تشغيل الوضع الليلي
خاطرة
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 684
مما علّمتني إيّاه الكلابية:
رُبَّ زوجةِ ابٍّ تُخلص بتربيتها لأبناء زوجها، افضل من ألف أمٍ لم تُحسن النية بتربية ابنائها!!
اخترنا لكم
العــدل الإلهي في كلمات السيدة زينب (عليها السلام) (2)
ثانياً: فــي خطبتـهـــا فــي مجلـــس الإمـــارة فــي الكوفـــة قولها (سلام الله عليها ) : " ما رأيت إلا جميلاً "(1) إشارة الى أن الجمال يكمن فيما أراده الله (تعالى) وقضاه وقدَّره وإن كان لا يتناغم مع رغبات النفس البشرية ، بل وإن سبَّب لها الألم وجر إليها الحزن والهم. وقد يُقال: كيف يمكن الحكم على واقعة كربلاء وما جرى فيها من جرائم بالقبح تارةً و بالحسن أخرى؟ ألا يعد الحكم على الشيء الواحد تارةً بأنه حسن وأخرى بأنه قبيح تناقضاً؟ وبالتالي لو كان الحسن والقبح عقليين لما اختلفا؟ ولكنه يُجاب: أولاً : إن وصف الأفعال بالحسن والقبح ليس على شاكلة واحدة، وإنما هو على أشكال متنوعة، وقد أوضح السيد الطباطبائي (طيب الله ثراه) ذلك في قوله : "فمن الأفعال ما حسنه دائمي ثابت إذا كان ملاءمته لغاية الاجتماع و غرضه كذلك كالعدل، و منها ما قبحه كذلك كالظلم" الى أن قال : "و من الأفعال ما يختلف حاله بحسب الأحوال و الأوقات و الأمكنة أو المجتمعات... و ضرب أمثلة على ذلك فقال : "و أكل الطعام حسن مباح إذا كان من مال آكله مثلا، و هو بعينه سيئة محرمة إذا كان من مال الغير من غير رضا منه لفقدانه امتثال النهي الوارد عن أكل مال الغير بغير رضاه، أو امتثال الأمر الوارد بالاقتصار على ما أحل الله" (2) و مما لا شك فيه أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يخرج بأهل بيته و أصحابه إلا امتثالاً لأمره (عز وجل) و بالتالي فإن كل ما تعرضوا له على قساوة منظر صورته الملكية ، فإنه الغاية في الحسن و الجمال في صورته الملكوتية . ثانياً : ذكر السيد الطباطبائي (قده) أيضاً : "إن الحسن موافقة الشيء و ملاءمته للغرض المطلوب و الغاية المقصودة منه " (3) وعندما ننظر الى واقعة كربلاء بهذا المنظار نجد أنها غاية في الحسن والجمال ؛ وذلك لأنها وإن أثقلت بكل ما تحمله من صورٍ تكلم الفؤاد كلماً ، ويعتصر لها القلب حزناً وألما ، فهي أيضاً أشرقت بقرابين عظيمة لله (تعالى) العظيم ، ولشرعه القويم ، كان هدفها إعادة الأمة المحمدية الى الصراط المستقيم ، حيث شرعت بالانحراف عنه منذ أن نُحّيَ عن منصبه مَن كان للرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) بمنزلة هارون من الكليم ، بيدَ أن مصلحة خاتم الأديان ورعايته من التحريف اقتضت من الله الحكيم أن لا يقوم بالإصلاح في الأمة إلا الذِبح العظيم ، الحسين الشهيد الذي وصفه بذلك القرآن الكريم . وعليه، فقد وصفت العقيلة زينب (عليها السلام) ما رأته بالجمال وذلك لــ (أن دين الاسلام الخاتم للأديان قد تعرض بسبب انحراف السلطة لخطر التحريف و التشويه ، بحيث تضيع معالمه ، ولا يتيسر الوصول و التعرف عليه لمن يريد ذلك ، كما حصل في الأديان السابقة ، وأن الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) قد واجه ذلك الخطر ، ودفعه بنهضته المقدسة ، وما استتبعها من تضحيات جسام )(4). وقد تأكد هذا المعنى أيضاً في زيارة الأربعين للإمام الحسين (عليه السلام) حيث نقرأ فيها : " فأعذرَ في الدُّعاءِ ومنحَ النُّصحَ وبذلَ مُهجتهُ فيك ليستنقذَ عبادكَ من الجهالةِ وحيرةِ الضَّلالةِ "(5) . ثالثاً : ما جرى في واقعة الطف قبيح ، وترك الدين بيد الطغاة يحرفونه كيفما يشاؤون قبيح أيضاً ، إلا أن ترك الدين يُحرّف والشريعة تُزيّف أقبح مما جرى في الطف ، وما جرى في الطف أحسن من تحريف الدين وتزييف الشريعة ، فيحكم العقل بالتعرض لواقعة الطف قضاءً لتقديم الأرجح على الراجح ، فإن تقديم الراجح على الأرجح قبيح عند العقل(6) كما أن قولها (صلوات ربي عليها ) : " ما رأيت إلا جميلاً " شهادةٌ لها بأنها قد حازت على أرفع درجات اليقين ؛ لأنه يمثل عين الرضا بقضاء الله (تعالى) و قدره ، و قد روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنه قال : "أعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا "(7) وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : " الرضا بمكروه القضاء من أعلى درجات اليقين "(8). وأما قولها (عليها السلام) : " هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ " (9) فقد جاء رداً على ما كان ابن مرجانة يحاول جاهداً ترسيخه في الأذهان لتبرأة ساحته و من كان معه متوسلاً بتحريف العقيدة الاسلامية -و قد كان و لازال هذا ديدن أغلب من يتخذون من دين الله الحنيف و المذهب الحق الشريف مسنداً لحكمهم- حيث قال : " كيف رأيت صنع الله بأخيك واهل بيتك؟" مُدعياً بسؤاله هذا أن ما وقع في الطف بكل ألوانه الوحشية المختلفة ، وبشتى أشكال الإجرامية المتباينة ، من قتل لصفوة البشرية ، الى تمثيل بالجثث الطاهرة الزكية ، الى رضِّ أضلع النفوس الراضية المرضية ، الى حرق الخيام على من فيها من العيال ، الى نهب التراث وسلب النساء والأطفال ، كل ذلك إنما هو (صنع الله)! وأن الجيش الأموي و من أمرهم بالخروج لم يكونوا إلا أدوات لتنفيذ ذلك الصنع الإلهي ، محاولةً منه لإسباغ الشرعية على الوحشية الأموية ، و تقديم المبرر الديني المشرعن على اقتراف تلك الجريمة النكراء ، و محاولة لتبرأة الوحوش البشرية . وقد وافق ادعاء ابن زياد هذا قول الأشاعرة بالجبر؛ وذلك لأن ادعاءه بأن الجيش الأموي لم يكن سوى أداة نفذت صنع الله هو عين القول الذي قالت به الأشاعرة من أن الانسان مجبرٌ على ما يفعل ، وأن الله (تعالى) كما خلق أعضاء الانسان فقد خلق أفعاله . وقد ثبت خطأ هذه النظرية ؛ لأنها تنسب الظلم إليه (سبحانه وتعالى) و إن لم تصرح بذلك ، و إلا فهل يمثل عقاب المُجبر على المعصية سوى الظلم؟؟ ولذا فقد ردت الحوراء زينب (عليها السلام) عليه قوله ، وهي العالمة غير المعلّمة حيث قالت: "هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ " فأسقطت بذلك نظرية الجبر التي حاول التمسك بها جملة وتفصيلا ، و أكدت أن فعل الانسان إنما هو مزيج من فعل الله (تعالى) و فعل الانسان نفسه ، من خلال عبارتها الموجزة المبنى و العميقة المعنى . فإن الله (عز وجل) قد كتب عليهم القتل أي الجهاد في سبيله و في سبيل إحياء دينه ، وهم (سلام الله عليهم) قد لبوا نداء الله(تعالى) ، و امتثلوا لتكليفهم بإرادتهم ، إلا أن من قتلهم هو أنت يا ابن زياد ولهذا فإن الله سيجمع بينك و بينهم يوم الحساب فتُقدم الحجج و الأدلة التي تدينك يومئذٍ ، و تخاصم من قبل من قتلتهم ، فانظر في ذلك اليوم لمن الفوز والظفر. وبقليل من التأمل نجدها (سلام الله عليها ) قد أشارت في عبارتها الى مسألتين مهمتين في العدل الإلهي وهما : أولاً : تفنيد نظرية الجبر في مسألة القضاء والقدر ، فقد أثبتت (سلام الله عليها ) بأن ابن زياد هو من قتلهم بكامل اختياره و بلا جبر من الله (تعالى) عليه بقرينة قولها : " وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم " و الله عادل بل هو العدل عينه ، و عليه لا يمكن أن يعرض للحساب فضلاً عن العقاب إلا من كان حراً مختاراً في فعله لم يجبره أحد على المعصية . ثانياً : مسألة العدل الجزائي ، أي إن كل إنسان سيجزيه الله (تعالى) بما كسب ، فيثيب المحسن على إحسانه ، ويعاقب العاصي على عصيانه ، و ذلك في قولها : " وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ " . وعلاوة على ما تقدم فقد تضمنت كلماتها تذكير الطاغية بعدم الاغترار بهذا النصر المزيف لأن النصر و الظفر الحقيقي سيكون يومئذ من نصيب الإمام الحسين (عليه السلام) وسائر شهداء الطف . وأما قولها: "واني لأعجب ممن يشتفي بقتل أئمته ، ويعلم انهم منتقمون منه في اخرته" (10) فقد تضمن هو الآخر التأكيد على العدل الجزائي لله (جل وعلا)، لأن كلمة «منتقمون» من مادة الانتقام، وتعني العقوبة والجزاء، وقد يتصور القارئ أنها العقوبة المقترنة بإخماد نار الغضب وتفريغ ما في القلب من انفعال وحب الانتقام كما هو المعنى الوارد في محادثاتنا اليومية في عصرنا الحاضر، إلا أن هذا الأمر لا وجود له في المعنى اللغوي للكلمة. (1) ابن طاووس ، اللهوف في قتلى الطفوف ص67 (2) السيد الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن ج5 ص10 (3) المصدر السابق (4) السيد محمد سعيد الطباطبائي : فاجعة الطف 143 و144 (5) الطوسي : مصباح المتهجد 788 (6) أنظر محاضرات في الإلهيات : للشيخ السبحاني ص170 (7) الري شهري : ميزان الحكمة ج4 ص144 (8) المصدر السابق (9) إبن طاووس : اللهوف في قتلى الطفوف ص67 (10) المصدر السابق ص 68 رضا الله غايتي
اخرىالفرقُ بينَ النفاقِ والمجاملةِ
بقلم: زينب الزيني هناك فرقٌ كبيرٌ بينهما... المنافقُ يضمرُ في قلبهِ غير ما يظهره بخبث في السريرة، فهو يقولُ أمامَ الشخصِ شيئًا يمدحهُ وخلفهُ ما يشينهُ، وهذا منهي عنهُ. أما المجاملة فإنّكَ تداري الناسَ بلطف الكلام، وتعبر عنه وأنتَ صادق فيه ولكن ليس بالضرورة أن تظهرَ كلّ شيءٍ له وهذه لا أشكال فيها... كل شيء بحسب ظروفه وميقاته، وما كلُّ ما يعرف يقال، وكذلك لكلِّ مقامٍ مقال، وهكذا. في بعض الأحيان الحقيقة تصدم الآخرين، فعلينا أن نتجنبَها، وفهم عقل المقابل مهم جدًا، فبعضهم لا يملك ثقافة وبعضهم متأثر بالغير وبعضهم متوسط الفهم وهكذا. وقد يسأل سائل: هل واجبٌ عليّ أن أنافقَ بعض الأشخاص لتجنب المشاكل؟ وهل فيه حرمة لأن الشيء يمنع من قول الحقِّ في بعض الأحيان؟ وهل أجاملهُ أم أظهر الحقيقة بتصرفاتي له؟ لا يجبُّ عليَّ أن أُنافقَ الأشخاص لأتجنبَ المشاكل؛ لأنّ المُؤمنَ لا ينافق، أما إذا كان الشخص يخافُ من الطرف الآخر يؤذيه فهو هنا يكون في موضع تقية يواري بالكلام معه ولا يعطيه كلّ الحقائقِ حفاظًا على نفسهِ أو عيالهِ أو مالهِ. ومورد التقية بابٌ واسع كل أئمتنا (عليهم السلام) عملوا به ولا إشكال به مع خوف الضرر منه، فيكون مورد تقية، وأما إذا لم يكنْ هناك خوف ضرر فيكون من المتعين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... فعليَّ أن أُغير مجرى الحديث وأقطع هذا الموضوع الذي يوجد فيه نفاق، وإذا لم أستطع أترك هذا المجلس الذي يكثر فيه النفاق، فعليّ أن لا أجامل الشخص الذي يكرهني، لأنني في هذه الحالة شاركته بالنفاق، وإنما أحاول إصلاح الموقف معه، إن أخذ به فخير على خير، وإن لم يأخذْ به ابتعد عنه. فالمنافقون يحاولون صبغ أعمالهم بصبغةِ الإيمانِ، ويوهمون الناسَ بأنّ أعمالهم من الدينِ، حيث توعدهم الله بعذابٍ أليمٍ، فالمنافقون نصبوا أنفسهم خط الدفاعِ عن الرذائلِ وحماية أهل المنكرِ، ويسعونَ إلى صدّ الناس عن كلِّ بابٍ من أبواب الفضيلة. والمنافق في الإسلامٍ هو من يدّعي الإسلام ويظهر إيمانه، بينما يبطن ويستر في قلبه الكفر، أي ينطق بلسانه ويعمل ما ليس بقلبهِ من الأقوال والاعتقاداتِ. إنّ قلبَ المُنافقِ من وراء لسانه؛ وقد ذكرهم الله في محكمِ كتابه فقال تعالى: "واللهُ يشهدُ إنَّ المُنافقينَ لكاذبُونَ" المنافقون (١). "ومِنَ الناسِ من يقولُ آمنَّا بالله وباليومِ الآخرِ وماهُم بمؤمنِينَ" البقرة (٨). وقد بينَ الله صفاتهم في القرآنِ الكريمٍ وأنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، قال تعالى: "المنافقونَ والمنافقاتُ بعضُهم من بعضٍ يأمرونَ بالمنكرِ وينهونَ عن المعروفِ ويقبضُون أيديهم نسُوا الله فنسيهُم إنّ المنافقينَ هُم الفاسِقُونَ" التوبة (٧٦). ومن صفاتِهم أيضًا: في قلوبِهم مرضٌ، قال تعالى: "في قُلُوبِهم مرضٌ فَزَادهُم الله مرضاً ولهُم عذابٌ أليمٌ بماكانُوا يكذِبُونَ" البقرة (١٠). وأنّهم المفسدون في الأرض، وأنّهم السفهاءُ والزائفون، قال تعالى: "وإذا قِيلَ لهم لا تُفسِدُوا في الأرضِ قالُوا إنّمانحنُ مُصلِحونَ ألَا إنّهم هُم المُفْسدُونَ ولكِن لّايشعرُونَ" البقرة (١٢). "ألَا إنّهم هُمُ السُّفهاءُ وَلكِن لا يعْلمُونَ" البقرة (١٣). ومن صفاتِهم أيضًا المكرُّ والخداع والتآمر، يتصرفون بخبثٍ أمام الناس للنيلٍ منهم والتحريض عليهم، والغدر ونقض الوعد، وتغيير الحقائق ونشر الشائعات والأخبار الكاذبة، وأنّهم يفرحونَ لحزن المسلمين ويحزنون لفرحهم، وغيرها من الصفات الذميمة والتي توعدهم الله بالدرك الأسفل من النار وبعذابٍ أليم. ومن أقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) عن النفاق والمنافقين: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا يستقيم ُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُهُ ولا يستقيمُ قلبُهُ حتى يستقيمَ لسانه) (١). وقال أيضًا: (أيةُ المُنافقِ ثلاث: إذا حدثَ كذبَ، وإذا وعد أخلفَ، وإذا ائتُمنَ خان) (٢) وقال الإمامٌ الصادق (عليه السلام): (للمُنافقِ ثلاثُ علاماتٍ: يُخالفُ لسانهُ قلبهُ، وقلبهُ فعله، وعلانيتهُ سريرتهُ) (٣) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما أقبح َبالإنسانِ ظاهرًا موافقًا، وباطنًا منافقًا) (٤) وقال (عليه السلام) أيضًا: (النفاقُ أخُو الشركِ) (٥) وقال (عليه السلام) أيضاً: (النفاقُ يُفسدُ الإيمانَ) (٦) أخيرًا: إن المؤمن إذا أراد أن يتكلمَ بكلامٍ تدبرهُ في نفسه، فإن كان خيرًا أبداهُ وإن كان شرًّا واراهُ. هذا ونسأل الله أن يجنبَنا وإياكم هذه الصفة ويجعلنا من الصادقين قولًا وفعلًا والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين. _______________ ١-نهج البلاغة للامام علي (ع) ص ٢٥٤ ٢-الترغيب والترهيب٤ /٩/١٤ ٣-الخصال١٢١/١١٣ ٤-غررالحكم٩٥٥٩ ٥-غررالحكم ٤٨٣ ٦-غررالحكم٧٤١
اخرىزهرةُ البَطحاء
بقلم : منارُ المهديّ زهرةٌ هي نبَتَت في سَبسبٍ، واستقت ينبوعًا تفتّق مُخترقًا قلب الجَلمود الأصَم، في وسط أُم القُرى، المُكتظّة بهواجِس الضَياع واندِثار الحياة تحت كومةٍ من أعرافٍ بالية. حيثُ تعلو أصوات البواتِر على صوتِ أغاريد الربيع، ويختفي بين ضجيجها وقعُ خطوات الودَق على خدّ الأرض. كان قلبُ السيّدةِ ينطوي على أملٍ يُدغدِغ إحساسها كنسَماتِ مكّة الخجولة، الأمرُ يتعدّى أرباحَ القافِلة التجاريّة التي أودعت زِمامها بيد ذاك الفتى الهاشِمي. ولمَ الخشية؟! أليس هو الصّادِقَ الأمين؟! لقد أفرَغ مَيسرة -غُلامها- كُلّ ما بجُعبته عن هذا الشاب ولم يدّخِر في ذاكِرته شيئًا إلّا وقصّه عليها .. أيُّ نفسٍ ينطوي عليها هذا الفتى؟ خديجةُ (الطاهِرة) سيّدةُ نساء أهل مكّة، كوردةٍ وسط البيداء المُدجّجة بالأشواك. وردةٌ مونقةٌ بين اللّبلاب السّام، صافيةُ النفس، جليلةُ القدر، لم تنلْ منها خُشونةُ الصحراء ولا سماجة خُلُقِ الأعراب .. جوهرةُ البَطحاء، موسِرةُ الحال، وفيرةُ المال، بالِغةُ الجمال، تملك ما تهفو إليه نفوسُ الآدميين، وأما هي فتهفو إلى الرّوح الممسوسةِ بالعُلا والجلال. أنْ تجدَ الذي تنعكس السماءُ في مرآة قلبه الأسيل، أنْ تجدَ غُصنًا غضًّا نبتَ بين كُثبان الرِّمال، هكذا وجدت السيّدةُ من يُشاطرها الطُّهر، ويزيدُ عليها بمراتب من نور. قسماتُ وجهِه الوضّاء تسطعُ بين الوجوه التي غيّبت الفضاضةُ تقاسيمها، فأضحت دونما ملامِح، أما دماثة خُلُقِه فكانت مضربًا لأمثال العَرب. الصادقُ الأمين، الفتى الهاشمي المُبارَك أخذ عليها لُبّها، كان دُرّةً يتيمةً تلمعُ أمام خديجة الطاهرة، تُرسِلُ أنوارَها إلى عنان السّماء.. عاد بخيرٍ وفير، مُحمّدٌ (صلى الله عليه وآله) ربح تجارةَ خديجة، وأما هي فربحتْهُ هو. تلك السيّدة القُرشيّة، المهيبةُ الغنيّة، تخلعُ رِداءَ الغنى والجاه، فتبسطُ مالها فرشًا تحت قدَمي الحَبيب.. أيُّ طُهرٍ رأى فيها الباري فاصطفاها حليلةً لحبيبه، وحضناً دافئًا للمُدّثر العائِد من الغار الأنور بمشعل النبوّة، أوّل النساء إيمانًا به، وأول ساجِدةٍ لصلاةٍ بإمامته، وهي أُمٌّ لخير مَن ذرأ اللهُ وبرأ. أمّا فاطِمة فوحدها قِصّةٌ أُخرى، أيُّ وعاءٍ طهورٍ سَبَحت فيه وسبّحت؟ فلمّا بُعِثَ الحبيب، واشتدّ لهيبُ الحِقد المُتّقد في الصدور العارية من الوجدان، بقيت تلك الطاهرة وحيدةً، تحتوي فاطِمة في أحشائها، تؤانسها وتسُدّ عليها خلّة الهَجر. ولما أزف بزوغ شمس الزّهراء (عليها السلام)، وقامت خديجةُ تبحث عن جذعِ نخلةٍ تلتجئُ إليه، غشّى نورٌ غرفتَها وسطع فبدّد وحشتَها وإذا بصاحِبة النخلةِ الميساء مريم بنت عِمران تتوسّط آسيا وحوّاء بأباريقَ وطست من الجِنان، وماءٍ من الكوثر الزُلال يُبشرنها بخيرةِ النسوان. خديجةُ الغّراء تحتضنُ السيّدة الزهراء تلك الأُم الرؤوم، زوجُ النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) كانت كمبخرةِ عطرٍ في بيت أبي القاسِم (صلّى الله عليه وآله). وذات يوم أقرأها الأمينُ جبرئيل عن ربِّها السّلام وبشّرها ببيتٍ في الجنةِ من قصبٍ لا صَخَب فيه ولا نَصَب، كما كانت بيتًا دافِئًا لرسوله (صلّى الله عليه وآله)، كما كانت حِجرًا عطوفًا لرأسه المُثقلِ بالهُموم، وكما أصبحت بيته في كبدِ الصحراء، فقد كان جزاؤها بيتًا في فراديس الجّنان. وها هي الأيّام تمُرُّ، والقسوةُ تحفرُ القُلوب؛ لتُظهر لُبّها الأسوَد، والإحن يغلي في الصدور كنارِ جهنّم، وأعلن القتادُ كلمته أنْ لا مكان للأزهار بين الأشواك. وها هي خديجةُ تُلملم صبرها، وتمسك بيد فاطِمة، لتتوارى في شِعب أبي طالب (عليه السلام) البطحاء، فلم تعُد كما هيَ. يبدو أنّ حبل ظُلمتهم قد جذمتهُ خيوط الشمس؛ فأجبروها على الاستتار.. حاولوا خنق العِطر في زُجاجته ، لكن خديجة بنت المجد كانت تفيضُ صبرًا وعطاءً رغم كربتها، كأنّها لم تذُق مُرًّا، كأنّها عضدٌ خُلِق يشدُّ عضد النبي، يؤازره ، يفتديه ويحرُسهُ كزمرُّدةٍ فريدة. شاطرتهُ عناء الكَدح، وزفرات الأسى، وتباريحَ الأمل في حشاشتهِ الطّاهرة، شاطرته جوعَ الحِصار، واختبرت وجع النَبذ بعد إذ هيّ سيّدة. كان عامًا حزينًا ذاك الذي رحلت فيه الطاهرةُ إلى الرفيق، رَقَت وخلّت فاطِمة تتخطّفها يدُ الوجل والرُزء، خلّت محمدًا يُكابدُ ألم الجوى والوَجيب. نُدبةُ عامِ الحُزن ذاك تأبى أنْ تُفارقه حتى بعد أنْ تلاشت ذِكراها من ذاكرةِ الدُنيا الخائِنة. ظلّت تُلازمه، تمرُّ السنون وجُرح فراقها لمّا يندمل بعد، يراها في رفيقاتها، يُكرمُهُن، يفرشُ رِداءهُ بُسطًا لهُن وفرشًا. فعن عائشة قالت: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا ذكر خديجة لم يكَدْ يسأمُ من ثناءٍ عليها واستغفارٍ لها، فذكرها ذاتَ يوم فاحتملتني الغيرة فقُلت: لقد عوّضك الله من كبيرة السّن، قالت: فرأيتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) غضِبَ غضبًا شديدًا، وسقطت في يدي، فقلت: اللهم إنْ أذهبت غضبَ رسولك عنّي لم أعدْ لذكرها بسوءٍ ما بقيت. قالت: فلما رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما لقيت، قال: كيف قُلتِ؟ والله لقد آمنت بي إذ كفَرَ بي النّاس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، ورُزقت منّي الولد حيث حُرمتموه". هكذا بقيتْ السيّدةُ خديجةُ حيّةً في قلبِ النبيّ (صلى الله عليه وآلِهِ) حتى بعد وفاتها، لم يتزوّج عليها في حياتها، ولم ينسَها بعد مماتِها، أمُّ البتول الطّاهرة وسيّدةُ قُريش، كانت (أوسط نِساء قُريش نسبًا، وأعظمهم شرفًا، وأكثرُهم مالًا، وأحسنهُم جمالًا). وعن عائشة أنّها قالت لفاطِمة (عليها السّلام): ألا أُبشّرُكِ أنّي سمعتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: "سيّداتُ نِساء الجنّة أربع: مريمُ ابنت عمران، وفاطِمة بنت محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وخديجة بنت خويلد، وآسية". فسلامٌ عليكِ وأنتِ مُخدّرةٌ في وسط الرياح الزمهرير، وسلامٌ عليكِ وأنتِ تشعّين كالشمس في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسلامٌ عليكِ مُحاطةً بمريم وآسيا وحوّاء، سلامٌ عليكِ أم القاسِم وفاطِمة البتول، وسلامٌ عليكِ جائعةً في جوف الغارِ، سلامٌ عليكِ راحِلةً إلى الجليل مُستّلةً من قلب الحبيب، وسلامٌ عليكِ ساكنةً بيت القَصَب ..يا نبعًا لمّا يُنضب، وسراجًا لمّا يَنكفئ، وغّراء وكُبرى وطاهرةً وفُضلى.
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى