تشغيل الوضع الليلي

ذرة رمل موالية

منذ 5 سنوات عدد المشاهدات : 2142

بقلم: زينب سامي
أنا دفتر ذو غلاف أسود، مكتوب عليه بخط جميل وبحبر أبيض (يا علي مدد)، مالكيِ هو شاب في العشرين من عمره، اسمه (حذيفة)، وهو يعتز بي كثيرًا، ويأخذني معه في كل زياراته، ويحتفظ بي منذ زمن طويل، ولا يكتب بي إلا المشاعر الصادقة، وأيضًا لطالما كانت دموعه الصادقة تنزل على أوراقي، وأحمل بصمات دموعه في داخليِ، وهو يخبرني دائمًا أن أشهد يوم القيامة له على صدقه وبكائه، وآخر رحلة أخذني بها مالكي (حذيفة) كانت لزيارة مولانا الأب الروحي الإمام علي (عليه السلام)، حيث كان هناك حذيفة يبكي كثيرًا، ويطلب من مولاه علي الإذن، وأن يوفقه للذهاب إلى الحج، وشوقه للوصول إلى مكة وقبر الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأيضًا شوقه لكي يصل إلى تلك الأنوار الأربعة في البقيع، فاستجاب له الأب ومنحه جواز العبور، ويسجّل اسمه من ضمن العاشقين في هذهِ الرحلة بشكل أشبه بالمعجزة، وماهي إلّا سويعات وبضعة أيام وتنطلق حافلة المحبّين، وكان حذيفة يحلم طوال الطريق كيف يصل إلى تلك الديار؟ وهل سوف يحظى بكل ما كان يحلم بهِ؟
ومضت المسافات والطرق، وقد وصل الحجاج إلى مقرهم، وبدأ المرشد يحدثهم عن مناسك الحج، وكيفية أدائها، وكان يفكر حذيفة متى سوف نزور أئمة البقيع؟ وهل تأخذوننا إلى هناك؟
بينما كان حذيفة يساعد الحجاج بحمل أمتعتهم، كان هناك رجل كبير في السن عطوف وحنون، لمح الحزن في عينيه، حذيفة يا ولدي أراك حزينًا، هل لفقد الأهل والأحباب؟
لا والله يا عم، إن حزني ليس لهذا، ولكنني أرى في قلبي شعلة من الشوق لزيارة أئمة البقيع، وخصوصًا ونحن على أعتاب ذكرى استشهاد مولانا الباقر (عليه السلام) ولا أعرف دربًا للوصول هناك!
حذيفة يا ولدي، إن وجودك الآن في الحج وأنت بهذا العمر لم يكن بالمصادفة، تفكَّرْ كيف وفقت للحضور هنا؟
بينما كان حذيفة يتذكر، داعب الرياح أوراقي، ليقرأ حذيفة ما خطته أنامله في آخر زيارة له لأبينا علي (عليه السلام) وهو يطلب منه الأذن للوصول.
-نعم وجدتها!
فأجاب العم: ماذا وجدت يا ولدي يا حذيفة؟
-عم، هل يمكنك أخذي إلى أقرب مكان نرى به البقيع، سوف أخبرك هناك بمجرد الوصول.
وجد العم طريقة استطاع بها الوصول هو وحذيفة إلى ذلك المكان، قام حذيفة بأخذ ورقة مني وكتب بخط يديه: السلام عليك يا باقر العلم، والله أن فقدك يؤلمنا وبعدك يحزننا ساعد الله قلب إمام زماننا وعظم الله له الأجر بفقدك، وبكى حتى ابتلت الورقة بدموعه ثم قام بطي الورقة، وأغمض عينيه، وردّد: يا رب استشفع لديك وأدعوك بحق علي (عليه السلام) أن تصل هذهِ الورقة، إلى محل قبر مولاي، وتحمل إليه كلماتي ودموعي، فهبت ريح بنسيم رائع وأخذت الورقة تطير من يدي حذيفة، وشعرت وقتها بأن كلمات علي قد التفت حولي، والرياح كانت تسير بشكل عجيب حتى وصلت بي وسقطت وقامت باحتضاني حبات رمل كانت بالقرب من ضريح مولاي الإمام الباقر (عليه السلام)، وحينما سقطت سألت تلك الذرات: منذ متى وأنت هنا؟
فأجابت إحداهن -ويبدو أنها اشدهم عشقًا، وإخلاصًا لمولاها-: أنا هنا منذ سنة أربعة وعشرين ومائة، في تلك السنة التي قد فارق بها مولاي الحياة، لقد سمته أيدٍ أموية، وقد سمعت مولاي في اليوم الذي استشهد بهِ ينادي ويأمر بأن يُكفّن في رداء له كان يصلي فيه ليكون له شاهدًا، وبعدها بدأ السم يسري في بدن مولاي ويسري إليه الموت سريعًا، وكان مولاي لا يغفل عن ذكر الله أبدًا، وكان وجهه يزداد نورًا، ودنا الموت حتى ارتفع ذلك النور، وبقيت الغرفة موحشة منذ أن فارق مولاي الحياة، فرفعت كفي متوسلًا بالإله بحق الأنوار الأطهار أن يجعلني حبة رمل أسبحه وأحمده، فذهبت معهم، وحينما حملوا الجنازة كان مولاي الصادق (عليه السلام) قد كفن وغسل مولاي الباقر (عليهما السلام)، وحمله إلى مثواه الأخير هنا في البقيع بقرب مولاي الإمام زين العابدين والامام الحسن (عليهما السلام).
وما أن أتمت كلامها حتى فارقت روحها الحياة، لقد كانت حبة رملة مخلصة وشديد العشق لمولاها، وصعب عليها أن تحكي قصته وتبقى في هذهِ الدنيا…
رحلت وتركتني وحيدة...
كم تمنيت أن أقصّ على حذيفة ما جرى، ولكنني سمعت أن حذيفة قد فارق الحياة من شدة شوقه وحبه لمولاه، وبقيت هنا أنا في هذهِ الدنيا وحيدة…
انتظر أن يظهر القائم من آل محمد، فيعود الشيعة لزيارة مولاهم ويحملوني معهم.

اخترنا لكم

هل في الدين كهنوت؟! (التقليدُ الفقهي نموذجًا)

بقلم: مرتضى الأغلامي دائمًا ما تُثارُ شبهاتٌ على الدينِ، ولعلَّ نصيبُ الأسدِ منها ارتبط بالعلماءِ وبرجالِ الدين والإصاباتُ كثيرة!! سنركز في هذا المقال على واحدةٍ من تلك الشبهات، حيثُ يقولُ البعض ويدّعي أنّ رجالَ الدينِ قد حوّلوا الدينَ إلى كهنوتٍ، وحوّلوا العلاقةَ بين الإنسانِ وربِّه إلى علاقةٍ كهنوتية؛ ولتوضيح صحةِ دعواهم من عدمها سنتكلم بعدةِ نقاط: الأولى: ما المقصود من الكهنوت؟ الكهنوتُ: مفردةٌ مأخوذةٌ من الكهانةِ ومن كاهن، وكانت تُستعملُ عند العرب حتى في الجاهلية. فالكاهنُ هو الشخصُ الذي يرتبط بالله (تعالى)، بحيث هو الذي يوصلُ للناس تعاليمَ الإلهِ؛ فهو الناطقُ الرسمي باسمها. وقد ارتبط الكاهن بمعرفةِ الغيب من هذه الجهة؛ فتكهَّن أيّ عَلِم الغيب في بعض معانيها. ثم بعد ذلك ارتبط مصطلح الكهانة بالكنيسةِ، فصار تعبيرًا كنسيًا بامتياز؛ وذلك لأنّ في الكنيسةِ منصبًا اسمه (الكاهن). والكاهنُ هو الشخصُ الذي يتفرّغُ لدراسةِ علمِ اللاهوتِ الكنسي فترةً طويلةً، فإذا وصل إلى مرتبةٍ معينة يُعطى سرُّ الكهنوت، ومنذُ ذلك اليوم يُسمى بـ(كاهن) نعم، بعد الثورةِ الفرنسيةِ توسّعَ استعمالُ هذا المصطلح، حيثُ أصبح يُطلقُ على اختصاصِ فئةٍ بشيءٍ معينٍ، وترى أنّه حقٌّ لها، مثلُ هؤلاءِ يُسمى بـ(كهنوت). النقطة الثانية: الشُبهة: هل يوجد كهنوتٌ دينيٌّ في الوسطِ الديني، لاسيّما في مدرسة أهلِ البيت (عليهم السلام)؟ البعضُ يقولُ: نعم، موجودٌ، ويتمثّلُ في مسألةِ التقليد، حيثُ العاميّ(1) لابُدّ أنْ يأخذَ أحكامَه من المجتهد، وإلا فعمله باطلٌ. والعامي لا يحقُّ له العمل بما توصّل له هو، فهذا ممنوعٌ، وهذا هو الكهنوت، حيثُ حُصِرتِ الفتوى وأخذ الأحكام الشرعية بالمجتهد فقط، ومُنِعَ سائرُ الناسِ من ذلك حتى وإنْ كانوا متعلمين. وفي مقامِ الجوابِ نقول: أولًا: من قال: إنّ مدرسة أهلِ البيت (عليهم السلام) تُلزِمُ العامي بالتقليد حيثُ يمكن له أنْ: 1/ يكون مجتهدًا، والاجتهادُ ليس حكرًا على المراجع. 2/ يحتاط، بأنْ يجمع بين أقوالِ العلماء في المسائل المُختلف فيها بينهم والتي يحتاجُ في إفراغ ذمته احتياطًا إلى الجمع بينها. 3/ يُقلِّد، إذا لم يكن مُحتاطًا ولا مُجتهدًا. فالمكلفُ أمام ثلاثةِ طرق، والأفضلُ أنْ يكونَ محتاطًا؛ لأنّه سبيلُ النجاة. إذن لا حصر في المقام، ومن ثم فالتقليدُ ليس كهنوتًا. ثانيًا: ما هي دائرة التقليد؟ *هل يقلّد المكلفُ المجتهدَ في الأصول الاعتقادية؟ -لا يجوز التقليد في الأصول. *وهل يُقلّد المكلفُ المجتهدَ في كلِّ الفقه؟ - ليس كلّ الفقه تقليديًا، بل الضرورياتُ لا تقليدَ فيها، إذنْ دائرةُ التقليدِ ليست عامة، بل دائرته في الفقه النظري فقط. وحتى في الفقه النظري هذا ليس كلُّ شيءٍ فيه تقليدًا، حيثُ تشخيصُ الموضوعاتِ يكونُ على المقلِّد نفسه، بل يمكنُ له أنْ يُخالفَ المجتهد إذا علِمَ بضعف مستنده- على تفصيل في الفقه- فأين هذا من الكهنوت؟! وأين من إسقاطِ بعضِ المثقفين هذه المصطلحات على رجالِ الدين في مدرسةِ أهل البيت (عليهم السلام)، وما هو إلا إسقاطٌ فاشل. ثالثًا: قد يُقالُ: حتى التقليد في الأحكام الشرعية النظرية لا أريدُ الرجوع فيها إلى رجلِ الدين المجتهد. فنقول: هذا الرجوع صغرى لكبرى قاعدةٍ عقلائية، مُسلَّمة، وكلُّ حياتِنا تقومُ عليها، وهي رجوعُ غير المُتخصص إلى أهلِ الاختصاص، فإنْ كنتَ ترى في التقليد كهنوتًا فحياتُك كُلُّها كهنوتية!! النقطة الثالثة: قد يقولُ شخصٌ: سلّمنا بالرجوع إلى المتخصص، ولكن لا نُسلِّم أنّ المجتهدين أهلُ تخصص؟ فإشكالي في الصغرى، فلا أسلِّمُ أنّ الدينَ تخصصٌ، بل الدينُ للجميع، كُلُّنا سواسيةٌ أمامَ الدين، فلا تفرقةٌ أبدًا، وقد يقول: إنّي دكتور في التخصص الفلاني، وقد درستُ في أفضلِ الجامعات، فلا أُقلد، إذ لا تخصص في الدين، ومن ثم يحقُّ لي أنْ آخذَ بفهمي. وفي مقام الجواب، نقول: إنَّ هذا الكلام مبنيٌّ على عدّةِ خلطاتٍ بين عدّةِ أمور: الخلط الأول: صاحبُ هذه الدعوة خلَطَ بين الانتماء للشيء وبين لزوم فهمه، فإذا انتميت لجهةٍ من الجهات، هل بالضرورة يقتضي هذا الانتماء الإحاطة بكلِّ جهاتها؟ فمثلا أنا أنتمي لدولةٍ، هل يعني هذا معرفتي بكلِّ قوانينها؟ قطعًا لا ضرورة في ذلك، فقد ينتمي الشخص لدولة ولا يعرف عن قوانينها شيئًا؛ لذلك يوكلُّ محاميًا للدفاع عنه في المحكمة حتى وإنْ كان مطلعًا على القانون بشكلٍ إجمالي؛ لأنّه يجهل بتفاصيله، كما أنَّ فهمه للقانون ليس بحجة. وكذا فالانتماءُ إلى الدين حقٌّ للجميع ولكن لا يعني ذلك قدرة المنتمي له على فهمِ نصوصِه لمجرّدِ انتمائه، فهذا خلطٌ بين حقِّ الانتماء وبين حُجّية فهم ما ينتمي إليه، إذن في الانتماء يوجد تساوٍ، ولكن في الفهم لا يوجد تساوي. الخلط الثاني: وهو مُركبٌ من شقين: أ‌- هل اطلاعُ شخصٍ على شيءٍ يجعلُ منهُ قادرًا على فهمِ ذلك الشيء؟ فقد يقولُ شخصٌ: اطلعتُ على كلِّ ما اطلعَ عليه المجتهد، ولكن نقول: هذا يجعلُ منك مُثقفًا، ولا يجعلُ منكَ مُختصًا، وهناكَ فرقٌ بين الثقافةِ والاختصاص. فلو قرأتَ ألفَ كتابٍ في الطبِّ مثلًا فإنّك ستكونُ مُثقفًا بثقافةٍ طبية، ولكن لا تصير بذلك طبيبًا قطعًا؛ لأنّ المثقف من عنده سعة اطلاعٍ، ولكن كلامه يبقى سطحيًا، خلاف المُتخصص الذي يتكلم بعمقٍ. ثم إنَّ الثقافةَ في علمٍ ما لا تُعطي للشخص الحقَّ في إبداء رأيه في ذلك العلم كمتخصصٍ، وعليه، فكونه مثقفًا في الجانب الديني لا يُعطيه الحقّ في إبداء رأيه كمتخصصٍ، كأن يُفتي مثلًا. ب‌- كونُ الإنسانِ متخصصًا في علمٍ من العلوم، لا يجعله مُتخصصًا في علومٍ أخرى، وهذا واضحٌ. فرجلُ الدين ليس له حقٌّ أنْ يقول: أنا أتكلمُ في كلِّ شيءٍ، وهكذا بالنسبةِ إلى سائر التخصصات غير الدينية، لا يحقُّ للمتخصصِ فيها أنْ يتكلم في الدين، بمعنى يعطي رأيًا يكونُ حجةً على الآخرين وعلى نفسه، وعليه يلزم أنْ يرجع غير المتخصص إلى المتخصص. سؤال: ما هو الدليل على أنَّ آلية الاستنباط هي التخصص؟ الجواب: عمليةُ الاستنباط هي عمليةٌ تدخلُ فيها عدةَ علومٍ، فإنْ أنت إذا سلَّمت أنّ هذه العلوم هي تخصص فأنت متخصص، التصحيح فإنْ أنت أحطت بكلِّ هذه العلوم فأنت متخصص. ومقدماتُ عمليةِ الاستنباط هي: 1/ مصادر التشريع عندنا هي: القرآن الكريم والسنة الشريفة، والقرآنُ الكريم نصٌ بالعربية، فلا يُمكنُ لأيِّ شخصٍ فهمه بغيرها، أو بغير إحاطته بجميع العلوم العربية المتعددة. وعليه، لابدّ للمستنبط أنْ يدرسَ علوم اللغة العربية جميعها وبدقةٍ. أما السنة الشريفة فنتعامل معها من ثلاثٍ زوايا: أولاها- بحث الصدور، أي صدور الرواية، هل أنّها ثابتة للمعصوم أم لا؟ وهذا يتوقف على مراجعة التراجم، وعلم الرجال، وعلم الدراية للحكم على سندِ الروايةِ بكامله. كما يحتاجُ إلى البحثِ عن صحةِ نسبةِ الكتابِ لصاحبه، وهل إنّ هذا الكتابَ هو نفسُ الكتاب الأصلي؟ أم نَقُصَ منه أو زيدَ عليه؟ وهنا لابُدَّ من الرجوعِ إلى علمِ المخطوطات، هذا إذا كانت نظرية الفقيه هي الاعتماد على السند. وتوجدُ نظريةٌ أخرى هي عدم الاعتماد على السند فقط، بل نعتمد على القرائن أيضًا، فمتى ما كانت القرائن تعطينا قطعًا بصحةِ صدور الحديث نأخذ به، كأن يكون الحديث موافقًا للقرآن الكريم. ثانيها- فهم دلالة النص، فنحتاجُ إلى الإحاطةِ بعلوم اللغة. ثالثها- بحث جهةِ الصدور، فمعرفتنا بصحة الصدور، وبمعنى متن الرواية ليست كافيةً، إذ لا بُدَّ من بحثٍ آخر وهو هل إنَّ الإمامَ كان جادًا في هذا المعنى، فقد يكونُ كلامه تقيةً مثلًا. ولأجلِ معرفةِ أنّ الفتوى في هذه الرواية كانت لتقيةٍ أم لا يلزمُ النظر فيها، هل كانت موافقةً للأطراف التي اتقى منها الإمام لذلك الزمان وذلك المكان، وعليه، لابُدّ أنْ نعرفَ الآراء في زمانه ذاك، حتى نرى مدى موافقة فتوى الإمام لها، فلابُدّ أنْ نعرفَ الفتاوى للمذاهب في كلِّ زمن الأئمة (عليهم السلام). وهذه العلوم كُلُّها تخصصية، إذن عملية الاستنباط اجتهادية، ومثل هذه الدعاوى غير معقولة؛ إذ مثل هذه الدعاوى قد يكون(2) غرضها إدخال المجتمع المؤمن في الفوضى؛ لأنّ عدم الرجوع لأهل الاختصاص في الدين يصنعُ الفوضى؛ ولذلك كانت المرجعية (باعتبارها الجهة المتخصصة في الدين) صمامَ أمانٍ، أما إذا كانتِ الفتوى لكلِّ من هبَّ ودبَّ فتحصل فوضى عارمة ويصيرُ كلُّ شخصٍ له حقُّ الفتوى. ومن هنا نحتاجُ أنْ نكونَ أصحابَ بصيرةٍ ولا ننخدع بسرعة، وعندما نسمعُ أيَّ دعوى من هذه الدعاوى فلننظر إلى ما ورائها(*) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لا يُراد من كلمة (العامي) معنىً سلبيًا، بل يُرادُ منه: غير أهل الاختصاص، فيُطلق على كلِّ مقلِّدٍ حتى طلاب العلم. (2) وهذا ليس من باب نظرية المؤامرة، بل هذا واقعٌ حاكمٌ، ومحتملٌ قويٌ وواردٌ. (*) أساس هذا المقال محاضرةٌ لسماحة الشيخ أحمد سلمان (حفظه الله).

اخرى
منذ 4 سنوات
495

تجلياتٌ معرفية في الخطاب المهدوي (15)

بقلم: علوية الحسيني "وقِني جميع ما أحاذره من الظّالمين" الفقرة دعاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) هذه مضمون آياتٍ قرآنية كريمة تحث على الوقاية، والحذر من الأعداء. *فقوله: "قِـني" فعل أمر من الماضي (وقى), وهذه صيغة طلبية في الدعاء من الداني (المخلوق) إلى العالي (الخالق). فالفعل وقى: "...صانَهُ وسَتَرَهُ عن الأَذَى وحَمَاهُ وحَفِظَه, فهو واقٍ؛ ومنه قولهُ تعالى: (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ)؛ أَي مِن دَافِعٍ,...ومنه قولهُ تعالى: (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْم)" (1). فالإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) يطلب من الله (تعالى) أن يصونه من أن يُمس بالأذى أو الضرر. *قوله: "جميع ما أحاذره" الحذر: هو "الْخِيفَة, ورجلٌ حَذِرٌ وحَذُرٌ وحاذُورَةٌ وحِذْرِيانٌ: مُتَيَقِّظٌ شَدِيدُ الحَذَرِ والفَزَعِ، مُتَحَرِّزٌ؛ وحاذِرٌ: متأَهب مُعِدٌّ كأَنه يَحْذَرُ أَن يفاجَأ" (2). وقيل في الفرق بين الحذر والخوف هو "أنّ الحذر أوسع, فهو تحذّر من أمرٍ مظنونٍ أو متيقن, وبالحذر يدفع الضرر, بينما الخوف لا يدفعه, ويكون من أمرٍ متيقن الضرر, ولهذا يقال خذ حذرك, ولا يقال خذ خوفك" (3), وهذا لا يعني نفي الخوف عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), ففرض اثباته لا محذور منه -كما سيأتي-. *قوله: "من الظالمين" فالظُلم لغةً: هو "وضع الشيء في غير موضعه" (4), والظالم هو فاعل الظلم. ولا شكّ أنّ أشد أنواع الظلم هو الاجتراء على حدود الله (تعالى) التي أوضحها في كتابه الكريم, أو على لسان نبيّه الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله) , حيث قال تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الـظَّالِمُونَ} (5). أي: أساء إليها، وذلك بالتعرض لسخط الله تعالى ومقته، وأخذه وسطوته. والثقلان -القرآن الكريم, والنبي وآله (عليهم السلام)- هما حدود الله (تعالى)؛ لأنّ بيان طاعة الله (تعالى) وموارد معصيته تتم من خلالهما, فطاعتهما طاعته (تعالى), ومعصيتهما معصيته؛ يقول (تعالى): {وَمَن يـَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} (6). فقرن الله تعالى طاعته بطاعتهم؛ لأنّهم الهداة؛ فكما القرآن الكريم هادٍ, كذا النبي وآله (عليهم السلام)؛ روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سئل عن قول الله (تعالى) {إنّما أنتَ منذرٌ ولكلّ قومٍ هاد}, قال: "رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) الْمُنْذِرُ وَلِكُلِّ زَمَانٍ مِنَّا هَادٍ يَهْدِيهِمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) ثُمَّ الْــهُدَاةُ مِنْ بَعْدِهِ عَـلِيٌّ ثُمَّ الاوْصـِيَاءُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِد" (7). وعليه, فإن كلّ من يعادي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) فهو ظالم, متعدٍ على حدود الله (تعالى), مصيره جهنم خالدًا فيها وساءت مصيرا. ومن هنا تتضح خطورة هذا العدو, طالما أنّه لم يرعَ لله (تعالى) إلاًّ ولا ذمة, فلن يفرق عنده أن يقتل شخصاً عادياً أو أحد أولياء الله (تعالى), ولهذا دعا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بأن يقيه الله (تعالى) ما يحذره من ذلك العدو الظالم الكافر. الظالمون الذين يحذر الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) منهم مصداقٌ كلّي ينطبق على كلّ من يحاربه (عجّل الله فرجه الشريف), ويمنع دعوته, كالسفياني وأتباعه, واليهود والنصارى المعارضين, والمخالفين لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) المعادين, والذين كانوا شيعة, لكن تبدّلت عقيدتهم؛ لركاكتها, فأصبحوا أعداءً للإمام (عجّل الله فرجه الشريف). هؤلاء يحذَرُهُم الإمام (أرواحنا فداه), فهم وأتباعهم ظالمون, ضالون مضلون, عليهم من الله (تعالى) ما يستحقون. *فإن قيلَ: إنّ طلب الإمام الوقاية والحذر لازمه الخوف من أعدائه؛ لأنه لا حذر بدون خوف. *يمكن أن يجاب: بأنّ حذر الإمام وطلبه الوقاية راجع إلى أصول موضوعية, "منها: 1/ هناك قاعدة عقلية, تسمى بـ(قاعدة لزوم دفع الضرر), ومقتضاها أنّ الإنسان إذا واجهه ضرر ولو محتملاً, فعقله يوجب عليه أن يدفع ذلك الضرر –بالفرار منه أو مواجهته-. والإمام سيّد العقلاء, فاختار دفع ضرر أعدائه عنه, لاسيما وأنّ الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) مطلعٌ على تاريخ أعدائه, وواضح له هدفهم, لذا فضررهم له مرتكز في ذهنه. 2/هناك مصاديق لبعض الأنبياء (عليهم السلام) خافوا عدوّهم, وحذروا منه, منهم النبي موسى (عليه السلام)؛ قال تعالى حكايةً: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّلِمِين} (8), فترقبه نتيجة حذره, وحذره نتيجة خوفه. وكذا النبي الأكرم, محمد (صلى الله عليه وآله) خرج من مكة خائفًا حذرًا حينما مات أبو طالب. وفي الحقيقة فإن هذا الخوف إنما هو خوف على الرسالة وعلى المهمة الموكلة له أن لا تتم قبل وقتها، بالتعرق للقتل مثلاً من الأعداء، فهو خوف على دين الله تعالى لا على نفسه، خصوصاً وأنه يعلم أن مصيره إلى الجنة. فتبيّن أنّ الحذر أمرٌ حاصل عند كليم الله (تعالى) وحبيبه, فلا محذور في حصوله عند الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف), فهو يخاف القتل, ويحذر منه, ولهذا طلب من الله (تعالى) أن يقيه مما يحذر" (9). 3/ هناك آيات قرآنية عديدة, تشير إلى أن يتخذ الإنسان من القرآن الكريم -بأدعيته وأذكاره- حجابًا يدفع به ضرر عدوّه, منها قوله (تعالى): {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا* وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا* وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} (10), والإمام قرين القرآن الكريم, فيتخذ الدعاء القرآني حجابًا, ويقول: " اللهم قِني ما أحاذره من الظالمين". وهذا بحد ذاته له ارتباط وثيق بفقرة دعائه السابق -اهدني صراطًا مستقيمًا-؛ حيث يحقق الإمام أصدق درجات العبودية لله (تعالى), بالخضوع والدعاء, فاتخذ من الـدعاء بوقايته مما يحذر وسيلة لبيان مدى افتقاره إلى الله (تعالى) الواحد المعبود. ومن هذا يتضح أن تصريح رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) بأنّ القائم من ذريته غاب لأنّه يخاف القتل؛ حيث روي عنه (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "لابُدَّ لِلْغُلامِ [الإمام المهدي عليه السلام] مِنْ غَيْبَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: وَلِمَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: يَخافُ القَتْل"( 11), ليس خادشًا بعصمة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) لــما ذكر هذه الصفة, بل ولما اتصف هو بها, طالما هي لحكمةٍ إلهية. ولازم قول النبي (صلى الله عليه وآله) هذا، أنّ حذر الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) المقارن لخوفه لا دخالة له في خدش العصمة. فيكون دعاؤه (عجّل الله فرجه الشريف) هذا هو من باب اعتقاده بأنّ الدعاء يرد البلاء, كما ورد عن أسلافه (عليهم السلام) حيث روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): " ...الدعاء يرد القضاء وقد ابرم إبراما" (12). فالإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) دعا الله (تعالى) بأن يقيه ضرر الأعداء, سواء أكان ذلك الضرر مبرمًا أو غير مبرم, وسواء أكان قد قضي له الضرر أو لم يقض؛ وذلك انطلاقًا من عقيدته بالله (تعالى) ذاتًا وصفاتًا حق الاعتقاد, فعلمه (تعالى) الأزلي يشمل لحظة دعاء الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) تلك, وقدرته (تعالى) الواسعة تشمل وقاية وليّه الضرر, وعدله (تعالى) يقتضي نصرة الحق وأهله, ودحض الباطل وشرذمته, وحكمته (تعالى) تقتضي تحقيق غرضه (تعالى) من جعل الأئمة (عليهم السلام) خلفاءَ لنبيّه الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم), ليصلوا بعباده إلى الكمال بكافة نواحيه. _________________ (1) تاج العروس من جواهر القاموس: للعلامة مرتضى الزبيدي, ج20, ص304. (2) لسان العرب: لابن منظور, ج4, ص175. (3) ظ: الحاوي في تفسير القرآن الكريم: للأستاذ عبد الرحمن بن محمد القماش, مصدر إلكتروني. (4) لسان العرب: لابن منظور, ج12, ص373. (5) سورة البقرة: 229. (6) سورة النساء: 14. (7) الكافي: للشيخ الكليني, ج1, باب أنّ الأئمة عليهم السلام هم الهداة, ح2. (8) سورة القصص: 21. (9) ظ: مقال عنصر الخفاء في القضية المهدوية: للشيخ حسين الأسدي, مجلة الموعود, العدد4/ذو الحجة/ 1438هـ. (10) سورة الإسراء: 45-46. (11) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج52 ص90, ب20, ح1- عن علل الشرائع. (12) الكافي: للشيخ الكليني, ج2, باب أنّ الدعاء يرد البلاء والقضاء, ح6. اللّهم قِ وليّك ما يخاف ويحذر, إنّك عزيز جبارٌ مقتدر.

العقائد
منذ 4 سنوات
550

النجاح

عليك الاعتماد على عقلك واترك أمر قلبك كي تتصرف بحكمة... اجعل عقلك سيد أفعالك ليبدو أكبر من عمرك بكثير... واجعل له ميزانًا كي يزن الأمور بروية... سترى نجاحك

اخرى
منذ 4 سنوات
543

التعليقات

يتصدر الان

لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع

يستشهد الكثير من الناس ــ وحتى بعض المثقفين ــ بقول:" لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل وعاشر نفساً جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل" على أنه من أقوال أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، كما يستشهدون أيضاً بقولٍ آخر ينسبونه إليه (عليه السلام) لا يبعد عن الأول من حيث المعنى:"اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق"، مُسقطين المعنى على بعض المصاديق التي لم ترُق افعالها لهم، لاسيما أولئك الذين عاثوا بالأرض فساداً من الحكام والمسؤولين الفاسدين والمتسترين عل الفساد. ونحن في الوقت الذي نستنكر فيه نشر الفساد والتستر عليه ومداهنة الفاسدين نؤكد ونشدد على ضرورة تحرّي صدق الأقوال ومطابقتها للواقع وعدم مخالفتها للعقل والشرع من جهة، وضرورة التأكد من صدورها عن أمير المؤمنين أبي الأيتام والفقراء (عليه السلام) أو غيرها من المعصومين (عليهم السلام) قبل نسبتها إليهم من جهة أخرى، لذا ارتأينا مناقشة هذا القول وما شابه معناه من حيث الدلالة أولاً، ومن حيث السند ثانياً.. فأما من حيث الدلالة فإن هذين القولين يصنفان الناس الى صنفين: صنف قد سبق له أن شبع مادياً ولم يتألم جوعاً، أو يتأوه حاجةً ومن بعد شبعه جاع وافتقر، وصنف آخر قد تقلّب ليله هماً بالدين، وتضوّر نهاره ألماً من الجوع، ثم شبع واغتنى،. كما جعل القولان الخير متأصلاً في الصنف الأول دون الثاني، وبناءً على ذلك فإن معاشرة أفراد هذا الصنف هي المعاشرة المرغوبة والمحبوبة والتي تجرّ على صاحبها الخير والسعادة والسلام، بخلاف معاشرة أفراد الصنف الثاني التي لا تُحبَّذ ولا تُطلب؛ لأنها لا تجر إلى صاحبها سوى الحزن والندم والآلام... ولو تأملنا قليلاً في معنى هذين القولين لوجدناه مغايراً لمعايير القرآن الكريم بعيداً كل البعد عن روح الشريعة الاسلامية ، وعن المنطق القويم والعقل السليم ومخالفاً أيضاً لصريح التاريخ الصحيح، بل ومخالف حتى لما نسمعه من قصص من أرض الواقع أو ما نلمسه فيه من وقائع.. فأما مناقضته للقرآن الكريم فواضحة جداً، إذ إن الله (تعالى) قد أوضح فيه وبشكلٍ جلي ملاك التفاضل بين الناس، إذ قال (عز من قائل):" يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)"(1) جاعلاً التقوى مِلاكاً للتفاضل، فمن كان أتقى كان أفضل، ومن البديهي أن تكون معاشرته كذلك، والعكس صحيحٌ أيضاً. وعليه فإن من سبق حاجتُه وفقرُه شبعَه وغناه يكون هو الأفضل، وبالتالي تكون معاشرته هي الأفضل كذلك فيما لو كان تقياً بخلاف من شبع وكان غنياً ، ثم افتقر وجاع فإنه لن يكون الأفضل ومعاشرته لن تكون كذلك طالما كان بعيداً عن التقوى. وأما بُعده عن روح الشريعة الإسلامية فإن الشريعة لطالما أكدت على أن الله (سبحانه وتعالى) عادلٌ لا جور في ساحته ولا ظلمَ في سجيته، وبالتالي لا يمكن أن يُعقل إطلاقاً أن يجعل البعض فقيراً ويتسبب في دخالة الخير في نفوسهم، التي يترتب عليها نفور الناس من عشرتهم، فيما يُغني سواهم ويجعل الخير متأصلاً في نفوسهم بسبب إغنائه إياهم ليس إلا ومن ثم يتسبب في كون الخير متأصلاً في نفوسهم، وبالتالي حب الناس لعشرتهم. فإن ذلك مخالف لمقتضى العدل الإلهي لأنه ليس بعاجزٍ عن تركه ولا بمُكره على فعله، ولا محب لذلك لهواً وعبثاً (تعالى عن كل ذلك علواً كبيراً). كما إن تأصل الخير في نفوس بعض الناس ودخالته في نفوس البعض الآخر منهم بناءً على أمر خارج عن إرادتهم واختيارهم كـ(الغنى والشبع أو الجوع والفقر) إنما هو أمرٌ منافٍ لمنهج الشريعة المقدسة القائم على حرية الانسان في اختياره لسبيل الخير والرشاد أو سبيل الشر والفساد، قال (تعالى):" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)"(2) بل إن الانسان أحياناً قد يكون فقيراً بسبب حب الله (تعالى) له، كما ورد في الحديث القدسي: "أن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فلو أفقرته لأفسده ذلك و أن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فلو أغنيته لأفسده ذلك"(3) وهل يمكن ان نتصور أن الخيرَ دخيلٌ فيمن يحبه الله (تعالى) أو إن معاشرته لا تجدي نفعا، أو تسبب الهم والألم؟! نعم، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ"(4) ولا يقصد به الجوع والشبع المتعارف عليه لدى الناس، وإنما المراد منه: احذروا صولة الكريم إذا اُمتُهِن، واحذروا صولة اللئيم إذا أكرم، وفي هذا المعنى ورد عنه (عليه السلام) أيضاً: "احذروا سطوة الكريم إذا وضع و سورة اللئيم إذا رفع"(5) وأما العقل السليم والمنطق القويم فإنهما يقتضيان أن تتأصل صفة الخير في الإنسان لملكاتٍ حميدة يتسم بها وصفات فضيلة يتميز بها، لا أن تتأصل صفة الخير في نفسه لمجرد أنه ولد في أسرة تتمتع بالرفاهية الاقتصادية ووجد في بيئة تتنعم بالثروات المادية! وعند مراجعتنا للتاريخ الصحيح نجد أن قادة البشر وصفوة الناس إنما كان أغلبهم ينتمي الى الطبقات الفقيرة من المجتمع، فهؤلاء الأنبياء ورسل الله (صلوات الله عليهم) منهم من كان نجاراً أو خياطاً أو راعياً، ومع ذلك فقد كانوا من أطيب الناس خلقاً، وأعظمهم شرفاً، وأرفعهم منزلةً، قد تأصّل الخير في نفوسهم تأصّلاً حتى غدوا قطعة منه، فكانوا هم الخير للبشر، وهم الرحمة للعالمين. وبالنزول إلى أرض الواقع نجد أن الكثير من الفقراء والمساكين طيبي الروح، كريمي النفس، يتألمون لألم المحتاج ولربما يؤثرونه على أنفسهم رغم حاجتهم. ولا نقصد من كلامنا هذا أن الأغنياء هم على نقيض ذلك، وإنما تأكيداً على مسألة عدم ارتباط تأصل الخير في النفوس وعدمه بمستواهم الاقتصادي الذي نشأوا فيه ارتباط العلة والمعلول، فكما إن بعض الفقراء أخيار، فإن بعض الأغنياء كذلك، والعكس صحيح أيضاً. ومن هنا يُفهم من بعض الروايات ضرورة عدم طلب الخير والحاجات ممن هم أهل للخير بقطع النظر عن مستواهم المعاشي الحالي والسابق، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"أشد من الموت طلب الحاجة من غير أهلها"(5)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها"(6) إذن فلا صحة لهاتين المقولتين من حيث الدلالة، حتى وإن تنزلنا وحملنا الجوع والشبع على المعنى المعنوي لا المادي؛ وذلك لأنه حتى من يفتقر الى الأخلاق المعنوية فإنه ما إن يتكامل بالفضائل ويقلع عن الرذائل حتى يتسم بالخير وتحسن عشرته وتطيب للناس صحبته، والعكس صحيحٌ أيضا.. ومن البديهي أن ما لا يوافق العقل والمنطق السليم، ويخالف صريح القرآن الكريم، لا يمكن أن يصدر من وصي الرسول الكريم (صلوات الله عليهما وآلهما)، وعليه لا تصح نسبة هذين القولين الى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحجرات 13 (2) الانسان 3 (3) عوالي الآلي ج2 ص29 (4) غرر الحكم ج1 227 (5) المدر السابق ج1 ص246 (6) ميزان الحكمة ج4 ص 238 رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
76855

بين طيبة القلب وحماقة السلوك...

خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن موازين وقياسات... فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل فيها. وهكذا حياتنا وأفعالنا وعواطفنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة، وليست خالية منها، فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل. ومحور كلامنا عن الطيبة فما هي؟ الطيبة: هي من الصفات والأخلاق الحميدة، التي يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة، وحُبّ الآخرين، والبعد عن إضمار الشر، أو الأحقاد والخبث، كما أنّ الطيبة تدفع الإنسان إلى أرقى معاني الإنسانية، وأكثرها شفافية؛ كالتسامح، والإخلاص، لكن رغم رُقي هذه الكلمة، إلا أنها إذا خرجت عن حدودها المعقولة ووصلت حد المبالغة فإنها ستعطي نتائج سلبية على صاحبها، كل شيء في الحياة يجب أن يكون موزوناً ومعتدلاً، بما في ذلك المحبة التي هي ناتجة عن طيبة الإنسان، وحسن خلقه، فيجب أن تتعامل مع الآخرين في حدود المعقول، وعندما تبغضهم كذلك وفق حدود المعقول، ولا يجوز المبالغة في كلا الأمرين، فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك... هذه الشعرة هي (منطق العقل). الإنسان الذي يتحكم بعاطفته قليلاً، ويحكّم عقله فهذا ليس دليلاً على عدم طيبته... بالعكس... هذا طيب عاقل... عكس الطيب الأحمق... الذي لا يفكر بعاقبة أو نتيجة سلوكه ويندفع بشكل عاطفي أو يمنح ثقة لطرف معين غريب أو قريب... والمبررات التي يحاول إقناع نفسه بها عندما تقع المشاكل أنه صاحب قلب طيب. الطيبة لا تلغي دور العقل... إنما العكس هو الصحيح، فهي تحكيم العقل بالوقت المناسب واتخاذ القرار الحكيم الذي يدل على اتزان العقل، ومهما كان القرار ظاهراً يحمل القسوة أحياناً لكنه تترتب عليه فوائد مستقبلية حتمية... وأطيب ما يكون الإنسان عندما يدفع الضرر عن نفسه وعن الآخرين قبل أن ينفعهم. هل الطيبة تصلح في جميع الأوقات أم في أوقات محددة؟ الطيبة كأنها غطاء أثناء الشتاء يكون مرغوباً فيه، لكنه اثناء الصيف لا رغبة فيه أبداً.. لهذا يجب أن تكون الطيبة بحسب الظروف الموضوعية... فالطيبة حالة تعكس التأثر بالواقع لهذا يجب أن تكون الطيبة متغيرة حسب الظروف والأشخاص، قد يحدث أن تعمي الطيبة الزائدة صاحبها عن رؤيته لحقيقة مجرى الأمور، أو عدم رؤيته الحقيقة بأكملها، من باب حسن ظنه بالآخرين، واعتقاده أن جميع الناس مثله، لا يمتلكون إلا الصفاء والصدق والمحبة، ماي دفعهم بالمقابل إلى استغلاله، وخداعه في كثير من الأحيان، فمساعدة المحتاج الحقيقي تعتبر طيبة، لكن لو كان المدّعي للحاجة كاذباً فهو مستغل. لهذا علينا قبل أن نستخدم الطيبة أن نقدم عقولنا قبل عواطفنا، فالعاطفة تعتمد على الإحساس لكن العقل أقوى منها، لأنه ميزان يزن الأشياء رغم أن للقلب ألماً أشد من ألم العقل، فالقلب يكشف عن نفسه من خلال دقاته لكن العقل لا يكشف عن نفسه لأنه يحكم بصمت، فالطيبة يمكن أن تكون مقياساً لمعرفة الأقوى: العاطفة أو العقل، فالطيّب يكون قلبه ضعيفاً ترهقه الضربات في أي حدث، ويكون المرء حينها عاطفياً وليس طيباً، لكن صاحب العقل القوي يكون طيباً أكثر من كونه عاطفياً. هل الطيبة تؤذي صاحبها وتسبب عدم الاحترام لمشاعره؟ إن الطيبة المتوازنة المتفقة مع العقل لا تؤذي صاحبها لأن مفهوم طيبة القلب هو حب الخير للغير وعدم الإضرار بالغير، وعدم العمل ضد مصلحة الغير، ومسامحة من أخطأ بحقه بقدر معقول ومساعدة المحتاج ... وغيرها كثير. أما الثقة العمياء بالآخرين وعدم حساب نية المقابل وغيرها فهذه ليست طيبة، بل قد تكون -مع كامل الاحترام للجميع- غباءً أو حماقة وسلوكاً غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة. إن المشكلة تقع عند الإنسان الطيب عندما يرى أن الناس كلهم طيبون، ثم إذا واجهه موقف منهم أو لحق به أذى من ظلم أو استغلال لطيبته، تُغلق الدنيا في وجهه، فيبدأ وهو يرى الناس الطيبين قد رحلوا من مجتمعه، وأن الخير انعدم، وتحصل له أزمة نفسية أو يتعرض للأمراض، لأن الطيّب يقدم الإحسان للناس بكل ما يستطيع فعله، ويقدّم ذلك بحسن نية وبراءة منه، فهو بالتالي ينتظر منهم الرد بالشكر أو المعاملة باللطف على الأقل... صحيح أن المعروف لوجه الله، ولكن من باب: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لذلك يتأذى عندما يصدر فعل من الشخص الذي كان يعامله بكل طيب وصدق. هل الطيبة والصدق من علامات ضعف الشخصية؟ الكثير من الناس يصف طيب القلب بأنه ضعيف الشخصية، لأنه يتصف بعدم الانتقام ممن ظلمه، والصفح عنه عند رجوعه عن الخطأ، وأنه لا يحب إيقاع الآخرين بالمشاكل؛ لأنه مقتنع أن الله سيأخذ له حقه. والحقيقة هي أن الصدق والطيبة وحسن الظن بالآخرين ليست ضعف شخصية، بل هي من الأخلاق الراقية وهي تزيد صاحبها سمواً وجمالاً روحياً، وليس من المعيب أن يمتلك الإنسان الطيبة بل العيب في من لا يُقدّر هذه الطيبة ويعطيها حقها في التعامل بالمثل. فالمشكلة الأساسية ليست في الطيبة، إنما في استغلال الآخرين لهذه الطيبة، نتيجة لعدم عقلنة قراراتنا والاعتماد على عواطفنا بشكل كلي. فالصدق والطيبة حسب المنطق والعقل، ولها فوائد جمة للنفس ولعموم أفراد المجتمع، فهي تحصين للشخص عن المعاصي، وزيادة لصلة الإنسان بربه، وتهذيب للنفس والشعور بالراحة النفسية، فالصادق الطيب ينشر المحبة بين الناس، وهذا يعزّز التماسك الاجتماعي وتقويته من سوء الظنون والحقد، وهذا التعامل أكّدت عليه جميع الشرائع السماوية، ولو تأمّلنا تاريخ وأخلاق الأنبياء والأوصياء لوجدنا كل ما هو راقٍ من الأخلاق والتعامل بالطيبة والصدق... حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
56658

لا تقاس العقول بالأعمار!

(لا تقاس العقول بالأعمار، فكم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ) قولٌ تناولته وسائل التواصل الاجتماعي بكل تقّبلٍ ورضا، ولعل ما زاد في تقبلها إياه هو نسبته الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكننا عند الرجوع إلى الكتب الحديثية لا نجد لهذا الحديث أثراً إطلاقاً، ولا غرابة في ذلك إذ إن أمير البلاغة والبيان (سلام الله وصلواته عليه) معروفٌ ببلاغته التي أخرست البلغاء، ومشهورٌ بفصاحته التي إعترف بها حتى الأعداء، ومعلومٌ كلامه إذ إنه فوق كلام المخلوقين قاطبةً خلا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ودون كلام رب السماء. وأما من حيث دلالة هذه المقولة ومدى صحتها فلابد من تقديم مقدمات؛ وذلك لأن معنى العقل في المفهوم الإسلامي يختلف عما هو عليه في الثقافات الأخرى من جهةٍ، كما ينبغي التطرق الى النصوص الدينية الواردة في هذا المجال وعرضها ولو على نحو الإيجاز للتعرف إلى مدى موافقة هذه المقولة لها من عدمها من جهةٍ أخرى. معنى العقل: العقل لغة: المنع والحبس، وهو (مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشد به)(1)، (وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه)(2)؛ لذا روي عنه (صلى الله عليه وآله): "العقل عقال من الجهل"(3). وأما اصطلاحاً: فهو حسب التصور الأرضي: عبارة عن مهارات الذهن في سلامة جهازه (الوظيفي) فحسب، في حين أن التصوّر الإسلامي يتجاوز هذا المعنى الضيّق مُضيفاً إلى تلك المهارات مهارة أخرى وهي المهارة العبادية. وعليه فإن العقل يتقوّم في التصور الاسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهما (المهارة العقلية) و(المهارة العبادية). ولذا روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه عندما سئل عن العقل قال :" العمل بطاعة الله وأن العمّال بطاعة الله هم العقلاء"(4)، كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه عندما سئل السؤال ذاته أجاب: "ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. فسأله الراوي: فالذي كان في معاوية [أي ماهو؟] فقال(عليه السلام): تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"(5) والعقل عقلان: عقل الطبع وعقل التجربة، فأما الأول أو ما يسمى بـ(الوجدان الأخلاقي) فهو مبدأ الادراك، وهو إن نَما وتطور سنح للإنسان فرصة الاستفادة من سائر المعارف التي يختزنها عن طريق الدراسة والتجربة وبالتالي يحقق الحياة الإنسانية الطيبة التي يصبو اليها، وأما إن وهن واندثر لإتباع صاحبه الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فعندئذٍ لا ينتفع الانسان بعقل التجربة مهما زادت معلوماته وتضخمت بياناته، وبالتالي يُحرم من توفيق الوصول إلى الحياة المنشودة. وعقل التجربة هو ما يمكن للإنسان اكتساب العلوم والمعارف من خلاله، وما أروع تشبيه أمير البلغاء (عليه السلام) العلاقة التي تربط العقلين معاً إذ قال فيما نسب إليه: رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذ لم يك مطبــوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع(6) فقد شبّه (سلام الله عليه) عقل الطبع بالعين وعقل التجربة بالشمس، ومما لاشك فيه لكي تتحقق الرؤية لابد من أمرين: سلامة العين ووجود نور الشمس، وكما إن الثاني لا ينفع إن لم يتوفر الأول فكذلك عقل التجربة لا ينفع عند غياب عقل الطبع فضلاً عن موته. وبما إن عقل الطبع قد ينمو ويزدهر فينفع صاحبه من عقل التجربة، وقد يموت ويندثر عند الاستسلام لإضلال شبهةٍ أوبسبب إرتكاب معصية، فإنه ومن باب أولى أن يتعرض الى الزيادة والنقصان كما سيأتي... وقد ورد في النصوص الدينية أن للعقل زمناً ينمو فيه ويكتمل، فعن إمامنا أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه):"يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة، وينتهى طوله لإحدى وعشرين سنة، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب"(7)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين سنة، وعقله في خمس وثلاثين [سنة] وما كان بعد ذلك فبالتجارب"(8). إذن يتوقف النمو الطبيعي لعقل الانسان عند سن الثامنة والعشرين أو الخامسة والثلاثين كما ورد في الروايتين، وأية زيادة أخرى في طاقته بعد ذلك إنما تأتي عن طريق التجارب، وقد يُتوهم بأن ثمة تعارضاً ما بين الروايتين المتقدمتين في شأن تحديد سن النمو العقلي، إلا إنه لا تعارض ينهما إذا حملنا اختلافهما فيه على اختلاف الاشخاص وتباين استعدادات وقابليات كل منهم. وعلى الرغم من توقف نمو عقل الإنسان إلا إن له أنْ يزيده بالتجارب ومواصلة التعلم ــ كما تقدم في الروايات ــ وسواء أثبت العلم هذه الحقيقة الروائية أم لا، فنحن نريد الإشارة إلى ضرورة استمرار التجربة والتعلم لزيادة نمو العقل وهذا المقدار لا خلاف فيه وعلى الرغم من إن لعمر الانسان مدخلية في زيادة عقله كما تقدم وكما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "يزيد عقل الرجل بعد الاربعين إلى خمسين وستين، ثم ينقص عقله بعد ذلك"(9)، إلا إن ذلك ليس على نحو العلة التامة، إذ يمكن للعقل أن يبقى شاباً وقوياً وإن شاب الإنسان وضعف جسمه، وتقدم في السن ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتقص الشيخوخة من قوته بل وقد يزداد طاقةً وحيويةً لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"رأي الشيخ أحب الي من جَلَد الغلام"(10)، وفي أخرى ".....من حيلة الشباب "(11) وأما من لم يوفر أسباب صقل عقله في مرحلة الشباب فإنه بلا شك يضمحل عقله في مرحلة الشيخوخة. وليس تقدم العمر هو العامل الوحيد في نقصان العقل بل إن النصوص الشرعية أشارت الى عوامل عديدة اخرى أهمها: أولاً: التعلم: فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً"(13). ثانياً: التوبة: وعنه (عليه السلام) ايضاً:"من لم يرتدع يجهل"(14) ثالثاً: التقوى: فقد كتب إمامنا الباقر (عليه السلام) إلى سعد الخير: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله (عزوجل) يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله"(15) إذن التوبة هي سبب للتوفيق الإلهي الذي يؤدي فيما يؤدي إليه من إكمال العقل. رابعاً: الوقوف عند الشبهة: وقال (عليه السلام ): "لا ورع كالوقوف عند الشبهة"(16). فإن الوقوف عند الشبهات سبب من أسباب التوفيق الإلهي بلا شك. خامساً: الاعتراف بالجهل: كما روي عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية العقل الاعتراف بالجهل"(17) إذ الاعتراف بالجهل يدفع الإنسان دوماً إلى مزيد من بذل الجهد واكتساب المعارف. مما تقدم تتضح جلياً صحة هذه المقولة دلالةً، إذ إن العقول فعلاً لا تقاس بالأعمار لأن كلٍاً من زيادتها ونقيصتها منوطٌ بالعديد من العوامل الأخرى والتي تقدم ذكرها، بيد إن ذلك لا يبرر التساهل في نشرها والتهاون في الاستشهاد بها على إنها من أقوال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لعدم ثبوت ذلك سنداً من جهة ولضعف بلاغتها وركاكة تركيبها بالنسبة إلى سيد البلغاء والبلاغة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب اللغة ج1 ص65 (2) لسان العرب ج11 ص458 (3) نهاية الحكمة ص305 (4) ميزان الحكمة ج3 ص333 (5) أصول الكافي ج1، ح3 / 11 (6) نهج السعادة ج9 ص163 (7) الكافي ج7 ص94 (8) الفقيه ج3 ص493 (9) الاختصاص ص245 (10) نهج البلاغة حكمة 86 (11) بحار الأنوار ج72 ص105 (12) المصدر السابق ج1 ص94 (13) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص118 (14) الكافي ج8 ص73 (15) وسائل الشيعة ج1 ص162 (16) غرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص1 بقلم الكاتبة: رضا الله غايتي

اخرى
منذ 6 سنوات
44122

الطلاق ليس نهاية المطاف

رحلةٌ مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم! ينهي حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان. ويبدد طموحات أطفال في العيش في هدوء نفسي واجتماعي تحت رعاية أبوين تجمعهم المودة والرحمة والحب. الطلاق شرعاً: هو حل رابطة الزواج لاستحالة المعاشرة بالمعروف بين الطرفين. قال تعالى: [ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)].(١). الطلاق لغوياً: من فعل طَلَق ويُقال طُلقت الزوجة "أي خرجت من عصمة الزوج وتـحررت"، يحدث الطلاق بسبب سوء تفاهم أو مشاكل متراكمة أو غياب الانسجام والحب. المرأة المطلقة ليست إنسانة فيها نقص أو خلل أخلاقي أو نفسي، بالتأكيد إنها خاضت حروباً وصرعات نفسية لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياتها الزوجية، ولكن لأنها طبقت شريعة الله وقررت مصير حياتها ورأت أن أساس الـحياة الزوجيـة القائم على المودة والرحـمة لا وجود له بينهما. فأصبحت موضع اتهام ومذنبة بنظر المجتمع، لذلك أصبح المـجتمع يُحكم أهواءه بدلاً من الإسلام. ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش، وكم من فتاة أُجبرت قسراً على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأن الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب نظرة المجتمع، وتقع المرأة المطلّقة أسيرة هذه الحالة بسبب رؤية المجتمع السلبيّة لها. وقد تلاحق بسيل من الاتهامات وتطارد بجملة من الافتراءات. وتعاني المطلقة غالباً من معاملة من حولها، وأقرب الناس لها، بالرغم من أن الطلاق هو الدواء المر الذي قد تلجأ إليه المرأة أحياناً للخلاص من الظلم الذي أصبح يؤرق حياتها الزوجية، ويهدد مستقبلها النفسي، والله تعالى لم يشرع أمراً لخلقه إلا إذا كان فيه خير عظيم لهم، والطلاق ما شرّع إلا ليكون دواء فيه شفاء وإن كان مرّاً، وإن كان أمره صعباً على النفوس، حيث قال عز وجل: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا"، روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢). ورغم أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق بشروط تلاءم لبناء المجتمع، وأولت أهمية في الإحسان دائمًا للطرف الأضعف والأكثر خسارة في هذه المعادلة وهي "المرأة"، إلا أن المجتمع الذي يدّعي الإسلام لا يرحمها، ويحكم عليها بالإدانة طوال حياتها دون النظر في صحة موقفها في الطلاق من عدمه! قال( تعالى ): [الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] (٣). ولكن بعد كل هذا فالحياة لم ولن تتوقف بعد الطلاق! الطلاق ليس نهاية الحياة. - أخيتي. ليكن الطلاق بداية جديدة لحياة جديدة وللانطلاق. -قطار العطاء لن يتعطل. فإن كنت السبب في الطلاق فالحمد لله على كل حال وتلك أمة قد خلت وأيام ذهبت وانجلت فلست بالمعصومة من الخطأ. وعليك استدراك الأخطاء وتقوية مواطن الضعف في شخصيتك، واجعليها درساً مفيداً في الحياة لتطوير نفسك وتقويتها. وإذا كنتِ مظلومة فهناك جبار يُحصي الصغير والكبير وسيأتي يوم ينتصر لك فيه. -ومن الجميل أن تعطي نفسك الإحساس بالحب والاحترام، ولا تتأثري بأي نظرة سلبية من المجتمع وكون البعض يتعامل مع المطلقة على أنها حالة خاصة فعليكِ إثبات ذاتك حتى تفرضي على الكل شخصيتك. - نظرتك لنفسك اجعليها نظرة ايجابية مشرقة ولا تنزلقي في مستنقع نبذ الذات وظلم النفس. - ابحثي عن الصفات الجيدة فيك فإن ذلك سيشعرك بالثقة في ذاتك والتقدير لها. -حاولي مراجعة نفسك للخروج بإيجابيات حصلت لك من طلاقك. - خالطي الآخرين وإياك والعزلة بسبب وضعك الجديد فلست بأول من يبتلى بالطلاق. -استمتعي بالموجود ولا تتعلقي بالمفقود، حلقي بروح تعبق أملاً وتفاؤلاً، استمتعي بما وهبك الله من نعم (صحة وأولاد وأهل وصديقات وعمل وهوايات وغيرها من الأمور الجميلة) فما حصل لك حصل… ولابد أن تتقبليه برضا، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وقال أصدق من قال: ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فالرضا سر السعادة الحقيقي. - اقتربي من صديقاتك الصالحات، واقضي معهن وقتاً طيباً تنسين به ألمك وحزنك. - احرصي على الصلوات وقراءة القرآن الكريم والذكر والاستغفار وأكثري من الطاعات قدر ما تستطيعين، ففيها السلوى والفرح والسعادة. ونعم سعادة القرب من الرحمن. - اشغلي نفسك بأعمال البر والإحسان بمساعدة محتاج. بكفالة يتيم. بتعلم الفقه والقرآن وتعليمه. - اجتهدي في عمل برنامج يومي لك يكون ممتلأ بكل ما هو مفيد لك. من قراءة وزيارة الأصدقاء وصلة الرحم. بحيث لا تكون هناك دقيقة أنت فارغة فيها. - وأسرعي بقاربك الجميل بمجذافين من إيمان بالله وثقة بالنفس وسوف تصلين بإذن الله نحو جزيرة السعادة والنجاح. لكي تتسلق جبال الإنجاز، وتصل لأعلى مراتب الاعجاز. وعندها جزماً سيكون للحياة معنى آخر. --------------------------------- (١)-سورة البقرة الآية (٢٢٦-٢٢٧). (٢)-الكافي (٢)-سورة البقرة الآية (٢٢٨) حنان ستار الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
43544

المرأة في فكر الإمام علي (عليه السلام)

بقلم: أم نور الهدى كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) اهتمام خاص بالمرأة، فنراه تارة ينظر إليها كآية من آيات الخلق الإلهي، وتجلٍ من تجليات الخالق (عز وجل) فيقول: (عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم). وتارة ينظر إلى كل ما موجود هو آية ومظهر من مظاهر النساء فيقول: (لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليس قهرمانة). أي إن المرأة ريحانة وزهرة تعطر المجتمع بعطر الرياحين والزهور. ولقد وردت كلمة الريحان في قوله تعالى: (فأمّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة النعيم) والريحان هنا كل نبات طيب الريح مفردته ريحانة، فروح وريحان تعني الرحمة. فالإمام هنا وصف المرأة بأروع الأوصاف حين جعلها ريحانة بكل ما تشتمل عليه كلمة الريحان من الصفات فهي جميلة وعطرة وطيبة، أما القهرمان فهو الذي يُكلّف بأمور الخدمة والاشتغال، وبما إن الإسلام لم يكلف المرأة بأمور الخدمة والاشتغال في البيت، فما يريده الإمام هو إعفاء النساء من المشقة وعدم الزامهن بتحمل المسؤوليات فوق قدرتهن لأن ما عليهن من واجبات تكوين الأسرة وتربية الجيل يستغرق جهدهن ووقتهن، لذا ليس من حق الرجل إجبار زوجته للقيام بأعمال خارجة عن نطاق واجباتها. فالفرق الجوهري بين اعتبار المرأة ريحانة وبين اعتبارها قهرمانة هو أن الريحانة تكون، محفوظة، مصانة، تعامل برقة وتخاطب برقة، لها منزلتها وحضورها. فلا يمكن للزوج التفريط بها. أما القهرمانة فهي المرأة التي تقوم بالخدمة في المنزل وتدير شؤونه دون أن يكون لها من الزوج تلك المكانة العاطفية والاحترام والرعاية لها. علماً أن خدمتها في بيت الزوجية مما ندب إليه الشره الحنيف واعتبره جهادًا لها أثابها عليه الشيء الكثير جدًا مما ذكرته النصوص الشريفة. فمعاملة الزوج لزوجته يجب أن تكون نابعة من اعتبارها ريحانة وليس من اعتبارها خادمة تقوم بأعمال المنزل لأن المرأة خلقت للرقة والحنان. وعلى الرغم من أن المرأة مظهر من مظاهر الجمال الإلهي فإنها تستطيع كالرجل أن تنال جميع الكمالات الأخرى، وهذا لا يعني أنها لا بد أن تخوض جميع ميادين الحياة كالحرب، والأعمال الشاقة، بل أن الله تعالى جعلها مكملة للرجل، أي الرجل والمرأة أحدهما مكمل للآخر. وأخيرًا إن كلام الإمام علي (عليه السلام) كان تكريمًا للمرأة ووضعها المكانة التي وضعها الله تعالى بها، حيث لم يحملها مشقة الخدمة والعمل في المنزل واعتبر أجر ما تقوم به من اعمال في رعاية بيتها كأجر الجهاد في سبيل الله.

اخرى
منذ 5 سنوات
40360

أساليب في التربية

عالم الطفولة كأنه طاولة، لا تجد فيه غير طعام لذيذ، ومنظر لطيف وجديد، فعالمهم فاكهة الوجود، وخضار الأرواح، ومياه الحياة تسقي القلوب... عالم صفاء وأحلام جميلة بسيطة وتافهة ولكن بنظرهِ هو عظيمة وكبيرة، فهو العالم الذي ينطلق منه الإنسان في بداية عمره. فالطفل في بداية حياته ينظر إلى الحياة بتفكيره البريء، فالطفل يعيش بعالم خاص به مملوء بالمحبة البريئة. هذه هي الصورة الجميلة التي يحملها الطفل، وكم يتمنى كل إنسان أن يعود لطفولته البريئة ليتأمل في أرجاء عالمها الذي كان يصور له حياة مختلفة تشد الإنسان إليها بجمالها، هذا هو عالم الطفولة وهذه أحلام من يعيشها، فلا ينفذ إلى ملكوت ذلك العالم ولا يدرك كنهه إلا من عاشه وجال في ربوعه. حيث يتذوق الطفل مع أحلام طفولته هذه لذة الحياة ولذة العيش فيها، ومهما حاولنا أن نعبر عن هذه الحقيقة فلن نستطيع تصويرها بالكلمات. وبعد هذا، فإن الاهتمام بمستقبل الطفل هو في الواقع ضمان لمستقبل شعب بأسره. قال اللَّه تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 أعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده. وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة، والتربية. إذا خضنا في مضمار التربية السليمة للأبناء... فعلى الأبوين أن يكون لهما الوعي التربوي الذي يبنى على أسس صحيحة ويتوفر لديهم فهم لأساليب التربية والتوجيه والرعاية وهذه نقطة البداية. فمثلاً في أسلوب التعامل مع الطفل تبرز أمامنا ثلاثة اشكال لتعامل الآباء مع الأبناء: الشكل الأول: أسلوب الدلال المفرط وهذا الأسلوب له نتائجه السلبية الخطيرة، فإنه يخلق شخصية هشة متميعة وشخصية اتكالية تحب الكسل والخمول مجردة من الهدف والإقدام، انهزامية غير قادرة على مواجهة التحديات وبمعنى أدق شخصية لا تثق بنفسها. شخصية متسيبة في ظل غياب المراقبة والمحاسبة وهذا التسيب يقود إلى الانفلات والانحراف. الشكل الثاني: فهو أسلوب التربية القاسية والعنف. وهذا الأسلوب أيضاً له نتائجه الخطيرة والسلبية التي يعاني منها الأبناء طوال حياتهم فهو يخلق شخصية قلقة ومتأزمة ومعقدة وخائفة وتحمل عقدة الخوف، شخصية حاقدة وعدوانية وقد تتأزم الأمور لتصبح شخصية منافقة وكاذبة خوفاً من العقاب والتعنيف ضمن حدود الأسرة ولكن يوماً من الأيام سينطلق هذا الشخص ليواجه المجتمع ككل، فلنتصور كيف سيتعامل مع المحيطين ضمن مجالات الدراسة والعمل وهو شخصية هاربة من أجواء الأسرة وقد يعرضها للتسيب والانحراف لأنها شخصية متمردة مما يعرضها للعقوق. الأسلوب الثالث: التوازن. الأسلوب الصحيح يعتمد على التوازن فمن شروط نجاح التربية التوازن في المعاملة ما بين الأمور التي تحتاج إلى شدة وحزم ليتربى على أن هذه الأمور خطوط حمراء طبعاً هنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: لا للعنف الأسري ولا لاستخدام القسوة. نعم فهناك طرق غير استخدام العنف. يكفي ان يبدي الآباء انزعاجهم مثلاً. وهنا النقطة مهمة جداً، وهي: أن نوضح لهم سبب المنع والرفض لا تعتقدوا أن أبناءكم لا يدركون ولن يفهموكم. تخصيص الوقت للنقاش مهم جداً. وما بين أسلوب المرونة والحنان والاحتواء. التوازن في المعاملة. إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يصرح بمسؤولية الأبوين بتربية الطفل، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى، وأن التقصير في ذلك يُعرّض الآباء إلى عقاب الله. فيقول (عليه السلام): (وأما حق ولدك عليك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته. فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه ) مكارم الأخلاق للطبرسي ص٢٣٢ حنان الزيرجاوي

اخرى
منذ 6 سنوات
33543