تشغيل الوضع الليلي
متى يكون الزواج مدفناً للعشق وبدايةً للألم؟
منذ 6 سنوات عدد المشاهدات : 3323
من الملاحظ أن الكثير من الزيجات التي بنيت على أساس العاطفة والحب والعشق دونما الالتفات الى مدى التكافؤ بين الطرفين أو التقارب الفكري والثقافي والاجتماعي والخلقي بينهما هي زيجات انتهت إما بالطلاق أو بالعشرة القاسية والسيئة جداً، وفي كلتا الحالتين فهي زيجات محكومة بالفشل...
فما سبب الانجرار وراء العاطفة رغم التفاوت الواضح بين الطرفين وعدم التكافؤ؟
وكيف ينتهي زواج بالفشل وقد كان بُني على حب عميق أو عشق قاتل؟
وكيف يمكن تجنب الوقوع في مثل تلك الزيجات؟
موضوع من المفيد جداً مناقشته وتوضيح آثاره لاسيما، أن هكذا زيجات قد غزت المجتمع وأثرت فيه تأثيراً سلبياً، حيث رفعت نسبة الطلاق فضلاً عن آثار وخيمة أخرى سنتعرض لها لاحقاً.
أسباب وآثار الانجرار وراء العاطفة:
أولاً : الفراغ العاطفي الذي يعاني منه الأبناء وبشدة اليوم لكثرة انشغال الوالدين عنهم فينشؤون وفي أنفسهم صحراء مترامية الأطراف ملتهبة الرمال تتوق إلى قطرات الماء وإن كانت ملوثة وتكثر من الإلحاح عليهم ،وغالباً ما تلبى هذه الرغبة بشكل خاطئ فيلجؤون إلى تكوين العلاقات العاطفية ؛ ولذا أكدت الشريعة على ضرورة الاهتمام بالجانب العاطفي للأبناء فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من قبّلَ ولده كتب الله (عز وجل) له حسنة، ومن فرّحه، فرّحه الله يوم القيامة "(1).
ثانياً : التأثر بمشاهدة الأفلام والمسلسلات التي تروي قصص الحب بأسلوب شيّق ممتع وتشجّع عليه وتظهره بالمظهر الجذاب الذي يوفر السعادة للطرفين على الرغم مما قد يواجهانه من ظروف عسيرة. ومما يزيد الأمر خطورة تلقّي تلك المعلومات والمَشاهد والتفاعل معها باسترخاء تام وتركيز كامل من المُشاهد، ومن المعلوم في علم النفس أن المعلومة كُلَّمَا رافقت حالة الاسترخاء والتركيز عليها من قبل المتلقّي كلّما طبعت في العقل الباطن بشكل أسرع وأعمق، وبهذه الطريقة تتبدّل المبادئ وتتغير الموازين بحسب الرؤية التي يمليها الإعلام على المشاهد.
ثالثاً : الاختلاط المحرم وما يرافقه من نظرات محرمة وخضوع في القول وما شابه ذلك سبب هام من أسباب الوقوع في العشق . ومن الضروري لفت انتباه المربين إلى أن الاختلاط لا يشترط فيه أن يكون مكانياً بل قد يتحقق الاختلاط الخطير على الرغم من بعد المسافات كالاختلاط عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ومما يزيد الطين بلة أن العاطفة ما إن تتحرك باتجاه شخص ما من الجنس الاخر حتى تثار غدد في جسم الانسان فتفرز مواداً يكون مفعولها على الإنسان أشبه بمفعول المخدرات، وهكذا يشتدّ التعلّق بالطرف الآخر كلما ازداد التواصل العاطفي بينهما، وقد تصل إلى درجة يُصرّح فيها العاشق بأنه من المستحيل أن يعيش من دون معشوقه، وإذا ما ابتعد عنه يتألم ويكتئب وتبدو عليه أعراض تشبه إلى حد كبير الأعراض الانسحابية للمخدرات؛ ولذا نجد العشاق لا يتمكنون من ترك معشوقيهم بسهولة.
ولعل هذا يفسر إصرار أغلب العشاق على الزواج بمن يعشقون على الرغم من انعدام التكافؤ بينهما وعلى الرغم من رفض الأهل وتحذير الناصحين لهما بعاقبة هذا الزواج الوخيمة. وقد يعدانه نوعاً من الوفاء الراقي للمعشوق أو تأثراً في شخصية تلفزيونية لم تتخلَ عن معشوقها.
