تشغيل الوضع الليلي
الإمام الهادي (عليه السلام) يحل الاختلاف الفكري
منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 5297
بقلم: علوية الحسيني
الاختلاف الذي حلّه الإمام (عليه السلام) كان اختلافًا عقديًا؛ حيث ساد عصره انحراف فكري بنشر الفرق المنحرفة عقائدهم، وبثهم للشبهات الموجهة نحو العقيدة الحقة؛ حيث سادت شبهات كثيرة من أهمها التجسيم، وخلق القرآن، والجبر.
فروي عن بشر بن بشّار النيسابوريّ أنّه قال: كتبت إلى الرَّجل [يقصد الإمام الهادي] (عليه السلام): إنّ من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول: هو [الله سبحانه] جسم، ومنهم من يقول: هو [سبحانه] صورة.
فكتب إليَّ: سبحان مَن لا يحدُّ ولا يوصف ولا يشبهه شيء وليس كمثله شيء وهو السميع البصير"(1)
فنجد أنّ الإمام (عليه السلام) قد شحذ سيف توحيده، ولبس درع توكله، لم يخش ظلم الحاكم آنذاك والخوف من قمعه وتنكيله، وابتدأ جوابه بنقضٍ ضمني، ثم تصريح معرفي.
*فقوله (عليه السلام): " سُـــبحانَ مَن" إشارة منه إلى تنزيه الله تعالى، فسبحان تعني تنزيه؛ بدليل ما روي أن هشام الجواليقي سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (سبحان الله) ما يعني به؟ قال: تنزيهه"(2).
*وقوله (عليه السلام): "لا يحدُّ" إشارة منه إلى كونه تعالى موجودًا مطلقًا لا حد له في ذاته وصفاته وأفعاله، فهو الكمال المطلق الذي لا حدّ له، وهكذا هو تعالى (ولا يوصف) بالصفات المحدودة من صفات الممكنات.
ويمكن التعبير عنه بأنه (عليه السلام) ينفي عن الباري جل وعلا الحد بالمعنى المنطقي والحد الزماني والمكاني.
أما الحد التعريفي، فهو: مصطلح متعارف عند المناطقة يطلق على تعريف شيء بالحد أو بالرسم، فيقال حد الشيء، أو رسم أي تعريفه، "فالتعريف حدٌ ورسم"(3).
والحد إما تام أو ناقص، فالحد التام: "هو التعريف بجميع ذاتيات المعرَّف (بالفتح) ويقع بالجنس والفصل القريبين لاشتمالهما على جميع ذاتيات المعرف فاذا قيل: ما الانسان؟
فيجوز أن تجيب أولاً بأنه: (حيوان ناطق)...
ويجوز أن تجيب... بأنه: (جوهر قابل للأبعاد الثلاثة نام حساس متحرك بالإرادة ناطق)" (4).
أما الحد الناقص: "هو التعريف ببعض ذاتيات المعرَّف (بالفتح) ولابد أن يشتمل على الفصل القريب على الاقل، ولذا سمي (ناقصاً). وهو يقع تارة بالجنس البعيد والفصل القريب وأخرى بالفصل وحده.
مثال الأول: تقول لتحديد الانسان (جسم نام ... ناطق)، فقد نقصت من الحد التام المذکور في الجواب الثاني المتقدم صفة (حساس متحرك بالإرادة) وهي فصل الحيوان وقد وقع النقص مکان النقط بين جسم نام وبين ناطق فلم يکمل فيه مفهوم الانسان.
ومثال الثاني تقول لتحديد الانسان أيضاً: (... ناطق) فقد نقصت من الحد التام الجنس القريب کله. فهو أکثر نقصاناً من الاول کما ترى"(5).
■تــوضيحٌ وتــصريح:
1- المراد من (الجنس) "هو تمام الحقيقة المشترکة بين الجزئيات المتکثرة بالحقيقة في جواب (ما هو؟)"(6).
فالإنسان مثلاً جنسه (حيوان)، فجميع أفراد الإنسان من زيد وخالد مشتركون في حقيقة واحدة، فحينما نسأل عن حقيقة زيد ونقول: ما هو زيد؟ يقال: هو حيوان. وحينما نسأل عن حقيقة خالد: ما هو خالد؟ يقال: هو حيوان.
وبالنسبة لله تعالى لا يمكن أن نسأل عن حقيقته وجنسه؛ لأنّه ليس نوعًا يشترك مع أنواع اخرى تشابهه في حقيقةٍ معينة؛ فــلو كان له تعالى جنسٌ لكانت له سبحانه حقيقة مشـتركة بينه وبين الموجودات، فالتالي باطل والمقدم مثله بالبطلان.
- بيـان الملازمة:
لو كان هناك موجود له حقيقة واجبية الوجود لوجب أن يشترك مع الله تعالى في هذه الحقيقة، فيكون ذلك الموجود وجوده نابع من ذاته، وأدلة التوحيد تنفي وجود واجب وجود ثانٍ كما ذُكر في محله.
2- والمراد من الفصل: "جزء من مفهوم الماهية ولکنه الجزء المختص بها الذي يميزها عن جميع ما عداها"(7).
فالإنسان مثلاً له فصل يميزه عن غيره من الموجودات التي تشترك معه في حقيقة الحيوانية؛ فالإنسان حيوان، والحصان حيوان، لكن بالفصل يميّز الإنسان، فحينما نسأل: ما هو الإنسان؟ نقول: حيوان ناطق. وحينما نسأل: ما هو الحصان؟ يقال: حيوانٌ صاهل.
والله سبحانه ليس له حقيقة يشترك بها مع الموجودات حتى نقول: إنه لابدّ له من فصل يميزه عما يشاركه حقيقةٍ ما، فاذا انتفى الجنس عنه انتفى الفصل من باب أولى.
إذاً الحدّ التعريفي بــقسميه ممتنع على الله تعالى.
*أمّا الحد الزماني والمكاني فممتنعٌ عليه تعالى أيضًا.
فالحد الزماني: وهو أن يكون الله تعالى موجودًا في زمنٍ دون آخر، فممتنع؛ بمقتضى الآية الكريمة: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِر وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}(8).
والحد المكاني: وهو أن يكون الله تعالى موجودًا في مكانٍ دون آخر، فممتنع؛ بمقتضى الآية الكريمة: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}(9).
على أن الحد الزماني والمكاني يلازم المادة، وبالتالي التركيب، وأدلة التوحيد تنفي المادة والتركيب عن واجب الوجود جل وعلا.
نكتة ملكوتية:
إنّ المتأمل في الآيتين اللتين تنفيان إحاطة الزمان والمكان بالله تعالى، يجد أنهما أشارتا إلى أنّه تعالى هـو المُحيط بها بـــعلمه؛ فالآية الاولى قالت: {وهو بــكل شيءٍ عـــليم}، والآية الثانية قالت: {والله بما تعملون بـــصير} وصفة البصر لله تعالى ليست بالعين الجارحة التي نبصر بها نحن المخلوقين، بـل كونه بصيرًا هو بمعنى أنه تعالى عالم بالمبصِرات والمبصَرات، فبعلمه أحاط بكل شيء زمانيًا ومكانيًا....
*وقوله (عليه السلام): "ولا يوصف"
عطفٌ منه بالحكم بتنزيه الله تعالى عن أن يكون له وصف إمكاني، كما تنزّه عن أن يكون له حد.
فالوصف الإمكاني ممتنع عليه سبحانه؛ لأنه لم ولن تره العين حتى تصفه، وإلاّ كان تخيّلاً أو توهمًا، والحال أنّ جميع ذلك باطل. فكيف تصف الألسن شيئاً لم تره؟!
•مثال توضيحي يدل على امتناع وصف الله تعالى:
لو طلب منك أحد أن تصف له روحك، فلابد أن تراها أولاً ثم تصفها له، وحيث إنك لم تر الروح فإنك عاجز عن وصفها. فهكذا الكلام حول الله عزّ وجل.
فالإمام الهادي (عليه السلام) نفى الوصفية -رؤيةً وتوهمًا-عن الله تعالى انتهاجًا منه لعقيدة أجداده (عليهم السلام)؛ حيث روي "عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الله عز وجل هل يوصف؟ فقال: أما تقرأ القرآن؟! قلت: بلى. قال: أما تقرأ قوله عز وجل: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)؟ قلت: بلى. قال: فتعرفون الأبصار؟ قلت: بلى. قال: وما هي؟ قلت: أبصار العيون. فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام"(10).
*وقوله (عليه السلام): "ولا يشبهه شيء وليس كمثله شيء"
تنزيه لله تعالى عن الشبيه باستعمال (لا النافية)، ثم (ليس)، ولعله تأكيد منه على نفي الشبيه عن الله سبحانه.
*وقوله (عليه السلام): "وهو السميع البصير"
إشارة منه إلى نكتة مهمة جداً وهي: حيث إن صفتي السميع البصير عند الله تعالى هي عـــلمه بالمسموعات والمبصرات، فهذا ما يكشف عن حياطته سبحانه بالمحدودات والموصوفات والمتشابهات، مخلوقاته الممكنات، لا أن تحيط هي به؛ فالمحاط لا يحيط بالمحيط؛ بل المحيط يحيط بالمحاط.
فالإمام الهادي (عليه السلام) بتلك المفردات أفهم ما يعزّ على عالمٍ افهامه، وما يصعب على أهل البلاغة بيانه.
_________________________
(1) الكافي: للشيخ الكليني، ج1، باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى، ح5.
(2) التوحيد: للشيخ الصدوق، باب معنى سبحان الله، ح3.
(3) راجع الحاشية: ص50، وشرح الشمسية: ص78، وشرح المنظومة: ص30، وشرح المطالع: ص 100، والجوهر النضيد ، ص 194_188، 164، والإشارات وشرحه: ص95.
(4) منطق المظفر: ج1، ص117.
(5) المصدر نفسه، ص118.
(6) المصدر نفسه، ص87.
(7) المصدر نفسه، ص88.
(8) الحديد:3.
(9) الحديد: 4.
(10) التوحيد: ب8، ح10.
وسلامٌ على الولي الناصح، والطريق الواضح، والنجم اللائح، عليّ بن محمد الهادي ورحمة الله وبركاته.
اخترنا لكم
أمنياتٌ أم أهداف؟!
بقلم: رضا الله غايتي قلوبٌ تنبض بالكثير الكثير من الأمنيات، ونفوسٌ عطشى لتُحقق ما حلمت به من لحظات، وأرواحٌ تترقب برجاءٍ تارةً وقلقٍ وخوفٍ تارةً أخرى لما هو آتٍ، وعيونٌ أضناها الواقع الأليم وأرّقها الحزن المقيم لما تعانيه من حوادثٍ وأزمات، فسارع بعضها لتطالع وبكل شوقٍ ما قد ينشره المنجمون في مختلف المواقع والصفحات. مشاهدٌ مؤلمةٌ حقاً، لكني توقفت لأتأمل قليلاً، تُرى أيهما أشد أيلاماً، هل ما يعانيه معظم الناس من آلامٍ ومعاناة؟ أو السبل التي يلتجأ إليها بعضهم لحل مشاكلهم وتحقيق ما تراودهم من أمنيات؟ وجدتُ نفسي وإن أقررتُ بمرارة ألم المحزونين وقساوة ما يكابدونه من الأسى في هذه الحياة، أكاد بل أجزم أن سبل الحل التي يهرع إليها البعض لتغيير واقعهم نحو الأفضل لهي أعظم المأساة.. تُرى هل خُلِق الإنسان مسيّراً ليقف مكتوف اليدين لا يبذل من الجهد سوى التمني والتألم والحسرات؟ أو هل كان قاصراً ليُنصِّب النجوم وصيةً عليه يأتمر بأمرها وينتهي بنهيها في تسيير مختلف شؤونه في الحياة؟ أو هل كان زمام تغيير أحواله بيد سواه ليتظلم ويتألم مجسداً دور الضحية في مختلف السلوكيات؟ لا، وألف لا، وهيهات أن يكون ذلك المخلوق الدنيّ صنع الخالق العظيم القويّ، بل هو أكرم مخلوق لأعظم خالق، ما خلقه ليخوض غمار هذه الحياة إلا بعد أن بيّن له خارطة الطريق وزوّده بأذكى وأرقى الأدوات. فبالعقل الذي مكّن الإنسان أن يبتكر ما شاء الله من أدق الأجهزة وأعقد الآلات، يمكن أن يُحقَق به ما قد يُتصور أنه من المحال أو المعجزات، ولكن ليس بالسلبية والاقتصار على أحلام اليقظة وإطلاق الأمنيات، بل بتحويلها إلى أهداف والعمل الجاد على تحقيقها من خلال وضع ما يناسبها من برامج ومخططات. فالأمنية والهدف كلاهما أمرٌ مرغوبٌ به من قبل الانسان، إلا أن بينهما بونًا شاسعًا ربما كالفرق بين العدم والوجود. فالأمنية لا تعدو أن تكون مجرد رغبة تعيش في قلب الانسان وتحيا في مخيلته، وربما تتردد على لسانه، أو تقض مضجعه، لكن لا أثر لوجودها في الخارج، ولا سعي لتحصيلها على أرض الواقع. وأما الهدف فهو وإن كان رغبة كما الأمنية إلا أن له انعكاسات في الخارج تزداد شيئاً فشيئاً حتى يكلل بالتحقيق التام إن شاء مسبب الأسباب. ولكي يتحقق أي هدف من الأهداف على الوجه الأمثل مهما بدا لنا أنه هدفٌ يسير ــ كالدراسة اليومية مثلاً بالنسبة للطلبةــ لا بد أن تتوفر فيه شروط أهمها: أولاً: أن يكون الهدف مرتبطاً بالمرحلة التي يعيشها الانسان الهادف، فلا يصح مثلاً أن يكون هدف طالب الإعدادية هي دراسة علم الفلك؛ لأن ما يناسب مرحلته من أهداف هي دراسة مواده الدراسية والتمكن منها أولاً. ثانياً: أن يكون الهدف قابلاً للتحقيق: إذ من المحال أن يكون الهدف دراسة جميع المواد الدراسية في يوم واحد فقط. ثالثاً: أن يكون الهدف محدداً: ويتحدد في الدراسة مثلاً بتحديد المادة فيكون دراسة مادة الكيمياء مثلاً. رابعاً: أن يكون قابلاً للقياس: للتعرف إلى نسبة تحقيقه، فيكون الهدف: أن أدرس مادة الكيمياء الفصل الثاني الذي هو عبارة عن عشرين ورقة مثلاً. خامساً: أن يكون محدودًا بوقت؛ لأن الأهداف التي لا تحدد بوقت غالباً ما يؤجل تنفيذها مرة بعد أخرى حتى ينتهي الأمر بالفشل في تحقيقه، فيكون الهدف في مثالنا: ان أدرس الفصل الثاني من مادة الكيمياء من الساعة التاسعة وحتى الحادية عشرة صباحاً. وتختلف الأهداف في المدة الزمنية التي ينبغي رصدها لأجل تحقيقها، ولذا فهي على أقسام ثلاث: فمنها أهداف يستلزم تحقيقها زمنًا طويلًا، وجهدًا وفيرًا، وهي أهداف طويلة المدى تمتد لعشرين سنة أو أكثر. ومنها أهداف متوسطة المدى وتمتد لخمس سنوات، ويمكن للإنسان الهادف أن يستعين بهذه الأهداف كمقدمات أو مراحل لتحقيق الأهداف طويلة المدى. وبما أن هذه الأهداف هي الأخرى تقتضي مدة زمنية ليست بالقليلة لذا يمكن الاستعانة بالأهداف قصيرة المدى وهي أهداف سنوية. ومن الجدير بالذكر أن هناك عوامل مهمة لتحقيق الأهداف أهمها: الصبر والإصرار وتكرار المحاولة مع تحري الطرق المختلفة والسبل المتنوعة في كل مرة حتى تحقيق الهدف، فقد نُقل أن أديسون حاول مائتين وواحدًا ستين محاولة (بل قيل: 999 محاولة) حتى نجح في ابتكار المصباح، وكل محاولة كان يأتي بها بشكل مغاير عن المحاولات السابقة. وبما أن أرقى الأمنيات هي أمنيات المؤمنين، فكم هو جميل أن ينقلوا تلك الأمنيات السامية إلى عالم الأهداف، فتتحد الأيادي البيضاء، وتسرع النفوس في سبيل التزكية، وتتنافس الهمم العالية، وتتسابق العزائم نحو الكرائم، ، وتستبق القلوب نحو الخيرات. وتنطلق الأرواح للرقي في الدرجات، عندئذٍ يحصدون كل خير. هذا وقد ذكرت بعض الروايات بعضًا من جوانبه منها ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "يا ابن جندب لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة ولأظلهم الغمام و لأشرقوا نهارا و لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولما سألوا الله شيئا إلا أعطاهم"(1). كما ورد في توقيع له (عجل الله فرجه):" ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا. و لتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا ، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم"(2). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تحف العقول ص303 (2) معجم أحاديث المهدي ج5 ص463و464
اخرى
طمــوحٌ جامــحٌ (قصة قصيرة)
بقلم: حيدر عاشور كانت يتيمةَ الأبوين، تعيش في كنف عمِّها وزوجته، صغيرةً تقترب من ربيعها الخامس عشر، قرّر أنْ يتقدم إلى خِطبتها وفي أعماقه تموجُ مشاعرُ إحسانٍ ورأفةٍ إزاءَ هذه الفتاة الصغيرة في عالمٍ لم يعد يتحمل أحدٌ أحدًا إذا ما غاب الأبوان، ومما شجّعه على اتخاذ هذا القرار بعد عزوبيةٍ اقتربت من الأربعين، معرفتُه بأبيها رشيد الموظف في عقارات الدولة. في البدء جوبهت رغبة ستار بالزواج من تماضر برفضٍ شديدٍ؛ لفارق العمر، ولأنَّها ترغب في إكمالِ دراستها. وقد تلقى ستار الكثير من اللوم وعتب الأهل والمعارف والأصدقاء بسبب قراره المفاجئ؛ إذ لم يستطع أحدٌ أنْ يدرك المشاعر الحقيقية التي تحرِّكه إزاءها، فهو في الحقيقة يريدُ أنْ يكون لها المنقذ، لا سيما وهو مولعٌ بهذا الدور في حياته، ينطلقُ من روحٍ صافية وإيثارٍ قلَّ نظيره، ولقد تناهى إلى سمعه مكابدة هذه الفتاة الصغيرة لمشاق الحياة؛ لكره زوجة العمِّ لها ومعاملتها بقسوة وغلظة، تصلُ حدَّ إقدامها في إحدى فورات الغضب على تمزيق وإحراق كتب تماضر لكي تبقى في البيت كأيةِ جاريةٍ، تقوم بالغسلِ والكنسِ وشؤون المنزل الثقيلة الأخرى... وبعد أسبوعٍ من رفض الطلب بدأت الأفكار تتداعى في الرؤوس: العمُّ وزوجته وتماضر.. الأول في تخليص تماضر من معاناتها مع زوجته التي عجز عن تغييرها؛ فهي مجبولةٌ على الإيذاء والخبث، لاسيما وهو غير موجودٍ في البيت بشكلٍ دائم، أمّا زوجة العمّ فترغبُ في التخلصِ من تماضر؛ فهي تفكر بتزويج ابنها من ابنةِ شقيقها، وبتزويجها تماضر من ستار، قطعٌ للطريق الذي قد يفكر به زوجها من إبقاءِ البنت في البيت بصفة زوجةٍ لابنها. أما الضلع الثالث والأهم فهي تماضر التي راجعت الفكرة؛ فالحياةُ عسيرةٌ ولم يعد الزواج سهلًا، بل صار كالحلم في زمنٍ تناقصَ فيه الرجال، بعد أنْ أكلتهم الحروب أو أقعدتهم عن الإيفاء بالنفقات بسبب الظروف العصيبة من الحصارات وتدني مستوى العيش وانعدام فرص العمل، فأصبحت النسوة في وضعٍ حرج ولم تعد الشروط القديمة تتماشى مع الواقع العصيب. كما أنَّه يُقال: إنَّ الرجل الكبير أكثر نضجًا من الشاب النزق، والزواج من هذا الرجل هو خلاصٌ من عذابِ زوجةِ العم، لا سيما وقد وافق على الشرط المهم وهو إكمال دراستها، فهي تجد حياتها كلها متوقفةً على الدراسة ونيلِ شهادةٍ عليا. هذا الطموح الجامح جعلها توافق في سرِّها على الارتباط بستار الذي يعمل سائقًا لسيارات الحمل الكبيرة لنقل البضائع بين المحافظات. وفي مواجهةٍ بين العم وزوجته وتماضر، بدأت أطراف الحديث تسير باتجاه ستار وبدأت الكلمات أكثر تبريرًا، ونبرة القبول بدت هي المُحرِّك للحديث، وكلٌّ قد أدلى بدلوه. وهجست تماضر بأنَّ عمَّها وزوجته ينطويان على قبولٍ دفين وشيئــًا فشيئـًا تكاشفَ الثلاثة وكلٌّ تدفعه رغبةٌ لا تشبه رغبةَ الآخر، وكلٌّ ينظر إلى القضية من منظارهِ الخاص. أُبلِغَ ستار بهذه الأخبار السارة فلم ينم ليلته؛ لشدةِ فرحه، وكأنّه قد حقّق حلمًا طال انتظاره، وبسرعةٍ تامة بدأ يهيئ كلَّ شيءٍ وأقسم للجميع بأنَّه سيرعاها وسيوفرُ لها كلَّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من أجل تلبيةِ رغبتها في إكمال دراستها ونيل الشهادة العليا لا سيما وهي ذكية وقد نذرت عمرها للدراسة والتفوق. وحين أظلّ السقفُ الجسدين، قبّل ستار تماضر من جبينها وعاملها كطفلةٍ مدللة، وفي خضم الأحاديث التعاريفية والهواجس الاكتشافية همست تماضر له: بأنَّها تنهي كلَّ شيءٍ حين يمنعها من الاستمرار بدراستها. فضحك ستار وأفاض وجهه بالانفعال الطفولي وهو يقسمُ لها بأنَّه سيبقى مصممًا على هذا القسم وسيوفرُ لها كلَّ ما تحتاجه من أجلِ الدراسة وقرّر أنْ يحضرَ فتاةً فقيرةً لتساعدها في أعمالِ المنزل؛ لتتفرغ هي للدراسة فحسب. ومثلما بدأت سيارة ستار الكبيرة تقطع عشرات ومئات الأميال بدأت الأعوام تترى وكلاهما غارقٌ في عالمه، ستار في عالم نقل أنواع البضائع وعشرات السفرات من أقصى المدن إلى أقصاها، وتماضر تستميت في الدراسة والحرص على نيل النجاح بتفوقٍ مدهش. وفي يومٍ من الأيام أقام ستار حفلةً للجيران والأقارب وصديقات تماضر بمناسبةٍ مذهلة وهي قبول تماضر في كليةِ الطب بعد جهدِ السنين والرعاية وتوفير كلّ ما تحتاجه من كتبٍ وملازم، وانتهاءً بتوفير خادمةٍ لها.. ومنذ تلك اللحظات السعيدة بدأ ستار ينادي زوجته بالدكتورة تماضر ولم يطُل الزمن حتى تحوّلت بالفعل تماضر إلى أخصّائيّة في طب وجراحة العيون، وبذل ستار كلَّ ما بوسعه للحصول على عيادةٍ لها في مكانٍ مرموق واستقر الحلمُ في حدقاتِ تماضر. وحين جلست خلف منضدة الفحص تطلّعت في أثاث العيادة التي اكتمل فيها كلُّ شيءٍ من أجهزةٍ وأدواتٍ نهضت وتطلّعت إلى الأفق البعيد عبر النافذة وشعرت بأنَّ شريطًا من الذكريات المرة بدأ يتوامض أمام ناظريها، وها هي تتوِّجُ كلَّ الأعوام الكالحة بهذه النتيجة الحلمية وتسيرُ بزهوٍ فوق أرضٍ صلبةٍ، لكنَّ طرقات الباب القوية سحبتها من عالمها كان وجه ستار أول طالعها حين فتحت الباب، دخل وعلى وجهه بشارةٌ متوهجةٌ وسعادةٌ لا توصف ولولا الخجل لاحتضنها ولكن الزيّ الطبي جعله يُفيق من رغبتِه المُلحة، طلبت منه الذهاب وتركها لتمارس عملها، لم يشعر إزاءها بأيّ شعور.. تركها وهو ينظرُ من بعيدٍ إلى لافتةٍ عُلِّقت على جدارٍ (الدكتورة تماضر حسن) شعرَ بزهوٍ وسعادةٍ، كمن انتهى من صنعِ تمثالٍ جميلٍ، فسار وفي عقله تتداعى كلّ تلك السنوات التي كابدها من أجلِ الوصول إلى مثل هذا اليوم البهيّ. لم يمضِ شهران على هذا الحدثِ الكبير والفاصل حتى شعر بأنَّ تماضر لم تعد تماضر! لقد تغيّر فيها كلُّ شيءٍ، حتى طريقةِ كلامها ومشيتها وطلباتها وقسوتها على الخادمة التي فرّت من البيت دون رجعة. لكن ستار لم يتغير إزاءها، بل ازداد تعلقًا بها وأيقن أنَّ ما حدث لها هو شعور ٌطبيعي بفرحةِ الشهادة وانتقالها من عالمٍ إلى عالمٍ آخر، كم كان بحاجةٍ أنْ تتذكر تماضر تعبه وجهده من أجلها؛ فهما الاثنان ساهما بالوصول إلى هذه الحال من الرقي، هي بدراستها، وهو بدعمه لها وماله وتضحيته، فهو لم يكن يعاملها كزوجةٍ قط بل كأستاذةٍ داخل البيت! وفي إحدى الليالي عاد من سفره البعيد، فوجد البيت فارغًا والأنوار مطفأة، تلمَّس طريقه وسط الظلام وبدأ ينادي: تماضر... تماضر ولكن دون جدوى. اكتشف أنَّها منذُ أنْ سافر في سفرته الأخيرة انتقلت إلى بيت عمها! ولكنه اعتبر الأمر عاديّـًا؛ فلربما شعرت بالوحدة خصوصًا بعد طردها الخادمة. لم يستطع البقاء في البيت وحده فأغلق الأبواب وتوجه إلى بيت العم وجلس لأكثر من ساعة مع العم وزوجته دون أنْ يظهر لها أثر! استشاط غضبًا في أعماقه وبدأ يلحُّ بالسؤال عنها إزاء البرود واللامبالاة التي وجدها في الوجوه، حتى تُوّجَ هذا الموقف المؤذي له بأنْ حدثته تماضر من خلف شباكٍ داخل إحدى الغرف أنَّها قدّمت في المحكمة دعوة تفريق بعد أنْ قرّرت الانفصال عنه. وقف أمام الشباك وهو يكيد نفسه، ويتماسك خجلًا من السقوط، وبدأ يطلبُ منها إبداء السبب، وهل فعلَ شيئـًا لا يُرضيها؟! وهمس بحنانٍ بأنّه سيحضر خادمةً جديدةً إذا تطلّب الأمر، ولم يكن دفاعه عن الخادمة إلا حرصًا على وجود خادمةٍ لها في البيت. بدأت تماضر تحدث بحديثها، وخشي العم وزوجته من تعبير تماضر عن غضبها وكلماتِها الجارحة التي تفوّهت بها قبل مجيء ستار، وأخذت توغل في رفضها العودة إلى البيت، وأنَّها مصرّةٌ على الطلاق حتى لو دفعت كلَّ ما تملك؛ فهي لم تعد قادرةً على العيش معه. وقف ستار مندهشًا وشعر بالتخاذلِ وبنكرانِ الجميل، وأنَّ هذا الكائن الجميل قد انقلب إلى كائنٍ آخر لا يمتُّ إلى الجمال أو العاطفة بأيةِ صلة، لا سيما عندما اصطدمت كلمةٌ بأذنيه وكادتْ أنْ تُفقدهُ عقله وصبره وإيثاره حين قالت له: الناسُ بدأوا يعيّرونني بك. لقد أصبحتَ عارًا لي وعبئـًا يجبُ التخلص منه، كيف يمكن لطبيبةٍ أنْ تكون زوجةً لسائق سيارة حمل؟! لقد تهاوى كلُّ شيءٍ وانهار الحلم وهو يواجه كابوسًا وامرأةً شرسةً بعيدةً عن تلك الفتاة الحالمة. اكتشف اللعبة الغبية التي كان هو بطلها. أمسك بهدوئه وخرج باتجاه الخارج مستعيدًا رجولته لكنّه تذكر شيئـًا فعاد إلى الشباك وقال بهدوءٍ تام: ــ ورقةُ طلاقك ستصلك بأقربِ وقتٍ. خطا خطواته في الليل المليء بالنجوم وشعر بأنَّه تحرّر من لعنةٍ مُؤذية.
