تشغيل الوضع الليلي

مـن الظُلــمِ أن يفرحَ بالنصرِ أولئك

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 1257

بقلم: علوية الحسيني/ ونور
قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} (1) صدق الله العلي العظيم.
نحن نعلم أنّ مقابلة المعروف بالشكر من مكارم الأخلاق، والمعروف هو ما يستحسن من الأفعال وكل ما تألفه النفس السوية من الخير، وتطمئن إليه، وعليه حثّت روايات أهل البيت (عليهم السلام)، حتى جعلت شكر المخلوق من شكر الخالق؛ بدليل ما روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): "إِنَّ الله يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ وَيُحِبُّ كُلَّ عَبْدٍ شَكُورٍ يَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَ شَكَرْتَ فُلاناً فَيَقُولُ بَلْ شَكَرْتُكَ يَا رَبِّ فَيَقُولُ لَمْ تَشْكُرْنِي إِذْ لَمْ تَشْكُرْهُ ثُمَّ قَالَ أَشْكَرُكُمْ لله أَشْكَرُكُمْ لِلنَّاس" (2).
ومن الطبيعي أنّ النفس البشرية تحب من يحسن إليها، ولو بالشكر، وإلّا فالنفس التي تنكر الجميل، وتتكبر عن الشكر هي نفس لئيمة، تتنافى مع النفس السوية السليمة.
إنّ حسن الشيء وقبحه هو أمرٌ يحكم به العقل، فيستحسن الاعتراف بالجميل ووجوب شكر صاحبه، وتستقبح نكرانه والطعن في أصحابه.
وعلى ضوء موضوع نكران الجميل نسلط الضوء على ما حصل اليوم من نكران جهود أبناء حشدنا الشعبي، رغم مواقفهم المشرفة في تحرير مناطق العراق من بطش الزمرة الكافرة داعش؛ التي دمرت، وقتلت، وسبت، وفجّرت، وفجَرَت.
فحينما جاء اليوم الذي أصدر فيه المرجع الديني سماحة السيد علي السيستاني (دام الله ظله الوارف) فتوى الجهاد الكفائي، لبى النداء الرجال الغيارى؛ نصرةً لأبناء شعبهم الذين تعرضوا للخوف والتهديد والقتل والتشرد من بيوتهم.
وكان الفضل لله تعالى، ثم للجهود المبذولة في مقاومة العدو، للدماء الشهداء المباركة التي أُريقت في سبيل العقيدة والوطن.
وبعد النصر العظيم، تعالت الأصوات معبرةً عن فرحها بالنصر العظيم، وأفعالٌ مثّلت ذلك الواقع، والجميعُ يحتفل بذلك النصر المجيد، الذي صنعه المقاتلون بـعزيمتِهم وإيمانِهم، والشهداءُ بـدمائِهم، ورجالاتُ الدّينِ بمؤازرتهم، والأمهّاتُ بدعائِهن.
لكن من المُقرِح أن يفرحَ بذلك النصر شبابٌ طالمـا رقـصوا على دماءِ الشّـهداء، حيث طالبهم البعض أن يقدّروا حال عوائل الشهداءِ ودمائِهم، ومشاق المجاهدينَ وغربتهم، والكفّ عن اتبّاع تقاليد الغرب الساذجة، واستغلال تلك العيارات الناريّة في القتال مع الرّجال، لكن دون جدوى.
فاعتلى صوتُ الغناءِ آنذاك، واليتيمُ دمعاتهُ هاطلة، والثكلى دعواتها متواصلة، وزوجةُ المُقاتل نظراتها مترقّبة، وأمُّ الشّهيد مجالسُ عزائِها قائمة.
واعتلت أصوات المنكرين لأفضال الشهداء، واستهزاء بحرماتهم، بعد تنعّم الجميع بالأمن والأمن عقيب النصر.
فمِن الظلم أن يفرح بهذا النصر مَن عاشَ ظروف العراق الجريح بــوجهَين، وأنكر جميل دماء الشهداء التي لاحت الخافقين، وقد ذمّت الروايات الشريفة أن يكون المرء ذا وجهين؛ حيث روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَكُونُ ذَا وَجْهَيْنِ وَذَا لِسَانَيْنِ يُطْرِي أَخَاهُ شَاهِداً وَيَأْكُلُهُ غَائِباً إِنْ أُعْطِيَ حَسَدَهُ وَإِنِ ابْتُلِيَ خَذَلَه" (3).
فذات يومٍ كان البعض يُمجّد الشهداء، ويذرف دموعه على فقدهم، ومأساة عوائلهم عقب رحيلهم، لكن سرعان ما انقلبوا متأثرين بشبهاتٍ مسمومة، ألقتها عليهم شياطين الإنس، بغية التفرقة بين أبناء الشعب، وتمزيق الأواصر الإيمانية بين المؤمنين على اختلاف بلدانهم، فكفروا بنعمة النصر المتحقق بفضل الله تعالى ثم بدماء الشهداء، بل ومزّقوا صورهم علنًا في الطرقات، وأضرموا النار في ما لهم من مقرّات!
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "من اُسدي إليه معروف فليكافِ عليه، فإن عجز فليثنِ، فإن لم يفعل فقد كفر النعمة" (4).
إنّ الأمة التي لم تحترم قادتها مصيرها يقترب من الهاوية شيئاً فشيئاً، وكذا اليد الواحدة لا تصفق، فلا يتغترنَّ المرء بما يقدمه له العدو من لقمات مسمومة، وكفى به شهامةً أن يعترف بأفضال غيره، وكفى به دناءةً أن ينكر الأفضال.
وأخيرًا نقول: هنيئاً لِمن آزر ولبّى، واعتبرَ ودعى، والعاقبةُ لأُولي الهدى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة: 195.
(2) الكافي، ج2، باب الشكر، ح30.
(3) المصدر نفسه، ج2، باب ذي اللسانين، ح2.
(4) دعائم الإسلام ، ج2،ص 321، مستدرك الوسائل، ج12، ص357، ح14283.