وغالباً ما يكون الهدف الأساسي من هكذا زيجات هو الارتباط بالمعشوق لا لتأسيس أسرة تنشيء الأبناء الصالحين والمصلحين، ولا للحصول على السكينة الروحية والهدوء النفسي من خلال العيش مع من يقاربه فكرياً وثقافياً أو يوافقه خُلقياً أو إجتماعياً، وما شابه ذلك. بل لأجل الوصال فقط وفقط.
فيحلمان بالوصال ويعلّقان عليه الآمال العريضة ويحسبانه العصا السحرية التي ستحقق لهما الأحلام الوردية وأن حياتهما ستكون أشبه ما يكون بمسلسل تابعاه أو بمشاهد تأثرا بها. غير أن كل تلك الأحلام والآمال سرعان ما ترتطم بصخرة الواقع معلنة تحطمها أمام ناظريهما،
ترى ما الذي حدث؟
في الحقيقة لا شيء جديد وإنما كل شيء كان في موقعه الصحيح منذ البداية بل وبيّناً، فانعدام التكافؤ كان واضحاً، والاختلاف الخُلقي كان جلياً، والبون الشاسع بين مستويهما الثقافي والفكري كان بادياً أيضاً. بيد أن كل تلك الأمور لم تكن محط اهتمامهما؛ لأنهما كانا يصبان اهتمامهما على المظهر دون الجوهر، إضافة إلى تصاعد الضباب الكثيف الناشئ من هذا النوع من العشق والذي يُعشي بصريهما ويُعدم الرؤية لديهما، ولا يُريهما إلا الجانب المشرق من المعشوق خافياً عنهما كل عيوبه وعاهاته، فيتصوران نتيجة لذلك أنهما قد أجادا الاختيار وأن المعشوق هو النموذج المثالي للزوج الصالح(2).
وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) هذا المعنى إذ قال: " ومن عشق شيئاً أعشى (أعمى) بصره وأمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع بأذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه" (3). ولعل هذا من أهم الاسباب التي تفسر سبب فشل الزيجات المبنية على الحب.
فما أن يلتقي الحبيب بمحبوبه حتى يُدفن ذلك العشق لتحقق الغاية المرجوة منه بالوصال، فتخبو نار العشق شيئاً فشيئاً وتهدأ فورة الغرام تدريجياً ويتبدّد ذلك الضباب كاشفاً كل العيوب وكل العاهات بصورة واضحة جلية.
حينئذ يُدركان أنهما قد أخطآ الاختيار، فتجتاحهما أقسى درجات الندم ،وتصطبغ مشاعرهما بصبغة الحزن والألم... حتى يكره كل منهما وجود الآخر في حياته وينفر منه وهو الذي كان سيقاتل العالم بأكمله لو لم يحظَ بفرصة الزواج به؛ ولذا قيل إن العواطف تتغير..
وهكذا يكون مثل هذا الزواج مدفناً لذلك العشق الأهوج، وبداية لقصة بطلها الحزن والندم، وأحداثها المشاكل والاختلافات، وضحاياها سعادة الزوجين والأولاد. وبذلك تُضيف مثل هذه الزيجات مشاكل أخرى إلى المجتمع رافعة وبشكل كبير نسبة المرضى النفسيين في المجتمع والمشردين من الأبناء الذين إن لم يكن تشردهم بسبب الجانب المادي بل بسبب الجانب النفسي حتماً، فضلاً عن إسهامها الفعّال في ارتفاع نسب كلا النوعين من الطلاق: الطلاق الفعلي والطلاق العاطفي..
علاج العشق:
بعد أن اتضحت آثار الزواج المبني على الحب الوخيمة وعواقبه الأليمة من دون اهتمام بالتكافؤ حريَّ بكل عاقل وعاقلة أن يتنبّها قبل فوات الأوان، وينئيا عنه لينقذا مستقبلهما من الضياع وحياتهما من التعاسة . ويسعيا إلى تأسيس حياتهما الزوجية على أساس رصين وركن وثيق ليكونا اقرب إلى الإستقرار والسعادة. وقد يقول قائل: إن هذا الكلام يبدو منطقياً ولكن كيف السبيل إلى العلاج من العشق؟ نجيب: لا يخلو ذلك من صعوبة ولكنه ممكن عبر النقاط الآتية:
أولاً: العزم والتصميم على التشافي من العشق :
لتحويل قرارٍ ما إلى واقع لابد من العزم والتصميم وقوة الإرادة على تنفيذه بأكمل وجه مهما كانت الصعوبات. ومن المعلوم أن قرار الزواج من أهم قرارات الإنسان في الحياة إذ تتوقف عليه نسبة عالية من راحته وسعادته، إذن فلابد من شحذ الهمة وعقد النية والتصميم على تنفيذه.
ثانياً: عدم الاعتناء بالعشق حتى يضمحلّ ويختفي. وذلك من خلال الإقلاع عن تغذيته بالاتصال بالمعشوق، وتتبع آثاره والسؤال عن أخباره بل والتفكير فيه. وقد يكون هذا الأمر صعباً إلّا أنه يجب الأخذ في نظر الاعتبار( وجع ساعة و لا كل ساعة ). كما يمكن الاستعانة بالنقاط التالية على ذلك.
ثالثاً: يقول علماء النفس: من الطرق الفعّالة في التخلص من العشق والتعلق هو أن يتخيل العاشق نفسه انه يعيش بمنتهى السعادة الزوجية والراحة النفسية مع غير معشوقه دون أن يعيّن شخصاً محدداً. ويجب أن يستمر على ذلك لمدة لا تقل عن ثلاثة أسابيع حتى يتبرمج العقل الباطن تدريجياً على أن السعادة ليست محصورة بوجود ذلك المعشوق وبالتالي يتمكن من التخلي عن عشقه.
رابعاً: انشغال العاشق بتطوير خبرة ما أو تنمية موهبة ما. لأن الانشغال بالإضافة إلى أنه يسهم في تطوير ذات الإنسان وتنميتها فإنه يجعل من ذهنه مشغولاً في العمل نهاراً وفي النوم ليلاً، مما يقطع الطريق أمام التفكير بالمعشوق أو التقليل من ذلك قدر الامكان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ميزان الحكمة ج11 ص365
(2) يُطلق لفظ الزوج على كلا الجنسين ،قال (تعالى):" وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا"(البقرةـ 35).
(3) ميزان الحكمة ج3 ص263
(4) المصدر السابق
(5) المصدر نفسه
رضا الله غايتي
اخترنا لكم
ما رأيت أصحاباً خيراً من اصحابي
كلمات قليلة المبنى غزيرة المعنى، لبيان أفضلية هذه النخبة الخيرة بحيث بلغوا درجة أن نعتوا بــ(ما رأيت أصحاباً كأصحابي) ، ومن ينعتهم بذلك؟ إنه الإمام المعصوم الذي هو خامس أصحاب الكساء ، الذي نُقش اسمه على ساق العرش في سابع سماء ، الإمام الحسين (صلوات ربي عليه) ، ولم يكتفِ لتعظيم أصحابه وتمجيدهم بكل هذا وحسب ، بل ويقسم وهو الامام المعصوم عن الخطأ والاشتباه والزلل فضلا عن المعصية .. تُرى ما السبيل الذي سلكته هذه الباقة من الورود الزاهية لكي تملأ أرجاء الطف بألوان التضحية وشذى الوفاء ؟ أم ما كانت سيرتهم ليتربعوا على عرش علياء غير المعصومين من البشر ؟ أم ما الذي انطوت عليه سريرتهم ليكونوا أنجماً مضيئة في سماء الطف على مر العصور والدهور ؟ هم لم يحضوا بالرضا والقبول من قبل إمام زمانهم وحسب، بل نالوا أعلى درجاته ، فحري بكل من يتوق الى رضا إمام زمانه عنه (عجل الله فرجه) من المؤمنين والمؤمنات أن يتعرفوا على سيرة أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) ويسيروا على نهجهم ويتأسوا بهم . لذا كان من المناسب أن نذكر جملة سماتهم السامية وصفاتهم الجليلة التي مكّنتهم من نيل وسام خير الأنصار من قبل أبي الأحرار الامام الحسين سبط النبي المختار . أهم سمات أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) : أولاً : فــي الجانب العبادي : وجدت من يصفهم بكثرة العبادة، إلا أن التركيز على كمّ العبادة بمعزل عن كيفها لا يجدي نفعاً ولا يثمر أثرا مباركا أبداً، والدليل أن بعض الخوارج كانوا من المكثرين للعبادة وتلاوة القرآن الكريم حتى إن منهم من كان حافظاً لكامل كتاب الله (تعالى)، لكن كثرة عبادتهم تلك لم تغنِ عنهم شيئاً؛ لافتقارها الى اليقين والإخلاص. وأما أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) فقد كانت من أهم سماتهم اليقين في الاعتقاد والاخلاص في العبادة والتي أهّلتهم ليكونوا خير الأصحاب بشهادة الامام الحسين (عليه السلام). فقد روي أنهم كانوا يصلون ويستغفرون ويدعون طوال ليلة عاشوراء حتى أنهم باتوا ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد. ومن سماتهم في العبادة أيضاً: أداء الصلاة في وقتها، حتى إن تواجدهم في ساحة المعركة حيث طعن الرماح وضرب السيوف ورمي السهام لم يحُلْ بينهم وبين ذلك، فقد روي عن أبي ثمامة عمرو بن عبداللّه الصائدي ، قال للحسين : يا أبا عبداللّه ! نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ! ولا واللّه لا تُقتل حتّى اُقتل دونك إن شاء اللّه، وأحبّ انْ ألقى ربّي وقد صلّيتُ هذه الصلاة التي قد دنا وقتها! فرفع الحسين رأسه، ثمّ قال : ذكرت الصلاة ! جعلك اللّه من المصلّين الذاكرين، نعم، هذا اوّل وقتها. ثمّ قال : سلوهم ان يكفّوا عنا حتّى نصلّي)(1). ثانياً : الاستئناس بلقاء الله (تعالى) عندما يقبل قادة الجيش على حرب ما، فإنهم غالباً ما يُمنُّون أتباعهم بالغنائم والمناصب المهمة وما الى ذلك ، إلا إن الأمر مختلف تماما مع الإمام الحسين (عليه السلام) فقد روي عن الامام زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: (لما كانت الليلة التي قتل فيها الحسين عليه السلام في صبيحتها قام في أصحابه فقال (عليه السلام): (إن هؤلاء يريدونني دونكم، ولو قتلوني لم يقبلوا إليكم، فالنجاء النجاء، وأنتم في حل فإنكم إن أصبحتم معي قتلتم كلكم). فقالوا: لا نخذلك، ولا نختار العيش بعدك. فقال عليه السلام: (إنكم تقتلون كلكم حتى لا يفلت منكم واحد). فكان كما قال عليه السلام ) (2) كما روي عن سعيد بن عبد الله الحنفي أنه قال للإمام الحسين (عليه السلام): (لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيك، والله! لو علمت أني أقتل، ثم أُحيى، ثم أحرق، ثم أذرى، يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة، ثم الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا)(3) وأما زهير بن القين رضي الله عنه فقد كان يجيبه قائلا: (والله! لوددت أني قتلت، ثم نشرت، ثم قتلت حتى أقتل على هذه ألف مرة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك)(4) ولم يقفوا موقف التضحية والفداء لأبي عبد الله (عليه السلام) وحسب بل كانوا يرون أن الله (تعالى) قد منَّ عليهم بالإمام الحسين وبالقتل دونه فقد روي عن برير (رضي الله عنه) أنه قال: (يا بن رسول الله، لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فتقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة)(5) ثالثاً : الوعي والبصيرة : لم يكن هدف أصحاب الامام الحسين (عليه السلام) الدنيا أو المال أو الشهرة أو السلطة أو ما الى ذلك، وإنما خاضوا غمار المعركة وهم يعلمون بأنهم سيقتلون، فقد أطلعهم الامام على مصيره ومصيرهم إذ قال : " إني غداً لمقتول وأنتم جميعاً ستقتلون "فما كان ردهم إلا أن قالوا: "الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرفنا بالقتل معك" (6). مما يدل على أنهم كانوا على درجة عالية من الوعي المتكامل والبصيرة النافذة المتفتحة والرؤية الواضحة للعاقبة التي هم ماضون اليها وليقينهم التام بأنها حسن الخاتمة، فرابطوا مع الامام (عليه السلام) وقاتلوا بين يديه حتى استشهدوا . رابعاً : العلم والتفقّه في الدين: كانت السمة الغالبة على أنصار الامام الحسين (عليه السلام) هي العلم والتفقه في الدين، فقد كان منهم بريراً، الذي قال عنه صاحب كتاب أنصار الحسين : (وصف في المصادر بأنه (سيد القراء) وكان شيخا، تابعيا، ناسكا، قارئا للقرآن، ومن شيوخ القراء في جامع الكوفة) (7) ومنهم حبيب بن مظاهر الاسدي وكان فقيها كبيرا من فقهاء الكوفة. ومنهم مسلم بن عوسجة الاسدي وقد ( كان صحابيا ممن رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وروى عنه)(8) خامساً : الشجاعة والثبات : وأما عن شجاعتهم (رضوان الله عليهم) فلقد وصفهم العدو قبل الصديق بأنهم (أهل البصائر وفرسان المصر). فقد روي أنه (صاح [عمرو بن الحجاج] بأصحابه: أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوما مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلتهم، والله! لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم)(9) كما روي عن أحد الأعداء واصفاً أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) قائلاً:(عضضت بالجندل، أنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة أيديها على مقابض سيوفها، كالأسود الضارية، تحطم الفرسان يمينا وشمالا، تلقي نفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب بالمال، ولا يحول حائل بينها وبين المنية أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنا فاعلين، لا أم لك)(10) وأما عن ثباتهم فنحن ندعو كلما قرأنا زيارة عاشوراء بأن يثبت الله (تعالى) لنا قدم صدق مع الحسين وأصحاب الحسين (عليهم السلام) .. " اللَّهُمَّ ارزقني شفاعة الحُسين يوم الوُرودِ وثبِّتْ لي قدمَ صدقٍ عندك مع الحُسين وأصحاب الحُسين الذين بذَلوا مُهجهمْ دُونَ الحُسين عليه السلامُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مع الركب الحسيني ج1 ص183 (2) كلمات الامام الحسين ج1 ص395 (3) أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوار، ص50 ــ 51 (4) المصدر السابق ص51 (5) المصدر نفسه ص57 و58 (6) فاجعة الطف ج1 ص6 (7) أنصار الامام الحسين ج1 ص62 (8) المصدر السابق ص109 (9) أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوار، السيد محمد علي الحلو: ص48 (10) أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوار، السيد محمد علي الحلو: ص50 ــ 51 رضا الله غايتي
اخرىإذا كان العمل صالحاً فلماذا العقيدة؟
إذا كان العمل صالحاً فلماذا العقيدة؟ للجواب على هذا التساؤل يحب علينا ان نعرف اولاً معنى العقيدة ولو على نحو الإجمال. العقيدة مأخوذة من العقد والشد، فهي مجموعة من الأفكار والقيم التي يرتبط بها القلب ارتباطاً وثيقاً على مستوى التصديق والتدين، وعليه يكون موقعها القلب، وقد صرحت الروايات الشريفة بأن الإيمان الحقيقي هو ما يستقر في القلب لا ما يتلفظ به اللسان فقط, فعن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن الإيمان فقال: (تصديق بالقلب, وإقرار باللسان وعمل بالأركان)(1) لكن هل البحث عن العقيدة هو أمر واجب لازم على كل إنسان أم أنه أمر اختياري؟ إن البحث عن العقيدة هو أمر ضروري واجب، ووجوبه عقلي، بمعنى أن العقل هو من يحتم البحث, وذلك للإجابة عن الأسئلة الفطرية التي تولد مع الإنسان (من خالقنا؟ من أين أتينا؟ والى أين نذهب), فإن هذه الأسئلة يجب على العقل الإجابة عليها, ومن حيث كون هذا الوجوب هو وجوب عقلي فلا بد إذاً من تحصيل أجوبة لهذه الأسئلة. والدليل على كون وجوب البحث عن العقيدة هو عقلي هو (دليل دفع الضرر المحتمل) وهذا ما يذكر في علم الكلام ومفاده يتبين بالمثال التالي: قد يقدم إلى شخصٍ ما قدح ماء وهو يشعر بالعطش الشديد لكنه يحتمل نسبة احتمالية ضئيلة جداً, بأن هذا الماء مسموم،, فمن البديهي هنا أن العقل سيبحث عن حقيقة هذا الأمر ولا يجازف قطعاً بتعريض نفسه للهلاك حتى يتأكد بالدليل القطعي من حقيقة هذا الماء, ونظير هذا الأمر يسري في مسألة البحث عن العقيدة، إذ إن العقل يعلم بوجود رسل قد جاؤوا برسالات سماوية وأن هناك خالقاً لا بد أن يُعبد وله أوامر يجب أن يطاع فيها, وأنه سيثيب من أطاعه ويعاقب من عصاه, وكلٌ من الجزاء والعقاب سيكون أبدياً، لذا يحكم العقل بوجوب البحث عن هذه الحقيقة ليكون آمناً. وهنا لابد من الإشارة الى أن هذه الأجوبة يجب أن تكون أساساتها أساسات عقلية وأدلتها يقينية قطعية لا ينفع فيها الظن ولا التقليد أبداً. وهناك أدلة من القرآن الكريم يمكن أن يرجع إليها الفرد بعد أن يحصل الأدلة العقلية فتكون أدلة إمضائية لما حصله العقل فتسنده وتقويه, وهي آيات كثيرة يحث الله تعالى عباده فيها على التأمل في خلقه جل وعلا, ومنها قوله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ) (2) بل إن الله عز وجل يؤكد على تقديم العقيدة على العمل في آيات عديدة, حيث قال عز من قائل (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (3) إن الله تعالى جهز الإنسان بآلات عديدة وكرمه بالعقل, وبه يستطيع أن يميز العمل الحسن من القبيح حتى وأن خُليَّ من الشريعة السماوية, حيث أعطى الله جل وعلا قابلية استحسان الصدق ونبذ الكذب, والركون الى الحب والسلم والنفور من البغض والعدوان, والرغبة الدائمة بالعدل ومقت الظلم, وما الى ذلك من أمور مشابهة لها, وعليه نستطيع أن نجزم ونقول بأن مسألة القبح والحسن هما أمران عقليان وجاء الشارع المقدس فأكّدهما وأمضاهما. فهنا هل من الممكن أن نعتمد على العقل باعتبار أن الحسن والقبح عقليان؟ في الحقيقة لا يمكن هذا عملياً وإن أمكن نظرياً، وذلك لأن العقل قد يتعرض للمؤثرات الخارجية من أفكار خاطئة وقضايا منحرفة أو لنقل نتيجة تلبس الحق بالباطل مما يؤدي الى عدم قدرة العقل حينئذٍ من التمييز بينهما, لذا لابد له ممن يسنده ويرشده ويقومه إذا ما مال وانحرف، وليس هذا إلا الشريعة, وحيث إن الله تعالى لطيف بعباده رؤوفٌ رحيم بهم, لذا أرسل الرسل ليقوموا العقل وليأخذوا بيده ليصل العبد الى ربه مطمئناً. وإذا تدبرنا آيات القرآن الكريم نجد أن الله تعالى أشار بأن من عمل عملاً وإن كان صالحاً فما لم يكن مصاحباً للعقيدة فإنه سيكون كالهباء المنثور في يوم عاصف لا أمل له ولا فائدة ترجى منه، كما في قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا)(4) إذاً الأساس في العمل وإن كان صحيحاً أن يكون متكئاً الى عقيدة تسانده وتقومه حتى يكون هذا العمل مثمراً. ________________________________ (1) بحار الأنوار للعلامة المجلسي/ج66/ص68/ ح22 (2) سورة آل عمران: آية 190 (3) سورة الرعد: آية 29 (4) سورة الفرقان: الآيات 21,22,23 يا مهدي أدركني
اخرىحَتَّی جَاءَ اليَقِین
بقلم: مريم الخفاجي كنتُ أختنق، حين الوحوش حُشِرت، نعم.. شعرتُ أنّه اليومُ المَوعُود، نظرتُ نظرةً فإذا كواكبهم قد انتَثَرت، ونُجُومُهم قد انكدرت، ورمقتُ سماءهم فإذا بها انفَطَرت، وشَمسُها قد كُوّرت، ودوّامة ما لها من قرار عصفت بي تلك الظّهيرة. كان كل شيء يُنبئ بأنّ غضب الله نازل لا محالة، تلبَّدَ الفضاء بالغيوم و بدا كأنّه يرعف دمًا، أحمرَ قانٍ، فلا لونَ يجرؤ أن يمحو شرّ بني آدم منه، ويحيله إلى أنفاسِ حياة. وحرتُ، أهو شفقٌ حزين، أم حزنٌ من حزن النبييّن؟ وتذكرتُ قولَ الملائكة حين قال اللهُ لهم "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ"؟ وأنا في دهشتي، كان ُيزعجني وقعُ أقدامهم المشؤومة حدَّ الثورة، وزاد بؤسها فيضُ الدّماء التي مازَجَتها، يحومون بخَتلِهم، وقد أزاحوا عن قلوبهم رحمة البشر. ذُهلتُ من بَطشِهم، ماذا يريدون؟ ها قد هدأت أنّاته، وقرّت أنفاسه، وأسبل أطرافه المُنهَكة... وأُفعِمَت رأَتي بدمِه الذي يفُور غَيرةً على الخِيام، وحرائرِ بيت النَّبي (صلى الله عليه وآله). ألم يكن القوم يطلبونه؟ ها قد بلغوا مُناهم، ها قد ملأت طعناتهم جسده، واستحييتُ كيف أمنع صدوعي عنه فلا تحرق الجِراح. حتى هممتُ أن أتفجّر غضبًا، لكن... كبحت جماحي، لقد استوقفتني جراحاته، خشيتُ أن تُنكأ، ولستُ أقوى على أنّةِ الحسين (عليه السلام) الخَافتة، وصرخاته المكتومة بين أضلاعه المتكسّرة. وبدأتُ أصرخ بكظم صوتِي : "يا مَن يَعلَم ضَميرَ الصَّامِتين، لكلِّ مسألةِِ منكَ سمع حاضر وجواب عتيد". فأتت من خلفِ الأحزان تُهَروِل، ولم يكن بمقدوري عدُّ المرّات التي سَقَطت بها على وجهها وهي تتلقاني بيديها المتشققتین من نار أضرموها بالخِباء، كانت يُغمى عليها تارة فتشتد خشيتي حين أفقد حرارة أنفاسها، فتصحو أخرى، وأنا أكرر بسكون: "اللهمّ و مواعيدك الصّادقة، يا كاشف كُرب المَكروبين أَغِث كربي، وأعني على حمل جَسَد وليّك المضرّج".. وهي تصرخ شاكيةً، یُشجي صوتها عوالم الملكوت: "يا مُحمداه، هذا حسينٌ بالعَراء، مرمّل بالدّماء، مُقطّع الأعضَاء"... فوجم القومُ مبهوتين، وبانَ عظمُ الجريمة حين علت أصواتُهم بالبُكاء والعَويل... وتخيلتُ أنّ أمر الله واقع، لا شكّ أنني سأسِيخ بالعَالَمين، وتأهبتُ جيدًا، فما هو إلا صوتٌ من عِنان السّماء يأتي بقرارِ القَهّار المُنتقِم، وحينَها سَأُخسَفُ بقومٍ جاحدين، لتستحيل ذراتي شررًا كالقَصر كأنّه جمالة صُفر، وأغشيهم بالعذاب، فأثأر لابن فاطمة. وفجأة؛ شعرتُ أنّ كل شيء انتهى، فلم يعد ذاك الحِمل الذي أثقل كاهلي كما كان، وتناهى إلى سمعي قولُ امرأةٍ ثكلى خَفِرة تنحَب وتتمّتم برضاً وهي جاثية: "اللهم تقبّل منّا هذا القربان"... ورنت للسّماء تسليمًا، وكأنّها كانت تقرأ علامات القبول بعين أصحاب اليقين. لقد رَفَعَت جَسَدًا بلا رأس، بكفّين ملؤهما توكّل وصَلاَبة، كانت تحركه بِحَنان، وكأنّها هي وحسب ما يمكنها حمل ثقل الأولياء، حاولَت أن تُبعد حبّات رملي المتشرفة بتقبيل مواطن الطَّعنات، وتزیح أشواكي المُدمِية، فازددتُ خجلًا، لاشكّ أنّ ذلك يزيد شجاها. ثم أعادته بروِيَّة، وهي تَهمِس في أعمَاقي، تُصَبِّرني، تُخبِرني أنّ ثقلاً من نوع القضيّة حملته معها، و ربّتت علي بِحُنُوّ. يا لهفي؛ لولا تربيت كَفَّيهَا، لم أطق حمل وصيٍّ كريم. لم أنفرد تلكَ اللّيلة بمُواسَاتِها، فبعد أن التهمت ألسِنة النّار الخِيام، وبعد أن نفخَ إبليس شرًّا حَدَّ الغيظ في نفوس بعض بني آدم، وهو لمّا يزل يحتَنِكهم واحداً تلو الآخر، هناكَ نَهَبُوا، وسَلَبوا، وأعاثوا في الأرواح الأوجَاع. فقصدت سليلة الأنبياء بقيّة أخيها. كان يتمَلمَلُ تململ العَلِيل، يجودُ بِنَفسه، وكلّ شيء يَميل حزنًا مَعه. كيف لا، وهو يرى كلّ شيء استحال رمادًا، حتى البراءة نُحرت غيلة بسهمٍ ذي شُعبٍ . واختنق صدر الخَلائِق، وعُدنا لنختنق معه من جديد، وبدأت الموجودات تبتهل: - اللهمّ كم من همِّ يضعف فيه الفُؤاد، وتقِلّ فيه الحِيلة، أنت رجاءنا في كل شدّة، أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السّوء، اكشف الضُرّ والسُّوء عن وَلِيّك... وحين بلغت القلوب الحَناجِر، سَمعِنا صوتها النَحِیل المتوشّح بالصّبر من جديد يقول: - "مالي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي"؟ أناخ رَحل شَكواهُ في قلبِ عَمَّتِه العَالِمة فقال: - "وَ كَيْفَ لَا أَجْزَعُ وَ أَهْلَعُ وَ قَدْ أَرَى سَيِّدِي وَ إِخْوَتِي وَ عُمُومَتِي وَ وُلْدَ عَمِّي وَ أَهْلِي مُصْرَعِينَ بِدِمَائِهِمْ مُرَمَّلِينَ بِالْعَرَاءِ مُسَلَّبِينَ لَا يُكَفَّنُونَ وَ لَا يُوَارَوْنَ وَ لَا يُعَرِّجُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ وَ لَا يَقْرَبُهُمْ بَشَرٌ كَأَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الدَّيْلَمِ وَ الْخَزَر". أدارت بوجهها نحوه، تُطيل النّظر وكأنّ عينيها المفجوعتين ما زال فيهِما مُتّسَع من القُوَّة يَستَسقي بهما وليّ الله جرعة يواسي بها فجيعته. ثم قالت: وهي تَستَعيد وصايا جدّها الصادق الأمين: - "لَا يُجْزِعَنَّكَ مَا تَرَى فَوَ اللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ لَعَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلَى جَدِّكَ وَ أَبِيكَ وَ عَمِّكَ وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ أُنَاسٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا تَعْرِفُهُمْ فَرَاعِنَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ هُمْ مَعْرُوفُونَ فِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ فَيُوَارُونَهَا وَ هَذِهِ الْجُسُومَ الْمُضَرَّجَةَ وَ يَنْصِبُونَ لِهَذَا الطَّفِّ عَلَماً لِقَبْرِ أَبِيكَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ لَا يَدْرُسُ أَثَرُهُ وَ لَا يَعْفُو رَسْمُهُ عَلَى كُرُورِ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ وَ لَيَجْتَهِدَنَّ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَ أَشْيَاعُ الضَّلَالَةِ فِي مَحْوِهِ وَ تَطْمِيسِهِ فَلَا يَزْدَادُ أَثَرُهُ إِلَّا ظُهُوراً وَ أَمْرُهُ إِلَّا عُلُوّا". فأزالت حزنه العميق، وهدّأت من روعه، حتى سكَنَ قلب حُجّة الله. عجبًا، يا سِرّ زينب الذي أحَالت به اضطرابَنا إلى سكونٍ، وهوّنت به قيدَ السّلاسِل وأذابت القيود فالتفّت على أعناقِ الظّالمين، حتى عَصف بهم الأَرَق، ولم يغادِر الحُسَين (عليه السلام) كما أرادُوا، ولم يُغَيّب ذِكره، وما برِحَ يلوحُ عَلَمه عَالِياً عَالِيا. ما زلتُ أذكر نبوءة زَينَب، حتّى تحقّق الوَعد. فمذ رَحَل الحُسَين (عليه السلام)، وهي لَمَّا تزل تَعِدُ بوعد الله للأنبياء، أن "كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزيز" وسمِعتُ صَوتها يَرِنّ من على منبرِ الجُمعة، حين اجتهد أئمة الكُفر وأشيَاع الضّلال في مَحو اسم حُسَينها، فعادَ وعدها من جديدِِ ليَختَرِق جِدار الزّمن عِبر مئات السِّنين ويَتَمَثّل على لِسان وليّ من أولياء الله قائلًا: - "إنّ مَن يُضحِي مِنكُم في سَبيل الدِّفاع ِعن بَلَده وأَهلِه وأعراضهم فإنّه يكون شهيدًا". نعم كان صوتها، ما برحتُ أعرِفه، ما فتئتُ أختزله في كلّ أجزائي الصغيرة، فإنّ فيه من لَحنِ الأوصِيَاء. وأيقنتُ توًا أن جميل زينب (عليها السلام) الذي رأته هو إحياء قلوبِِ في زمنِِ جفّت فیه ینابیع الضّمِیر.
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى