي لدرس عقائد الإمامية، (عقيدتنا في الدعاء). 6- غرر الحكم. 7- آمالي الصدوق، 254/2.
المناسبات الدينيةبقلم: يا مهدي ادركني أما من ناصرٍ ينصرنا؟ أما من معينٍ يعيننا؟ كلمة قالها الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) قبل 1400 سنة، وإلى الآن نجد صداها يرن في قلوب محبيه، تلك الكلمة التي تسيل الدموع بحرقة عند سماعها، وكيف لا وهي تنقلنا إلى ظهيرة ذلك اليوم المشؤوم الذي وقف فيه سبط الرسول (صلى الله عليهما وآلهما) غريبًا عطشانًا مكثورًا لا ناصر له ولا معين. فهل خسرنا الفوز العظيم بتلبية النداء له (صلوات الله وسلامه عليه)؟ وهل النصرة تتحقق بحمل السيف فقط؟ وهل كلمة الإمام (سلام الله عليه) كانت على نحو القضية الحقيقية أو الخارجية؟ وهناك أسئلة كثيرة أخرى ترد حول هذه الكلمة التي خرجت من تلك الحنجرة الطاهرة، وأوقعت الحسرة والندامة في قلوب محبيه. لنأخذ الأسطر بحثًا عن إجابات تلك التساؤلات. الناصر: اسم فاعل مشتق من الفعل (نَصَرَ) وجمعها أنصار، ويقال: نصر مظلومًا أي أعانه وأيده، قال تعالى في كتابه الكريم (وما لهم من ناصرين) (1) يتبين أن من يطلب الناصر هو شخص وقع عليه الظلم ويطلب النصرة ممن يستطيع أن يمد يد العون له، ومن يلبِّ هذا النداء يكن ناصرًا له، فإن كان على حق فإنه يفوز الفوز العظيم حتى وإن قُتل، فإن الفوز هو من عند الله تعالى، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): ما من مؤمن يعين مؤمنا مظلوما إلا كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وما من مؤمن ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته إلا نصره الله في الدنيا والآخرة، وما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلا خذله في الدنيا والآخرة.(2) فكيف إذا كان المظلوم هو سيد شباب أهل الجنة! ومعه فنقول: إن نداء الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) لم يكن بنحو القضية الخارجية وإنما بنحو القضية الحقيقية. وبعبارة أخرى: اعتقد أن خطاب الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) لم يكن خاصًا بمن طرق سمع أذنه تلك الكلمة في تلك الواقعة خارجًا، وإنما المراد منه هو كل من وصله ذلك النداء سواء كان في زمن النداء أم لم يكن، ففي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة) أمر إلهي بإقامة الصلاة، وهو ليس مختصًا فقط بمن كان في زمن نزول تلك الآية الشريفة، وإنما هو أمر تكليفي لكل من آمن بالله تعالى الى يوم الدين. والإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) عندما نادى بهذا النداء، كان يريد أن ينصره كل من سمع به حتى وإن مرت الدهور عليه، فكل من وقع صدى هذه الكلمة في نفسه، يجب أن تهزه من أعماقه ليفر من بحر الذنوب إلى نبع التوبة ليغتسل ويتطهر بدماء الحسين (عليه السلام). فهناك من يقول ويعترض من شدة لوعته وحبه لإمامه، لماذا لم أُخلق في ذلك الزمن فأنصره ببدني ودمي؟ أيها المحب، إن واحدة من صفات الله تعالى أنه مريد، ومن معاني الإرادة هو (العلم بما فيه الفعل من مصلحة)، ولتوضيح وبيان ذلك نقول: غن الله جل وعلا لديه العلم المطلق والإرادة، وحيث إنه علم أن من المصلحة لك أيها المحب أن لا تكون في ذلك الزمن بل من المصلحة أن تكون في هذه الحقبة الزمنية وفي هذه البقعة المعينة التي منها تستطيع أن تلبي نداء الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) فليهدأ قلبك فإن فرصة الفوز لا زالت متاحة، ولكن لا تغفل عنها. إن نصرة الإمام (سلام الله عليه) لها مصاديق عديدة فهي لا تنحصر بالسيف فقط، ولا بزمن دون آخر، ولا بالرجال دون النساء، فإن مولاتنا زينب (صلوات الله وسلامه عليها) نصرت أخاها الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) رغم كونها امرأة (حيث لا جهاد على المرأة) ولكنها نصرته بلسانها ومنطقها ومواقفها، لم تمل عن الحق ولم تترك ثغرة مظلمة حتى أضاءتها وسلطت نور الحقيقة عليها. إن ثورة الإمام الحسين في الحقيقة هي ثورة مستمرة لا تنتهي ولا تنقطع باستشهاده (سلام الله عليه) وذلك لأن لها أهدافًا لم تتحقق بعد، فإن شعار الإمام (عليه السلام) كان هو الإصلاح في أمة جده (صلى الله عليه وآله) وذلك لما انتاب تلك الأمة التعيسة من ذل أصابها نتيجة خذلانها لأئمة الحق والهدى، لذا فإنه (صلوات الله وسلامه عليه) أراد أن يوقظ تلك الأمة من غفلتها، ولكن هذا الإصلاح لم يتحقق بعد، لا لكون الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) غير قادر على ذلك، أو ليس أهلًا لذلك، حاشا وكلا، بل إن العجز في المتلقي لا في المقتضي، لذا فإن ثورة الإصلاح هي ثورة حسينية الابتداء مهدوية التحقق. فكل من يتوق إلى تلبية نداء الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) نقول له: إن الوقت لم يفت بعد، فلك أن تلبي النداء لولده المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، وذلك من خلال التمهيد لظهوره المبارك، فاسع إلى إزالة الشوك والعقبات عن ذلك الطريق من خلال التزامك بتعاليم الدين وإقامة حدود الله، بفعل الواجب وترك المحرم ونهي النفس عن الهوى. قوِّ ذلك القلب النابض بحبهم (صلوات الله وسلامه عليهم)، ولتكن مستعدًا للظهور، وهيأ البلاط لمن سيأتي بعدك، مسلّمًا له راية الإصلاح. إن للنصرة أوجهًا عديدة، قد تكون بكلمة أو موقف حق تتمسك به، لكي لا يختلط الحق بالباطل، أو باختيار زوجة صالحة لتكون أمًا ممهدة بتربيتها لأنصار يحملون راية الإصلاح تحت راية إمامهم. فالسلام على من لم يكن له ناصرٌ... لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغَاثَتِكَ وَ لِسَانِي عِنْدَ اسْتِنْصَارِكَ فَقَدْ أَجَابَكَ قَلْبِي وَ سَمْعِي وَ بَصَرِي(3). ______________ (1) سورة آل عمران: آية (22). (2) البحار، ج75،20،17. (3) زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) المخصوصة بالنصف من رجب
المناسبات الدينيةبقلم: يا مهدي ادركني دور الأم في عاشوراء مما لا شك فيه أن للأم دورًا مهمًا في المجتمع وفي حياة الفرد، وإن لهذا الدور التأثير الأكبر في بناء شخصية الفرد سواء بالنحو الإيجابي أم السلبي، وهذا لا ينفي دور الأب مطلقًا، ولكن الوقت الأكبر الذي يقضيه الولد يكون مع أمه أكثر بكثير مما يقضيه مع أبيه. وعلى هذا الأساس تترتب سلسة من الأمور المهمة التي يجب أن يراعيها كلٌّ من الوالدين لإنتاج شخصيات لها تأثير إيجابي في المجتمع، ومنها: الأول: الاختيار المناسب أي اختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح، وهو من أهم الأمور التي يبتني عليها الزواج الناجح، وقد وضع لنا التراث الإسلامي من خلال الأحاديث الشريفة أسسًا للاختيار الذي يكون بداية مثمرة للزواج، روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَ دِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ" (1) فالقاعدة التي وضعها لنا الرسول (صلى الله عليه واله) هي الأخلاق والدين، وهذه القاعدة ليست مختصة بالرجل دون المرأة، فعلى المرأة أيضًا أن تبحث عن الرجل ذي الأخلاق والدين فهو الذي سيكون أبُا لأولادها وسيستقون أخلاقهم ودينهم منه. الثانية: العوامل الوراثية نجد في التاريخ أن الرجل فيما إذا أقدم على الزواج فإنه يختار زوجة من قبيلة اتسم رجالها بصفة القوة والشجاعة إذا أراد أن يكون ولده ذا قوة وبأس، وخير مثال على ذلك عندما أقدم أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) على الزواج بعد استشهاد الصديقة الطاهرة (صلوات الله وسلامه عليها)، حيث ذهب الى أخيه عقيل وطلب منه أن يختار له امرأة من قبيلة معروفة بالقوة والشجاعة لتلد منه أبطالًا يدخرهم لنصرة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، فوقع الاختيار على أم البنين (سلام الله عليها). الثالثة: الوقت المناسب للزواج والمواقعة: فقد وضعت لنا السنة الشريفة آدابًا خاصة بالزواج، فهناك أزمنة يكره أن يتم عقد القران فيها وفي المقابل هناك أيام يستحسن ويستحب إيقاع العقد فيها، وكذلك بالنسبة للمقاربة بين الزوج والزوجة فهناك آداب خاصة لها. الرابعة: فترة الحمل. إن لهذه الفترة تأثيرًا كبيرًا على سلوك الطفل، فهو يتأثر بكلام الأم والبيئة التي تعيش فيها بل وحتى الأفكار التي تعتريها إن كانت إيجابية او سلبية، إذ إنها تحفز بعض الخلايا لإفراز هرمونات معينة ولتلك الهرمونات التأثير الواضح في نمو الطفل، يقول الباحث دانيال جولمان، في كتاب الذكاء الاجتماعي: (مُحال من الناحية البيولوجية على أي جنين من أن يعمل بمعزل عن بيئته، فالجنين يتأثر بعمقٍ بتفاعلاتنا الاجتماعي). وحتى نوع الغذاء الذي تتناوله الأم له تأثير على جنينها، ومما لا شك فيه أن لكون الأم على وضوء مستمر وقراءة القرآن وسماعها لمجالس ذكر الله تعالى وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) أثرًا كبيرًا على سلوك الطفل، فلقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الطفل في شهره السادس يسمع ويتحرك وفقًا لصوت أمه وما تستمع إليه. الخامسة: فترة الحضانة والرضاع: وهي من الفترات المهمة جدًا في حياة الطفل، وهناك روايات عديدة عن أهمية الرضاع وكراهة استرضاع الحمقاء لأن الولد يشب أي ينبت لحمه ويشتد عوده على هذا الحليب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنظروا من يرضع أولادكم فإن الولد يشب عليه.(2) وفي حديث آخر عنه (عليه السلام): لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن يغلب الطباع، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن يشب عليه(3). وعنه أيضًا (عليه السلام) كان يقول: تخيروا للرضاع كما تخيرون للنكاح، فإن الرضاع يغير الطباع. (4) ويستحسن أن تكون الأم على طهارة أثناء الرضاع وخلال حملها لولدها، فإن هناك آثارًا معنوية في سلوك الطفل. السادسة: التربية وهي من الأمور الجلية التي لها التأثير الكبير في حياة الأولاد، وقد اهتمت السيرة النبوية بهذا الجانب كثيرًا، وهناك العديد من الكتب التي بينت الأساليب الصحيحة في التربية، ونحن لسنا في صدد الخوض فيها حيث إن الكلام طويل والمقام لا يسع لذلك، ولكن ننقل أمرًا مهمًا وهو في مجال بحثنا وهو تربية الأولاد على حب أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) فقد روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن) (5). وقد اختزل النبي الأعظم (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) في هذا الحديث أهمية التربية على حب أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) وأهمية التربية العقائدية. السابعة: المجتمع إن للمجتمع دورًا مهمًا في التأثير على شخصية الولد، فعلى الوالدين أن يكونوا واعين في اختيار البيئة المناسبة لأولادهم والتي تبدأ من المدرسة واختيار الصديق المناسب والعلاقات الاجتماعية الأخرى الخاصة بالوالدين، تلك العلاقات التي قد تكون سببًا في انحراف الولد أو ثباته على الطريق الصحيح. وبعد أن بيّنا بعض النقاط المهمة نقول: إن الأم إذا استطاعت أن تلتزم بهذه النقاط الأساسية ستكون قد هيأت الظروف المناسبة لتنمو تلك النبتة وتثمر، ويجب أن لا تتغافل عن العوامل المساعدة من الدعاء والتوسل بأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) فإن الدعاء للولد من الأمور المهمة التي تغير مسار حياته، لذا نجد أن الإمام السجاد (عليه السلام) وضع في الصحيفة السجادية دعاءً خاصًا بذلك تحت عنوان (الدعاء للأولاد) وهو دعاء رقم (25). إن توفر كل هذه الأمور أنتج أبطالًا لا يهابون الموت في يوم عاشوراء، ولم يتمسكوا بالدنيا بل لبوا نداء إمامهم، وهذا يكشف عن وجود أمهات كانت لديهم عقيدة راسخة استطعْن أن يزرعنها في قلوب صغارهن منذ نعومة أظفارهم، لتكون ذات جذور قوية لا يمكن قلعها، فقدمن أولادهن نصرة للإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، وفي الحقيقة إن هذا السلوك يكشف عن الإيمان القلبي وعن حب هؤلاء الأمهات لأولادهم، فإن الأم وجدانًا تدفع ولدها الى ما هو فيه نفع له حتى وإن كان على حساب راحتها، فإذا كانت الأم ذات عقيدة صحيحة تستطيع أن تميز الحق؛ لذا فإنهنّ علمن بأن الاستشهاد بين يدي إمام زمانهم هو الفوز العظيم لهم، لذا نجد تلك النساء يتسابقن في تقديم أولادهن ليصرعوا بين يدي إمامهم، ومن هؤلاء النساء: زوجة جنادة الأنصاري، تلك المرأة التي قدمت ولدها (عمرو) بعد استشهاد والده في الحملة الأولى، فرده الإمام الحسين (عليه السلام) حفاظًا على مشاعر أمه، ولكنها قصرت حمائله وأرسلته مرةً أخرى ليستشهد بين يدي إمامه عن عقيدة راسخة. أم وهب بن عبد الله الكلبي، وهو شاب كان نصرانيًا واعتنق الإسلام عندما التقى بالإمام الحسين (عليه السلام) أثناء مسيره الى كربلاء وكان حديث عهد بالزواج فطلبت منه أن يقاتل دون ابن فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) فقاتل حتى قتل هو وزوجته. رملة تلك المرأة الجليلة زوجة الإمام الحسن (صلوات الله وسلامه عليه) التي قدمت ولدها القاسم، ذلك الولد الذي كان يرى أن الموت من أجل عمه أحلى من العسل، وذلك لأنه على اعتقاد تام بأن الحياة بعده ستكون حياة الأخسرين، فقاتل قتالًا شديدًا حتى قتل سلام الله عليه. ليلى وهي امرأة عظيمة القدر زوجة الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) تلك المرأة التي ربت ولدها عليًا الأكبر (عليهما السلام) وهو أشبه الناس خَلقًا وخُلقًا برسول الله (صلى الله عليه واله) ليكون الدرع الواقي لأبيه الحسين (عليه السلام) وأول شهداء بني هاشم. فمن تلك النساء تتوجه رسالة الى كل امرأة محبة لأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) لتسير على نهجهنّ لتكون أمًا مهدوية تهيأ أولادها لنصرة إمام زمانهم، فتقوي أواصر الحب بين صغارها وبين إمامهم من خلال المعرفة العامة، فإن الحب يتولد بعد أن يتعرف الولد على شخص إمامه وكيف أن لتلك الشخصية أثرًا في حياتهم رغم غيبته، وكيف يطلع على أعمالهم وأن أي عمل حسن يدخل السرور على قلبه، هذا بالإضافة الى أهمية تبيين الطاعة المطلقة للإمام (سلام الله عليه) والتسليم له وذلك لأنه ممن اختاره الله تعالى ليكون قائدًا معصومًا لا يخطأ في قراراته فلا مجال للتردد في تنفيذ أوامره. وبهذا تستطيع الأم المهدوية أن تمهد لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من خلال تهيئة جيش مهدوي ذي عقيدة راسخة. _______________ (1) وسائل الشيعة، ج20، ص76. (2) الكافي6: 44،10 (3) الكافي6: 43،9 (4) قرب الإسناد: 45 (5) كتاب التربية مفهومها وخطواتها العملية، ج1، ص74.
المناسبات الدينيةبقلم: يا مهدي أدركني السلام عليك أيها العبد الصالح هذه العبارة مذكورة في زيارة أبي الفضل العباس (صلوات الله وسلامه عليه) المروية عن الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه)، وهذا يعني أن الإمام الصادق (عليه السلام) أطلق هذا اللقب على عمه العباس (عليه السلام). فما هي مميزات هذا اللقب؟ ولماذا الإمام الصادق (عليه السلام) وهو الإمام المعصوم اختار هذا اللقب، فما هو وجه المناسبة والترابط بين هذا اللقب وشخصية أبي الفضل (سلام الله عليه)؟ إنّ معنى العبودية في اللغة هو التذلل والخضوع مع التسليم المطلق والانقياد. أما معنى العبودية اصطلاحًا وفي الإسلام فهو الخضوع والتذلل والتسليم المطلق مع الاعتقاد بأن المخضوع له هو الرب الخالق الرازق. وكل من يتحقق منه هذان الجانبان: العملي وهو الخضوع والتسليم، والقلبي وهو الاعتقاد، يطلق عليه بأنه عبد لله تعالى. ولهذه العبودية درجات متفاوتة، فهي مفهوم مشكك كما يقال في لغة المنطق، فنحن البشر شئنا أم أبينا عباد لله تعالى، ولكن فينا العبد الآبق والعياذ بالله، والعبد الصالح المعصوم، وما بينهما درجات، فكلما تقرب العبد من خالقه وانقاد الى أوامره مطيعًا له مع التسليم القلبي المطلق كلما ارتفع في درجات هذه العبودية، حتى يصل الى أعلى درجاتها؛ لتمتزج هذه الصفة بصفة الصلاح فيطلق على العبد حينئذٍ بالعبد الصالح. وقد أشار الله تعالى في كتابه الكريم إلى هؤلاء العباد بنسبتهم الى نفسه وبصفة الرحمة فقال {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (الفرقان 63). وإذا تأملنا آيات القرآن الكريم لوجدنا بأنه تعالى قد وصف أنبياءه بهذه الصفة مع اقترانها بصفة أخرى وهي (المُخلَص) [بالفتح] فقال (انه من عبادنا المخلَصين) والتي تعني الذي استخلصه الله لنفسه بعد أن وجده هو أهلًا لهذا. وهذا يعني علينا أن نقدم النية والعزيمة على الإخلاص في العبودية له تعالى، فما إن نتقرب منه (جل وعلا) بخطوة صغيرة حتى نجده برحمته التي سبقت ووسعت كل شيء يمد لنا كل سبل التوفيق للقدرة على اختيار الصراط المستقيم والسير عليه. ولهذا نجد في عبارة التشهد التي نذكرها يوميًا في الصلاة، أمرنا الله تعالى بتقديم الشهادة للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بالعبودية على الرسالة بقولنا (وأشهد أنك عبده ورسوله)، أي إن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) تحققت منه أعلى درجات العبودية فاصطفاه الله تعالى حبيبًا ونبيًا وخاتمًا للرسل. هذا هو معنى العبودية. وأما ما هي مميزات العبد الصالح؟ فلننتقل الى حامل اللواء في يوم عاشوراء والذي اختصه الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) بلقب (العبد الصالح) مسلمًا عليه في الزيارة المخصوصة به (عليه السلام)، لنجد كيف خطت أبيات ارتجلها أبو الفضل (سلام الله عليه) على صفحة الماء التي لم يستطع أحد قبله ولا بعده أن يخط حرفًا واحدًا عليه، تلك الأبيات التي امتزجت في قلوب المحبين وترددت على مر السنين: يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت أو تكوني هذا الحسين وارد المنون **** وتشربين بارد المعين هيهات ما هذا فعال ديني *** ولا فعال صادق اليقين فهنا تجسدت القوة الحقيقية قوة الإيمان و الإرادة، لا بحمل السيف ومجابهة الأعداء بل هي ما رمته تلك الكفوف من الماء مع شدة عطشه بل وتفتّت قلبه، وهذا أمر لا شك فيه فبعد أن قطع صفوف الجيش ووصل الى الماء في ظهيرة يوم العاشر، فإن حالة العطش هي أمر طبيعي جدًا، هذا فضلًا عن كونه لم يشرب الماء منذ يومين، فإن مسألة العطش هي أمر متحقق لا ريب فيه، ولكن لماذا رمى أبو الفضل (سلام الله عليه) الماء ولم يشربه؟ إن عاشوراء مدرسة عقائدية وأخلاقية تجسدت في أبطالها الذين استشهدوا على أرضها، إذ إنهم كانوا على يقين بأنهم ملاقوا الموت لا محالة، فإن الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) أخبرهم بذلك، فكانوا يطلبون الفوز بالآخرة لا الحياة، وأن شربة الماء هذه لن يكون لها ذلك الأثر العظيم في تغيير مجريات ذلك اليوم لو وقعت، بل على العكس من ذلك فإن عدم شربه للماء أوصل رسالة أخلاقية ومنهجية عبر القرون لتصل ألينا هي رسالة إيثار وولاء. إن العباس (عليه أفضل الصلاة والسلام) لم يكن يتعامل مع هذه القضية بمنظار الأخوة فحسب، وإنما بمنظار الإمامة... إن ابو الفضل (سلام الله عليه) استطاع ان يبلغ تلك المرتبة العالية من العبودية المتصفة بالصلاح لما حققه في أرض الواقع من جهاد للنفس، تلك النفس التي أبت أن تلتذ بشربة الماء وإمام زمانها يتفتت فؤاده من العطش، بل أبى أن يضع رأسه في حجر أخيه الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) مواساةً له وكان يتمنى لو أنه يستطيع أن يحظى بحياة أخرى كي يفدي إمامه ويحمي عياله، محققًا بفعاله الطاعة المطلقة لله تعالى ولرسوله الكريم (صلى الله عليه وآله). فالسلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين.
المناسبات الدينيةبقلم: يا مهدي أدركني قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (1) إن الإسلام جاء ليزيل الطبقية ويجعل المدار في التمايز هو التقوى، ووفق هذا المقياس جاءت نهضة الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) لتكمل الطريق الذي انتهجه جده المصطفى (صلى الله عليه واله) انطلاقًا من قوله (صلى الله عليه وآله): "حسين مني وأنا من حسين" وكما قال البعض "الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء" لتتجسد في يوم الطف صور تطبيقية، فنجد رمضاء كربلاء سُقيت بدماء شهدائها فامتزجت دماء العربي بالأعجمي، السيد بالعبد... فما هو السر وراء هؤلاء الثلة من الأصحاب الذين قال عنهم سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) "فإني لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي" لو تأملنا قليلًا في كلام الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) لوجدنا جنبتين: الأولى: في قوله صلوات الله عليه (لا أعلم). نقول: هل إن علم الإمام الحسين (عليه السلام) محدود بزمان ومكان وهل ممكن ان يقع فيه الخطأ أم لا؟! وللإجابة على هذا السؤال نعود إلى الحديث الذي ذكرناه آنفًا المذكور عن الرسول (صلى الله عليه واله) "حسين مني وانا من حسين" لنجد أن هذه ال (من) المذكورة في الحديث الشريف هي للتبعيض والنسب وهذا يعني أن الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) هو جزء لا يتجزأ منه (صلى الله عليه وآله)، وهذا الجزء يشمل الجانب البيولوجي فهو امتداد له، والجانب العقائدي، وبهذا يكون كل ما يخص النبي (صلى الله عليه وآله) من خواص العلم اللدنّي والعصمة والولاية التكوينية، تكون أيضًا من خصوصيات الإمام الحسين (عليه السلام)، فإذا كان للإمام العلم اللدنّي وهو معصوم فهذا يعني أنه لا مجال للخطأ في علمه (صلوات الله وسلامه عليه)، وحيث ثبتت له الولاية التكوينية فهذا يعني أن علمه يتصف بالشمولية فهو لا يختص بزمان معين. فما هي مواصفات هؤلاء الأصحاب الذين خصهم الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) بهذا الوصف! وهكذا ننتقل الى الجنبة الثانية من هذا الحديث الشريف. الجنبة الثانية: صفات أصحاب الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) في الحديث قد أشار الإمام (عليه السلام) الى صفتين وأعطاهما أعلى مراتب التكامل الإنساني، فنفى أن يكون هناك من يتصف بهاتين الصفتين بدرجة كمالية أعلى مما هي موجودة لدى أصحابه (عليهم السلام). فالصفة الأولى تتمثل بأنهم خير الأصحاب وهذه الكلمة تشتمل على معاني عديدة منها الكرم والسخاء والجود والشرف والأصل، وعندما تطلق على فئة من الناس يقال (خيار الناس) أي من أفاضلهم. فالإمام الحسين (عيله السلام) استخدم بلاغة اللغة العربية باختيار هذه الكلمة المشتملة على معاني عديدة. أما الصفة الثانية فهي صفة الوفاء، والوفاء في اللغة هو المحافظة على الوعد والالتزام به. فقد وفى أصحاب الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) له بالطاعة والتسليم وبذلوا الأنفس ولم يرتضوا العيش بعده ولو للحظة، وتسابقوا في تقديم الأرواح وأرخصوا دماءهم لإمامهم، وهم في حالة اضطراب ما بين شوقهم للشهادة وبين حزنهم لتركهم الإمام الحسين (عليه السلام) من بعدهم وحيدًا غريبًا. فمن أين أتت هذه الصفات الكمالية المتمثلة بالشجاعة والقوة والوفاء والإيثار؟ إن أساس هذه الصفات تنبع من قلوب تنعم بالحياة يملأها الإيمان وتترسخ فيها العقيدة الصالحة لتكون منبعًا للقوة، فلا يهابون شيئاً، فهمُّهم الوحيد هو نصرة الحق، فذلك الإيمان القلبي هو مصدر القوة الذي يوجههم نحو العبودية الحقيقية المطلقة لله تعالى، فامتثلوا أوامره وذابوا عشقًا في مناجاته، لذا تجدهم في ليلة العاشر من محرم كما تصفهم الروايات (لهم دوي كدوي النحل ما بين قائم يصلي وجالس يقرأ القرآن) متأهبين لساعة الصفر للدفاع عن إمام زمانهم. إذًا الذي كان يوحدهم هو حب الحسين (عليه السلام) النابع من التقوى، فإن الحب وحده لا يستطيع أن يقف أمام الفتن، فلا بد له من تقوى تقوّمه، ووفق هذه المعايير نجد أن الإمام الحسين (عليه السلام) جعل أصحابه كلهم بكفة واحدة، ولم يميز بينهم من حيث اللون أو العرق وإنما كانوا متساوين، فنجده (صلوات الله وسلامه عليه) يضع تارة خده على خد ولده علي الأكبر (صلوات الله وسلامه عليه) وتارة على خد أسلم التركي وهو مولى مملوك للإمام الحسين (عليه السلام). إن كل موقف من مواقف عاشوراء هي رسالة موجهة إلينا فيها من الدروس والعبر، فلتكن القاعدة في اسلوب التعامل مع البشر هي وفق (إن أكرمكم عن اهل أتقاكم) فيجب أن لا يكون المعيار هو المناصب والحالة المادية والأعراق وما الى ذلك من تمايز طبقي، فعن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: (أن الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة:..... وأخفى وليّه في عباده، فلا تستصغرنّ عبداً من عبيد الله، فربّما يكون وليّه وأنت لا تعلم)(2). _____________________ (1) سورة الحجرات: آية (13). (2) قال أمير المؤمنين (ع) : إنّ الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته، فلا تستصغرنّ شيئاً من طاعته، فربّما وافق رضاه وأنت لا تعلم، وأخفى سخطه في معصيته، فلا تستصغرنّ شيئاً من معصيته، فربما وافق سخطه وأنت لا تعلم، وأخفى إجابته في دعوته، فلا تستصغرنّ شيئاً من دعائه، فربّما وافق إجابته وأنت لا تعلم، وأخفى وليّه في عباده، فلا تستصغرنّ عبداً من عبيد الله، فربّما يكون وليّه وأنت لا تعلم. معاني الاخبار، ص113.
المناسبات الدينيةبقلم: يا مهدي أدركني هيهات منا الذلة. هو أحد الشعارات التي أطلقها الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) يوم الطف والذي نسمع صداه إلى اليوم، فإنه وكما روي عنه (عليه السلام): موت في عز خير من حياة في ذل.(1) لقد أراد الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) أن ينهض بأمة جده (صلى الله عليه وآله) ولكن بقيم أخلاقية عالية وبكرامة ورفض للظلم والجور، وهذه من خصال الأحرار، فإن الإسلام لا يرضى بالذل للمؤمن، فقد خلق الله تعالى الإنسان وكرمه على بقية المخلوقات بالعقل، وليس من حق المؤمن أن يهين نفسه ويذلها. فما المراد من الذلة؟ وما هو معناها؟ وهل لها مصداق واحد أم مصاديق عدة؟ إن معنى الذلة في اللغة هو الخضوع والإهانة وتصغير الشيء والإقلال من شأنه. وهذا المعنى له تطبيقات عديدة في حياتنا، وفي رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء المعنى واضح جدًا وهو عدم القبول والخضوع والرضوخ لبني أمية والتنازل عن الدين بالتسليم لهم مما يؤدي الى ضياع الأمة وانكسارها. وهذا يعني أن كل فرد فيما إذا تعرض إلى موقف كان عليه أن يتنازل عن عقيدته ودينه أو يخسر أمرًا آخرًا مهما كان لذلك الأمر من أهمية، فعليه أن لا يقدم شيئًا على العقيدة والدين، ولا يكون الدين والعقيدة من ابخس الأمور التي تباع وتقدم تحت عناوين متعددة كالمصالحة أو المقاربة بين الأديان والمذاهب والتعايش معهم، نعم إن ديننا يأمرنا بالتعايش مع مختلف الطوائف والأديان وأن لا نعادي أحدًا منهم، ولكن بشرط عدم التنازل عن المبادئ الأساسية لديننا وتذويبها تحت هذه العناوين الزائفة، حيث أن تمييع هذه المبادئ والمعتقدات من موجبات تضعيف الدين، ولا يكون لها مؤدّى إلا الذلة لأفرادها. هذا هو الجانب الأول. أما الجانب الثاني فهو المدخل لضرب دعائم الدين ومعتقداته من خلال وسائل عديدة تستغل كل المنافذ لضرب كافة الأجيال والعناصر من نساء ورجال، وشباب وشيوخ، وذلك من خلال ترويج الأفكار الفاسدة التي تكون مرفوضة في بادئ الأمر من المجتمع ولكنها تدخل من خلال المنحلّين دينيًا وأخلاقيًا، ومن ثم تقبُّلها من قبل المتهاونين في دينهم وعقيدتهم؛ حتى تنتشر هذه الأوبئة ليصاب بها الجميع وتكون أمرًا طبيعيًا تعود على رؤية المجتمع كتبرج النساء وارتداء الملابس الضيقة وتغيير مظاهر الشباب من حيث الملبس وتسريحات الشعر التي تم استيراد أفكارها من بلاد الغرب، حتى يكون كل هم الشاب والشابة -اللذين هما الثروة الحقيقية للمجتمع- هو الجري وراء الموضة والألعاب الإليكترونية والذهاب الى المقاهي المخصصة بما يعرف بالتدخين الإلكتروني، فيتراجع بذلك النمو الفكري والتطور العلمي مما يسبب الابتعاد التام عن مدرسة أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) فتتحول الأمة من أمة قوية عزيزة الى أمة خاضعة ضعيفة –كما هو حاصل مأسوفًا عليه- فإلى كل من يهتف ويردد في هذا الشهر وهذه الأيام الحزينة بهتاف الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) –هيهات منا الذلة- عليه أن ينظر الى أعماق نفسه والى ملبسه ومظهره، وهل أنه حر أم ذليل؟! _____________________ (1) وسائل الشيعة، ج21، ص557.
المناسبات الدينيةبقلم: يا مهدي أدركني خلع الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) إحرامه وقطع مراسيم الحج... مودعًا بيت الله الآمن... تاركًا لذة التعبد والمناجاة... راكبًا قافلة الإباء... متجهًا صوب أرض كربلاء... حفاظًا على دين جده (صلى الله عليه وآله) من العبث والتغيير. يبرز الإيمان الحقيقي بعد أن يختلج النفس صراعٌ بين إشباع رغبتها في لذة العبادة، وبين الصورة الحقيقية للتعبد، فالعبادة الحقيقية هي الطاعة المطلقة والخضوع مع الاعتقاد بربوبية المطاع، فإن كانت كذلك فستتحقق الخطوة الأولى من التعبد، ويليها التسليم المطلق، فإذا امتزج التعبد بالتسليم سيكون العبد جاهزًا لطاعة الله تعالى من حيث يحب هو تعالى ، لا من حيث العبد يحب، وعندها سترتفع الحجب عن قلبه ليميز أي الأعمال أحب الى الله تعالى. وستبدأ أيضًا خطط الشيطان اللعين، فيحوك حبائله ليتصيد بها المؤمنين حتى يقعوا في فخاخه، فيزين لهم الأعمال المستحبة من صلاة وتلاوة قرآن ومناجاة ودعاء في أوقات تزاحم فيها الواجب والمستحب أو الأهم. يجب أن يكون المؤمن حذرًا فطنًا، يؤدي أحب الأعمال الى الله تعالى، فضلًا عن تقديم الواجب على المستحب. فمثلًا، إن قضاء حاجة المؤمن أحب الى الله تعالى من صلاة مستحبة أو تلاوة القرآن، عن الإمام الصادق (عليه السلام: (الخلق عيال الله، وأحب الخلق إلى الله من نفع عياله، وأدخل السرور على أهل بيته. ومشيٌ مع أخ مسلم في حاجته، أحب إلى الله من اعتكاف شهرين في المسجد الحرام" (١) وربما يكون إعداد المرأة الطعام لصغارها وزوجها أفضل من مناجاتك. تعليم أطفالك قصص عاشوراء من تضحيات وإيثار هي من دون أدنى شك أفضل من تركك أطفالك أمام التلفاز أو الأجهزة اللوحية من دون مراقبة. وقضاء حوائج الوالدين هي أفضل من أداء زيارة مستحبة إذا كان نتيجة تركهم مشقة إليهم. وقيام الليل من امرأة تاركة الحقوق الزوجية هو تقديم المستحب على الواجب. هذا فضلًا عن هدر الوقت الثمين في محادثات وتصفح لا تغني ولا تسمن من جوع على مواقع التواصل الاجتماعي، تاركين وراءهم حقوقًا وواجبات مع العباد بل ومع رب العباد. فلنتعظ من موقف سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) ونجعله منهجًا نسير على خطاه؛ كي لا نتعثر ولا نقع، وإن وقعنا نستند عليه ونقف مرة اخرى، لنقتبس من نوره نورًا نضيء به الدرب لمن يلينا... فنجعل مصلحة الدين والحفاظ عليه من اهم أولوياتنا، وذلك من خلال قضاء على الأقل نصف ساعة يوميًا في الاستقاء من نمير أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) من خلال الاستماع الى محاضرات تثقيفية أو قراءة كتاب أو مقال لرد الشبهات التي تطرح بهدف تشويه الدين. فكل من دخل تحت راية الإسلام عليه مسؤولية الحفاظ على هذه النعمة. ___________________ (1) دعائم الإسلام للقاضي المغربي ج2 ص 320
المناسبات الدينيةيستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىخلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرى(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىرحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىبقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىعالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى