تشغيل الوضع الليلي

سلسلة فيءٌ من أروقة القرآن الكريم (9) العلم الإلهي بعالم الأرحام

منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 576

بقلم: يا مهدي ادركني
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [سورة لقمان: آية34]
إن من صفات الله (جل وعلا) صفة (الهادي)، وللهداية مراتب وأول مرتبة من مراتب تلك الهداية هي تلك الهداية التكوينية المتمثلة بتزويد جميع الناس على حدٍ سواء بما يحتاجون إليه في حياتهم، وأهمها: بالعقل، فالعقل هبة من الله تعالى وهبها لعباده ليهتدوا به إلى ما به صلاحهم ونجاتهم.
فنجد بالعقل استطاع الإنسان أن يطأ القمر وأن يرى بأجهزة دقيقة ما يكمن في أعماق البحار المظلمة، بل واستطاع أن يعلم ما في الأرحام من نوع الأجنّة وعددها.
فإذا كان العلم قادرًا على أن يكشف عن تلك الأمور التي كانت تعتبر من الغيبيات في القرون الماضية، فهل يمكن أن نبطل إعجاز القرآن الكريم، ونعتبر أن بعض آياته أصبحت مجرد معلومات تاريخية قديمة، لكونها لا تتناسب مع التقدم العلمي الذي وصلت له البشرية اليوم؟
سؤال يتردد على لسان الكثير من المشككين اليوم وقد تصل ذبذباته إلى أسماع أولادنا بلحن معسول فتتخلل قلوبهم وتخدش عقيدتهم إذا لم نحصنها نحن بأجوبة شافية تبدد الضبابية عن ناظرهم.
وفي المقام نقول:
إن الآية الكريمة تعرضت لأمور هي من مختصات علمه (جل وعلا) وليس لأحد أن يتوصل إلى معرفتها لحكمة فيها نفع للإنسان، ولكن كيف نوفق ما هو موجود فعلًا اليوم من أجهزة حديثة استطاعوا من خلالها أن يعلموا ما في الأرحام، فلا أحد ينكر إمكانية تحديد جنس الجنين وحجمه وعدد الأجنة بعد أن يتجاوز عددًا من الأسابيع في رحم الأم، بل وحتى استطاعوا أن يقوموا ببعض العمليات الجراحية للأجنة وهم في عالم الأرحام.
وبيان جواب ذلك يكون من خلال نقطتين:
الأولى: إنّ علم الله تعالى غير متناهي فليس هناك حد له، فإن كان علم الإنسان الذي يحصله من خلال الأجهزة الدقيقة يمكنه من معرفة جنس الجنين بعد أن يتجاوز عدة أسابيع في رحم الأم، فإن علم الله تعالى أزلي وهو يعلم بنوع الجنين منذ لحظة انعقاد تلقيح البيضة في رحم الأم، وحسب ما استطاع أن يتوصل له العلم إن تحديد جنس الجنين يتوقف على الكروموسوم الذي يحمله الحيوان المنوي للرجل الذي يقوم بتلقيح البيضة، ولكن تلك الأجهزة الدقيقة لا تستطيع أن تعرف نوع تلك البيضة المخصبة في تلك المرحلة المبكرة.
بل إن الله تعالى يعلم ما ستلج تلك الأرحام من (حيوانات منوية) وهي في عالم الأصلاب، بل وفي عالم الذر، بل وقبل أن تكون شيئاً مذكورا.
الثانية: إنّ غاية ما يستطيع أن يصل له علم الإنسان هو علم بالأمور التي لها مقادير محددة ومتلبسة بلباس الظن فهي وإن كانت لها من الدقة التي توصلها مرحلة اليقين ولكن إمكانية الخطأ فيها واردة جدًا، ولكن علم الله تعالى لا يقع فيه الشك أو الخطأ أبدًا، هذا بالإضافة إلى أن علمه تعالى الذي أشار إليه في الآية الكريمة فيما يخص الأرحام هو ليس محدودًا بنوعية جنس الجنين وحجمه وما إلى ذلك من أمور، بل أنّ علمه تعالى أوسع من ذلك فهو يعلم بكل الأمور والمتعلقات بهذا الجنين وماذا سيكون في مستقبل أيامه: صالحاً أم طالحاً عالماً أم جاهلاً غنياً أم فقيراً باراً أم عائقاً؟
الخلاصة:
أنّ الإنسان مهما توصل بعلمه إلى اكتشافات واختراعات وتطور فإنه يجب عليه أن لا ينسى بأنّ علمه هذا هو فيض من الله تعالى، ولولا لطفه (جل وعلا) لم يستطع الإنسان أن يتعلم حرفًا، فهو في حقيقة وجوده واستمرارية ذلك الوجود مفتقر إلى تلك الذات الغنية العالمة المقدسة، وهذا ما اشار له أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) قائلًا: فَيَعلَمُ الله سبحانَهُ ما في الأرحامِ مِن ذَكَرٍ أو أنثى ، وقَبيحٍ أو جَميلٍ ، وسَخيٍّ أو بَخيلٍ ، وشَقيٍّ أو سَعيدٍ ، ومَن يكونُ فِي النارِ حَطباً، أو فِي الجِنانِ للنَّبيِّينَ مُرافِقًا، فهذا عِلمُ الغَيبِ الذي لا يَعلَمُهُ أحَدٌ إلّا اللَهُ ، وما سِوى ذلكَ فَعِلمٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ نَبِيَّهُ فَعَلَّمَنيهِ، ودَعا لِي بأن يَعِيَهُ صَدرِي، وتَضطَمَّ (1) عليه جَوانِحي. (2)
________________
1- تضطم: هو افتعال من الضم، أي وتنضم عليه جوانحي. والجوانح الأضلاع تحت الترائب مما يلي الصدر. وانضمامها عليه اشتمالها على قلب يعيها.
2- نهج البلاغة: الخطبة 128.

اخترنا لكم

حقيقة لا بد منها

ترى هل مكنون قلوبنا طاهر ولائق لكي يخاطب حجة الله؟ وهل سريرتي كما علانيتي كي أوفّق لمحادثته؟ هل يعتريني ما يعتريه كي أحسب نفسي من محبيه؟! وهل ضقت ذرعاً بذنوبي وندمت على فعلها كي أضمن أنني على هدى على الأقل؟! إلى متى التسويف والعمر ينقضي رويداً رويداً ! والدنيا في كل لحظة تنبؤنا أنها إلى زوال. واضمحلالها بادٍ على وجوه أصحابها، فهم كل يوم في شأن. عجيب أمري! كلما قلت تغيرت ازددت ضياعاً، لا، بل ازددت ضلالاً وكأنني ارتشفت من كأس الخلود. أ أحسب أن الحياة كبحر ليس له قرار؟ والحقيقة أنها أشبه بقطرة ماء صغيرة على ورقة صغيرة في يوم خريفي! وكأنني أظنها غدير ماء عذب وهي في الأصل سراب ووهم. كل ما فيها سيزول وينتهي، مثل رحّالة مع مواشيهم يقضون أياماً معدودة في صحراء مترامية طمعاً في الماء والعشب ثم يرحلون فلا تجد لهم أثراً سوى بقايا نار خامدة ونحن صرعى برغم ذلك، ما نفتأ نتغنى بحسنها ودلالها ماضين في غفلتنا وسباتنا حتى نصحو ونستيقظ. عندها يكون قد فاتنا الكثير وضاع منا الكثير. سيكون علينا أن ننتظر الجزاء يوم يكون الكتاب فيه صادر من الحق المتعالي، إذ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها، وتكون حياتك التي عشتها كالسجلّ المفتوح، ولا رجعة عندئذ، لأن الفرصة قد ضاعت منك، فاغتنم لحظات عمرك في التفكر والتدبر وكن على حذر من الدنيا الخداعة فهي دار غرور، وكن فيها على وجل فكل شيء مفارق لك أو أنت مفارق له، لا حزن دائماً فيها ولا فرح، ولله در أمير الكلام علي بن أبي طالب عليه السلام في التحذير منها : ( واحذّركم الدنيا فإنها منزل قُلعة، وليست بدار نُجعة، قد تزينت بغرورها، وغَرت بزينتها...)(١). _______________________ (١) نهج البلاغة: في ذم الدنيا رشا عبدالجبار ناصر

اخرى
منذ 6 سنوات
1942

شبهاتٌ حول القضية الحسينية (4)

بقلم: علوية الحسيني ■الشبهة: إنّ يزيد لم يأمر بالإتيان بآل الإمام الحسين (رضي الله عنه) سبايا إلى الشام، بل ذهبوا إلى بيته ليقيموا النياحة، وقد أكرمهم، وخيّرهم بين المقام عنده والرجوع إلى المدينة (1)، وبالتالي فقصة السبي مبتدعة من الشيعة ليتهموا يزيد بها. ■الجواب: أرى المخالف من أصحاب القيل المبغضة الباطلة، نطق وكذب فأثِم؛ لأنّ الجواب على زعمه هذا من كتبه، لا أن يجعل الأخبار عضين، يؤمن ببعض ويكفر ببعض -كما هو حاله مع آيات القرآن الكريم-. فالجواب على هذا الزعم سيكون ضمن مطلبين، نثبت فيهما قيام الطاغوت يزيد (عليه لعنة الله) بتوهين مقام نساء الحسين وأطفاله (عليهم السلام). ■المطلب الأول: إنّ ما جاء به الناصبي ابن تيمية وأخذ يردده أتباعه لهو من الكذب الصريح؛ إذ لا يمكن تغطية الشمس بغربال، ومن يقول بذلك فهو من سفهاء العقول. وفي هذا المطلب فرعان: •الفرع الأول: 1- اختلف علماء ابناء العامة في كفر يزيد (عليه لعنه الله)، ولكنهم على كل حال نسبوا له الجرم الشنيع: قتل الإمام الحسين (عليه السلام) فلا يستبعد عقلاً من طاغية مثله أن يوهن مقام آل الحسين (عليهم السلام)؛ خصوصًا مع سيرته الإجرمية، فمن يتجاسر على بيت الله تعالى ويرميه بالمنجنيق، ويتعدَّ على حدود الله تعالى ويشرب الخمر ويفعل المنكرات ويستبيح الحرمات، ويأمر بقتل سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لا يستبعد أن يسيء لآل الحسين (عليهم السلام)، أو يتشمت بما جرى عليهم من جيشه. 2- لو تساءلنا: لماذا أخذ جنود الطاغية آل الحسين (عليهم السلام) إلى الشام حيث قصر يزيد؟ أ ليس تكليفهم كان أمّا استحصال بيعة الإمام الحسين (عليه السلام) ليزيد (عليه لعنه الله) أو قتل الإمام؟ فها هم قد قتلوا الإمام، فلماذا أخذوا أهله سبايا؟ الجواب عقلًا لا يخلو من أحد هذه الاحتمالات: أ) إنّ الجنود تصرّفوا بدون علم يزيد. وهذا يدل على أنّ يزيد ليس له الهيمنة على جنوده، فكيف بشعبه؟! وعلى فرض صحة هذا الاحتمال كان على يزيد أن يعاقب من جاء بآل الحسين (عليهم السلام) إلى الشام وسبّب لهم عناء المسير، وتعدى على حقهم حيث أنّهم لم يريدوا السفر فأجبرهم الجنود، ولكن يزيد لم يفعل، إذًا هو راضٍ بفعلهم، والساكت عن الحق شيطانٌ أخرس –كما يقول علماؤكم-، والشيطان ملعون، وإنّي ارى استحقاقه ما يستحقه الشيطان، إذًا يزيد ملعون. ب) إنّ الجنود تصرّفوا بعلم يزيد، لكنه تندم على قراره بجلب آل الحسين (عليهم السلام) سبايا لقصره. وهذا يدلّ على أنّ يزيد سفيه؛ حيث إنّه لا يحسن اتخاذ القرارات فيتكلم عن عدم حكمة، وإنّي لأراه هكذا. ج) إنّ الجنود تصرفوا بعلم يزيد، لكنه لم يندم على قراره، وكان متعمدًا بأن يوهم الناس بأن هؤلاء السبايا خرجوا عليه كحاكم، (عليه من الله ما يستحق). وهذا يدل على ظلمه وجوره، وجاء ابن تيمية مكذبًا مدافعًا للظالم. فلعنه الله تعالى ولعن أباه الذي مهّد له الطريق. وإنّي لأرى هذا الفرض يوجب لعن الأب وابنه، إذ العقل يحكم بأنّ الظلم قبيح، وعلّمني القرآن الكريم أنّ كلّ جذرٍ قبيح إذا أنبت غصنًا قبيحًا صارت الشجرة قبيحة، والقبيح ملعون، فالجذر وفرعه ملعونان، قال تعالى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار} (2)، ومفسروكم فسروا تلك الشجرة بالكافر، وأنا أرى مصداقها جذركم وفرعه. •الفرع الثاني: الدليل النقلي روى الطبري في تاريخه: "لما قتل الحسين [عليه السلام] وجيء بالأثقال والأسارى حتى وردوا بهم إلى الكوفة إلى عبيد الله، فبينا[فبينما] القوم محتبسون إذ وقع حجر في السجن، معه كتاب مربوط، وفي الكتاب خرج البريد بأمركم في يوم كذا وكذا إلى يزيد بن معاوية، ... وجاء كتاب بأن سرّح الأسارى إليّ. قال فدعا عبيد الله ابن زياد محفز بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن، فقال: انطلقوا بالثقل والرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية؛ قال: فخرجوا حتى قدموا على يزيد" (3). ■المطلب الثاني: نحن كشيعة امامية جعفرية كتبنا تصدح بظلامة الإمام الحسين (عليه السلام)، التي تناقلها الأئمة (عليهم السلام) عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) الذي نقلها عن جبرائيل الأمين (عليه السلام)، الثابتة في علم الله الأزلي، وبالتالي كلّ تشكيك بمصداقيتها هو تشكيك بعلم الله تعالى. وبالتالي تتعدد الأدلة ضمن الفروع التالية: •الفرع الأول: أدلة مصرّحة: جاء في كتبنا أنّه "بعد أن مكثت العائلة في الكوفة عدّة أيام جاء الأمر من يزيد إلى ابن زياد أن يسرّح عائلة الحسين عليه السّلام إلى الشام ، وفعلا فقد دخلت العائلة إلى الشام ، وإذا بأهل الشام يعبّد [يعيّد] بعضهم الآخر بالانتصار" (4). •الفرع الثاني: أدلة ضمنية: إن الموقف الذي قامت به زوجة يزيد (هند بنت عبد الله)، التي كانت خادمة في بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم انتقلت إلى الخدمة في بيت الإمام الحسن (عليه السلام) وخطبها معاوية هناك لابنه يزيد، فحينما أدخلوا السبايا خربة من خربات الشام جاءت لهن هند تستفهم عن حالهنّ، "فلبست عباءتها وتوجهت لهنّ، ويقول البعض أنّ يزيد صادفها فخشي كثيرًا من أن تعرفهنّ؛ إذ كانت خادمة في بيتهنّ، إلاّ أنّ تغطرسه جعله أن لا يبالي ما فعل! وما إن عرفت مقامهنّ أنّهنّ حرائر الرسالة ضربت رأسها بالحجر حتى سال على مقنعتها فغشي عليها، وعندما أفاقت خرجت إلى مجلس يزيد كان مجتمع فيه مع وجهاء دولته فاستنكرت عليه أمره بقتل الإمام الحسين (عليه السلام) والاتيان برأسه، وسبي آله، فافتضح أمره على يد زوجته، إذ كانت ضدّه" (5). نعم، كما نقل لنا التأريخ أنّها طلبت منه أن يسكن السبايا في داره الخاصة، ففعل مضطرًا، وأكرمهنّ بالمسكن والطعام والمعاملة الحسنة ليصلح فادح خطيئته، حتى جاءت إليهنّ نساء آل أبي سفيان يعزينهنَّ، بل وقبّلنَ أيدي وأرجل بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأقمنَ العزاء في بيت يزيد" (6). لكن كما يتشبث صاحب الكتاب -ابن تيمية- والناقل -صاحب الشبهة- لما فيه بما نقله التاريخ، فلينظر إلى التاريخ بعينين لا بعينٍ واحدة، وليعلم أنّ نفس التاريخ ذكر لنا أنّ يزيد كان متخوفًا من انقلاب دولته ضدّه، "بل وفعلاً حاول البعض أن يهجموا على داره ويقتلوه، فأشار عليه مروان أن يطلق سراح السبايا ويرجعهم إلى مدينة جدّهم" (7). فإكرام يزيد لهم إن دلّ على شيء فهو يدل على نفاقه وجرأته على أن يكرم آل الحسين بعد أن قتل آباءهم (عليهم السلام)، فهو كالقاتل الذي يمشي وراء جنازة المقتول. ________________ (1) منهاج السنة: لابن تيمية، ج4، ص559. (2) ابراهيم: 26. (3) تاريخ الطبري: لمحمد بن جرير الطبري، ج5، ص463. (4) اعلام النساء المؤمنات: لمحمد الحسون وأم علي مشكور، ص580. (5) زينب الكبرى من المهد إلى اللحد: للسيد مصطفى القزويني، ص496-501. (6) معالي السبطين في احوال الحسن والحسين عليهما السلام: لمحمد مهدي الحائري، ج2، ف14، م16، ص164. وتاريخ الطبري، ج5، ص465. وكتاب الإيقاد، ص 180، وبعض المصادر الأخرى. (7) ظ: كامل البهائي: عماد الدين الطبري. والسّلامُ عَلَى الحَرائرِ فِي الحَدِيْدِ مُصَفَداتْ، فَوقَ أقْتَابِ المطِيَّاتِ، تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ حَرُّ الهَاجِرَات، يُسَاقُونَ فِي البَرَارِي وَالفَلَوَاتِ، أيْدِيهُمُ مَغْلُولَةٌ إِلَى الأعْنَاقِ، يُطَافُ بِهِم فِي الأسْوَاقِ، فالوَيْلُ للعُصَاةِ الفُسَّاق.

العقائد
منذ 5 سنوات
1993

حذار من الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)

عاش رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمته يبلغهم رسالة ربه، ليخرجهم من الظلمات الى النور، وأوصاهم قبل رحيله في حجة الوداع قائلا: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) (1). وقد اكدت وصية الرسول بالتمسك بكليهما: القران كتاب الله الذي (لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه ) (2) وعترة النبي الذين حفظوا لنا سنة النبي الهادية من قول وفعل وتقرير، حيث إن حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكمل للتشريع ومبين لمجملات القران ومخصص لعموماته ومطلقاته، وقد تكفل بالكثير من النواحي الأخلاقية والاجتماعية والتربوية. ولكننا مع ذلك نرى أن الخليفة الاول ومن بعده قاموا بتغييب السنة النبوية الشريفة ومنعوا روايتها وتدوينها، ففي أول اجتماع سياسي عام لأبي بكر أَمَر المسلمين " بأن لا يحدثوا شيئاً عن رسول الله (3)! وروت عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكانت خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلب كثيرا، قالت: فغمني، فقلت : تتقلب لشكوى أو لشيء بلغك، فلما أصبح، قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنار فأحرقها، وقال : "خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني" (4). وقد استمر هذا المنع زمن عمر بن الخطاب بشكل أشدّ واغلظ بما يتناسب وشخصيته، وهو أول مخترع لشعار "حسبنا كتاب الله" وهو الشعار الذي برر به أبو بكر ما فعل، فعمّم على كافة الأمصار الخاضعة لحكمه " إن من كان عنده شيء من سنة الرسول فليمحه (5)! وقال أبو هريرة: " لقد حدّثتُكم بأحاديث لو حدّثت بها زمن عمر لضربني بالدرة(6). قال الذهبي: إن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود و أبا الدرداء و أبا مسعود الأنصاري فقال: " لقد أكثرتم الحديث عن رسول الله (7). اما عثمان فإنه قال: "لا يحل لأحد أن يروي حديثاً لم يسمع به في عهد ابي بكر ولا في عهد عمر" (8). وهذا النهي كان اجتهاداً منهم في مقابل نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أقرّ الكتابة في عهده بأدلة عديدة، حيث قال عبد الله بن عمرو بن العاص : كنت أكتب كل شيء سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا تكتب كل شيء سمعته من رسول الله ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا . فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فأومأ بإصبعه الى فيه وقال: اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه الا الحق (9) وهذه الرواية تعرب عن ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اجاز الكتابة عنه ورد التهمة التي وجهت اليه من قريش، وتشير الى ان هناك من الصحابة من نهى من كتابة حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) على عهده . وكذا الرواية التي نقلتْ عن أبي هريرة: أنَ ‏رجلاً من ‏الأنصار كان ‏يجلس إلى ‏رسول ‏اللَّه‏ (صلى الله عليه وآله) ‏فيسمع‏ منه الحديث يعجبه ، ولا يقدر على حفظه، فشكا ذلك ‏إلى ‏رسول‏ اللَّه‏ (صلى الله عليه وآله) ‏فقال: استعن بيمينك (10) وما رواه رافع بن خديج من أنَّ النبي‏ (صلى الله عليه وآله) أَذِن لهم في كتب ما سمعوه منه ، قال: قلنا: يا رسول اللَّه ، إنّا نسمع منك أشياءً ، أ فنكتبها؟ قال: اكتبوها، ولا حرج . وغيرها كثير من الادلة . ونحن نعتقد من خلال ذلك كله: أن منع الخلفاء كان بسبب الخوف من اشتهار الحديث في فضل علي وأبنائه وعلمهم ومقامهم واحقيتهم بمنصب خلافة الرسول (صلى الله عليه وآله)، بل انه نفس السبب الذي منع النبي (صلى الله عليه وآله) من كتابة الصحيفة يوم الخميس عند احتضاره . تحريف السنة النبوية: وإذا كان القرآن الكريم محصّناً بإرادة إلهية من أن تطاله يد التحريف والتغيير (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر -9 ، فإن السنة النبوية كانت في معرض هذا الخطر الذي أصابها حتى في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد اختلقت عليه بعض الأقوال كذباً مما دفعه إلى التحذير الشديد حيث قال (إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)(12) وورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال :(وقد كُذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عهده حتى قام خطيباً فقال: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )(13) واذا كان من يتجرأ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكذب عليه في حياته، فان حدوث ذلك بعد وفاته سيكون اكثر احتمالا وتوقعا ، وهذا ما حصل بالفعل خاصة بعد الأحداث والاختلافات السياسية والمذهبية التي حلت بالأمة ، لذا أصبح لزاما على المسلمين أن يمحصوا الأحاديث التي يُدّعى أنها واردة عنه (صلى الله عليه وآله) ليعلموا انها فعلا من سنة الرسول الواقعية فتكون حجة عليهم او لا ، ومن أجل احقاق الحق وابطال الباطل . إن من ابرز عوامل وضع واختلاق الحديث: 1- العامل السياسي: وتمثل هذا بشكل واضح في اعمال معاوية التي قام بها من أجل توطيد اركان دولته، ولأنه كان يعلم أنه لا أهلية ولا شرعية له للخلافة، لأنه من الطلقاء، فمنع من كتابة أي رواية في فضل علي (عليه السلام) وأمر بوضع أحاديث في فضل عثمان والصحابة! روى المدائني : وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق : أن لا يجيزوا لأحد من شيعة على وأهل بيته (عليهم السلام) شهادة ، وأن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته . ففعلوا ذلك حتى أكثروا من فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، وأطاعه في ذلك الكثير من المرتزقة والحاقدين كأبي هريره والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وغيرهم. يقول ابن عرفة :ان اكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في ايام بني امية تقربا اليهم بما يظنون انهم يرغمون انوف بني هاشم (14) . وقد استمر الوضع طيلة الحكم الاموي والعباسي من بعده حيث ظل وعاظ السلاطين يضعون الحديث للتزلف من الحكام كما صنع غياث بن إبراهيم النخعي الكوفي، فإنه دخل على المهدي، وكان المهدي يحب الحمام ويلعب به، فإذا قدامه حمام، فقيل له: حدث أمير المؤمنين. فقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح).فأمر له المهدي بيدرة، فلما قام قال: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله ((صلى الله عليه وآله)).ثم قال المهدي: أنا حملته على ذلك، ثم أمر بذبح الحمام ورفض ما كان فيه) (15). 2- العامل الديني: وهو السبب الذي دفع الحاقدين من اليهود والنصارى لوضع الاحاديث كيداً للإسلام، ككعب الاحبار ووهب بن منبه وكانوا من اكابر علماء اليهود في اليمن فقاموا بدس وتسريب فكرهم الاسرائيلي مغلفا باحاديث مختلقة ، فكانت الاسرائيليات المتمثلة في التجسيم ووصف الانبياء بما لا يليق . وكان ابو هريرة من ابرز تلاميذ كعب الاحبار فدخلت الكثير من تلك الاحاديث عن طريقه الى كتب الاحاديث السنية وصحاحها. كما تمثّل ذلك بظهور الغلاة الذين تأثروا بالنصارى فاستغلوا تقديس الشيعة لأهل البيت عليهم السلام وضعوا احاديث في رفعهم فوق منزلتهم كالمغيرة بن سعيد المعاصر للإمام الباقر عليه السلام وتلميذه محمد بن مقلاص الاسدي المعروف بابي الخطاب الذي كان من اصحاب الامام الصادق عليه السلام ثم انحرف ، ولكننا نجد أن موقف الأئمة كان صارما تجاه هؤلاء - وبخلاف ما حدث عند أهل السنة - لخطورتهم فقاموا بلعنهم والتبري منهم وحذّروا الاصحاب من الأخذ بأحاديثهم فلا نجد لها أثرا في كتبنا المعتبرة . 3-وضع الحديث حسبة : وهو ان يضع الواضع دعاية للدين وتقربا الى الله تعالى وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وإن هم الا يكذبون على رسول الله (صلى الله عليه وآله)،واكثرهم خطورة الذين انتسبوا إلى الزهد والصلاح بغير علم ، كأبي عصمة المروزي الذي قيل له: من اين لك يا عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة ؟ فقال: اني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه ابي حنيفة ومغازي محمد بن اسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة! ولما سُئل احدهم: لم كذبت على رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ كان يجيب: إنني لم اكذب عليه بل كذبت له! (16). ما دور علماء المذهب في ذلك؟ كل ذلك حرك علماءنا الذين حرصوا على صيانة الدين والمذهب فانبرى أجلّاؤهم لجمع الحديث من كتب الأصول التي كتبها اصحاب الأئمة عليهم السلام عنهم مباشرة، وتدوينه مع ذكر سنده وصولا للمعصوم عليه السلام ، فكانت المجاميع الحديثية الاربعة المتقدمة في القرنين الرابع والخامس الهجري (الكافي للشيخ الكليني ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق وكتاب التهذيب وكتاب الاستبصار للشيخ الطوسي ). وبعدها في القرنين الحادي عشر والثاني عشر كانت المجاميع الحديثية المتأخرة (الوافي للشيخ الملقب بالفيض الكاشاني والوسائل للشيخ الحر العاملي والبحار للشيخ المجلسي ومستدرك الوسائل للميرزا حسين النوري ). وكان جهدا عظيما منهم ، فقد استغرق الشيخ الكليني عشرين عاماً لجمع أحاديث كتابه الكافي، قضاها في السفر والتنقل لجمع الروايات وحفظ اسانيدها والتحقق من وثاقة الرواة .بالإضافة الى كتب حديثية اخرى. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد دأب العلماء على وضع منهج وقواعد علمية لدراسة الحديث الشريف والتأكد من صحة صدوره من المعصوم لصيانة السنة الشريفة وللحذر من الوقوع في مغبة الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) . وهذا المنهج يقوم على دراسة الحديث من ناحية السند على اساس احراز وثاقة الراوي من عدمها لغرض تقييم الرواية ومعرفة المقبول من المردود ، ويهيئ علم الرجال المقدمات لذلك من خلال البحث في أحوال الرواة بشكل تفصيلي لمعرفة الراوي المقبول من غيره ، وقسموا الحديث في القرن السابع الهجري تبعا لأحوال الرجال الى صحيح وحسن وموثق وضعيف . وأما من ناحية المتن فاشترطوا ان لا يعارض محكم الكتاب أولا، روى الحر العاملي في وسائله: سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف . و أن لا يعارض السنة المتواترة والمقطوع بها ، ولا العقل الحصيف الذي يميز الحسن من القبيح كالبديهيات العقلية، ولا الحقائق التاريخية التي أجمع عليها أعلام المسلمين .(17) وإنه ليستفاد من هذا المنهج عند الرجوع الى كتب الحديث المعروفة للتحقيق في مصداقية وحجية الرواية . مصيبة زماننا هي رواج سوق الكذب والوضع: ولكن مما يؤسف له أننا اليوم ومع تطور وسائل الاتصال وامكانات الاعلام ونشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) نرى البعض يقع في مصيبة الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أما متعمدين من خلال وضع الاحاديث واختلاقها ونسبتها الى المعصوم (عليه السلام) حسبة، أو من خلال نقل روايات ضعيفة ومنكرة من مصادر غير معتبرة أو مجهولة، مما يمكن اعتباره امتداداً لدور الوضّاعين. لغرض تشجيع الناس على الاقبال نحو الشعائر والممارسات الدينية، فيروي أن من صلى هذه النافلة او قرأ هذه السورة فله ألف قصر وألف حورية في الجنة، ويختلق كرامات ومعاجز وهمية للمعصومين، وفي بعضها غلو فاضح بمبرر توطيد ولاء الناس لائمتهم، ولان هؤلاء ظاهرهم الصلاح والتقوى فهم يتمتعون بثقة وقداسة في الاوساط الشعبية البسيطة توفر لما يبثون أرضية القبول والتسليم، وهم يجيدون دغدغة مشاعر الناس الدينية واستثمار ولاءاتهم من خلال الاخبار والحكايات المتضمنة للمصائب التي لا واقع لها من أجل إبكاء الناس، فيخلقون ثقافة دينية فاسدة قائمة على أساس الكذب والافتراء، وهل نسي هؤلاء قوله تعالى (إنما يتقبل الله من المتقين) (18) وقوله (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون) (19) وقوله (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ) (20) فلا يمكن ان يصبح الظلم او السرقة حلالاً حتى ولو كانت لإعانة المؤمن وقضاء حاجاته، بل إن ذلك ينتج رؤية مشوشة تجاه كثير من القضايا وزيادة في الفرقة بين المسلمين وغلوا في شخصيات الائمة والاولياء . وهناك فئة اخرى يقعون في تلك المصيبة غافلين عن ذلك من خلال نشر تلك الروايات دون ملاحظة مصدرها أو سندها، فيكونون ممن قال فيهم الرسول (صلى الله عليه وآله) (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع) (21)، أو قول أمير المؤمنين عليه السلام (لا تحدث من غير الثقة فتكون كذاباً) (22)، فحري بالمؤمنين الواعين الالتفات الى خطورة هذا الامر ومراعاة الدقة قبل النشر من أجل تنقية المجتمع من هذه الآفة وتنقية الدين من الخرافة والأساطير. وتبين هذه الرواية التي اوردها الكشي في رجاله في رجاله صراحة مدى الدقة المطلوبة في ذلك: عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن ان بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر فقال له: يا أبا محمد ما أشدك في الحديث؟ وأكثر انكارك لما يرويه أصحابنا؟ فما الذي يحملك على رد الأحاديث؟. فقال: حدثني هشام بن الحكم انه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فان المغيرة ابن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبى فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله فانا إذا حدثنا قلنا قال الله عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وآله. قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السلام متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها من عبد على أبى الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبى عبد الله عليه السلام وقال لي: ان أبا الخطاب كذب على أبى عبد الله عليه السلام لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فانا ان تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، أما عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول قال فلان وفلان، فيتناقض كلامنا، ان كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصداق لكلام آخرنا، وإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا أنت أعلم وما جئت به فان مع كل قول منا حقيقة وعليه نور، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك قول الشيطان (23). وهل يحتاج الحسين عليه السلام ان نضع له احاديث مختلقة؟! وأخيرا نتساءل ونحن في شهر الحسين عليه السلام : هل يحتاج سيد الشهداء أن نضع له ولأهل بيته أحاديث لنثبت أحقية موقفهم ومظلوميتهم !! وعندنا من الروايات المؤكدة الصحيحة مما رواه الفريقين: قال الإمام أحمد : حدّثنا وكيع ، عن ربيع بن سعد ، عن أبي سابط ، قال : ( دخل حسين بن علي المسجد ، فقال جابر بن عبد الله : ( مَن أحبّ أنْ ينظر إلى سيـّد شباب أهل الجنّة ، فلينظر إلى هذا ) سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (24) كما أخرج الترمذي بسنده إلى يعلى بن مرّة ، قال : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( حسينٌ منّي وأنا مِن حسين (25) وأخرج الحاكم بسنده إلى أبي هريرة ، قال : ( رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو حامل الحسين بن علي ، وهو يقول : ( اللّهمّ إنّي أحبُّه فأحبَّه ) (26). وعن عبد الله بن عمر قال : « سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : إنّ الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا . (27) وأما في فضل زيارته عليه السلام فعن هارون بن خارجة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «وكّل الله بقبر الحسين أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة، فمن زاره عارفاً بحقّه شيعوه حتى يبلغوه مأمنه، وإن مرض عادوه غدوة وعشيّة، وإن مات شهدوا جنازته واستغفروا له إلى يوم القيامة» (28) و قوله عليه السلام: « مَنِ اغتسل في الفُرات، ثمّ مشى إلى قبر الحسين عليه السلام، كان له بكلِّ قَدمٍ يَرفَعُها ويَضَعُها حَجّةٌ مُتقَبَّلةٌ بمناسكها » (29) وما أجمل دعاء الإمام الصادق عليه السلام لزُوّار الحسين عليه السلام، مرويّاً عن معاوية بن وهب، وكان دخل على الإمام فسمعه يناجي ربَّه ويقول): يا مَن خَصَّنا بالكرامة، ووَعَدَنا الشفاعة ... اغفِرْ لي ولإخواني، وزُوّارِ قبرِ أبي، الحسينِ بن علي، صلوات الله عليهما، الذين أنفقوا أموالَهم، وأشخصوا أبدانهم؛ رغبةً في بِرِّنا، ورجاءً لِما عندَك في صِلتِنا، وسُروراً أدخلوه على نبيِّك محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وإجابةً منهم لأمرنا، وغَيظاً أدخَلُوه على عدوِّنا، أرادوا به رِضوانَك، فكافِئْهم عنّا بالرضوان... اللّهمّ إنّ أعداءَنا عابُوا عليهم خروجَهم، فلم يَنْهَهُم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا، خلافاً عليهم، فارحَمْ تلك الوجوه التي غَيّرتْها الشمس، وارحَمْ تلك الخُدودَ التي تَقلّبَت على قبرِ أبي عبدالله عليه السلام، وارحَمْ تلك الأعيُنَ التي جَرَت دموعُها رحمةً لنا، وارحَمْ تلك القلوبَ التي جَزِعت واحتَرقَت لنا، وارحَمْ تلك الصرخةَ التي كانت لنا... )(30) وأخيرا نسأل الله ان يجعلنا ممن شملهم دعاء الامام الصادق عليه السلام وان يحشرنا مع الصادقين . (1) إكمال الدين: 136 (2)سورة فصلت -42 (3)تذكرة الحافظ للذهبي : 1 / 2 ـ 3 (4) تذكرة الحفّاظ 1: 5 (5) كنز العمال : 10 / 291 (6)جامع بيان العلم لابن عبد البر : 2 / 121 (7)تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 7 (8)مسند أحمد بن حنبل 1 : 363 ، الطبقات الكبرى 2 : 336 (9)مسند احمد 2-162 207 216 وسنن الدارمي 1-125 وسنن ابي داود 2-126 (10)تقييد العلم ، الخطيب البغدادي (11) تقييد العلم ، ص‏۷۲ – ۷۳ ، (12)صحيح مسلم باب تغليظ الكذب على رسول الله برقم 3 (13) نهج البلاغة خطبة 210 (14)شرح نهج البلاغة لابن لبي الحديد 11-46 (15) علوم الحديث للدكتور صبحي الصالح 268 (16)اصول الحديث للدكتور عبد الهادي الفضلي (17)الحديث النبوي بين الرواية والدراية للشيخ السبحاني (18)المائدة -27 (19)الانعام -21 (20)غافر- 28 (21)كنز العمال 8208 (22)بحار الانوار للعلامة المجلسي 8-10 -68، (23)بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٦ - الصفحة ٢٦٢ التي أوردها الكشي ص ١٩٥: (24)البداية والنهاية لابن كثير 225-8 .ورواه الذهبي في " السير " أيضاً عن " مسند أحمد " سير أعلام النبلاء : 3/282 ـ 283 (25)سنن الترمذي : 5 (26)المستدرك على الصحيحين : 3/177 (27)سنن الترمذي : حديث ٣٧٩٥ (28)وسائل الشيعة، ج10، كتاب الحج، باب تأكد استحباب زيارة الحسين بن علي عليهما السلام، ح1 (29)تهذيب الأحكام للشيخ الطوسيّ 53:6 (30)ثواب الأعمال للشيخ الصدوق 120 ـ 121، كامل الزيارات 228 ـ 231، بحار الأنوار للشيخ المجلسي 51:101 ـ 53. المنتظر أبا صالح

اخرى
منذ 6 سنوات
6900

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76850

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56654

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44116

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43544

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40355

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33542