تشغيل الوضع الليلي
خاطرة
منذ 4 سنوات عدد المشاهدات : 354
التاريخُ يُعيدُ نفسه
كانُ ولا زال عبيد الدُنيا يلهثُون خلف الطّمعِ والجشعِ، واضعين أكفَّهم على أعيُنهم؛ لتكون حاجبًا عن رؤية الحق وإن كان بوضوح شمس النّهار ...
بالأمس ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وأبصارهم وأمتثلوا لطاعة ابن زياد وغدروا بسفير الحق والحقيقة، سفير حُجة الله (تعالى) على خلقة في أرضه...
وها هم اليوم يستأنسون بالغفلة عن شمس الحقيقة وسبيل النجاة نواب الإمام الحٌجة ابن الحسن (عليه السلام) ويتبعون ورثة أبن زياد، مع أن الحق واضحٌ وجليّ، ولكن هيهات هيهات كيف يرى الحق من أعمى قلبه باتباع الهوى وطاعة النفس والشيطان.
اخترنا لكم
عباءةٌ برائحةِ الطفوف
بقلم: أم حوراء النداف همّتْ آمنةُ بفتحِ بابِ المنزلِ عندما سمعتْ صوتَ أمِّها وهي تقول: -آمنة، حبيبتي لا تنسي العباءة! امتعضت آمنةُ كثيرًا، وعظّت بأناملِها الرقيقةِ على ما تحملهُ بيدِها من قرطاسٍ وأجابت أمَّها دون أنْ تلتفت: -لكن أمّي المسافةُ قصيرةٌ إلى بيتِ الخالةِ أمِّ علي، وملابسي فضفاضةٌ ومُحتشمة! لم تسمعْ آمنةُ أيَّ ردٍّ، ففهمتْ أن لا مناصَ لها من الأمرِ، فعادت أدراجها وارتدتِ العباءةَ على مَضضٍ وهي تُتمتِمُ مُتبرِّمةً: -وصلَ العالمُ إلى المريخ واكتشاف المجرات، ونحن لا زلنا عالقين في العباءة! وحالَ خروجِها من المنزل صادفتْ إحدى صديقاتِها، فطالعتُها الأخيرةُ بنظرةِ تعجُّبٍ ساخرة: -السلامُ عليكِ يا آمنة ...تبدين كجدّتي بهذه العباءة. قالتْها وهي تضحكُ في حين ازدادَ انزعاجُ آمنةَ فتركتْها وانطلقت نحو الدرسِ في بيت جارتهم السيّدة أم علي ثم لحقت بها صديقتها: -مهلًا انتظري، كنتُ أمزحُ فقط. وهناك نالتْ نصيبَها من التعليقاتِ الناقدةِ تارةً والمؤيدةِ تارةً أخرى، جادت بها حناجرُ الفتياتِ ممن حضرْنَ الدرس. كانتِ السيّدةُ أمُّ علي امرأةً مُتديّنةً، درستِ العلومَ الإسلاميةَ، وقررتْ تخصيصَ جزء من وقتِها لتعليمِ الفتياتِ بعضَ أحكامِ التلاوةِ والأحكامِ الشرعية الابتلائية. وعندما استمعتْ إلى جدالِ الفتياتِ حولَ موضوعِ الحجابِ من الغرفةِ المجاورة، تعمّدتِ التأخر وأنصتتْ إلى ملاحظاتهن جيدًا؛ لتكونَ مُطلعةً تمامًا على ما يجولُ في تلك الرؤوس الصغيرة من أفكارٍ وتساؤلات. وفي تمامِ الساعةِ التاسعة والنصف بدأ الدرسُ، وسادَ الهدوءُ بعدَ أنِ ارتفعتِ الأصواتُ بالصلاةِ ثلاثًا على النبي وآل النبي (صلوات الله عليهم أجمعين)، لكن وقبلَ أنْ تبدأ المُدرِّسةُ الكلامَ انبرت إحدى الفتياتِ تتساءل: -خالة، هلِ الحجابُ فرضٌ واجبٌ؟! وأردفتْها أخرى: -هل يجبُ ارتداءُ العباءة؟! -لماذا الحجابُ فرضٌ على النساءِ دون الرجال؟ -هل يجوزُ للأبِ أنْ يفرضَ الحجابَ على ابنته؟ وهكذا توالتِ الأسئلةُ حولَ الموضوعِ، والمُدرِّسةُ تُصغي إليهن وقد علتْ وجهَها ابتسامةُ حنان، وحينما انتهينَ نظرتْ إليهن نظرةَ عطفٍ ومحبةٍ، ثم حاولتِ التخفيفَ من حِدّةِ توترهن، فقالت مازحةً: -يبدو أنَّ سيلَ الأسئلةِ قد انتهى، لقد خشيتُ فعلًا أنْ أغرق، فامتلأ المكانُ بأصواتِ ضحكاتِهن البريئةِ والطفولية. -نعم يا حبيباتي اضحكن، فالأمرُ أبسطُ بكثيرٍ مما تتصورنَ؛ فالتعلُّمُ واكتشافُ المجهول أمرٌ فطريٌ عند الإنسان، ومن الجيّدِ لكُنّ في هذهِ السنِ المُبكّرة، عشر أو أحدَ عشرَ عامًا أنْ تفهمْنَ وتتعلمْنَ سرَّ هذا التكليفِ المُميّز. والآن اصغينَ إليّ جيدًا: أنتُنّ جميعًا طالباتُ مدرسةٍ، صحيح؟ والآنَ سأطرحُ عليكن سؤالًا، لماذا يجبُ أنْ ترتديْنَ زيًا موحدًا في المدرسة؟ تأمّلتِ الفتياتُ في السؤالِ قليلًا ثم أجابتْ إحداهن: -لأنّه القانون! -صحيحٌ القانون، ولكن لماذا وُضِعَ هذا القانون؟ لِمَ لا نرتدي في المدرسةِ ملابسَ عاديةً كالتي نرتديها حين نزورُ أقاربنا أو أصدقاءنا؟! أجابتْ فتاةٌ أخرى وهي غيرُ مُقتنعةٍ بالأمر: -لن يكون مناسبًا، سيكونُ هنالك الكثيرُ من الألوان -سننشغلُ بالملابسِ. (قالت فتاةٌ أخرى). -سنحتاجُ إلى الكثيرِ من الثيابِ؛ فأنا لا أحِبُّ التكرار. -الزي المدرسي أفضل. وتجاوبتْ مُعظمُ الفتياتِ مع العبارةِ الأخيرةِ لزميلتهن. ثم أضافتْ إحداهن قائلةً: -أصلًا لن أشعرَ أنّي طالبةٌ إذا لم أرتدِ هذا الزي؛ ففي إحدى المراتِ وأثناءَ عودتي من المدرسة شاهدتُ ابنة الجيرانِ وهي تغسلُ بابَ بيتِهم وكانت قد تركتِ الدراسة، فنظرت إلي، حينها شعرتُ بالفخرِ؛ لأنّي طالبةٌ وأرتدي هذا الزي وحمدتُ اللهَ على هذه النعمة. وقالت فتاةٌ أخرى: -في السفراتِ العلمية يطلبون منا ارتداءَ الزي الموحد؛ لأنّ بعضَ الأماكنِ مثل المتاحف يسمحون للطلاب بالدخول مجانًا. جمعتِ المُدرِّسةُ كلتا يديها أمامها على الطاولةِ، وقالت: -إذًا تتفقْنَ معي على أهميةِ الزي الموحد. فأومأتِ الفتياتُ برؤوسهن إيجابًا. حينئذٍ تابعتْ قائلةً: -الآن اذكرْنَ لي بعضَ المؤسساتِ التي فيها زيٌ موحدٌ عدا المدرسة. فذكرنَ الشرطةَ، المُستشفى، رجالَ الإطفاء، عُمّال المعمل.....إلخ. قالتِ السيّدةُ أمُّ علي: -اعلمْن يا عزيزاتي أنَّ هنالك فوائد عديدةً للزيّ الموّحد، مثلًا: الشعورُ بالانتماءِ والاعتزازُ بهذا الانتماء، الشعورُ بالمساواة، الالتزامُ بالقواعد، عدمُ التركيز على المظاهر وغيرها من المزايا، علمًا أنّ لكُلِّ واحدةٍ منها أثرًا وخصوصيةً. والآنَ سأطرحُ عليكن سؤالًا آخر: - إذا ذهبنا إلى بلادِ الغرب ما الذي يُميّزُ المُسلمة عن غيرِ المسلمة؟ نظرتْ في أعيُنِهن وقالت بثقة: إنّه الحجاب. انتظرتْ بُرهةً من الزمن ثم تابعتْ وهي تتحسّر: -يومَ القيامةِ سيتمنى الجميعُ لو أنّهم ينتمون إلى أمّةِ سيّدِنا مُحمدٍ (صلى الله عليه وآله) لما يرونه من الكراماتِ التي يحظى بها رسولُ الإسلام وأتباعه من المسلمين الثابتين على نهجه ومبادئه. أما في الحياة الدنيا وبسببِ الثقافاتِ الغربية الدخيلة جعلوا الفتاة المسلمة تكره الحجاب وتتصوّرُ أنّه قيدٌ، على حين أنّه عنوانُ انتماءٍ ودليلُ طاعةِ العبدِ لربِّه. ثم إنّنا أولًا وآخرًا عبيدٌ للهِ الواحد القهار، وهو الذي فرضَ الحجابَ على المرأةِ في القرآن الكريم، وتحديدًا في سورةِ النور، وحدد أبعادَه بما لا يقبلُ الجدال والنقاش، وقد تعلّمْنا وفهِمْنا معنى أنّ اللهَ عادلٌ حكيمٌ لا يفعلُ شيئًا إلا عن حكمةٍ وهو أعلمُ بمخلوقاتِه وبما ينفعُها وما يضرُها، لذا جاءتِ التشريعاتُ الإسلاميةُ وفقًا لمصلحةِ المخلوق؛ لطفًا ورحمةً من الخالق (سبحانه). فلماذا لا نثِقُ بما يختارُه لنا اللهُ (تعالى) ونثِقُ بما يختارُه لنا بشرٌ مخلوقونَ مثلُنا لا يملكون لأنفسِهم نفعًا ولا ضرًا؟! سادَ الصمتُ للحظاتٍ لإتاحةِ الفرصة للتأمّل والتفكُّر ثم تابعتْ: -أما العباءةُ وهي مثارُ الجدلِ بينكن فهي التطبيقُ الشرعيُ الحقيقيُ للحجاب الذي أراده الحقُّ (سبحانه) من حيثُ كونها ساترةً لأعضاءِ البدنِ ولا تحكي تفاصيله، وهو الأمرُ الذي لا يتحقّقُ في أي نوعٍ آخر من الحجاب، وإنْ تحقّقَ فبها ونعمت. العباءةُ مستوى راقٍ جدًا من الالتزامِ بقانونِ الشريعةِ المقدسة، ودلالةٌ واضحةٌ على الانتماءِ للدين الإسلامي. ومن واجبِ الوالدين أنْ يُدرِّبا بناتهما على الحجاب الشرعي الصحيح، لكن ليس بالإجبار إنّما بالتحاورِ والإقناع، فلا يوجدُ إنسانٌ عاقلٌ يفضِّلُ معصيةَ اللهِ (تعالى) على طاعته. صمتت برهةً من الزمن، وجالتْ بعينيها في أرجاءِ الغرفةِ، وكأنّها تبحثُ عن شيءٍ ضائع، تنهّدت وخنقتها عبرتها، ثم عادتْ ونظرتْ إلى الفتيات اللاتي بانَ عليهن التأثُر لتغيُرِ حال مُدرّستهن العزيزة وقالت: -هل تعلمْنَ يا عزيزاتي أنّ أكثرَ الأمورِ إيلامًا على قلوبِ أهلِ البيت (عليهم السلام) كان سبيَ النساء؟ نساءُ آلِ بيتِ النبي (صلى الله عليه وآله) هُنّ من أفضلِ النساء دينًا وعلمًا وتقوى وهن من المُخدّرات، أي لم يرهن أحدٌ سوى الآباءِ والإخوةِ والأزواج، وكان سترُهن عزيزًا عليهن كثيرًا، فكُلّما ازدادَ شرفُ المرأةِ زادَ حجابُها واحتشامُها. كانت ظروفهن في غايةِ الصعوبة، حاولنَ عزيزاتي أنْ تستشعرن الحالَ، أسرٌ وغربةٌ وجوعٌ وعطشٌ، ورغمَ ذلك لم يتهاونَّ في أدقِّ جُزئياتِ الدين، ومنها الحجاب. كانتِ السيّدةُ زينب (عليها السلام) حريصةً على حفظِ حجابِ النساءِ العلوياتِ فتوصيهن بالانتباهِ من جهةٍ، وتنهرُ الناسَ عن تصفُحِ وجوههن من جهةٍ أخرى، وإلا فإنّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) سيكونُ خصمهم يومَ القيامة. والسيّدةُ سكينةُ رغمَ حالِ السبي وظروفِ الأسرِ ومرارةِ السفر مع الأجانب، عندما عَرَضَ عليها أحدُ صحابةِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) في الشام أنْ يقضيَ لها أيَّ حاجةٍ تُريدُ، لم تطلبْ ماءً ولا طعامًا، بل طلبتْ منه إعطاءَ حاملِ رأسِ أبيها بعضَ المال ليتقدّمَ بالرأسِ فينشغلُ الناسُ برؤيته ويكفّون عن النظرِ إلى بناتِ الرسالة، فهي تأبى حتى مُجرّدَ النظرِ إلى وجهِها. واليومَ للأسفِ نجدُ بعضَ الفتياتِ والنساءَ يخرُجْنَ إلى الشارعِ وجُلَّ همّهن أنْ ينظرَ الناسُ إليهن ويتصفحوا وجوههن وأجسادهن بملابسَ لا تمتُ للدينِ بصلةٍ. الاهتمامُ بالمظهرِ الخارجي ليس عيبًا، بل هو أمرٌ مطلوبٌ والدينُ يحثُّ على النظافةِ والترتيبِ شرطَ أنْ لا يُصبِحَ الشغلَ الشاغلَ للفتاةِ المسلمة. ولا تزالُ خُطبةُ السيّدةِ سكينة منبرًا للعلمِ والنور في سِفرِ التاريخِ الخالد وتعكسُ روحًا ملؤها العلمُ والتقوى ولم يُعِقْها الحجابُ عن القيامِ بدورِها في فضحِ جرائمِ بني أميّة وتعريفِ الناس بأحقّيةِ موقفِ أبيها الحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). في ذلك اليومِ عندما عادتْ آمنةُ إلى المنزلِ وقفتْ تنظرُ إلى صورتِها في المرآة وهي ترتدي العباءةَ وقالتْ بثقةٍ وكأنّها تُجيبُ على السؤال الذي طرحته الخالةُ أمُّ علي في نهاية الدرس "من تُريدُ أنْ تكونَ في قافلةِ السيّدةِ سكينة؟" -أنا سأكونُ معكِ سيّدتي سكينة، فأمسكي بيدي ولا تتركيني!
اخرىهل التبليغ مفهوم منحصر بطلاب العلوم الدينية على وجه الخصوص؟
إن التبليغ مسؤوليّة عامّة، تجب على كلّ مسلم ولا اختصاص لها بطائفة دون أخرى، إلّا أنّ هذه العمومية في وجوب التبليغ لم تمنع من الدعوة إلى "التخصّص" في العمل التبليغيّ، على غرار سائر التخصّصات العلميّة والعمليّة. فالتبليغ علم قائم بحد ذاته، وليس كل أحد قادراً عليه، والتبليغ يحتاج إلى أمرين : ١- المعرفة: أي أن يكون المبلغ على اطلاع كامل في أمور دينه في العقائد والفقه والتفسير والتاريخ واللغة والاخلاق ٢- الإخلاص: في تحقيق هدفه في إيصال رسالة الإسلام ومبادئه. إن أهل البيت عليهم السلام يطالبوننا أن نسير في هذه الحياة على منهجهم، ونكون شعاع نور يشق ظلام الجهل والتخلف، وأن نكون لهم دعاة صامتين ومصابيح دجى وبأن نكون أوعية علم، وأوعية العلم غير حملته، إذ ليس كل من حمل علما هو وعاء لهذا العلم فقد شبه القرآن اليهود الذين حملوا التوراة ثم لم يعملوا بها كالحمار يحمل أسفارا، فما هي قيمة علم يحمله حمار على ظهره؟! وماهي قيمة إنسان يدرس العلم ويحمله دون أن يتفاعل معه ودون أن يعيَه ويعلمه ويظهر تطبيقه في سلوكه قبل كلامه وتعامله لكي يكون مقنعاً لغيره. فالمهم هو تطبيق الإسلام في جميع مجالات الحياة. إذن لابد من اقتران الإيمان بالعمل . والشيعي المتابع لآل بيت الرحمة (عليهم السلام) ينبغي أن تكون كل حركاته وكل سكناته وكل ما لديه مطابقا ومنسجما لمبادئ آل البيت عليهم السلام واخلاقهم. وأن يحاول كل ما بوسعه لأن يكون (مبلغا) هاديا لمن حوله إلى طريقهم واخلاقهم ( سلام الله عليهم ). إن التبليغ في الاصطلاح المعاصر يعني استقطاب اهتمام الناس نحو شيء معين دون الأخذ بالاعتبار ما يحمله هذا الشيء من الحقيقة. والتبليغ في اصطلاحنا هو التبليغ القرآني، الذي يعني توصيل الحقيقة إلى أذهان الناس وإخراجهم من الجهل والظلام إلى النور والبصيرة . ولا يتَصَوَر شخص أن مفهوم المبلغ منحصر بمن يصل إلى مرحلة في الدراسات الحوزوية تؤهله لأن يخرج في الاماكن العامة والخاصة لينشر تلك المبادئ الفاضلة التي تخفى على الكثير او لا يُلتزَم بها احياناً، إن ذلك مفهوم خاطئ. فالكل مكلّف، فرداً فرداً، وفي جميع الأماكن وفي ظل كل الأوضاع والظروف وفي جميع الأحوال بمهمة التبليغ... ومن الطبيعي أن للعلماء وطلبة الحوزة وظائفهم وواجباتهم الخاصة في هذا المضمار، لكن هذا لا يعني أن أفراد المذهب ليسوا مكلفين بواجب التبليغ. بل إن التبليغ مفهوم اوسع وأعم من ذلك فيمكن لكل شخص ان يقوم به من مكانه وحسب تمكنه، والمجالات التي تتوفر له . ... فيسعى في العمل على نفسه وجهادها اولا. ..ثم انعكاس هذا الجهاد وتجليه خارجا ..في مظهر الفرد وتصرفاته وما يتعلق به .. إن الإسلام يعتبر أن التبليغ واجب وضروري كما قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (سورة فصلت الآية 33). فالموالي وسط المجتمع المخالف الذي تكون فيه الكثير من الاشكالات الشرعية والمخالفات كمجتمع الجامعات او بين الاقارب وغيرها في حياتنا الاجتماعية، أو في الأماكن العامة وغيرها لابد ان يسعى لنصح من حوله سواء بالكلام مباشرة أو من خلال تعامله مع القضايا واستنكاره للمخالفات الشرعية وغير الأخلاقية. وكذلك في زماننا هذا تتوفر العديد من الوسائل التي يمكن استخدامها للنشر والتبليغ في جميع المؤسسات لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي التي يمكن ان تكون وسيلة للتبليغ ونشر الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة التي تعكس انتماءنا لأهل البيت سلام الله عليهم . كم يتمنى الوالد لولده أن يكون أفضل الناس لنسبته إليه، كذلك فإنهم يتمنّون منا أن نكون أفضل الناس لانتسابنا إليهم (عليهم السلام ). جعلنا الله وإياكم من اولئك الذين كانوا زينا لآل البيت عليهم السلام. حنان الزيرجاوي
اخرىالطلاقُ النفسي نوعٌ من الانفصال
بقلم: جلال التوبي لا يقع الطلاق فقط عندما يتلفظ الزوج بصيغة الطلاق، وتقبع الزوجة في قاعة المحكمة ليُدلي الشهود بشهادتهم، ويقرعُ القاضي مطرقته إيذانًا بإطلاق حكم المحكمة بأنَّ طلاقًا قد وقع فقط، بل ثمةَ طلاقٌ من نوعٍ آخر يُسيطر على العلاقة بين الزوجين بفعلِ الفتور والتنافر والرفض النفسي، فيجعل الحياةَ الزوجية فارغةً من مضمونِها، ذلك هو الطلاق النفسي غير الموثّق. فالطلاقُ النفسي هو حالةٌ زوجيةٌ تفتقدُ فيها العلاقةُ بين الشريكين لجميعِ مقومات الشراكة، من مودّةٍ وحبٍ واحترامٍ وتفاهمٍ وحوارٍ، لتصبح علاقةً مدمرةً من الداخل، يسودها نمطٌ من التنافر بين الزوج والزوجة، حتى تكون أقرب إلى حياةٍ زوجيةٍ شكليةٍ فقط. ولو توافرت شروطٌ موضوعيةٌ أخرى، أو تُرِك الخيار لأحد طرفي هذه العلاقة أو للطرفين معًا لاتخذا قرارهما بالطلاق الواقعي. هذا وتكثرُ العواملُ المؤدية إلى الطلاق النفسي، وتنقسم بين عوامل منظورة وأخرى غير منظورة، فأما العوامل المنظورة فقد يتحدث بها الزوج أو الزوجة للأهل والأصدقاء كمحاولةٍ لا بد منها، أملًا في إلغاء الثغرات القائمة، إلا أنَّ هناك عواملَ غير منظورةٍ قد لا يقولها الزوج لا لزوجته ولا لأهله ولا لأصدقائه، وكذلك الزوجة. وعلى هذا يتراكم الضغط النفسي على الزوجين؛ لأنَّ الصراحة في العديد من الأمور الخاصة قد تؤذي المشاعر، ولكنّها تفتح مجالًا لتخطي الخلافات. يُعدُّ عدم الثقة من أبرز عوامل انهيار كيان الأسرة نفسيًا، فإذا فُقِدتِ الثقة بين الزوجين ضَعُفَ الولاء والارتباط بالأسرة، وحينها تتحطّم وتفقد مصداقيتها. وكذلك فإنّ الاحترام المتبادل بين الزوجين ضروريٌ لزيادةِ المحبة الزوجية، وإلا تحطمت الأسرة وأصبح الزوجان كأنّهما عدوان في بيتٍ واحدٍ، يترصدُ كلُّ واحدٍ منهما الآخر، وهنا تفقد العلاقة الزوجية ودها وولاءها، ويتمنى كلٌّ من الزوجين الفراق قبل كلِّ شيء. وبحسب دراسةٍ بحثت في 168 ثقافة مختلفة من أنحاء العالم، تبيّن أنَّ (46 %) فقط من الثقافات موضع الدراسة تمارس الحياة الزوجية بالمفهوم الرومانسي، وأما الأغلبية الباقية فترى في مؤسسة الزواج مجرد نظام اجتماعي وجنسي يجب على الإنسان الالتزام به؛ وهذا ما زاد من نسبةِ الطلاق النفسي في الحالات التي بحثتها الدراسة إلى أكثر من (55 %). وأوضح الباحثون أنَّ من أهم أسباب تدمير العلاقة الزوجية هي إهمال التعبير عن المشاعر، وعدم استخدام كلمات المودة والألفة الواضحة والصريحة بين الزوجين.
اخرىالتعليقات
يتصدر الان
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي
اخرىبين طيبة القلب وحماقة السلوك...
خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي
اخرىلا تقاس العقول بالأعمار!
(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي
اخرىالطلاق ليس نهاية المطاف
رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي
اخرىالمرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)
بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.
اخرىأساليب في التربية
عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي
اخرى