تشغيل الوضع الليلي

جهود النبي الأكرم في تثبيت بيعة الغدير (1)

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 1553

بقلم: بــاقــر جمــــيل
تعتبر حادثة الغدير الحدث الإسلامي الأبرز والأعظم في الإسلام ، وهو أكثر الأحداث محاولة لتزويره وتغييره وتبديل مفاهيمه على الناس، ولم تبق وسيلة إلا واستخدمت في هذا الأمر ، ولو أن الباحث البسيط استطلع على الإشكالات التي أوردها المخالفون والمنكرون على بيعة الغدير لرأى العجب العجاب، ولتحيّر فكره من شدة الجهل والسطحية الفكرية التي تجعل أشهر قضية في الإسلام واوضحها بيانًا يلفق عليها هذا الكم الهائل من التدليسات في مفهومها و دلالتها، والأعجب منها انها خصت رجلا واحدًا فقط، وهو صاحب بيعة الغدير ، وكأن حسد قريش والعرب كله تجمع واجتمع في هذا الرجل الكبير ، فجعلت اجتماعها في أقوى مراتبه وقوته للنيل من الإسلام، ولكن بطريقة مختلفة عن سابقتها، والأسلوب الان هو الضرب من الداخل وعزل وحجز صاحب الحق نهائيا، وهو التطبيق الأوضح لقوله تعالى (انقلبتم على أعقابكم)، نعم هو الانقلاب الأعظم في الاسلام برمته، ولم يكن انقلابًا عسكريًا فقط، بل رافق جوانب تأويلية وفكرية وتفسيرية اخرى لتدعم جانبهم العسكري، وهذا أول تأسيس لجعل الدين في خدمة السياسة، على عكس ما يقوم به النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) سابقا.
ومن أهم هذه الأمور التي أثارت في نفوسنا أن نبين ونرد عليها بشكل بسيط وميسر، هي مقولة ترددت على ألسن بعض المستشرقين والباحثين ومنهم المستشرق الألماني (وليفرد مادلونغ) في كتابه: خلفاء الرسول في الخلافة الراشدة، عندما ذكر سؤالًا ولم يجب عنه، ومفاده: (لماذا قصّر النبي في وضع برنامج مناسب لتعيين من يخلفه بعد وفاته؟)
ونستغرب من هكذا سؤال سطحي ، وغير مدروس، حيث يسأل عن مكان الشمس وهو في رابعة النهار؟! ولا نعرف أيضًا هل أن المستشرق الألماني نسي احاديث وأفعال النبي (صلى الله عليه وآله) منذ بداية دعوته الى قبيل وفاته بالطرق والآليات التي اتبعها (صلى الله عليه وآله) في سبيل تثبيت بيعة الغدير أم لا؟
والقول الآخر هو ما يدعيه بعض الباحثين من أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد وضع برنامجًا معينًا لتنصيب أمير المؤمنين وتثبيت بيعته، لكنه فشل في إقناع الناس بخلافة أمير المؤمنين ولم يستطع أن يقنعهم بشكل كامل وصحيح؛ لذلك نرى تخلّف وابتعاد الناس عنه (عليه السلام) وقبولهم بمقترح السقيفة، وهذا أيضًا أشد سطحية من الذي قبله؟! ونحب ان نورد بعض الذي كان وما يزال واضحًا لدى أي باحث بسيط أمثالنا من شواهد ودلائل كثيرة تجعل الانسان على يقين من ان جهود النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) في هذا الامر كبيرة وعظيمة ، ولا يمكن ان تشوبها شائبة إطلاقًا.
وبما أن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) هو الأعرف بالطريقة المناسبة لترغيب الناس بهذا الامر، و بالمخاطر التي تحدق بمشروع الله المكمل للنبوة ، و بالموانع التي تمنع من إعلان البيعة بشكل مفاجئ وغير مسبوق لأمير المؤمنين عليه السلام ، فقد صار النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يتبع الكثير من خطوات تثبيت البيعة والتمهيد بطرق مختلفة لذلك، لأنه يعرف مجتمعه بشكل كبير ، وهو مطلع على قلوبهم وما تخفيه من حقد دفين على وصيه الوحيد، ولم يكن هذا الحقد يعرفه النبي (صلى الله عليه وآله) فقط، بل كان واضحا لعموم الناس، من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان غير مرغوب فيه في الأوساط العربية والقرَشية، والأسباب على ذلك كثيرة، منها الحسد، ومنها الثأر أيام بدر وحنين، ومنها الحقد، ومنها طلب الحكم وغيرها.
وهذا واضح على لسان عثمان بن عفان عندما قال لعلي بن ابي طالب (عليه السلام): (ما ذنبي اذا لم يحبك قريش، وقد قتلت منهم سبعين رجلا، ووجوههم كسيوف الذهب)!
أو كما يقول الإمام السجاد (عليه السلام) في جوابه لسؤال: ما أشد بغض قريش لأبيك؟ فقال: ( لأنه أرود أولهم النار ، وألزم أخرهم العار ).
و صحيح كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) الحصة الأكبر من كره قريش له، إلا ان ظاهر هذا الكره عم على أغلب بني هاشم ان لم يكن كلهم، فهنا بن عباس يدخل على النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) ويشكو اليه ما تفعله قريش بهم فيقول له: (انا لنخرج فنرى قريش تتحدث، فإذا رأونا سكتوا . فغضب النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) ودر عرق بين عينيه).
كل هذه الأحداث كانت واضحة أمام النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بخصوص وصية وما يعانيه من عدم رغبة الناس به ، مع أنه لم يكن يعبأ بهم إطلاقا لأن ما فعله كان خالصًا لوجه الله تعالى، ولم تكن قضية شخصية إطلاقا، بل دينية خالصة وبتأييد وتسديد من الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) بشكل قطعي.
ومع كل هذه المعارضة الواضحة لدى النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)، لكنه لم يدخر جهدا ولو بسيطا في تثبيت هذه البيعة قبل حدوثها حتى قبيل استشهاده صلى الله عليه واله ، وجاء هذا الاهتمام لأسباب كثيرة منها:
الاول: هو الامتثال لأمر الله تعالى، القاضي بزرع مفهوم الإمامة لدى عامة الناس كما زرع مفهوم النبوة والرسالة وبشكلها الختامي (أي لا نبي بعدي ، وكل من يدعي خلاف ذلك فهو كاذب)، وتأديته للأمانة التي حملت اليه بشكل صحيح وحذر بنفس الوقت، ولا بد للناس أن تعرف هذا الوصي وتعترف بعلمه وفضله بشكل يقيني لمعرفة مصيرهم وتحديد قطب الرحى الذين يلتفون حوله بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وقبل الشروع في بعض الأفعال والأقوال التي مارسها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في سبيل تثبيت بيعة الغدير نرد على مسألة الفشل التي نسبت للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في عدم إقناع الناس بما يخطط له فنقول :
أولًا: لقد كان هناك علم يقيني من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من أن اغلب الناس لا تؤمن بما جاء به الأنبياء ولا بما جاء به هو ، وإلا فلا داعي لإرسال كل هذا العدد الهائل من الانبياء والأوصياء في سبيل هداية الناس، فإرسالهم بهذا الكم من الانبياء والرسل هو لعدم إيمان الاغلبية الساحقة من الناس بالله تعالى. كما ان الله تعالى كان صريحا في تصنيف بعض الناس ومدى تعاملهم من الانبياء فقال تعالى (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) وهذا الكلام صريح أيضًا في ان عدم الايمان يكون سببه الاستكبار وتحكم النفس والهوى على العقل ، ولا دخل لتقصير الانبياء والعياذ بالله تعالى في تبليغ رسالتهم ،ويضيف تعالى بشكل واضح أيضا: (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)الانفال 63 . فعدم ايمان أو تقبل الناس لفكرة النبي الأكرم فيما يخص الغدير أو غيرها لا تعني بالضرورة ان النبي فشل فيما يصبو اليه إطلاقا، بل لان اكثرهم للحق كارهون وهذا شيء واضح ولا يحتاج الى توضيح أكثر .
ثانيًا: لو كان عدم إيمان الناس يعني فشل صاحب المشروع ، فهذا ينجر على بقية الانبياء عليهم السلام ، وبالتالي تصبح بعثة هذا العدد الكبير منهم عبثا ولا حاجة له ، لان الفشل مصيره حتما (كما يقال)، لكن الأمر ليس كذلك أطلاقا وبعض الأسباب مذكورة في النقطة الاولى .
ثالثًا: الفشل يكون عند عدم استخدام الوسائل المتاحة والصحيحة في عملية اقناع الاخرين وتوصيل ما يبتغيه الشخص للناس والمتمثل بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وهذا ما سنتحدث عنه في كيفية تعامل النبي (صلى الله عليه وآله) مع هذا الموضوع الخطير ، والواقع يقول ان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يدخر جهدا في ذلك أبدًا.

اخترنا لكم

خاطرة

مكروه السواد... فالمسافة بينه وبين الحب عتمة... ولكن، كان الحسين (عليه السلام) حبّاً وجرحاً فتوشح كل شيء بالسواد… بل توشح الحب سوادًا…

اخرى
منذ 5 سنوات
725

نجومٌ عاشورائيةٌ (13) بكاءُ الإمامِ الحُسين (صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه)

بقلم: يا مهدي أدركني رحلةُ عاشوراءَ كقافلةٍ تمرُّ بذكرياتٍ لها رائحةُ الحزنِ والبكاء، فما إنْ تهب رياحُ شهرِ محرمٍ حتى توقِظُ فينا الحياة، ونسمعُ أنينًا ونحيبًا يملأ الطُرُقات... صورٌ بطعمِ الشجاعةِ والقوّةِ مُختلطةٌ بدموعِ الرجال، قد يتوهمُ البعضُ للوهلةِ الأولى كيفَ للدموعِ أنْ تجتمعَ بصورِ البطولةِ والشموخِ والإباء... سؤالٌ لطالما يتردّدُ على الألسنِ: كيفَ للإمامِ الحُسينِ (صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه) الذي أمرَ أختَه الحوراء (عليها السلام) أنْ لا تبكي أمامَ الأعداءِ كي لا يشمتوا بها، فيبكي هو وتسيلُ دموعه الشريفة؟! وكيف للقوةِ والشجاعةِ أنْ تجتمعَ مع الضعفِ والبكاء؟ لتوضيحِ ذلك نطرحُ الأمرَ على شكلِ نقاط: الأولى: معنى البكاء يُعدُّ البكاءُ حالةً من حالاتِ النفسِ الإنسانية، تكشفُ عن حالةٍ عاطفيةٍ يمرُّ بها الإنسانُ وتكونُ ناتجةً عن ألمٍ أو حزنٍ أو غضبٍ أو خوف. فهو إذن صفةٌ إنسانيةٌ، وكُلّما كانت هذه النفسُ الإنسانيةُ شفافةً طاهرةً كانَ انفعالُها العاطفي أشدَّ وأسرع، فهي علامةٌ لرقةِ القلوبِ ونقائها، وإنّ اتصافَ الفردِ بها على نحو التوازنِ يكونُ كمالًا له لا نقصًا. الثانية: هل هناكَ تضادٌّ بين الاتصافِ بالشجاعةِ والبكاء؟ هُنا لا بُدَّ أنْ نعلمَ بأنَّ التضادَّ هو استحالةُ اجتماعِ بعضِ الصفاتِ في الشيء الواحدِ من جهةٍ واحدةٍ وفي آنٍ واحد، فيجبُ أنْ تتوفرَ الشروطُ المُتقدمةُ وإلا فلا مانعَ من تواردهما على الشيء الواحد إذا لم تتوفرْ بقيةُ الشروط، فإنّ البرودةَ والحرارةَ مثلًا من الصفاتِ المُتضادة إذا ما توفّرتِ الشروطُ المتقدمة. أما إذا كانَ نفسُ الجسمِ باردًا في آنٍ مُعينٍ وحارَا في آنٍ آخر بعد تعرُّضِه للنارِ مثلًا، فهُنا لا يستحيلُ اجتماعُ هذين الوصفين في الجسمِ الواحدِ، وهذا بشكلٍ عامٍ يشملُ جميعَ الصفات. أمّا بخصوصِ البكاءِ الذي هو محورُ بحثِنا هذا فنقول: كما تقدَّمَ أنَّ البكاءَ حالةٌ نفسيةٌ وتعكسُ حالاتٍ عديدةٍ، فمنها الخوفُ كبكاءِ الأطفالِ أو بكاءِ الشخصِ الجبان، وقد تكونُ دلالةً على رِقّةِ القلبِ أو الخشوعِ أو الحزن، فأمّا الأولُ فمن المُمكن أنْ يكونَ صفةً مُضادةً للشجاعةِ فيما إذا اجتمعتِ الشروطُ التي تمَّ ذكرُها آنفًا. أما الثاني فهو دلالةٌ على حالاتٍ أخرى تعتري النفسَ كالألمِ والحزنِ، وهُنا لا يتحققُ التضادُّ بينها وبين الشجاعة، فإنَّ حالاتِ الخشوعِ والرقةِ والرحمةِ ممكنٌ أنْ تجتمعَ مع الشجاعةِ والبطولة. الثالثة: الدليلُ على أنَّ البكاءَ والحزنَ من صفاتِ المؤمنين خيرُ ما نستدلُّ به على ذلك هو القرآنُ الكريم؛ إذ جاء وصفُ البكاءِ في آياتِ على سبيلِ المدحِ لا الذم، ومنها: 1- قولُه (تعالى): "إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا* وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً* وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً"[الإسراء 107-109] ففي هذه الآيةِ يصفُ اللهُ (تعالى) المؤمنين، ويجعلُ البكاءَ دلالةً على خشوعِهم. 2- وقوله (تعالى): "وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ"[المائدة 83]، فإنَّ النفسَ إذا ما تطهّرت فإنّها ستكونُ وعاءً للحقِّ؛ فإذا ينكشفُ لها الحقَّ ترِقُّ القلوبُ وتفيضُ العيون، وهذه أيضًا من صفاتِ المؤمنين كما هو واضح. 3- وقوله (تعالى): "وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ"[يوسف84]، وهُنا نجدُ أنَّ اللهَ (تعالى) وصفَ حالَ نبيّه يعقوب (عليه السلام) كيف كان يُكثِرُ من البكاء حتى أدّى به إلى أنْ يفقدَ بصره. وهناك آياتٌ كثيرةٌ يُمكِنُ مراجعتها في كتب التفسير، وفي المقامِ نقول: إنَّ الله (تعالى) عندما جعل هذه الصفة من الصفاتِ اللائقةِ بالمؤمنين، بل هي من الصفاتِ التي ليس من السهولةِ الحصولُ عليها إلا بعد أنْ يتمحّضَ الإيمانُ في قلبِ المؤمنِ ويجاهدُ نفسَه ليرتقي سلالمَ الكمالَ لينال هذه الدرجة من الخشوع وتجلّي الحق له، عندها ستكونُ من الصفاتِ الممدوحة لا المذمومة كما يتصوّرُ البعض. الرابعة: نكتة عقائدية إنَّ من شروطِ النبوّةِ والإمامةِ العصمةَ؛ (وهي عدمُ الوقوعِ في الخطأ سهوًا أو عمدًا)، وأنْ يكونَ المعصومُ أفضلَ أهلِ زمانِه خلقًا وخُلُقًا وعلمًا وما إلى ذلك من صفاتٍ، وإلّا سيكونُ ترجيحه على غيره في هذا المنصب ترجيحًا بلا مُرجِّح أو للمرجوح. وعليه، نجدُ أنَّ الأنبياءَ والأئمةَ (صلوات الله وسلامه عليهم) أفضلُ أهلِ زمانِهم على الإطلاق، وإنَّ كُلَّ ما يصدرُ منهم من أفعالٍ وكلامٍ يكونُ على أعلى درجاتِ الكمال التي يُمكِنُ أنْ يصلها المخلوق. وهذا يعني أنَّ المعصومَ لا يتصفُ بالصفاتِ الرذيلةِ القبيحةِ كالخوفِ المذموم والجبن وما إلى ذلك، وأنّ بكاءه إنّما يكونُ منشؤه العاطفةَ والرحمةَ والإيمانَ والخشوعَ بصورةٍ متزنةٍ تُلائمُ الظرفَ الذي هو فيه، وأنّ كُلّ فعلٍ يقومُ به -ومنه (البكاء)- فهو لغرضٍ وهدفٍ ونكتةٍ تربويةٍ وإن كنا نجهلها في بعض الأحيان. هذا بالإضافة إلى أنَّ بكاءَ المعصومِ فيه إشارةٌ إلى أنّه لم يخرجْ من حدودِ الإنسانيةِ فهو وإنْ كان معصومًا ولكن هذا لا يُنافي كونه إنسانًا خُلِقَ على نفسِ التركيبة التي خُلِقَ منها سائرُ البشرِ؛ لأنه فردٌ من هذا النوع البشري، وأنّ لديه قوىً نفسيةً يتشاركُ بها مع بقيّةِ أبناءِ نوعه. الخامسة: مواطنُ بكاءِ الإمامِ الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) يومَ عاشوراء: إنَّ الأحداثَ التي جرتْ في اليومِ العاشرِ من محرم كانت من القساوةِ التي لا يُمكِنُ أنْ توصفَ ولا يُمكِنُ لأي شخصٍ أنْ يتخيّلَ حقيقةَ المصابِ الذي جرى على أهلِ البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، فقد شاهدَ الإمامُ الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) كيفَ أنَّ أصحابَه وأهلَ بيته وإخوته وأولاده يُقتَلون وتُقطَع أوصالُهم أمامَ مرأى ومسمع منه، بل إنّ لمشهدِ مقتلِ الطفلِ الرضيع من الألمِ ما تنهدُّ لأجلِه الجبال الرواسي؛ إذ كيفَ لأبٍ أنْ يُذبَحَ رضيعُه في حضنِه من الوريدِ إلى الوريد؟! فكيف بقلبِ مولانا الإمامِ الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، ألا يبكي من شدَّةِ تلك المصائب وهو يحملُ في داخله قلبًا نقيًا طاهرًا شفافًا؟ ومن تلك المواقف التي شوهدت فيها دموعُه الشريفةُ وهي تجري على شيبتِه الكريمة: الأول: بكاؤه على علي الأكبر (صلوات الله وسلامه عليهما)، فعند مصرعِه وقفَ (عليه السلام) يقولُ: لعنَ الله قومًا قتلوكَ يا ولدي، ما أشدَّ جرأتِهم على الله وعلى انتهاكِ حرمِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، وأهملت عيناه بالدموع(1) الثاني: بكاؤه على أخيه العباس (صلوات الله وسلامه عليهما) عند مقتلِه، قال الإمام (عليه السلام): واعباساه! وامهجة قلباه! وحملَ عليهم وكشفَهم عنه، ونزلَ إليه وحملَه على جوادِه فأدخلَه الخيمةَ وبكى بكاءً شديدًا(2) الثالث: مقتلُ الطفلِ الرضيع، فقد قال (عليه السام): "اللهم إنّك شاهدٌ على هؤلاءِ القومِ الملاعين، إنّهم قد عمدوا أنْ لا يُبقونَ من ذريةِ رسولِك (صلى الله عليه وآله) ويبكي بكاءً شديدًا..."(3). وفي روايةٍ أخرى عندما وقعَ السهمُ في نحرِه بكى الإمامُ الحسين (عليه السلام) وقال: "اللهم احكمْ بيننا وبين قومٍ دعونا لينصرونا فقتلونا"(4) الرابع: بكاؤه عند بلوغِه خبرَ مقتلِ مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) وقيس بن مسهر الصيداوي (رضوانُ الله (تعالى) عليهما) بعد أن قتلهما عبيد الله بن زياد في الكوفة(5) الخامس: بكاؤه (عليه السلام) على الحرِّ الرياحي (رضوان الله (تعالى) عليه)(6) فإنَّ هذه المواطن الخمسةَ المتقدمة –مما وجدناه حسب الاستقراء الناقص- كان دافعُ البكاءِ فيها هو الحزنُ الشديدُ على ما أصابَ أولادَه وأصحابَه في سبيله. وهذا لا يُنافي صورُ الشجاعةِ التي كان يضربُها (صلوات الله وسلامه عليه) في ميدانِ المعركة، بل نقولُ إنَّ عدمَ البكاء في هذه المواقف إنّما يدلُّ على قساوةِ القلبِ وتجرُّدِه من العاطفة، وهذا في الحقيقة أمرٌ ممقوتٌ تنفرُ منه النفسُ الإنسانية؛ لأنّ التجرُّدَ من العواطفِ هي في الحقيقة حالةٌ عدميةٌ تفتقرُ إلى الكمالِ الفطري الذي أودعه اللهُ (تعالى) فينا. ختامًا نقول: إنَّ بكاءَ الإمامِ الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) لم يكنْ بكاءَ ضعفٍ، أو هزيمةٍ كما يتوهمُ البعضُ، وإنّما في الحقيقةِ كان يُمثِّلُ القوةَ الإنسانيةَ المُتكاملةَ المُتجسدةَ في شخصِه (صلوات الله وسلامه عليه) الناتجةَ من نفسٍ عظيمةٍ رؤوفةٍ، صنعتْها مبادئُ الإسلامِ الأصيلةُ التي ارتوت من نبعِ جدِّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) الذي شوهدَ يبكي مرارًا وفي مواطنَ عديدةٍ ومنها بكاؤه على عمِّه الحمزة (عليه السلام) عند استشهاده في معركةِ أُحُد، فقد قال ابنُ عبد البر وغيره: "لمّا رأى النبيُّ (صلى الله عليه وآله) الحمزةَ (عليه السلام) قتيلًا بكى، فلمّا رأى ما مُثِّلَ به شهق..."(7). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- ينابيع المودة/ ص 415، مقاتل الطالبيين 115، اللهوف 167 2- ينابيع المودة/ 409 3- ينابيع المودة / ص415 4- منتهى الآمال/ج1/ص535. 5- الفتوح/ 5/110- 145. 6- نفس المصدر المتقدم 7- النص والإجتهاد / ص293

اخرى
منذ 4 سنوات
401

من يضع العصا في عجلة الإصلاح؟

بقلم: حنان الزيرجاوي الصراع بين الخير والشر هو صراع أبدي، فما من مصلح إلّا ويقابله مفسد يعمل بالضد منه، والأمثلة على ذلك كثيرة تمتد على طول التاريخ البشري، ولعل الأنبياء والأوصياء هم أكثر من كافح في سبيل الإصلاح وأكثر الناس تعرضًا للظلم والقتل والتنكيل. الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) أعظم مصداق للمصلح، يقول في حديث شريف له: (ما أوذي نبي مثلما أوذيت)، وهذه الحقيقة تعكس الصعوبات والمخاطر والمحن التي ترافق عملية الإصلاح، بدأت معاناة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) منذ بداية البعثة ونشر مبادئ الدين الإسلامي الحنيف لإصلاح الأمة وايقاظها من دوامة الجهل والعبودية، ومما كانت عليه من ظلم وجور واضطهاد، إذ شرع الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بتطبيق القوانين والتعاليم الإلهية ليصلح واقع الأمة المزري آنذاك، وانتشال أفراد المجتمع من مستنقع الوحل والظلام المستبد، لكن هذا الإصلاح لم يرق للفاسدين والجهلة، فقاموا بمواجهة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ووضعوا العراقيل أمام مسيرته الإصلاحية، فعانى ما عانى من قريش وغيرها حتى التحق (صلى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى بعد أن أدى رسالته السماوية العظيمة... ولقد واصل أهل بيته (عليهم السلام) نشر تلك الرسالة بتكليف إلهي وتولوا مهام الاصلاح في زمانهم وقوبلوا بالرفض، تعرضوا لأبشع أنواع الظلم من قبل المفسدين الذين لا يريدون نشر العدل والمساواة بين المجتمع، فهم ضد حرية الإنسان وتحرره، لذلك عندما خرج الإمام الحسين (عليه السلام)، خرج مصلحًا للمجتمع آنذاك وقال في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية ليبين هدف خروجه (إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)... وكانت ضريبة الإصلاح عظيمة تمثلت بسفك الدماء الطاهرة لآل البيت (سلام الله عليهم) والثلة الطيبة الذين كانوا معهم من قبل فراعنة ذلك الزمان ومفسديه، وبذلك رسم سيد الشهداء خارطة الاصلاح بدمه الطاهر وصار أعظم مثال لكل منتفض وثائر من أجل الإصلاح. في استقراء حياة المصلحين نجد أنه لا بد من وجود قائد مصلح واتباع على درجة عالية من الوعي وهذا ما كان عليه انصار سيد الشهداء، وتستلزم عملية الاصلاح في كثير من الاحيان التضحية بالغالي والنفيس في سبيل هدف سامٍ وقضية عظيمة، كما لا بد من تشخيص مكامن الفساد وكيفية مجابهته لا سيما في زمن الفتن وتضليل الحقائق. ولخطورة هذا الموضوع تطرقت له المرجعية الدينية العليا متمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله الوارف) حددت الفئات التي تستهدف العملية الإصلاحية وذلك من خلال خطبة الجمعة في (4 آيار 2018 م) حيث قالت: إن الفئات أو الطبقات (الثلاثة) المُعارضة للعملية الإصلاحية هي كالتالي: ـ الفئة الأولى: وهي الطبقة المتنفّذة والمتسلطة في المجتمع، ويعود ذلك إمّا بسبب موقعها السياسيّ أو المالي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الإعلامي حتى تسلّطت على مختلف شؤون الحياة للناس، وهذه الطبقة هي الأكثر تمرّدا ً ورفضا ً للحركة الإصلاحيّة بسبب استكبارها وخشيتها من فوات مصالحها السياسيّة أو مصالحها الدنيويّة، وأنفتها واستعلائها وهي الأكثر خطرا ً على الحركة الإصلاحيّة والأكثر ضررا ً بالحركة الإصلاحيّة. ـ الفئة الثانية: وهي الطبقة الجاهلة أو (غير الواعية) التي ليس لديها الوعي الكافي أو النضج الكافي بالحركة الإصلاحيّة، وهؤلاء الذين ينساقون ويسيرون وينعقون خلف كلّ ناعق، خصوصًا مع وجود الوسائل الإعلاميّة القادرة على التضليل والتجهيل، هؤلاء بسبب قلّة وعيهم وعدم نضجهم وعدم دراستهم لحقائق الأمور يسيرون خلف كلّ جهة، خصوصًا تلك الجهات التي تملك التأثير الإعلاميّ الواسع وتنهج نهج التضليل والتجهيل، ويقفون ضدّ الحركة الإصلاحيّة. ـ الفئة الثالثة: وهي الطبقة التي تتحكّم بها الأهواء والشهوات والأمزجة الشخصية، وتسير أحيانًا خلف نزعاتها القوميّة أو العشائرية، أو تكون أسيرةً لفكرها في الماضي ولا تقبل أيّ نقاش في هذا الإرث الفكري الماضي لها. وهذه الطبقات (الثلاثة) يكون موقفها سلبيًّا تجاه الحركة الإصلاحيّة، كونهم جميعًا واقعين في العمى القلبي والنفسي الذي يجعلهم يرفضون دعوة الإصلاح، ويكون موقفهم سلبيًّا تجاه حركة الإصلاح ويمنعهم بالتالي هذا العمى القلبيّ من رؤية الحقّ واتّباعه.

اخرى
منذ 5 سنوات
1810

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76858

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56660

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44128

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43544

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40363

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33543