تشغيل الوضع الليلي

منابرنا التوعويّة .. وتجربة القنوات الحكوميّة

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 1309

بقلم: حسين جبر السعيداوي
مثلما نتلمس الفرق بين القنوات التلفزيونيّة الحكوميّة وبين القنوات الخاصة التي يمتلكها أشخاص مستقلّون فإنّنا نتلمسه أكثر بين بعض المنابر الدينيّة الإعلاميّة وغيرها، إذ تتشابه بعض المنابر – أعني تلك القنوات ذات المنشورات الدينيّة سواء أكانت قناة تلفزيونيّة، أو يوتيوب، أو مؤسسة بحث وتحقيق، أو منبرًا تقليديًا- مع بعض القنوات التلفزيونية في أمور، منها:
الأول: أنّها تعتمد على شروط وقيود كثيرة، وخطوط حمراء يحرم التعدي عليها ولذلك فإن منشوراتها ونتاجها عادةً ما يكون مكرّرًا ومملًّا إذ كلما زادت القيود قلّت إمكانيّة الإبداع وطرح الجديد، وبالتالي فإن نسبة الالتفات، والاهتمام من الجمهور ستكون أقل من المأمول، وهذا يفسر كثرة الكتب والبحوث الدينيّة التي لا تجد من يحركها في رفوف معارض الكتب، وحصول البرامج الدينيّة على نسبة مشاهدات أقل من برامج الطبخ!
الثاني: أنّها قنوات ومؤسّسات ذات قيادة غير شبابيّة وبالتالي فإنّ الخطة التي تدار فيها تلك القنوات، أو هذه المؤسسات البحثيّة غير متلائمة مع الواقع السيكولوجي المعاصر بمشاكله، وإشكالاته، وتحديّاته وحاجاته الجديدة، نعم الملاحظ أن الكادر العامل في هذه المؤسسات من الشباب ولكنهم خارجين عن دائرة تحديد أهليّة المحتوى، واستقراء الخطاب المناسب، فليس لهم غير إخراج المحتوى الممل والمكرّر بهيأة جميلة، وتصميم راقي وهذا لا يعالج المشكلة ولا يجذب الجمهور.
الثالث: الاحتراز من نقد الذات والمبالغة في الدفاع عنها، إذ من البعيد أن تجد القنوات الدينيّة –أعني التي تتشابه مع القنوات الحكوميَة- تفتح برنامجًا لنقد الذات، أو أن لا تبالغ في الدفاع عنها وتلميعها، ولذلك فإنّ الجمهور لا يجد غير صورة ملائكيّة تتصادم مع الواقع الخارجي المليء بالتعارض الصارخ.
الرابع: تحجيم الجمهور وإبعاده عن الحركة والتفاعل مع المحيط، وهذا هو المحل الذي يشتد التشابه بينهما فيه، إذ مثلما تحاول القنوات الحكوميّة أن تضع الجمهور في صندوق صغير من الآمال المحدودة المنتخبة وتغلق عليه، بحيث ينشغل عن السياسة والتعلّم وتطوير البلد والمشاركة في صنع القرار في السعي الحثيث اليومي لطلب الرزق، والتفكير في سعر الخضروات المتقلّب، والستر والعافيّة، أقول: مثلما تسعى القنوات الحكوميّة لذلك فإنّ القنوات التي تتشابه معها من القنوات الدينيّة أو المؤسسات البحثيّة تحاول أن تجعل الجمهور المتديّن حِلسَ البيوت والمساجد، غايته العلم بحُلَيله من حُرَيمه، و"أبوك الله يرحمه"، فلا تغيير ولا تطور ولا أقلّها التعرّف على الطرق والمباني والمشوار الاستدلالي الذي صنع لنا هذه المنظومة الكبيرة من المسائل النظريّة الاجتهاديّة التي تبث وتنشر ليلًا ونهارًا، فلا يستميل هذا النهج التحجيمي غير جمهور الوجبات الجاهزة، وهذا يبرّر قلة المشاهدات والمتابعة؛ لأن الجمهور المعاصر جمهور مثقف يختار ولا يختار له، ويسأل قبل أن يستهلك وقته الثمين.
إذن، فمثلما صارت القنوات الحكوميّة مهجورة بسبب القيود الشديدة، والأخطاء الإداريّة، والمنشورات السلبيّة فإنّ القنوات الدينيّة –ولا زلت أعيد أنّي لا أقصد القنوات فقط- أوشكت أن تعيد نفس التجربة ما لم ينتبه القائمون عليها لقلة الجمهور والمتابعة، ويعيدوا ترتيب الخطّة، ويتيحوا المجال للشباب المثقّف، ويرفعوا القيود التعجيزيّة والمبالغ فيها، ويفتحوا المجال للتجديد والإبداع، والنقد حتى يتمكنوا من إرجاع الشباب المتجمهر على القنوات المستقلّة.

اخترنا لكم

أقرئي أو لا تقرئي (2)

بقلم: علوية الحسيني تزيَّـني إنّ المتأملة في قول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ امَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} (1)، تجد أنّ الزينة بالأصل محلّلة، لا يحق لأحدٍ تحريمها. بل وإذا قرَنَتْ مع الآية الحديث المروي الإمام الصادق (عليه السلام): "البس وتجمل، فإن الله جميل يحب الجمال، وليكن من حلال" (2)، فإنّها تعطي معنىً مؤكدًا لما جاءت به الآية الكريمة، لحثّها على التجمّل، وحيث إنّ الزينة أحد مصاديق الجمال، فيشملها الكلام. نعم اختاه، إنّ الزينة أمرٌ جميل، بل ومطلوب منكِ كأنثى، وهو أمرٌ من الأمور التي يفترق بها ظاهر شكل الرجل عن المرأة، فتتزيّن الأنثى بالحلية؛ قال تعالى: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين} (3)، فالنشأة في الحلية للأنثى يكون منذ ولادتها، وترافقها زينتها طيلة حياتها، بل وحتى في الجنان، فهذا هو دين الله، دين الجمال، دينٌ جعل للزينة تأصيلًا قرآنيًا، فما أجمله من دين! وللزينة أقسام حسب اللحاظات، إلاّ أنّها بدوًا متداخلة؛ ولهذا سوف نتطرق إلى ثلاثة أقسام أساسية، ويتفرع عن كل قسمٍ فرعين. ■أولًا: زينة مادية، كالمجوهرات، والخواتم، والقلائد، والعطور، والأصباغ، والمساحيق، والكحل، وغيرها من الحلي، والثوب المزيَّن، والدهان. * وقد روي في التزيّن بالعطر أو الطيب: " عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ما أنفقت في الطيب فليس بسرف" (4)، فرغم كون الإسراف مذمومًا إلاّ أنّ حكمه في شراء الطيب ليس إسرافًا، بل وقد أعطى الدّين الإسلامي للطيب أهمية وثقلًا في ميزان الحسنات يا اختاه، بدليل ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضًا: "ركعتان يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليهما غير متعطر" (5). كما وروي "أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) كان يُرى يتبخر بالعود الهندي النيء ويستعمل بعده ماءً وردًا ومسكا" (6). وهناك روايات جعلت من المرأة المتعطرة خير امرأة، وقال (عليه السلام): "خير نسائكم... الطيبة الريح" (7). ورواياتٌ اخرى حثّت على أن تلبس النساء القلائد حتى مع الصلاة، بالإضافة إلى التعطر. *وبالنسبة للتزيّن بالدهان روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "الثوب النقي يكبت العدو والدهن يذهب بالبؤس والمشط للرأس يذهب بالوباء" (8)، فبالإضافة لفوائده فإنه يضفي زينةً وجمالًا. *وروي في جانب الاهتمام بالشعر الذي هو أحد مصاديق الزينة للمرأة، حيث روي عـن الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا أراد أحدكم أن يتزوج فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها، فان الشعر أحد الجمالين" (9)، بل وفي روايةٍ اخرى حثٌ على الاهتمام بتصفيف الشعر "عن رسول الله صلى الله عليه وآله: من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزه" (10)، فحسن التصفيف هو تزيين. *وروي في التزيّن بالكحل "عن الباقر (عليه السلام) قال: "الاكتحال بالأثمد ينبت الأشفار ويحد البصر ويعين على طول السهر" (11). *وفي جانب التزيّن بالحناء، روي الصادق (عليه السلام): "الحناء يذهب بالسهك [الريح الكريهة] ويزيد في ماء الوجه ويطيب النكهة ويحسن الولد" (12). *وفي جانب التزيّن بالتختم، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "تختموا بخواتيم العقيق، فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه" (13). والزينة المادية تلك على قسمين: (أ) محـللة: أي إنه يحلّ شرعًا الظهور بها، مع توفر شروطها، وقد أشار إليها القرآن الكريم محددًا موارد الظهور بها، بقول الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاء} (14). وممكن تعداد تلك الفئات التي استثنتهم الآية الكريمة، وأجازت للمرأة الظهور بزينتها أمامهم ضمن النقاط التالية: 1/ بين النساء من بني جنس المرأة. 2/ البعل وهو الزوج. 3/ المحارم من جهة النسب والسبب -إن لم تسبب لهم افتتانًا-، كأب الزوج، الأبناء، أبناء الزوج، الإخوان، أبناء الاخوان، أبناء الأخوات. وقد أشار إليها الدّين الإسلامي بين طيّات آياتٍ كريمة، ورواياتٍ شريفة، في موارد مختلفة، بل وحسب كلّ زينةٍ في بعض الأحيان. 4/ ملك اليمين، هم العبيد، وهذا مورد غير موجود اليوم، فيترك تفسيره. 5/ التابعين من الرجال، وهذا مورد يقبّح زينة الحياء إن ذكرناه، فيترك تفسيره، كما أنّه ليس موردًا موجودًا في زمننا أيضًا. 6/ الطفل الذي لم يبلغ. •وهنا مــلاحظة مهمة، وهي: أنّ الظهور بالزينة أمام المحارم يجب أن لا يكون بقصد افتتان من تظهر بها أمامهم، وتضمن المرأة عدم وقوعها في الحرام، فالآية الكريمة وإن كانت مطلقة لم تورد القيدين، إلاّ أنّه لا يمكن تفسير القرآن الكريم دون الرجوع إلى السنّة النبوية -حديث محمد وآل محمد (عليهم السلام)-، فبرجوع الفقيه إلى الروايات الكريمة المفسرة لتلك الآية الكريمة يعلم أنّ هناك زينة مستثناة، يجوز للمرأة اظهارها. روي "عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عزّ وجلّ: (إلاّ ما ظهر منها) قال: الزينة الظاهرة الكحل والخاتم" (15)، فالرواية ظاهرًا هنا أجازت التزيّن الظاهر بالكحل والخاتم. وروي عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: "سألته عن قول الله عزّ وجلّ: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)؟ قال: الخاتم والمسكة وهي القلب [السوار/ لسان العرب 1 : 688]" (16)، وهذه الرواية أجازت التزيّن الظاهر بالخاتم والسوار. واستفاد الفقيه من رواياتٍ أخرى فيها ذلك قيد (عدم قصد المرأة افتتان الرجال، وأن تأمن على نفسها من الوقوع في الحرام)، فقيّدت الروايات الآية؛ استنادًا لقاعدة أصولية مفادها (أنّ الخاص يقيّد العام)، فاتضح لكِ اختاه الحكم الشرعي مقرونًا بالقيدين. (ب) محرّمـة أي إنه يحرم شرعًا الظهور بها، ولهذه الزينة تأصيل في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِن} (17)، فتشمل بالإضافة إلى الحجال، جميع ما ذكر في الزينة المادية. فيحرم اظهار تلك الزينة لفئات، هم: 1/ المحارم إنّ سبب لهم افتتانًا، ولم تأمن من الوقوع في الحرام لو ظهرت بها أمامهم. 2/ الرجال الأجانب مطلقًا؛ سواء أ تحقق الشرطان أم لم يتحققا. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "أيما امرأة تطيبت، ثم خرجت من بيتها فهي تلعن حتى ترجع إلى بيتها متى ما رجعت" (18)، واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى وجنته. ■ثانيًا: زينة معنوية، كالأخلاق الفاضلة، والدّين، والنسب، والشرف، والحياء، والعفة، والملكات الحسنة، فالأخلاق لا وجود واقعيًا لها حتى نحكم عليه بالجواز أو الحرمة، إنّما هي أمرٌ اعتباري، إنّما الحكم يتوجه على آثارها، وهي قول أو فعل الإنسان. وهي على فرعين: (أ) مـحللة إذا أظهرتِ محاسن أخلاقكِ للجميع، محارمًا كانوا أو أجانب. *وقد روي في جانب عدّ الدّين زينةً وجمالًا للمرأة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله إليه، فعليكم بذات الدين" (19). *وروي في جانب عدّ النسب زينةً وجمالًا للمرأة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خير نسائكم نساء قريش..."(20)، فالرواية جعلت القرشية -ذات التقوى؛ لأنّ ميزان الأعمال عند الله تعالى هو التقوى، لا النسب وحده، وعلى هذا الفرض الرواية بُنيت- أفضل من غيرها من النساء، والأفضلية نوع من الزينة المحللة، وهي ظاهرة. *بل وهناك روايات عدّت اتصاف المرأة بشرار خصال الرجال زينةً وجمالاً لها، كالزهو -الكِبر-، والجُبن، والبُخل؛ "روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): خِيَارُ خِصَالِ النِّسَاءِ شِرَارُ خِصَالِ الرِّجَالِ: الزَّهْوُ وَالْجُبْنُ وَالْبُخْلُ، فَإذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِذَا كَانَتْ بِخِيلَةً حَفِظَتْ مَا لَهَا وَمَالَ بَعْلِهَا، وَإِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شِيْءٍ يَعْرِضُ لَهَا" (21). *ومن الرواية هذه ممكن أن نعدّ حفاظ المرأة على شرفها زينةً وجمالاً لها. (ب) محرّمــة إنّ الشارع حدد اطار تعامل المرأة مع الرجال الأجانب، وبعض الأخلاق -وإن كانت حسنة- إلاّ أنّها يحرم اظهارها للرجال الأجانب، أو التعامل بها معهم. * كالمصافحة مثلًا، فهي خلقٌ حسن، وزينةٌ تتصف بها المرأة فيما لو طبقته بين النساء، إلاّ أنّ تلك الزينة الفعلية يحرم انعكاس آثارها مع الرجال الأجانب؛ روي عن جعفر بن محمد، عن آبائه ( عليهم السلام ) ـ في حديث المناهي ـ قال: "ومن صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بسخط من الله (عزّ وجلّ)، ومن التزم امرأة حراما قرن في سلسلة من نار مع شيطان فيقذفان في النار" (23)، فالحديث وإن كان ظاهره محذّر للرجال فقط، لكن بالملازمة أنّ المرأة التي تصافح رجلًا يحرم عليها فتبوء بسخط من الله تعالى. ■ثالثًا: زينة فعلية (أ) محللة، وتشمل كلّ فعل يزيد المرأة جمالًا وكمالًا إذا راعت حدود الآداب والضوابط الشرعية، فهو كلّ فعل مباح، كطلب العلم، وامتهان مهنة محللة شرعًا، والأعمال الخيرية، وما شابه ذلك. وما يتزيّن به الإنسان عمومًا هو أعماله الحسنة، وحيث إنّ الله تعالى لم يفرّق بين الذكر والأنثى بتزينهما بتلك الأعمال، فهي ثابتة لكليهما؛ قال تعالى: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} (24). (ب) محرّمة، وتشمل كلّ فعل يحرم فعله أمام الأجانب، مثل: 1/ مصافحة الرجال، وقد أشير لها في القسم المتقدم. 2/ الأفعال المنافية للأخلاق، وهذا أمرٌ وجداني تدركه كلّ امرأة بحيائها الفطري. ■رابعًا: زينة قولية (أ) محللة، وتشمل كلّ قول يجوز التلفظ به أمام المحارم، وهو انعكاس لتحلي المرأة بالأخلاق -الزينة الفعلية-، وقد أشار إليها القرآن الكريم بقول الله تعالى: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفا} (25)، فالمعروف هو زينة للمرأة تكتسي بها؛ إذ إنّها لم تكن متصفة بها يومًا ما. ومن مصاديق هذه للزينة: 1/ الكلام النافع والحكيم. 2/ كلام النصح. 3/ كلام الاستشارة. (ب) محرّمة، وتشمل كلّ قول يحرم التلفظ به أمام المحارم، وقد أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَض} (26)، والخضوع بالقول هو ترقيق الصوت ومدّه، وتمييعه، والقصد من ورائه واضح. ومن مصاديق هذه الزينة: 1/ التميّع في القول. 2/ الكلام الفاحش. فهذا القول وإن عدّ محرّمًا إلاّ أنّه يعدّ زينةً من جهةٍ اخرى، وهي جهة منحصرة بتعامل المرأة مع زوجها، فالحكم الشرعي جاء هكذا مستنبطًا من رواياتٍ شريفة: "يحرم الفحش من القول، وهو ما يُستقبح التصريح به إمّا مع كلّ أحد أو مع غير الزوجة، فيحرم الأوّل مطلقًا ويجوز الثاني مع الزوجة دون غيرها" (27). ●وقبل الختام، هناك التفاتة، أختاه تأمليها: جميعنا يعلم أنّ الله تعالى عادلٌ يثيب المطيع ويعاقب العاصي. فحينما أمر الله الرجال بغض نظرهم عن النظر الى المرأة المتزينة بل الى المرأة بصورة عامة مع اقتران نظرته بالريبة؛ بقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (28)، فإن عصى الرجل ربه ونظر فحتما هو يستحق من الله العقاب. وتخيلي اختاه لو سلطت ملائكة العذاب عذاب الله تعالى على ذلك الرجل، ووضعت الأغلال في رقبته ويديه واقدامه، وذهبت به إلى نارٍ تلظى؛ كما قال تعالى: { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرا} (29)، ألا تتوقعين أن يخبر هذا الرجل ربه أنّكِ أنت التي فتنتيه، فيقول: ربي هذه فتنتني بزينتها، فتأتيكِ ملائكة العذاب، تلك الملائكة الغلاظ الشداد ويقيدونكِ بالسلاسل، ويلقون بكِ في نارٍ لا يصلاها إلّا الاشقى، وتستعران معًا، من فتَنتْ، ومن افتتن، يقول تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق} (30)، ما أهول هذه الآية! فالعذاب عذابان فيها، عذاب جهنم، وعذاب الحريق، لمن فتَن غيره ولم يتب، والحكم يشمل المرأة، لأنّها اكثر فتنةً؛ بلحاظ تعدد زينتها إن أُبديت. ترى، ماذا سيكون موقفكِ اختاه؟ أفلا يجب علينا أن نكون كالدرر المكنونة التي لا يطلع عليها إلاّ أصحابها؟ أم نكون كالسلعة التي يقلبها نظرًا القاصي والداني، والوضيع والشريف؟ اختاه، ليست منّا من لم تعش أيامًا غُمست في وحل الغفلة، فأبدت بض زينتها عن عمدٍ أو دون عمد، لكن خير الخطّائين التوابين، وبحر التوبة لازال جاريًا، فبحركة المد والجزر له يجرف معه جميع تلك الخطايا أو لحظات الغفلة، فقط لأنّ هناك ربًّا رحيمًاغفورًا، يريد منّا أن نعيش حياة طيبة مصونة، ذلك الربّ الذي كرّم المرأة وقدّسها لا يرتضي لها أن تكون محل فتنة، أو شبه سلعة، فطلب منّا أن نجعل ضريبةً على كل من أراد النظر إلينا متزينات. ثم إنّه تعالى أراد منّا أن نتزيّن بأجمل زينة، تلك الزينة المعنوية التي لو اكتسينا بها لتجملنا بباقي أنواع الزينة، وهي زينة المعرفة بالله تعالى، هي الكمال الذي يتنافس عليه المؤمنون، فحريٌ بنا كنساء أن نتنافس على الاكتساء بهذه الزينة اقتداءً بزين النساء، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ثم بأولادها (عليهم السلام)؛ روي عنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنه قَالَ : "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي فَضْلِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ (عَزَّ وَ جَلَّ) مَا مَدُّوا أَعْيُنَهُمْ إِلَى مَا مَتَّعَ اللَّهُ بِهِ الْأَعْدَاءَ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ نَعِيمِهَا، وَ كَانَتْ دُنْيَاهُمْ أَقَلَّ عِنْدَهُمْ مِمَّا يَطَئُونَهُ بِأَرْجُلِهِمْ، وَ لَنُعِّمُوا بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ (جَلَّ وَ عَزَّ)، وَ تَلَذَّذُوا بِهَا تَلَذُّذَ مَنْ لَمْ يَزَلْ فِي رَوْضَاتِ الْجِنَانِ مَعَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ. إِنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ آنِسٌ مِنْ كُلِّ وَحْشَةٍ، وَصَاحِبٌ مِنْ كُلِّ وَحْدَةٍ، وَ نُورٌ مِنْ كُلِّ ظُلْمَةٍ، وَ قُوَّةٌ مِنْ كُلِّ ضَعْفٍ، وَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سُقْم" (31). وأخيرًا اختاه، قد عرفتِ وبالدليل الزينة المحللة من المحرّمة، والحجّة أُلقيت علينا جميعًا، جعلنا الله تعالى ممن تسمع القول وتتبع أحسنه وأقربه رضًا له تعالى. _________________ (1) الأعراف:32. (2) وسائل الشيعة: للحر العاملي، ج5، ح5. (3) الزخرف: 18. (4) مكارم الأخلاق: للشيخ الطبرسي، ص41. (5) المصدر نفسه، ص42. (6) ظ: المصدر نفسه، 43. (7) الكافي: للشيخ الكليني، ج5، ب أصناف النساء، ح6. (8)مصدر سابق، ص103. (9) وسائل الشيعة: للشيخ الحر العاملي، ج20، ح3. (10) مصدر سابق، ص‏103. (11) المصدر السابق. (12) المصدر السابق، ص78. (13) المصدر السابق، ص87. (14) النور: 31. (15) وسائل الشيعة: ج 20، ب109، ح2. (16) المصدر نفسه، ح3. (17) النور: 31. (18) مصدر سابق، ص43. (19) الوسائل: ج20، ب14، ح4. (20) الكافي: ج5، باب فضل نساء قريش، ح2. (21) نهج البلاغة: ح231. (23) المصدر نفسه، ب105، ح1. (24) آل عمران: 195. (25) الأحزاب: 32. (26) الأحزاب: 32. (27) منهاج الصالحين: للسيد السيستاني، ج2، كتاب التجارة، م34. (28) النور: 31. (29) الإنسان: 4. (30) البروج: 10. (31) شرح اصول الكافي: للمولى المازندراني، ج12، ح347. اللّهم ألبسنا زينة الصالحات، وأكسنا من حلل المتقيات، بحق محمدٍ وآله عليهم أزكى التحيات.

المرأة بين الإسلام والغرب
منذ 5 سنوات
5505

الاعتقاد بالبـداء تنزيهٌ لله وتعظيم

بقلم: رضا الله غايتي البداء لغة: الظهور بعد الخفاء، أي تغيّر العزم وتبدّله بسبب ظهور أمرٍ كان خافيًا، فيكون منشأ تبدل العزم وتغيره هو الجهل بما كان خافيًا من جهةٍ ومنطلقًا من الندامة من جهةٍ أخرى. والبداء بهذا المعنى يستحيل على الله سبحانه لاستلزامه حدوث علمه بشيء بعد جهله به. وإنما أطلق هذا اللفظ من باب المشاكلة في التسمية ليس إلا. كنسبة الكيد إليه سبحانه في: "إنَّهمْ يَكيدونَ كَيْداً وَأَكيد كَيْداً" (الطارق15و16) وقد وقع مخالفوا أهل البيت (عليهم السلام) في خطأ لطالما وقعوا به في المسائل الخلافية وهو عدم تحريرهم لمحل النزاع. فهم نسبوا إلى الامامية الاعتقاد بالبداء بمعناه اللغوي المتقدم، على حين أن الامامية تنزِّه الله (جل وعلا) عن هذا المعنى وتعتقد بالبداء بمعناه الاصطلاحي. وهو تغيير مصير الإنسان وما قُدِرَ له بسبب قيامه بأعمال صالحة أو طالحة. قال تعالى: "يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" (الرعد 39) ولمزيدٍ من التوضيح نقول: ينقسم القضاء من حيث إمكانية التغيّر فيه والتبدّل إلى قسمين هما: الأول: قضاءٌ محتوم في أم الكتاب ولا يقع فيه البداء. الثاني: قضاءٌ مشروط، ويتحقق بشرط توفر مقتضياته وانتفاء موانعه كمشيئته أنَّ تناول السم المميت يؤدي إلى الموت فيما لو لم يُتبع بتناول ترياق يبطل مفعول ذلك السم. فإن تناولَ شخصٌ ما ذلك السم فقد انطبق عليه القضاء المشروط وهو موته، فإن تناول الترياق تغيّر القضاء إلى عدم موته. وتغيُّر القضاء هذا هو البداء، والقضاء الذي تغيّر هو من القضاء المشروط أو المعلّق. أما القضاء بعدم موته في المثال فهو من القضاء المحتوم الذي لا يرد ولا يبدل؛ لعلمه السابق سبحانه بتناوله الترياق بعد السم. فالبداء من الله تعالى يختص بما كان مشترطا في التقدير وليس هو الانتقال من عزم إلى عزمٍ آخر. وكلا القضاءين يقعان في دائرة العلم الإلهي، بيدَ أنّ العلم بأولهما هو العلم الذاتي المقدس عن التغيّر وهو محيطٌ بكل شيء وكل شيء حاضرٌ عنده بذاته. وثانيهما مرتبةٌ من مراتب علمه الفعلي ومظهر من مظاهره. وعليه فإذا قيل بدا لله في علمه فمرادهم البداء في هذا المظهر (1). وبناءً على ذلك فالاعتقاد بالبداء بمعناه الاصطلاحي لا يؤدي إلى نسبة الجهل إليه سبحانه ـ كما يزعم البعض ـ والعياذ بالله؛ ولذا روي عن الامام الصادق (عليه السلام): "من زعم أن الله عز وجل يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس فابرؤوا منه" (2). وعنه (عليه السلام): "فكل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه، ليس شيء يبدو له إلا وقد كان في علمه، إن الله لا يبدو له من جهل" (3) ومن الغريب حقاً أنهم يعتقدون بالنسخ في التشريع ولا يعترضون عليه ولا يجدون به ضيرًا بينما يعترضون على الاعتقاد بالبداء اعتراضًا شديدًا، مع أن منزلة البداء في التكوين كمنزلة النسخ في التشريع! ولا يقتصر الاعتقاد بالبداء على تنزيهه جل وعلا من الجهل فحسب، بل هو اعترافٌ صريحٌ بأنَّ العالمَ تحت سلطانه وقدرته في حدوثه وبقائه، وإنّ إرادته نافذةٌ في الأشياء أزلاً وأبداً. وبالتالي فهو تنزيهٌ له عن العجز أيضاً؛ لأن الاعتقاد بأن ما جرى به قلم التقدير كائن لا محالة يستلزم نسبة العجز إليه سبحانه. وقد لعن الله اليهود لقولهم بذلك فقال: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ" (المائدة64) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)انظر الإلهيات ص583 (2)كمال الدين ص70 (3)تفسير العياشي 3: 218/71

العقائد
منذ 5 سنوات
1811

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ

بقلم: نقاء كُنا صغارًا نتتبعُ خطواتِ والدينا، فتحلّ علينا أيامًا نرى حالهم يتغير، نظام حياتهم وروتينهم اليومي يختلفُ عن غيره في باقي أيام السنة! تبدأُ هذه الأيام بمراقبةِ رؤية الهلال باهتمامٍ بالغٍ، لا نرى لهُ مثيلًا في سائر الشهور! وانتظارِ خبرٍ من مرجعهم يُبشرهم بحلولِ هذهِ الأيامِ. حالما يأتيهم الخبر نراهم يحمدونَ الله تعالى على نعمةِ إدراكِ هذه الأيامِ المباركة، ويسألونهُ أنْ يوفقهم لإيفاءِ حقِّها والفوز ببركتها. هذه المشاهد زرعت في عقولنا الصغيرة تساؤلاتٍ عن سرِّ هذه الأيام! كبرنا ومرّت علينا العديد من الإجابات، منها ما روي عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) أنَّه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: "إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ تُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ السَّبْعَةُ، وَيُصَفَّدُ فِيهِ كُلُّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، وَيُنَادِي مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ: يَا طَالِبَ الْخَيْرِ، هَلُمَّ؛ وَيَا طَالِبَ الشَّرِّ، أَمْسِكْ" فهِمنا منها أنَّ غايةَ هذهِ الأيام هي التهذيب، وكأنَّ الله تعالى يصفِّدُ الشياطين في هذا الشهر ليُريَنا أنَّ الخلل والسوء هو من أنفسنا، وأننا إذا روضناها فإنه يمكننا أن نتغلب على الشيطان في سائرِ أيام حياتنا. كذلكَ لِيُريَنا أنَّ فِطرةَ الإنسانِ نقيةٌ صافيةٌ؛ لأننا نرى كيفَ أنَّ الجميع يتسابقونَ إلى أنواعِ الخيرات، من تضامنٍ اجتماعي مع الفقراء، وتراحمٍ وتسامحٍ فيما بينهم، والالتزام ببرامج عبادية جماعية، حيث تزهو المساجد بالمصلين، وتتزاحمُ دعواتٌ خرجت من قلوبٍ مؤمنة فترتفعَ مع نسماتِ هذه الليالي المباركة، لِتصلَ إلى السماء، ليس بينها وبين الله تعالى حجاب.. فهم في ضيافتهِ، وما أدراكَ ما ضيافةُ الله تعالى! كنا نستشعر تميُّزَ هذهِ الأيام، حيث الطاقة الروحية في أعلى مستوياتها، وكأنَ بلادَ المسلمين تصبحُ بيتًا واحدًا يجمعهم؛ لشدة تماسكهم وتكاتفهم. كما كُنا نستنكر كيف أنَّ البعضَ يطاوعهُ لسانه أنْ يصفَ هكذا حالة من حالات الرُقي في المشاعر البشرية بـ(الرياء أو النفاق)! لكنهم يجهلون أثرها المترتب على روح الشخص طيلةَ أيامِ السنة، يجهلونَ أنَّ لله تعالى محطاتِ تَوقُفٍ، غايته منها أنْ يقفَ الشخص ويستكشف هذه الروح البشرية، التي هي أعظمُ خلقٍ لله تعالى، ويعلِّمه أنْ يبذلَ جهدًا ليؤدي حقَّ هذا الخلقِ العظيم من تأديبٍ وترويض؛ لكي ترتقي وتتكامل تدريجيًا. ومن حكمتهِ أَنْ جَعلَ محطاتِ التوقف هذهِ متكررة سنويًا وموزعةً طيلة أيام السنة،؛ لأنه (سبحانه) أعلم بعباده، وضعفهم أمام صعوبات الدنيا. فكانت هذه المحطات بمثابةِ التزود بالطاقةِ لأرواحهم؛ لينطلقوا بعدها إلى معتركِ الحياة بأنفسهم المرتوية بنفحاتِ الرحمة والحب الإلهي. أما الجزاء الأُخروي، فقد رويَ حديثٌ قُدسي عن رسول الله (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه): "قالَ اللهُ (تباركَ وَتعالى): كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدم هوَ لهُ غيرَ الصيامِ، هوَ لي وأنا أجزي بهِ" ومنهُ علِمنا أَنَّ عقولَنا القاصِرة لا تدركُ عظمته، لكنّا عرفناهُ في كلماتٍ تنطقُ عنه، كلمات أهلِ البيت (عليهم السلام)، كما روي عَنْ رَّسول الله (صلى اللّه عليه وآله): "مَن مَنَعَهُ الصِّيامُ مِن طَعامٍ يَشتَهيهِ كانَ حَقًّا عَلَى اللّه أن يُطعِمَهُ مِن طَعامِ الجَنَّةِ، ويَسقِيَهُ مِن شَرابها" كما روي عن أَبِي عَبْدِ الله (عليه السَّلام): "مَنْ صَامَ لله (عَزَّ وَ جَلَّ) يَوْمًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَأَصَابَهُ ظَمَأٌ، وَكَّلَ الله بِهِ أَلْفَ مَلَكٍ يَمْسَحُونَ وَجْهَهُ وَ يُبَشِّرُونَهُ، حَتَّى إِذَا أَفْطَرَ قَالَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لَهُ: مَا أَطْيَبَ رِيحَكَ وَرَوْحَكَ، مَلَائِكَتِي اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ" كلماتٌ من بحرِ علمِ أهلِ البيت (عليهم الصلاة والسلام) وأحاديثِهم عن عِظمِ جزاء الصائم المخلص، ترسمُ لنا تصورًا بسيطًا عن رحمة الله تعالى بنا في هذا الشهر؛ لتكونَ لنا دافِعًا لاستثمار نفحاتِ الحب والكرم الإلهي المتدفق فنسقي منهُ أرواحنا التي جفَّت من بُعدِها عن منبعِ الرحمة، وقسَت من انقيادِها لوساوس شيطانٍ ضعيفٍ يُقوّيهِ هوى النفس. والكلامُ كثيرٌ لا تسعُه حروفٌ، ولا مقالاتٌ طويلة! ولعلَّ من يُطالع خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) في استقبال شهر رمضان يدركُ من فضائلِ هذا الشهر ما أنارنا بهِ رسول الله (صلى الله عليه وآله).. ختاماً أقول ما قاله صادق الآل (عليه السلام) في دعائه: "اللهم ارزقنا صيامَهُ، وأَعِنَّا على قيامِهِ".

اخرى
منذ 4 سنوات
578

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76855

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56658

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44122

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43544

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40360

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33543