اخترنا لكم

أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ

بقلم: گوناي البياتي كُلّما كُنتُ أتهيأُ لسردِ قصةِ شهيدٍ من الشهداءِ، وما إنْ أكتبَ سطرين حتى أتوقّف عن الكتابةِ لأيامٍ، لا أدري ما العلة؟! وآخرُ ما توصلتُ إليه أنَّ المانعَ هو ذاك الحزن الذي يغزو كياني وروحي ويغلبُ عليَّ وأنا أكتبُ تلكَ الكلماتِ التي تنطقُ عن أرواحٍ طاهرةٍ، أخطُّ تلك الكلماتِ وأنا أعيشُ مأساةَ أمِّ الشهيد، أختِ الشهيد، أخِ الشهيد، فيأخذ هذا الحزنُ أيامًا من الشرودِ يشلُّ حركتي، ازدادُ نومًا للهروب منه، تنقطعُ رغبتي في الحياة، نحنُ مُجبرون على الحزنِ عليهم؛ فهُم جزءٌ منا لا يتجزّأ. الأرضُ وما عليها يُخيَّلُ لي أنّها تشعرُ بالحياءِ من الشهيدِ الذي استردَّها من العدوِّ ليُكافأ بالدفنِ فيها. محمدٌ الابن البكر لأمِّه، والمعروفُ أنَّ الابنَ البكرَ يكونُ صديقًا لأمِّه، ومُحمدٌ كان كذلك. هو من مواليد 1999، تقولُ والدتُه: إنّ الشهيدَ منذُ صغرِه ظهرتْ عليه بوادرُ الإيمان وحُبِّ الشهادة، فقد كان يصلي ويصوم، وأغلبُ أوقاتِه يلهجُ بالشهادةِ قائلًا: الشهادةُ رزقٌ من الله (تعالى)، فلا يبلغه أيٌّ كان.. مرّتِ الأيامُ وكبُرَ محمدٌ، وعمل سائقًا ليساعدَ والدَه في المعيشة، ومرّتِ السنون والشهور، حتى احتل داعشُ مدينتنا (تلعفر)، فتحرّكتِ الهِمّةُ لدى أبناءِ مدينتي الأبطال الذين لا يرضون العيشَ بالذل، فتركَ أغلبُ شبابِ تلعفر أعمالَهم وتوّجهوا نحو ساحاتِ الوغى، أغلقوا أبواب أرزاقهم نحو ما هو أوجبُ واتجهوا نحو الحرب غير المتكافئة؛ ليُنقِذوا مدينتَهم ويسترجعوا أراضيهم، هذه المدينةُ التي لا ذنب لها سوى أنّها سائرةٌ على دربِ الحسين (عليه السلام). وعلى الرغم من أنَّ الحربَ كانت غيرَ متكافئةٍ، إلا أنّهم كانوا قد توجهوا صوبَ الساحاتِ دون خوفٍ أو ترددٍ؛ فبينما كانوا يفتقرون إلى المُعدّات كانوا أغنياء بحُبِّ الوطن والولاء له، وقبلَ أنْ يتركوا أراضيهم حاربوا واستمرتِ المواجهةُ أيامًا وسقطَ الكثيرُ من الشهداء، ولكن حين أيقنوا أنَّ الحرب غير المتكافئة إنّما هي تعريضُ النفسِ للهلاك، ولم يكونوا يملكون من المُعدّاتِ ما يُساعدُهم على الاستمرار... انسحبوا.. وكما التحقَ رفاقُه التحقَ مُحمدٌ تاركًا عمله، تقولُ والدتُه: كم أصرّينا على أنْ يتراجعَ؛ إذ ليس لدينا من يُعينُ والدَه في العمل سواه، لكنّه أصرَّ أنْ يُشاركَ.. بل وشاركَ محمدٌ بلهفةٍ ليُرجعَ مدينتَه، وليزرعَ البسمةَ في وجوهِ الأطفال النازحين، وليُدفئ أرواحَهم الباردةَ بين الخِيَم.. كما شاركَ في تحريرِ الثرثارِ وصلاحِ الدين وغيرها من المناطق، كانَ يندفعُ كاندفاعِ مياهِ البحار، لعلَّ موجه يأخذ به إلى مدينته؛ ليشمَّ رائحةَ البساتينِ، وليشربَ من مائها العذب، وليتباهى بمدينته، لكنّه لم يُصِبْ هدفه، ولم يُحقِّقْ حلمه، إذ رحل في آخرِ خطوةٍ للوصول إلى تحرير مدينته.. كان كُلّما تتحررُ منطقة يبتهجُ ظانًا أنّه اقتربَ من تحرير مدينته، وعندما وصلَ التحريرُ لمدينةِ الموصل التي لا تبعدُ عن تلعفر سوى عدة كيلومترات، كانتِ السعادةُ والعزيمةُ تتجدّدُ في روحه، ولكن كان للواقع رأيٌ آخر، فقد استُشهدَ في الموصل القديمة وهو يؤدي الواجبَ المقدس.. وهكذا رحل مُحمدٌ وتركَ حلمَه يبحثُ عنه، ومثلما رحلَ محمدٌ رحلَ الكثيرون دون أنْ يضعوا قدمًا على أرضهم، دون أنْ يُكحِّلوا نواظرهم برؤيةِ مدينتهم، رحل محمدٌ وتركَ زوجتَه العروس ولم يمضِ على زواجهما إلا أيامٌ، فتحوّلَ محمدٌ من الشهيد إلى العريس؛ فكُلّما أرادوا الحديثَ عنه قالوا العريس، هكذا رحل محمدٌ وتركَ أثرًا كبيرًا.. تقولُ أُمُّ الشهيد: في تلك اللحظة، أي لحظة رحيله لمستُ خشونةَ الدنيا، فلم يَعُدْ فيها ما يروقني، والموتُ واقفٌ بحلقي، وملكُ الموت على أطرافي، يُحيطُ بي فأراه موتًا كثيرًا لا موتةً واحدةً.. وعندما حملوه كأنّي بهم يحملونني، كأنّي ميتٌ يحملُ نفسَه، وما دونه إلا المُشيعون، ثم رحلوا وبقيتُ وحدي في الدار أنظرُ يمينًا تارةً وأخرى شمالًا وكُلُّ شيءٍ تغيّرَ وكُلّ ما في الدار مات.. رحل محمدٌ وترك أمَّه تندبُ، هكذا هو حالُ أُمّهاتِ جميعِ الشهداء، كُلُّ يومٍ يمرُّ عليهن بمثابة سنة... يا رفاقُ كُلُّ فكرةٍ دونَ الموتِ أهون، ما إنْ يموتُ قريبٌ للإنسان حينها يعلمُ أنَّ كُلَّ شيءٍ كان قابلًا للتحمُّلِ، إلا الموت فلا علاجَ له ولا رجعة فيه، ولكن للشهداءِ فوزاً على خلافِ الموت العادي، حيثُ فضّلَهم اللهُ (تعالى) بالبقاء والحياة الأبدية، فهم أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.

اخرى
منذ 4 سنوات
366

إذا كان العمل صالحاً فلماذا العقيدة؟

إذا كان العمل صالحاً فلماذا العقيدة؟ للجواب على هذا التساؤل يحب علينا ان نعرف اولاً معنى العقيدة ولو على نحو الإجمال. العقيدة مأخوذة من العقد والشد، فهي مجموعة من الأفكار والقيم التي يرتبط بها القلب ارتباطاً وثيقاً على مستوى التصديق والتدين، وعليه يكون موقعها القلب، وقد صرحت الروايات الشريفة بأن الإيمان الحقيقي هو ما يستقر في القلب لا ما يتلفظ به اللسان فقط, فعن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن الإيمان فقال: (تصديق بالقلب, وإقرار باللسان وعمل بالأركان)(1) لكن هل البحث عن العقيدة هو أمر واجب لازم على كل إنسان أم أنه أمر اختياري؟ إن البحث عن العقيدة هو أمر ضروري واجب، ووجوبه عقلي، بمعنى أن العقل هو من يحتم البحث, وذلك للإجابة عن الأسئلة الفطرية التي تولد مع الإنسان (من خالقنا؟ من أين أتينا؟ والى أين نذهب), فإن هذه الأسئلة يجب على العقل الإجابة عليها, ومن حيث كون هذا الوجوب هو وجوب عقلي فلا بد إذاً من تحصيل أجوبة لهذه الأسئلة. والدليل على كون وجوب البحث عن العقيدة هو عقلي هو (دليل دفع الضرر المحتمل) وهذا ما يذكر في علم الكلام ومفاده يتبين بالمثال التالي: قد يقدم إلى شخصٍ ما قدح ماء وهو يشعر بالعطش الشديد لكنه يحتمل نسبة احتمالية ضئيلة جداً, بأن هذا الماء مسموم،, فمن البديهي هنا أن العقل سيبحث عن حقيقة هذا الأمر ولا يجازف قطعاً بتعريض نفسه للهلاك حتى يتأكد بالدليل القطعي من حقيقة هذا الماء, ونظير هذا الأمر يسري في مسألة البحث عن العقيدة، إذ إن العقل يعلم بوجود رسل قد جاؤوا برسالات سماوية وأن هناك خالقاً لا بد أن يُعبد وله أوامر يجب أن يطاع فيها, وأنه سيثيب من أطاعه ويعاقب من عصاه, وكلٌ من الجزاء والعقاب سيكون أبدياً، لذا يحكم العقل بوجوب البحث عن هذه الحقيقة ليكون آمناً. وهنا لابد من الإشارة الى أن هذه الأجوبة يجب أن تكون أساساتها أساسات عقلية وأدلتها يقينية قطعية لا ينفع فيها الظن ولا التقليد أبداً. وهناك أدلة من القرآن الكريم يمكن أن يرجع إليها الفرد بعد أن يحصل الأدلة العقلية فتكون أدلة إمضائية لما حصله العقل فتسنده وتقويه, وهي آيات كثيرة يحث الله تعالى عباده فيها على التأمل في خلقه جل وعلا, ومنها قوله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ) (2) بل إن الله عز وجل يؤكد على تقديم العقيدة على العمل في آيات عديدة, حيث قال عز من قائل (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (3) إن الله تعالى جهز الإنسان بآلات عديدة وكرمه بالعقل, وبه يستطيع أن يميز العمل الحسن من القبيح حتى وأن خُليَّ من الشريعة السماوية, حيث أعطى الله جل وعلا قابلية استحسان الصدق ونبذ الكذب, والركون الى الحب والسلم والنفور من البغض والعدوان, والرغبة الدائمة بالعدل ومقت الظلم, وما الى ذلك من أمور مشابهة لها, وعليه نستطيع أن نجزم ونقول بأن مسألة القبح والحسن هما أمران عقليان وجاء الشارع المقدس فأكّدهما وأمضاهما. فهنا هل من الممكن أن نعتمد على العقل باعتبار أن الحسن والقبح عقليان؟ في الحقيقة لا يمكن هذا عملياً وإن أمكن نظرياً، وذلك لأن العقل قد يتعرض للمؤثرات الخارجية من أفكار خاطئة وقضايا منحرفة أو لنقل نتيجة تلبس الحق بالباطل مما يؤدي الى عدم قدرة العقل حينئذٍ من التمييز بينهما, لذا لابد له ممن يسنده ويرشده ويقومه إذا ما مال وانحرف، وليس هذا إلا الشريعة, وحيث إن الله تعالى لطيف بعباده رؤوفٌ رحيم بهم, لذا أرسل الرسل ليقوموا العقل وليأخذوا بيده ليصل العبد الى ربه مطمئناً. وإذا تدبرنا آيات القرآن الكريم نجد أن الله تعالى أشار بأن من عمل عملاً وإن كان صالحاً فما لم يكن مصاحباً للعقيدة فإنه سيكون كالهباء المنثور في يوم عاصف لا أمل له ولا فائدة ترجى منه، كما في قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا)(4) إذاً الأساس في العمل وإن كان صحيحاً أن يكون متكئاً الى عقيدة تسانده وتقومه حتى يكون هذا العمل مثمراً. ________________________________ (1) بحار الأنوار للعلامة المجلسي/ج66/ص68/ ح22 (2) سورة آل عمران: آية 190 (3) سورة الرعد: آية 29 (4) سورة الفرقان: الآيات 21,22,23 يا مهدي أدركني

اخرى
منذ 6 سنوات
2589

أم البنين (عليها السلام) الوجيهة عند الله تعالى بالحسين (عليه السلام) في الدنيا والاخرة

تعني الوجاهة بشكل عام: الحرمة والرفعة والقوة والمُكنة لمالكها عند الخلق. ويمكن أن نصنف الناس في سعيهم لبلوغ الوجاهة إلى صنفين: الصنف الأول: صاحب النظرة المحدودة الذي يسعى لبلوغ الوجاهة عند أهل الدنيا وفي الدنيا فقط، فتراه يبحث ويتقرب من كل الأسباب المادية الدنيوية المتمثلة بجمع المال والثروة والدرجات العلمية العالية، والكون من الطبقات الاجتماعية الرفيعة ليبلغ الوجاهة والرفعة في اعين الناس. الصنف الثاني: صاحب النظرة غير المحدودة الواسعة، حيث يتصل بمصدر القوة والعزة سبحانه وتعالى، وبأوليائه فيبلغ الوجاهة في الدارين، ويبلغ الرفعة المادية والمعنوية. ومن هنا نعرف: أن الأمر متوقف على الإنسان نفسه، الله تعالى وفق حكمته وعدله لا يُعطي شيئًا مادياً أو معنوياً من دون استعداد وقابلية في من سيُعطى، وهذا يُوصلنا بالنتيجة إلى معرفة عظمة وكمالات صاحب تلك الوجاهة، وزكاة تلك النفس (أي الصنف الثاني). وهنا سنتطرق إلى ملكة واحدة توصل الإنسان لبلوغ الوجاهة عند الله تعالى وكيف تجلت في مولاتنا أم البنين (عليها السلام) وبمقدار ما وفقنا تعالى، وهي "التقوى" حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (الحجرات: 13). ويمكن تعريف الكرامة بأنها مقدار القرب من الله تعالى، وبلوغها -كما بينت الآية- بالتقوى، فهي استشعار حضور الله تعالى ورقابته لنا، ورعايته وعنايته، وهي في اللغة مشتقة من الوقاية فعن الإمام علي (عليه السلام) يقول: "اعلموا عباد الله أنّ التقوى دار حصن عزيز..." (١). وهي تصقل هذا القلب وتصفيته وتطهره وتجعله مؤهلاً ليكون محل لتقبل الفيوض الإلهية ورحمته وكرامته كما قال تعالى: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ} (الحجرات:3) "فروح التقوى لا تُعطى إلا بعد إن يُمحص العبد ويختبر باختبارات الصبر والرضا والتسليم ثم إذا نجح يعطى ملكة التقوى" كما يعبر أحد علمائنا. وهي أساس كل نية صادقة وإيمان خالص وطاعة وعمل مقبول عند الله كما في قوله: {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ}(التوبة:108). ففي حديث قدسي يبين ثمرة بلوغ التقوى: "يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون" بالنتيجة نصل لنفس المطلب وهو الوجاهة، أي بلوغ القدرة على التصرف خارج الأسباب الطبيعية، وامتلاك قدرات غيبية. ومن هنا يمكن أن نقول: إن أعظم مصاديق الطاعة والعمل لله تعالى قد بُينَ لنا في حديث قدسي آخر حيث ورد في "دعوات الراوندي" (اختصاراً أخذنا الشاهد منه فقط) أنه روي أن الله تعالى قال لموسى (عليه السلام): ".... فأي عمل عملت لي؟ قال موسى عليه السلام: دلني على العمل الذي هو لك، قال: "يا موسى هل واليت لي وليًا، وهل عاديت لي عدوا قط؟ فعلم موسى أن أفضل الأعمال الحب في الله، والبغض في الله"(3) أي أن على رأس موارد الطاعة والعمل الخالص لله هو ولاية أولياء الله، والكون مع حجج السماء كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة:119)، وأعلى مصاديق الصادقين هم النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) من الأئمة الاطهار. وبعد هذه المقدمات نصل إلى مطلبنا وهو بلوغ مولاتنا أم البنين (عليها السلام) أعلى درجات التقوى المتجلية بولاية أمام زمانها سواء في زمن الإمام علي (عليه السلام) وولديه الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) كما هو بَيّن في مختصر سيرتها المشهور والواصلة إلينا. وكلامنا هنا عن ولايتها للإمام الحسين (عليه السلام) بشكل خاص، وهذا إن دل فإنه يَدل على عِظم مقام هذه السيدة، وسعة وجودها الإلهي بما تملكه من استعدادات وقابليات أهّلتها لتكون بهذه الوجاهة والكرامة عند الله سبحانه وتعالى. كما ورد في وصفها من قبل أحد علمائنا أنه قال في حقها: "كانت من النساء الفاضلات العارفات بحق أهل البيت (عليهم السلام) ... ذات تقى وزهد وعبادة" (٤). من مصاديق الوجاهة للسيدة أم البنين (عليها السلام) في الدنيا: - المودة في قلوب الخواص والعوام. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (مريم: 96). وعن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: "التقوى سنخ الإيمان" (٥). فتحقق الايمان يعني تحقق التقوى، والسيدة الجليلة كانت ذات شأن عند الأئمة حيث كانوا يكنّون لها حباً ووداً واحتراماً خاصاً. حيث مما ورد في وصف شأنها "كانت أم البنين (عليها السلام) من النساء الفاضلات، مخلصة في ولائهم، ممحضة في مودّتهم، ولها عندهم الجاه الوجيه، والمحلّ الرفيع، وقد زارتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة تعزّيها بأولادها الأربعة، كما كانت تعزّيها أيام العيد.." (٦). وهذا أوجب لها مودة ليس فقط في قلوب خواص المؤمنين بل في قلوب عامة المؤمنين، وهذا واضح من خلال ما لها من عظمة في النفوس، وما لها من ذكر مستمر، وإحياءٍ لأمرها دائم. - درجة العلم والمعرفة التي جعلتها صاحبة رفعة قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ...}البقرة (282). ظاهراً كانت السيدة شخصية عادية من حيث عدم انتمائها لبيوت الأنبياء والأوصياء قبل ارتباطها بالإمام علي (عليه السلام)، إلا إن الله تعالى وهبها درجة علم ومعرفة بحججه عجيبة! وهذا يُشير إلى سمو روح هذه السيدة الإلهية وطهارة نفسها ونقاوتها وتقواها التي أوصلتها إلى هذه المرتبة من الذوبان بسيد الشهداء (عليه السلام) حتى إنها تخلت عن اسمها رعاية لمشاعر ذرية بيت النبوة والإمامة، وفدته بذراريها، وهل هناك أحب للأم من أبنائها؟! إلا أنها صَنعت منهم درعاً وحصناً حول قلبها ووهبتهم لربها قرباناً ليبقى وجود حب إمامها حياً بقلبها ومحيّاً لوجودها بعد رحيلها، حيث ورد أنه لما رجعت القافلة للمدينة بعد واقعة كربلاء أنها قالت: "قَطَعت نياط قلبي أولادي الأربعة، ومن تحت الخضراء فداء لسيدي أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). من مصاديق وجاهة السيدة في الآخرة تعالى عزّ وجل يصف نبيه عيسى (عليه السلام) بأنه وجيهاً بقوله: {... إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (آل عمران: 45)، ثم في آية أخرى يُعطي شيئًا من مصاديق تلك الوجاهة في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ....وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي...} (المائدة: 110). في حدود فهمي، هذه الوجاهة هي أعلى مراتب الكرامة وتعرف بـ "معاجز الانبياء"، وهي قدرات خاصة وقوى غيبية -كما قلنا سابقاً- تُعطى لخواص الخلق يخترق بها السنن الطبيعية بإذن الله سبحانه. هي تعطى لهم لإثبات حجيتهم وصدق رسالاتهم، لكون تلك الأقوام تميل إلى البراهين الحسية الملموسة التي يرونها بالعين، ولكنها تكسبهم أيضاً ذات المطلب وهو إظهار قربهم وكرامتهم عند الله تعالى للناس أجمعين. ومولاتنا أم البنين (عليها السلام) حازت على مقام القرب الإلهي في الأخرة من خلال ظهور كراماتها في الدنيا عند التوسل بها، وذلك بجعلها وسيلة لقضاء الحوائج الصعبة، والمشكلات المعقدة في حياة أي إنسان لديه عقيدة وإيمان بعظم شأنها، والأمر خاضع للتجربة والمحاولة والكرامات لا تُعد ولا تُحصى، فهي باب من أبواب الله سبحانه وتعالى الذي لا يُغلق بوجه سائل أو محتاج يطرق أبوابه. لذا نستطيع أن نقول: إن مولاتنا أم البنين (عليها السلام) بمقدار ما هي [وسيلة] لنبلغ مطالبنا ومقاصدنا، هي [مطلب] و[مقصد] أيضاً من خلال التأسي بها والسير على سيرتها ببلوغ درجة التقوى (القرب) من خلال الطاعة القصوى لإمام زماننا (عجل الله فرجه) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) لنبلغ الوجاهة بهم عند الله في الدنيا والآخرة كما هي بلغت ذلك وذلك بمقدار استطاعتنا. __________________________ (١) نهج البلاغة، الخطبة ١٥٧. (٢) بحار الأنوار ج٩٠، ص٣٧٦. (٣) بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج ٦٦، ص ٢٥٣. (٤) زينب الكبرى للنقدي، ص٣٣. (٥) تحف العقول، ص١٥٤. (٦) العباس للمقرم: ص ٧٢-٧٣، نقلاً عن مجموعة الشهيد الأول. فاطمة الركابي

اخرى
منذ 5 سنوات
15827

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76850

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56654

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44116

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43544

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40355

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33542