اخرى
وقفَة مَعَ الخَفِرَة
بقلم: مريم الخفاجي ينقل التاريخ عن حذيم بن بشير الأسدي قوله وهو يحكي حال عقيلة الهاشميين (عليها السلام) في السبي: "لَمْ أَرَ خَفِرَةً قَطُّ أَنْطَقَ مِنْهَا، كَأَنَّهَا تُفْرِغُ عَنْ لِسَانِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، وَ قَدْ أَوْمَأَتْ إِلَى النَّاسِ أَنِ اسْكُتُوا فَارْتَدَّتِ الْأَنْفَاسُ وَ سَكَتَتِ الْأَصْوَات" (١) لقد عبر حذيم بتعبير دقيق، وصف به كيان وشخص السيدة زينب الأنثوي الممزوج بقوتها القاهرة التي سيطرت على كل من كان يتواجد في تلك الحادثة، على اختلاف المكان والزّمان والظّروف، وتطرق إلى جوانب متعددة منها ما استهلّ به کلامه حیث قال: "لم أَرَ خَفِرَة" فما معنى (الخفرة)؟ أصل الكلمة في اللُّغة من "خفر" وقد أتت على عدة معانِِ منها: المرأة شديدة الحياء (۲)، والمُتعَبة (۳)، ويقال: خفير القوم أي مجيرهم (٤). ولابد من الوقوف عند كل معنى من المعاني: أولها: وأشهرها "شِدّة الحَياء" لو افترضنا أن حذيم أراد بقوله هذا المعنى والذي هو مما لاشكّ فيه، فهو معنى يتبادر للذّهن كلما جيء بذكر بنت أمير المؤمنين (علیهما السلام) فهي لاشك سيّدة الحياء فهذا يعني أمور: ▪️أن السّمة الغالبة على شخصيّة السيدة زينب بنت علي (علیهما السلام) هي شدة الحياء، رغم أنها كانت قد ناهزت الخمسين ونيّف من العمر. ▪️أن شدّة الحياء عند السيدة زينب (علیها السلام) لم يتناف مع قول الحق، ونقل الرسالة السّماوية إلى النّاس، والوقوف بوجه الظالم، فهو نوع من القوة الإيمانية، وبذلك بیّنت (سلام الله عليها) كيف يمكن للحياء أن يتجانس مع الحق و الدفاع عنه، وأنه لا يعني السكوت والخنوع والصمت. ▪️ أن شدة الحياء لا يعني الانكسار أو الضعف كما يحاول البعض أن يصوّره، بل هو معنى يكمن في داخله عدم الانكسار، وقد أثبتت (سلام الله عليها) أنه جانب من جوانب الشخصية القوية، الذي تحتاجه المرأة لتكون فاعلة في المجتمع، ممهدة لمولاها، ومنتجة لمن يأتي بعدها. ثانيها: "المتعبة". وإن كان المراد بالقول "المُتعَبة" بافتراض أنه تكلم عنها في وقت قد أُنهکت قواها، بعد قتل أهلها وسبيها وضربها، فهو دلالة واضحة على أنها ورغم شدة التّعب والألم والأسر والوحدة وثقل المسؤولية، إلا أنها دافعت وبيّنت ووضحت وجاهدت ولم يثنها التعب عن أداء تكليفها. فضلًا عن أن هذا المعنى يبين طبيعة مصابها (سلام الله عليها) فهي الثكلى، الفاقدة، الأسيرة، المضروبة بالسياط، المحامية والمتفانية في ذلك من أجل إمام زمانها، مع كل ذلك بقيت صامدة تتكلم بلسانِِ فصيح يشبه لسان علي بن أبي طالب (عليه السلام) البطل الشجاع المقداد الكرار في الحروب المُهين للظَلَمة، ولم تتأثر شخصيتها بتعبِِ و إنهاك، ولهف نفسي أي تعب! بل بقيت متوازنة طوال المسير، وهو درس عظيم تستلهمه المرأة لتجابه به كل متاعب هذه الحياة، وأن لا تتحجج بقسوة الظروف فتستهين بمبادئها وأهدافها وحجابها وسترها. ثالثها: "مجيرة القوم": ولو افترضنا أن الواصف أراد بقوله المعنى الثالث، فسيكون بيانًا عن عظم المسؤولية التي كانت تتحملها زينب (سلام الله عليها)، وبشاعة ما حصل لها في كربلاء، حيث إنها بعد ذاك العز الذي كانت فيه، فقدت رجالاتها وأعمدة أسرتها، فأصبحت في ظهيرة مؤلمة هي المجير لأرامل وثكالى وأيتام، والحامية لوليّ من أولياء الله من كيد الأعداء، وهي مهمّة جبّارة، تحتاج للقيام بها إلى وعي وصبر وحكمة وإحكام في التصرفات، فكيف لامرأة مفجوعة أن تتولى هذا المنصب الحساس و الخطير؟ ومع ما تعرضت له (سلام الله عليها) يبدو أن كل المعاني تصدق عليها في آن واحد، فهي المرأة ذات الحياء الشّديد والمتعبة، والمحامية للرسالة والولاية والنهضة الحسينية، التي لم يثنها أو يقف أي حال من الأحوال التي مرت بها دون فضح بشاعة ما حصل في كربلاء، وبشاعة ما ارتكبه أعداء الله، وعن إزاحة الستار عن كل جرائمهم، فضلًا عن توبيخهم وتصغيرهم وتقريعهم بوقفة قوية وبلُغة بَلِيغة. وكأن حذيم يرسم صورة من صُوَر التأثير القوي الذي كانت تمتلكه السيدة زينب بنت علي (علیهما السلام) على الرغم من الحالة التي تعيشها والوضع المتردّي والسيء الذي كانت فيه، فليس لهذه الشهادة لزينب (سلام الله عليها) معنى إلّا معنى القوة ورباطة الجأش، خصوصًا أنها لم تكن تخرج للناس من قبل، فهي المخدرة المُصانة التي کان يتسابق آل هاشم على خدمتها، فمن أين لها كل هذا التأثير الذي تعاملت به مع الناس؟ فتمتلك بإيمائة وحركة بسيطة من يدها الشريفة قُدرة إسكات كل الحاضرين حيث قال واصفًا الحال: "قَدْ أَوْمَأَتْ إِلَى النَّاسِ أَنِ اسْكُتُوا فَارْتَدَّتِ الْأَنْفَاسُ وَسَكَتَتِ الْأَصْوَات" لتفصح هي عن ما تحمل بلسان فصيح صادق ينطق بالحق، وبوقفة تحمل كامل الصمود والثبات؟! لكنها حصلت على كل ذلك التأثير من خلال: ▪️التأييد والتسديد الإلهي. ولا شك أن شيئًا من هذا التأييد والتسديد الإلهي هو تمكين للسيدة زينب (عليها السلام) من قلوب وعقول البشر من خلال ولاية تكوينية خصّت بها دون غیرها من کثیر من النساء ▪️الإيمان الراسخ بأحقيّة القضیة التي كانت تدافع من أجلها. ▪️العمل والإرادة المنطلقة من التوكل على الله والمعرفة بدينه، والثقة بأوامره، وعدم التزلزل الذي يصدر من كلام المشككين. ومن هذا الموقف بحد ذاته نستنتج عنصر القوة الذي امتلكته والذي امتزج ونمّ عن إيمان راسخ، وهي رسالة لكل امرأة، بل لكل إنسان يريد إقامة الحق الإلهي في العالم على مرور الأزمنة، وكأنها (سلام الله عليها) تعطي شفرات ذكية فعّالة من خلالها يمكن التعامل مع المواقف مهما كانت شديدة ومؤلمة، بل وتربّي النّفس المؤمنة على أن تصنع من الألم والظلم الذي تتعرض له آفاق نور تضيء بها العالم والأرواح، وتكتسب قوة إضافية تصل من خلالها حيث الحقيقة. ________________ [1] المفيد، محمد بن محمد، الأمالي، تحقيق: استاد ولي,غفاري علي اكبر, مؤتمر الشيخ المفيد، قم،١٤١٣هـ، الأولى، ص٣٢٠/المجلسي، محمد باقربن محمد تقي، بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٤٠٣ه، الثانية، ج٤٥، ص١٦٤. [2] البدري, عادل عبد الرحمن، نزهة النظر في غريب النهج والأثر،ط الاولى، ١٤٢١هـ، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، إيران،ص١٩٩. [3] المقري الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ج١،ص١٧٥. [4] الفراهيدي، خليل بن أحمد، كتاب العين، منشورات الهجرة، ١٤١٠ه، الثانية، قم، ج٤،ص٢٥٣.
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى