Profile Image

نجلاء المياحي

كن مثالياً وانطلق في الحياة

اغلبنا يتفاجأ بالمثالية والرقي كأنها معجزات أو من خوارق الطبيعة، ندلك أعيينا بقوة! هل فعلا هذا الانسان المثالي حقيقي ام نحن في حلم نود أن لا نفيق منه ابداً؟ واسباب ذلك تعود لما نشأنا عليه من أن الشخص المثالي هو إما نبي أو ولي، ونتناسى أن واجبنا الشرعي والاخلاقي ان نقلد أئمتنا وانبياءنا في اخلاقهم وسيرتهم المثالية قدر ما نستطيع. ألم يأمرنا الله تعالى بهذا في كتابه الكريم وشدد عليه كثيرا كما في قوله عز من قائل:{أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}؟ وكذا{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}؟! ألم يقل النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله): إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق؟ فهل المثاليات غير الأخلاق الرفيعة والذوق في التعامل والكلم الطيب والسيرة الحسنة؟ وهل الرقي أكثر من أن يتمنى الذي يسمع باسمك أن يراك؟ في مقالنا هذا سنذكر لك ـ عزيزي القارئ ـ عشرة سبل تجعلك إنساناً مثالياً كما خلقك الله تعالى لهذا: أولاً: اترك القلق والتوتر اعلم أن قلقك في الحياة سبب رئيس لكل ما تعانيه من عاهة جسدية وأخلاقية، كن مؤمناً واعلم أن الله يفعل ما يشاء ويدبر الأمر. لن يؤخر قلقك أجلك، ولن يقربه، كما لن يزيد في رزقك ولن ينقصه، توكل على الله تعالى، أصلح أمورك بما تستطيع ودع الباقي عليه، فلا تثقل قلبك بالهموم، ولا تجعل للشيطان عليك سلطاناً وأي سلطان له عليك أكثر من القلق والتوتر؟! خاطب نفسك دوماً: لِـمَ يملكني القلق ولي رب يسير كل شيء بأمره؟ أليس الله بأحكم الحاكمين ؟ هل تظن ان الله تعالى يريد بك سوءا ؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . ثانيا: كن متواضعا: اعلم ان الانبياء والاولياء افضل منا في كل شيء، ورغم كل ما يملكون من المميزات الالهية كانوا متواضعين مع الناس، حتى مع من لا يؤمن بهم بل حتى مع من آذاهم. ألم تسمع بأن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) اتاه اعرابي وشد قميصه حتى أوشك ان يدمي عنقه المبارك قائلاً: يا محمد، اعطني من مال الله! ماذا فعل النبي (صلى الله عليه وآله)؟ التفت اليه ولم يحتقره كونه اعرابيا فضاً، واحسن له العطاء ولم يعاقبه، يقول انس ضحك النبي (صلى الله عليه وآله) ولاطفه وامر ان يعطوه مالا ...... ألم تسمع أن الامام الحسين عليه السلام حين اتاه احدهم طالبا منه مالا اختبأ الامام خلف الباب واعطاه كي لا يحرج السائل قائلا: خذها فإني إليك معتذر *** واعلم بأني عليك ذو شفقه لو كان في سيرنا الغداة عصا *** أمست سمانا عليك مندفقه لكن ريب الزمان ذو غير *** والكف مني قليلة النفقة ما اجملها من أبيات تثير في السائل مشاعر حب الامام له واحترامه لطلبه . ألم تسمع ان الامام علياً (عليه السلام) كان حاكما لأكثر من خمسين دولة و يخبز الخبز بنفسه للأيتام؟ ويحمل على ظهره الماء والأكل؟ ويحرث الارض ويعمرها ويهديها للفقراء؟ ألم تسمع ان الامام الحسين كان يضع خده على خد علي الاكبر وخد جون الاسود؟ ولم يفرق بينهما بحجة أن ابنه ابيض وصاحبه اسود؟ او النبي (صلى الله عليه وآله) الذي تبنى زيدا ـ وهو اسود ـ وكان يفرط في حبه حتى ظن الناس ان زيدا ابنه حقا؟ خاطب نفسك: هل أنا خير من هؤلاء كي احتقر من هو ليس من لوني او ثقافتي او مستواي الاجتماعي؟ اعلم ان التأفف والتكبر لن يزيدك الا احتقارا وذلة بنظر الله تعالى والناس. ثالثا: لا تكن لئيماً ابدا اعلم ان تباهيك بالمال والاولاد يؤلم من حولك ممن لا مال ولا ولد لهم، وتبجحك بالشهادات والثقافة تؤلم من لم يتمكن من الحصول على الشهادة او حتى التعليم، وصحتك واي شيء تملكه دون الاخرين . لو كان صديقك عقيما احذر ان يأخذك اللؤم ـ ولو من دون قصد ـ ان تثير مشاعره عبر كلامك الكثير عن اولادك. ولو كان جارك فقيرا احذر ان تحسسه بفقره بتباهيك بالمال والاملاك.. كن دوما لبِقاً وتعلّم ان تفكر قبل أن تنطق وأن تستشعر فعلك قبل ان تفعله، او كما قال الامام الحسن (احبب لأخيك ما تحب لنفسك). رابعا: لاطف الناس دوما: ما اجمل ان تكون كنسمة هادئة اينما تمر تثير الطمأنينة والسكينة! ما اروع ان يتمنى الناس مخاطبتك لطيب منطقك ودرر كلامك! ما ارقى ان يكون وجودك باعثا على الراحة والهدوء! فكّر بهذا، واعلم انك لو لاطفت طفلا في الشارع وقبلته او اعطيته كرته التي سقطت في منزلك فلن يتم خصم راتبك! لو ساعدت احدهم في حمل اغراضه، تأكد ان صحتك لن تكون بخطر! او رأيت متخاصمين واصلحت بينهما لن يتم رميك في السجن! أو بادرت بالسلام وتوددت لمن حولك لن ينقص من قدرك! كن دوماً ملاطفاً ... ودوداً... محباً... للناس. قال الامام علي ( نصف العقل مداراة الناس) (الحكمة التودد للناس). خامسا: اهتم بمظهرك: اعلم النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) لم يخرج من بيته يوما اشعث الشعر ولا مغبرة ثيابه . سيرة الصالحين كانت دوما هي النظافة في الملبس والاهتمام بالمظهر. طبعا هذا لا يعني ان تنفق ملايين على ثيابك، كن وسطيا لا اشعثا اغبرا ولا مرتديا ساعة بألف دولار! وان كنت تتساءل: لمَ كان الامام علي (عليه السلام) يرقع ثيابه قائلاً: رقعت مدرعتي حتى استحييت من راقعها؟ فاعلم ان الامام استلم الحكم والناس جوعى والبلاد في خراب، فكان يواسي شعوبه بارتدائه ثياب العامة من الناس. هذا كان ردا من الامام الصادق (عليه السلام) حين سأله سفيان الثوري عن سر لبسه الثياب الجميلة الناعمة دون امير المؤمنين (عليه السلام) . سادسا: لا تتدخل في شؤون الناس: إن كان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) ليس مسيطرا على الناس، ولم يتدخل في شؤونهم الخاصة حتى يسالوه، خاطب نفسك من أنا لأكون فضولياً؟ ما شأني بمن يخرج بملابس قديمة او جديدة؟ ما شأني إن كان اثنان يتحاوران بينهما كي أفرض رأيي عليهما؟ تخيل: كم يكون مخزيا ان ندخل في حوار لسنا مدعوين له! ما شأني بمن صلى وصام وحج وزكى ؟ هل جعلني الله وكيلا؟ انصحه إن توفرت شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن لا تفرض آراءك عليه ، واعلم ان الله بذنوب عباده بصير خبيرن وأن من تتبع عثرات الناس تبع الله عثرته. لا تكن فضولياً، فان كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب. سابعا: كن واثقاً من نفسك دومًا: الثقة بالنفس هي احساسك بقيمة نفسك وقيمة ما عندك، واعلم أنها ملكة لا يملكها الا ذو حظ عظيم. كن دوما شخصا ثابتا واثقا من خطواتك وكلامك وافعالك. طبعا هذا لا يعني ان تكون مغرورا مقيتا، فبين الثقة بالنفس والغرور خط رفيع إياك ان تتجاوزه. ثامنا: كن قويًا: تخلص من الشعور بالجبن، الموت ميعاد، ولن تموت الا إن شاء الله تعالى. لا يكن همك كيف تنجو كيف تهرب كيف تتخلص من المشاكل. افعل ما تراه صوابا واترك ما بقي على اللهـ فهو اعلم بنواياك. لا تكن محطما ضعيفا ولا متسلطا ظالما، ابتعد عن التغطرس والطيش واعلم ان القوي هو من يملك نفسه وقت الغضب . تاسعا: لا تكن شخصا سطحيا: كن متوازنا في افعالك واقوالك لا تكن كالأشخاص السطحيين الذين لا هم لهم الا التدخين والاغاني والجلوس في الطرقات والضحك والكلام بصوت عال . اعلم ان هذا يجعلك تافها بنظر الجميع كما ان فيه بعض الاثم والعدوان. وإن أجبرتك رفقه السوء على التدخين فاحذر ان تدخن امام من لا يدخنون، لا تشركهم في اخطائك. لا تخطأ بمرأى من الناس فتكون من الذين يشيعون الفاحشة في اللذين امنوا. ولا يكن همك الكلام عن الناس واخطائهم، اعلم ان هذا من تفاهة فاعله وهو حرام وفعل دنيء جدا. عاشرا: احذر اصدقاء السوء: اعلم ان الانسان يتأثر قطعا بمن يحيطه حتى لو لم يشأ هذا . اصدقاء السوء بضاعه رخيصة لن تجني منها الا العفن . انهم يرحبون بك ايما ترحيب ان كان في جيبك مال او لديك ما ينفعهم لينتفعوا فقط. الاصدقاء كالفاكهة فيها الطازج وفيها الفاسد , اختر الصالحين فقط. كن ودودا مع الجميع .... صديقا للقليلين ..... ولا تكن عدوا لاحد. هناك الكثير مما بقي لأنصحك به، لكن يطول المقام بنا كثيرا اجعل تقوى الله ميزانا لك في الحياة واعلم ان الدنيا دار فناء وايامك سويعات فاقضها في التكامل الروحي والاخلاقي. فكلما كنت متقيا، فإنك ستحيي مثاليا ابدا. نجلاء المياحي

اخرى
منذ 6 سنوات
2934

كيف ترشد الناس؟

كيف ترشد الناس؟ هذه عدة نصائح: ١- عليك أن تفهم أنّ لكل فرد من الناس طبعاً، ولكل منهم طريقة وأسلوباً، فهناك من ينفع معه الاستدلال العقلي، وهناك من ينتفع بدغدغة مشاعره وفطرته السليمة، كبشر الحافي الذي اهتدى بعبارة واحدة هزت قلبه (لو كان عبداً لاستحيى من الله)، فعليك أن تحاول فهم الطرف الآخر قبل أن تكلمه. ٢- انتبه لطريقة نصحك للناس، فليس الجميع يتقبل منك النبرة الحادة في الكلام والصوت المرتفع فقط لأنك أكبر منه سناً أو لديك علم، كن حذراً جداً. ٣- امسك أعصابك مهما كان الطرف المقابل بنظرك جاهلاً يجادل، وأعلم أنك لن تسع الناس بمالك لكن يمكنك أن تسعهم بخلقك، ومن أكثر ما اشتهر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلمه وسعة صدره مع الناس الذين كانوا عُرباً أجلافاً. ٤- أنت كإنسان لا تقبل أن ينتقدك الناس على اخطائك بشكل مباشر، فلا تتوقع منهم الانصات والخضوع لك وأنت تنتقدهم بشكل عنيف أمام الآخرين، كن منصفاً، فما يؤلمك ويحزنك يحزن غيرك ويؤلمه. ٥- لم يحرّم الله الخمر أول يوم في الدعوة، هل تساءلت لماذا؟ لأن الإنسان يتعلم بالتدرج على الاقلاع عما اعتاد عليه، فلا تتوقع أن كل إنسان يقلع عن ذنوبه واخطائه بمجرد قولك: حرام... لاحظ كيف ان الله منعهم من الصلاة وهم سكارى، ثم بيّن لهم مساوئ الخمر والسكر ثم حرّمها عليهم. هذا نموذج لعادة سيئة اعتادها الناس فعالجها الله تعالى بما يوافق الطبيعة الإنسانية، وكل ذنب هو في الواقع عادة سيئة تحتاج إلى أن تعوّدهم على التقليل منها ثم تعطيهم البديل الذي يناسب الشرع الحنيف وبعدها سيقلعون عن الذنب. ٦- الإنسان كائن مختلف تماماً عن عالم الارقام والقوانين الوضعية والدراسات ووو… الإنسان كائن نفخ الله فيه من روحه وميّزه بنعمة العقل والمقدرة على الوصول للكمال، احذر أن تستهين به، انظر في كل فرد من الإنسان بما خصّه الله به، فعامله بما يستحق، وأعلم إن كان الله لم يرتض لإبليس -الذي كان من عباده- أن لا يسجد له، فلن يسوغ لك أن تقلل من قيمته. ٧- أغلب الناس -بحسب ما استقرئت من تجاربي وبحسب ما يذكر في كتب علم النفس والاجتماع- يستجيبون للنصح غير المباشر، أي إنك تبين له أنك مخطئ دون أن تصرح بذلك، مثلاً كان معك أحدهم وأنت تعلم أنه لا يصلي، فمن غير المحبذ ولا النافع أن تقول له: يا لك من زنديق كيف لا تصلي يا كافر يا...! بكل هدوء يمكنك أن تقول: ما رأيك أن نقوم للصلاة، بدل ان نؤجل صلاتنا لآخر الوقت بسبب المشاغل. أولاً سيستحيي منك وينهض للصلاة ويكون قد فهم تماماً أنك علمت أنه لا يصلي لكنك لا تريد أن تجرحه أو تكذبه إن لم يقر أنه لا يصلي، وهذا له تأثير نفسي كبير عليه مما يجعله ولو تدريجياً يصلي ويهتم بصلاته، وقس على هذا سواه... ٨- في حياتك ستصادف أناساً رائعين محببين للنفس، ما أن تنصحهم حتى تفيض أعينهم من الدمع حباً لك وفرحاً أن وجدوا من يرشدهم، احمد الله على وجودهم في هذا العالم وبمقدرتك أن تكون لهم هادياً. وكذلك قد تصادف أناساً غليظي القول كأَن طينتهم مزجت بالسوء والقسوة، لربما في نصيحتك لهم تلقى الكلام الجارح والتصرف غير اللائق، أبق مبتسماً هادئاً وكلّمهم بهدوء، تذكر دوماً أن النبي محمداً (صلى الله عليه وآله) بعظمته رجمه قومه بالحجارة وما قال فيهم إلّا (اللهم اغفر لقومي إنهم لا يعلمون)! ٩- صدق من قال: إن الناس عقولهم في عيونهم وآذانهم. لا تنصح الناس بما لم تتمسك به أنت، وإن كنت مضطراً فبيّنْ لهم إنك فعلت خطأ وأنت كذلك تريد أن تصلح نفسك بهذا كما تريد اصلاحهم، وإلّا فلا تتعب نفسك بالنصح بل لا تجعلهم يظنون أن كل مرشد هو منافق ينهى الناس عما يأتي به! ١٠- وأهم من كل ما سبق: كن مخلصاً وصادقاً في نصحك للناس، اجعل غايتك أن ترضي الله وترشدهم، سواء كانوا من قومك أو لا، سواء كنت تحبهم أو تكرههم، لا يكن هدفك تتبع عثرات الناس، فمن تتبع عثرات الناس تتبع الله عثرته. نجلاء المياحي

اخرى
منذ 6 سنوات
2004

حب النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) لفاطمة الزهراء (عليها السلام)

الحب هو انجذاب قلب الحبيب الى المحبوب ، وهو شعور ينبع من الفطرة التي اودعها الله في الانسان بسبب كمالات يملكها المحبوب. وكلما كانت هذه الكمالات أعلى كان الحب اكبر وأعظم لدى الحبيب نحو محبوبه. وحينما نصل الى الحب الذي كان يكنّه النبي الأكرم لفاطمة الزهراء نصبح عاجزين عن الوصول الى تمام حقيقته وماهيته ولسنا نغالي إنْ قلنا إنه خارج عن قدرة القلم واللسان والتحليل والبيان. لأنَّ كمالات وفضائل المحبوب ـ وهي السيدة الزهراء ـ لا يمكن حصرها ولا حتى بلوغ غاية حقيقتها ، حب النبي الاكرم للزهراء (عليها السلام) لم يكن حبَّ أبٍ لابنته فقط بل كان حباً ممزوجاً بالتعظيم والتقديس والفناء فيها صلوات الله عليها. إنَّ الزهراء (عليها السلام) بلغت في قلب النبي الأكرم مبلغاً الى الحد الذي جعله يصرح مراراً وتكراراَ "فداها أبوها" (1). فأية منزلة عظمة ودرجة سامية تلك التي بلغتها (عليها السلام) ليفتديها خير خلق الله بنفسه وصرح بذلك في اكثر من مناسبة. وهنا يمكننا ان نستعرض القليل من كمالات السيدة العظيمة فاطمة الزهراء علناً بذلك نصل الى درجة من فهم ومعرفة هذا الحب العظيم. رضا فاطمة رضا الله وغضبها غضبه: قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) : فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد اغضبني وقال (صلى الله عليه وآله) : يرضى الله لرضا فاطمة ويغضب لغضبها (2). لو تأملنا في الحديثين الشريفين لوجدنا أن النبي الأكرم ربط بين رضا الزهراء ورضا الله فأحدهما مرتبط بالآخر ولربما هي صلوات الله عليها الوحيدة بين الخلائق التي عُرفت بهذه الخصوصية. ولو اخذنا هذا الحديث وحده لتبين لنا أن الزهراء وجود لا يمكن ان يصل الى منتهى معناه انسان. وفي إشارة ثانية هي أن النبي الأكرم يربط بين غضب الزهراء وغضب الله عز وجل ومن هذا المنطلق جعلها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) مقياساً لغضب الله تعالى وبيّن انها لن يصل لمكانتها سواها ولعل تأكيده الكثير على هذا الأمر كان بسبب علمه بما سيجري عليها من بعده فأراد ان يتم الحجة على الناس ويبين لهم أن الزهراء عليها السلام وجود فوق سائر الموجودات أو كما عبر الامام الحسن العسكري ( عليه السلام ) : (نحن حجج اللَّه على خلقه وجدّتنا فاطمة حجة اللَّه علينا )(3) الزهراء أفضل الخلق بعد النبي الأكرم ( ص ) ولقد صرح النبي الأكرم وائمة أهل البيت عليهم السلام بأفضلية الزهراء على جميع الانبياء والائمة ـ ما خلا الامام علياً (عليه السلام) الذي يساويها فضلا ومنزلة ومكانة ـ على أن بعض الروايات تذهب إلى أفضليته (عليه السلام) عليها (عليها السلام) ونذكر بعض الروايات الدالة على هذا الأمر فعن سلمان (رض) أنه سأل النبي (صلى الله عليه وآله): (من أفضل خلق الله ؟ فأشار النبيّ إلى الحسنين وقال : جدّ هذين ، قال سلمان : فمن بعد جدّهما ؟ قال : أبو هذين و أمّ هذين ، قال سلمان : فمن بعد أمّهما ؟ قال : هذان (4). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي إنّ الله أشرف إلى الدنيا ، فاختارني على رجال العالمين ، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين ، ثم اطلع الثالثة فاختار فاطمة على نساء العالمين ، ثم اطلع الرابعة فاختار الحسن والحسين والأئمة من ولدها (5). وكذا جاء عن سلمان في حديث طويل ينقله عن السيدة الزهراء قال فيه.... قالت فاطمة (عليها السلام): يا رسول الله ، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل؟ فقال رسول الله : أخي علي : أفضل أمتي ، و حمزة و جعفر هذان أفضل أمتي بعد علي و بعدك ، وبعد ابني : و سبطي الحسن و الحسين (6). وهنالك الكثير والكثير من الروايات إلا اننا سنكتفي بهذا القدر... وكما هو واضح ان النبي والامام علي (صلوات الله عليهما) كانا قد صرحا بأن فاطمة الزهراء (عليها السلام) أفضل وأسبق من الائمة ـ الذين هم أفضل وأسبق من الأنبياء السابقين ـ والائمة جميعا خلقوا من نورها ، وهذا الكمال ـ وكمالات الزهراء لا تعد ـ الذي تحظى به الزهراء الذي يجعل النبي الأكرم ينحني ليقبِّل يديها ورأسها إكراماً وتعظيماً... الزهراء حوراء انسية : روى الإمام العسكري عن أبائه عن الامام علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لما خلق الله آدم وحواء ، تبخترا في الجنة ، فقال آدم لحواء : ما خلق الله خلقاً هو أحسن منا ـ كانا يظنان أنهما أفضل ما خلق الله ـ فأوحى الله إلى جبرائيل أئت بعبدي الفردوس الأعلى ـ ويعني آدم وحواء حيث كانا في الجنة ولم يريا الفردوس الأعلى ـ فلمّا دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوكٍ من درانيك الجنة ، وعلى رأسها تاج من نور، وفي أذنيها قرطان من نور، قد أشرقت الجنان من نور وجهها . فقال آدم : حبيبي جبرائيل من هي هذه الجارية التي أشرقت الجنان من حسن وجهها ؟ قال جبرائيل: هذه فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) ، وتكون من نبي من ولدك يكون في آخر الزمان. قال آدم : فما هذا التاج الذي على رأسها ؟ قال جبرائيل : بعلها علي بن أبي طالب. قال آدم : فما القرطان اللذان في أذنيها ؟ قال : ولداها الحسن والحسين. فقال آدم : حبيبي جبرائيل أخلقوا قبلي ؟ قال : هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تُخلق ـ يعني قبل أن تُخلق أنت يا آدم ـ بأربعة آلاف سنة(8). إنما الزهراء حوراء من الفردوس الأعلى نزلت الى الارض بصورة إنسية حين أكل النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) من تفاح الجنة ، ولذلك كان يقول دوما حين اشتاق الى الجنة أشمُّ ابنتي فاطمة لأنها خلقت ـ أي جسدها الآدمي ـ من الجنة. وبعد أن بينا بعض كمالات الزهراء عليها السلام يمكننا أن نعرف جزءً يسيراً من مدى الحب الذي يكنه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لها وكم كان يجلها ويعظمها ويبين علو منزلتها و جلالة قدرها عند الله تعالى. ويمكن أن نعرف مدى الضلال الذي استحكم بالأمة في الحقبة التي تلت وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت بحق الأسوأ والاشنع في تاريخ الانسانية كلها! إن الارتداد الذي حصل بعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان كفيلاً باقتلاع كل ما أفنى به النبي (صلى الله عليه وآله) حياته في زرعه في الناس من قيم ومبادئ واخلاق ، هذا الارتداد كان السبب الرئيس الذي جعل الامة التي بين ظهرانيهم فاطمة عليها السلام يهجم على بيتها وهم ينظرون ويؤخذ منها حقها وهم صامتون. فالسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) اشارة الى حديث سوار الفضة و وهو ورد في مقتل الحسين للخوارزمي وكتب أخرى (2) والحديث بهذه الالفاظ ورد عن اكثر من خمسين من رجال الحديث والسنن من الفريقين كالبخاري وسنن احمد والكافي والبحار . (3) اطيب البيان في تفسير القرآن / المجلّد 13 / الصفحة 225. (4) الخصائص الفاطمية ج 1 ص 562 . (5) أمالي الطوسي ص50 / - الخصال- الشيخ الصدوق ص 207 ) . (6) كتاب‏ سليم‏ بن‏ قيس ص565 ح1 . كمال ‏الدين ج1ص263ب24ح10. (7) رواها الشيخ الطوسي في مصباح الأنوار . (8)السند من السلسلة الذهبية وهي خير الاسناد وأقواها رواها العلامة المجلسي في البحار. والإربلي في كشف الغمة . وكذا استدللنا من مصادر اخرى كملتقى البحرين ومعاني الاخبار والارشاد وغيرها. نجلاء المياحي

اخرى
منذ 6 سنوات
7993

تصرفي كامرأة!

بعد يوم متعب من الركض خلف الصغار وترتيب المنزل وقضاء ساعات في إعداد الطعام ودراسة الأولاد، سوف تشعرين بانهيار عصبي وضجر وتعب نفسي وجسدي... كامرأة يمكنني الشعور بك تماماً، وهنا تتأملي بالحصول على نوع من الهدوء والارتياح بقدوم شريك روحك ليرفع عنك ولو قليلاً من بعض المسؤوليات وتقضيا وقتاً جميلاً بالحديث عن كل شيء! وأنت ترسمين ابتسامة على وجهك محاولة النهوض لتهتمي بنفسك قليلاً بعد اهتمامك بكل شؤون العائلة، فإن لنفسك عليك حقاً. ولكن الذي قد يحصل هو أنه ما إن يقدم زوجك إلى البيت إلّا وتتحطم كل آمالك الوردية بصراخه في وجهك... ما هذا العشاء؟ لماذا البيت هكذا؟ لماذا الأولاد لم يناموا إلى الآن؟ انتن النساء لا هم ولا غم لكنّ سوى الجلوس على التلفاز؟ لم تكلفي نفسك حتى بإعداد كوب شاي لي! وقبل أن تستوعبي جملته السابقة يكيل لك عشرة أمرّ منها... قد وقد... يتمزق قلبك وأنت تنصتين لكل هذا التجريح والتنكيل... وبعدها كأي إنسان طبيعي ستغضبين لكبريائك وكرامتك، وستحاولين الدفاع عن نفسك، لكن... اسمحي لي أن استوقفك هنا أخية... اعلمي أن لا أحد يناقش مسألة أن زوجك مخطئ تماماً –لو كان كما وصفنا- وليس من حقه لا شرعاً ولا عرفاً ولا قانوناً أن يقول لك حرفاً واحداً مما قال، فإن وجوب معاشرتك بالمعروف أمر مفروغ منه بالاتفاق، ولا أحد يُنكر أن ما يصدر منه قد يكون ردة فعل لما حصل معه من إحباط –ربما- اليوم في عمله، فصبّ جام غضبه عليك، لا أريد تبرير فعله، ولكن هذا واقع... لست هنا في صدد الكلام عن الزوج أو كيفية إصلاح نفسه، أنا هنا اتحدث عنك أنتِ… أنتِ… فقط. قد تكون المثاليات أمراً سامياً تصبوا له كل نفس... إنّ فكرة أن تكون الزوجة مدللة زوجها لا تسمع منه إلا آيات الحب، لهي غاية كل امرأة... كل إنسان لديه آمال في الحياة وطموحات يصبو إليها ويحاول تحقيقها، وبالطبع لا أحد يتحمل رؤية أحلام صباه تتحطم... ربما يكون القلب وما به من عواطف واحاسيس أصعب ما يمكن السيطرة عليه، لكنه ممكن... إن عقل الإنسان حيّر العلماء في عدد خلاياه ووظائفه وآلية عمله ولكنهم يقفون عاجزين في معرفة كيفية سيطرته على الإنسان روحياً وجسدياً. لكنا كمؤمنين بالله تعالى لا نقف موقف العاجز أمام عظمة العقل البشري لأننا نعلم أنه المخلوق الأسمى لله تعالى فبه يثيب وبه يعاقب وبه يرفع الإنسان لأعلى مراتب الكمال. وهنا أنتِ عليك أن تلجئي لعقلك فقط... إن قلبك هنا مع ما به من إحساس بالغضب والألم لن يقودك إلا لمزيد من العناء. كامرأة عليك أن تكوني عاقلة وتتصرفي بحكمة... فكّري قليلاً قبل أن تستجيبي لغضبك وألمك الذي لن تلامي عليه أبداً: هل من مصلحتك وأنت امرأة أن تقللي من كرامتك بالصراخ والشجار مع الرجل؟ هل يليق بك كمؤمنة أن يسمع القاصي والداني صراخك وكلامك الذي قد يكون بعضه غير لائق؟ هل الأولاد بعد رؤيتهم لأمهم وهي تستسلم لغضبها وتنهار قبال كلام لأحدهم سيكونون في المستقبل شباباً رائعين يعلو صوت عقلهم على كل صوت؟ هل شجارك مع زوجك سيردعه عن تكرار فعلته مرة أخرى؟ وسيخشاك ولن يعود لتصرفه مرة أخرى لأنك أخفتيه كثيراً! كل هذا لن يحدث أبداً بصراخك وشجارك وكيلك كل كلمة بعشر منها... ستكونين قد حطّمتِ كرامتك كامرأة وهذا جرح لا يندمل، وأغضبتِ ربك الذي أمرك أن لا تنزلي لمستوى لا يليق بك كمؤمنة تاركة سمعتك الطيبة تنالها ألسنة الناس بما يشاؤون! والأولاد... زرعتِ فيهم كل القيم السيئة أولها الخضوع لشهوات النفس التي من أبشعها الغضب والتصرف أمام أي مشكلة تصادفهم دون أدنى تفكير! والأمر لن يقف عندهم في حد رد الكلام بالكلام والصراخ بالصراخ، بل ستتطور الأمور لأسوء من هذا بكثير! وزوجك –أولاً- سيكون شغله الشاغل متى يعود للبيت كي يشاجرك لأنك ببساطة علّمتيه بنقطة ضعفك! ولن يخشاك إطلاقاً، ولن تخيفيه بصراخك أو بتحطيمك لبعض الأواني في المطبخ! على العكس تماماً لربما بعد رؤيته لك وأنتِ تفقدين صوابك وتجردتِ عن انوثتك وأصبحتِ رجلاً ينقصه بضع (سنتي مترات) في طول القامة وشارباً... إلى التجرء عليك بمزيد من التنكيل والتجريح ولربما وصل الأمر إلى الضرب! ومرة بعد مرة سيعتاد الأمر ولربما راق له ذلك وستكونين أنت قد أنهيتِ حياتك كلياً! فكّري بكل هذا، ثم ابقي صامتةً بكبرياء واسأليه بعد أن ينهي كل كلامه الذي لا قيمة له: هل تعشيت؟ أتريد أن تشرب الشاي؟ المعلم مدح ابننا اليوم لأجل حفظه لدرسه، اتى أحدهم سائلاً عنك فأخبرناه أنك في العمل... ووو اسحبيه إلى ما تريدينه أنتِ... قد يصرخ في وجهك: لا أريد أن آكل من هذا الجحيم! امسكي نفسك وانهضي عنه قليلاً. الرجل ليس روبوتاً خالٍ الاحساس والعقل، فحين يراك بعد كل سوء هذا تتحملينه وتسكتين، سيشعر بالندم... ومع تكبر وغرور سيحاول أن يثيرك لا لشيء، فقط ليرفع عن نفسه الندم لشعوره أنه ظالم، ورفع هذا الشعور لا يكون إلا إذا ثبتِّ أنك مستحقة لكل ما قال وفعل! سيسألك: لما لم تتكلمي بشيء، هل أنتِ تحتقرينني؟ أو لا ترين كلامي أهلاً للرد؟! إياكِ أن تشعريه أن كلامه هراء لا يستحق حتى أن تعلقي عليه! جاوبيه بهدوء: هل تظن أن لا كرامة لي؟ أو أني لا أشعر بالألم وأنت تنهال عليّ بكل هذا التجريح وأنا كنت انتظر قدومك بشوق؟ لكن هل ترى لائقاً أن تعلو أصواتنا أمام الأولاد والجيران؟ وما المستحق لشجارنا هذا أساساً؟ إن أردت العشاء سآتيك به، وإن أردت الشاي فإن إعداده لا يستغرق دقائق، والأطفال سينامون لأنهم ينتظرونك أساساً. واسكتي هنا... سيعتذر منك كثيراً... لوميه على فعلته... لكن لا تبالغي بالملامة... فمهما كان انظري في عينيه... وفكري أن هذا الرجل أحببتِهِ ولو ليوماً في حياتك، امحي سوء هذه بحسن تلك. واعلمي أن أجر صبر المرأة على أذى زوجها لا يعدله ملؤ الأرض ذهباً. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَن صَبَرَت عَلى سوءِ خُلُقِ زَوجِها أعطاها مِثلَ ثَوابِ آسِيَةَ بِنتِ مُزاحِمٍ. (مكارم الأخلاق ص 245). لا داعي أن أعرّفك بآسيا بنت مزاحم فهي وفاطمة الزهراء وخديجة ابنة خويلد ومريم ابنة عمران المصطفيات وسيدات نساء العالمين، وزيادة على ما في صبرك من إصلاح تدريجي في حياتك وخلق زوجك وارتياحك النفسي أنكِ أنتِ الطرف الأعقل والأصلح، فإن لك أجراً عظيماً مثل أجر السيدة آسيا دون أن تقاتلي في جبهات أو تصلي وتصومي دهراً. نجلاء المياحي

اخرى
منذ 6 سنوات
2858

محورية الزهراء في التراث الإسلامي

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (1). في الآية الكريمة يخاطب الله تعالى الناس أنه خلقهم من نفس واحدة وهي نفس آدم وحواء عليهما السلام وجعل منها شعوباً وقبائل ليتعارفوا فالناس متساوون في الاصل وهو الرجوع لادم وحواء اللذين خُلقا من التراب. ثم حصر الله تعالى الافضلية بقوله (اكرمكم عند الله اتقاكم) فجعل محور التفاضل والكرامة هي التقوى لا النوع. لربما كان السبب في ذلك الرد على من يفضّل الذكور على الاناث للنوع ويعتبر الاناث عورة وعاراً، ففي الجاهلية كانت المرأة تتعرض إلى أسوء معاملة، ولربما انزلوها منزلة أثاث المنزل والحيوان، ولطالما قتلوا بناتهم احتقارا لنوعهن! بل ذكر الله أنهم كانوا يستاؤون إذا ما ولدت لهم انثى كما في قوله تعالى(وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) (2). وكان وضع المرأة في الديانتين السماويتين اليهودية والمسيحية لا يقل سوءً عن الجاهلية، فهم كذلك اعتبروها لعنة ولا ميراث لها، وهي سبب خروج ادم من الجنة ويجوز بيعها وشراؤها وليست من جنس البشر، ولم يعطوها أي مكانة انسانية فضلًا عن الحقوق (3). حتى جاء الإسلام فرفع المرأة من كل ذلك الظلم والامتهان وأوصلها إلى مكانتها الانسانية، وبين الله تعالى في كثير من آياته أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في اصل الخلقة والمكانة وكلهم خلقوا من نفس واحدة والله نفخ فيهما من روحه، وانما التفاضل يتحقق في التقوى عند أي فرد منهما وهي اعلى مرتبة في الطاعة لله تعالى. وهنا في هذا البحث المختصر سنتناول سيرة امرأة صارت بفضل تقواها وكمالها محورا في جميع التراث الاسلامي، وهذه المرأة هي سيدة الوجود فاطمة الزهراء. وقبل أن نبدأ لا بأس أن نذكر نبذة مختصرة للتعريف بالسيدة الزهراء . المشهور بين العلماء الشيعة ان الزهراء عليها السلام ولدت في يوم الجمعة في العشرين من جمادي الاخر بعد البعثة النبوية بخمس سنين. واستندوا في ذلك إلى روايات وردت عن اهل البيت عليهم السلام منها: ما روي عن الامام الباقر(عليه السلام) : ( ولدت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله بخمس سنين)(4). وكذا ما روي عن الامام الصادق (عليه السلام):( ولدت فاطمة في جمادى الآخرة يوم العشرين منه ، سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآلة وسلم)(5). وغيرها... وكذا المشهور في روايات العامة ان الزهراء (عليه السلام) ولدت قبل البعثة وهو ما رواه الواقدي وابن الجوزي. ولكن إن اردنا الوقوف على التاريخ المحدد لميلادها سلام الله عليها فنأخذ ذلك من روايات اهل البيت عليهم السلام، فأهل الدار اعلم بما فيه. خاصة لوجود قرائن قوية تثبت انها ولدت بعد البعثة. منها ما اخرجه الطبري في ان السيدة خديجة لما ارادت وضع الزهراء بعثت إلى نساء قريش ورفضن المجيء اليها لا نها تزوجت رسول الله وكان ارسالها لهن بعد نبوته (صلى الله عليه وآله). ومنها ما اخرجه ابن الجوزي نفسه من أن أبا بكر لما تقدم لخطبة الزهراء كان رفض النبي (صلى الله عليه وآله) لكونها صغيرة ولو كانت ولدت قبل البعثة لكان عمرها ناهز الثامنة عشرة لان أبا بكر تقدم لخطبتها بعد الهجرة ،فلا مجال لتعلل النبي بصغر سنها. وكذا رواية عائشة في الدر المنثور من ان الزهراء خلقت من ثمار الجنة بعد ان اكل منها النبي (صلى الله عليه وآله) ليلة الاسراء والمعراج . وعاشت الزهراء في كنف ابيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامها خديجة الكبرى التي هي من اطهر نساء العالمين حتى اختطفت يد المنية امها الغالية خديجة وهي لم تبلغ الخامسة بعد . فبقيت بعدها منكسرة الجناح كما روى القطب الراوندي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام وهو يصور لنا موقف الزهراء من وفاة امها بقوله (إن خديجة لما توفيت جعلت فاطمة تلوذ برسول الله (صلى الله عليه وآله) وتدور حوله وتسأله: يا أبتاه أين أمي؟ فجعل النبي (صلى الله عليه وآله) لا يجيبها، فجعلت تدور وتسأله: يا أبتاه أين أمي؟ ورسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يدري ما يقول، فنزل جبرائيل (عليه السلام) فقال: إن ربك يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام وتقول لها: إن أمك في بيت من قصب كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، فقالت فاطمة: إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام). وبعد ان بلغت مبلغ النساء تقدم لخطبتها الكثيرون طالبين الشرف العظيم بالاقتران ببنت خير المرسلين الا ان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) كان يرفض ذلك منتظرا امر الله تعالى فيها حتى ابلغه جبرائيل بأمر الله تعالى ان يزوج النور من النور ـ اي ان يزوج فاطمة لعلي عليهما السلام ـوهكذا تم زواجها من الامام علي لتنتقل الزهراء إلى بيت الزوجية متولية مسؤولية المحافظة على دورها كمصلحة للمجتمع وكزوجة وام للمعصومين . محورية الزهراء في الاسلام في اللغة محور الشيء: مركزه وما تدور حوله الاشياء . اما في الاصطلاح المحور ما يكون أساساً ويكون مدار صحة الأمور حوله . فالقران مثلا محور في التشريع فما خالف القران فهو ليس من الاسلام لأنه كلمة الفصل كما قال الامام الصادق (كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف )(7). وهكذا الزهراء كانت محورا يعرف من خلاله الحق فما كان حولها فهو الحق وما خالفها كان باطلا بلا شك. كيف كانت الزهراء محور الاسلام؟ الزهراء سلام الله عليها لم تنل هذه المكانة العظيمة والدرجة الرفيعة لكونها ابنة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله ) والسيدة خديجة الكبرى فقط على الرغم ما للمكانة هذه من شرف عظيم لم ينله سواها. لكن لو اردنا ان نصل إلى السبب الحقيقي وراء كونها المحور الذي يدور الاسلام حوله نجده يتعلق بكمالها وبما وصلت اليه من التقوى التي اشرنا في بداية المقال إلى أنها المعيار والميزان للتفاضل . ان المتتبع لسيرة الزهراء عليها السلام يجد فيها امرأة انقطعت عن الدنيا وما فيها متوجهة نحو معبودها الكريم، اخلصت لله تعالى بكل جوارحها وانفاسها حتى استحقت منزلتها العظيمة هذه، وكما في الحديث السابق الذكر فالله تعالى اقرأها السلام وهي في الخامسة من عمرها! ان هذا السلام الالهي ورد الزهراء عليه يوضحان للمطلع المكانة العظيمة للزهراء عليها السلام عند الله تعالى ومدى اخلاصها له تعالى لتكف دموعها على الرغم من عظمة المصاب بفقد الام لتقول (الله هو السلام واليه السلام ومنه السلام). والروايات التي تبين فضلها وعظمتها كثيرة جداً... منها ما روي عن الامام الحسن بن علي عليهما السلام قال: (رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني، الجار ثم الدار)(8). وعن محمد بن علي الحسين بن علي عليهم سلام في خبر طويل نذكر منه ( بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سلمان إلى فاطمة، فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا، وتدور الرحى من برا، ما عندها أنيس... فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: (يا سلمان ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشها، تفرغت لطاعة الله فبعث الله جبرائيل عليه السلام ـ فأدار لها الرحى، وكفاها الله مؤونة الدنيا مع مؤونة الآخرة (9). وفي حديث اخر النبي صلى الله عليه وآله: ( وأما ابنتي فاطمة عليها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يديّ، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أُشهدكم أَني قد آمنت شيعتها من النار) (10). وهناك الكثير من الاخبار بهذا الشأن نكتفي بهذا القدر. والسبب الثاني الذي يجعلها في موقف الحق بشكل مطلق هو: عصمتها سلام الله عليها التي ذكرت بنص القران والاحاديث الشريفة . قال تعالى ( إنَّما يُريدُ الله لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيت وَيُطَهِّرَكُم تَطهيراً )(11). اجمعت الاُمة الاسلامية ـ من العامة والخاصة ـ على أنّ المراد بأهل البيت في الآية هم أهل بيت رسول الله ، ووردت الرواية من طريق الخاصّ والعامّ أنّها مختصّة بعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وأنّ النبيّ جلّلهم بعباء خيبريّة ثمّ قال: (اللهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً) فقالت اُمّ سلمة: يا رسول الله وأنا من أهل بيتك؟ فقال لها: (إنّك على خير)(12) . ولأجل ذلك كانت الزهراء هي المحور والمركز الذي يدور حوله الاسلام. إن العصمة التي هي ملكة نفسية تعصم صاحبها عن الخطأ والذنب وما بلغته من كمال العبودية لله هما ما جعل النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) يصرح بان الحق والاسلام يدور حول فاطمة، كما في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها)(13). بمعنى أوضح: أن الزهراء هي الحق ،ومن يوافقها ويدور في محورها لا محالة يكون على الحق، والمخالف والبعيد باطل لا محالة. بل ان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) صرح بأن الزهراء محورٌ لرضا الله وغضبه فمن رضت عنه فاطمه فالله تعالى راض عنه ومن غضبت عليه فاطمة فالله تعالى غاضب عليه . وكذا قوله (صلى الله عليه وآله) (فاطمة بضعة مني، وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي ) وكذا بلفظ اخر قاله النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) على المنبر ( إنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها( (14). والكثير من الروايات التي ذكرها النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) واهل البيت (عليهم السلام) التي تبين محورية الزهراء ومركزها في الاسلام مما لا يتسع ذكره جميعا هنا . ومن هذا المنطلق كان على الزهراء ان لا تقف مكتوفة الايدي في وقت انحرفت الامة انحرافا خطيرا عن الاسلام والنبي (صلى الله عليه وآله) لم يدفن بعد . ومن الغريب ان الامة التي ما إن اغمض النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) عينيه حتى تنكّروا لكل ما سمعوه منه من بيان مقام الزهراء! والاغرب منه ان وصل بهم الجحود ان يطلبوا منها بيّنة على فدك التي وهبها اياها رسول الله (صلى الله عليه وآله)! ان الانحراف الخطير الذي حصل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل الزهراء تنهض للتصدي والثورة عليهم فقامت متجلببة بجلبابها عاصبة رأسها رغم ما ألمّ بها من حزن عظيم على فقد ابيها لكن نداء الواجب كان يدعوها. ولا يظننّ أحدٌ ان الزهراء (عليها السلام) ألقت تلك الخطبة العظيمة واستنهاضها المسلمين لأجل بساتين فدك! فالزهراء (عليها السلام) التي لا تدعو لنفسها الا بعد الدعاء للمؤمنين اعلى واجل من ان يسوؤها أخذ فدك بل كان الامر اعمق مما نتصور . الزهراء عليها السلام لأنها تعلم ان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله ) جعلها محورا للدين الاسلامي كان واجبا عليها ان تبين موقفها للمسلمين وان تقوم بفضح اتباع السقيفة كي لا يُستغل سكوتها على انه رضىً منها بما يجري. لذا يمكن تلخيص ما قامت به الزهراء (عليها السلام) على محورين: الأول : في بيان الإمامة وفضح الغاصبين: بعد ان فرغ الامام علي (عليه السلام) من دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) اقام في منزله كما امره رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليجمع القران الكريم واجتمع معه عدد من الانصار: الزبير والمقداد وسلمان وبعض بني هاشم. لكن سولت نفوس القوم في منازعة الامام علي الخلافة التي سلمها له رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته بتنصيب من الله تعالى، فاجتمعوا في السقيفة عازمين على بيعة ابي بكر ونقض بيعتهم السابقة للإمام علي (عليه السلام). هنا قامت الزهراء بواجبها الشرعي ببيان رفضها بيعة ابي بكر فقد اجمعت الامة ان الزهراء لم تبايع أبا بكر قط، حتى توفيت وكان ذلك دليلًا كافياً على بطلان بيعته(15) . ولم يقف الامر عند الزهراء (عليها السلام) على رفض البيعة فقط، بل بادرت هي للوقوف خلف الباب حين هجم القوم على دارها طالبين اكراه الامام علياً (عليه السلام) على البيعة. ولعل البعض يتساءل: كيف يمكن للزهراء ان تبادر إلى الباب والامام في البيت؟ وكيف ذاك وهي تقول: خيرٌ للمرأة أنْ لا ترى الرجال ولا يراها الرجال؟ نقول: أولاً : اننا كما اسلفنا ان الامام علياً (عليه السلام) كان مشغولا ومعه بعض الانصار والزهراء كانت اقرب إلى الباب لتجيب. ثانياً : ان الزهراء مع ما كانت لها من محورية في الاسلام ومقام رفيع بين المسلمين كان واجبها الشرعي يقتضي ان تبين للناس ان هؤلاء غاصبون، وان الضلال وصل بهم إلى أن لا يراعوا حرمة لمن يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، كي لا يكون للناس حجة بعد ذلك في عدم معرفتهم بالحقيقة. ثالثاً: ما المنافاة بين قولها (عليه السلام) خير للمرأة ان لا ترى الرجال ولا يراها الرجال، وبين ان تقوم بواجبها الشرعي تجاه قضية الامامة؟ ما المنافاة في ان تكون قامت إلى الباب بحجابها وسترها؟ وهل هناك من يجرأ ليظن غير ذلك؟ وهي -كما تشير إلى ذلك الروايات- انها كانت خلف الباب تجيبهم وتحاججهم. والرواية السابقة رغم اشكالية سندها الا أن معناها واضح جليٌ بان الافضل للمرأة الحجاب والتستر وعدم رؤية الرجال الا للضرورة، واية ضرورة اكبر من الامامة التي قال عنها تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) (16). رابعاً: ثبت ان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) اخذ معه فاطمة (عليها السلام) ونساءً كثراً في الحروب، وكذا ثبت ان الامام الحسين (عليه السلام) اخذ معه السيدة زينب (عليها السلام)، هل يمكن لاحد ان يقول كيف اخذوهن معهم إلى حيث الرجال؟ إن المرأة في الاسلام عليها واجبات كما الرجل. لو ان الامام الحسين (عليه السلام) لم يأخذ معه السيدة زينب إلى كربلاء هل بقى لكربلاء اثر؟ من الذي بلغ الناس بجرم الامويين وغصبهم الخلافة سواها (عليها السلام). وكذا لو لم تتصدَّ الزهراء (عليها السلام) بنفسها للرد على القوم، فمن الذي كان يبلغ الناس ان الخلافة اخذت غصباً من الامام علي ؟ وكيف يمكن للناس معرفة ذلك إن لم تكن واقعة عظيمة تهتز لها مشاعرهم الباردة؟ وكما يقول احد المستشرقين: لم تخلد كربلاء الا بعد ذبح عبد الله الرضيع! وهنا نقول: لم يبق الاسلام قائما لو لم تتصدَّ الزهراء (عليها السلام) لفضح القوم الذين كان همهم الرجوع للجاهلية ومحو الاسلام كله. جاء في الروايات انه : لما جاء قنفذ لفاطمة (عليه السلام) قال : أنا قنفذ رسول أبي بكر ابن أبي قحافة خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قولي لعلي: يدعوك خليفة رسول الله..! قال علي (عليه السلام): " قولي: ما أسرع ما ادعيت ما لم تكن بالأمس، حين خاطبت الأنصار في ظلة بني ساعدة ودعوت صاحبيك عمر وأبا عبيدة ". فقالت فاطمة ذلك. فرجع قنفذ، فقال عمر: ارجع إليه فقل: خليفة المسلمين يدعوك. فرد قنفذ إلى علي فأدى الرسالة، فقال علي (عليه السلام): " من استخلف مستخلفا فهو دون من استخلفه، وليس للمستخلف أن يتأمر على المستخلف.. " فلم يسمع له ولم يطع. فبكي أبو بكر طويلا. فغضب عمر ووثب وقام، وقال: ألا تضم هذا المتخلف عنك بالبيعة..؟! فقال أبو بكر: اجلس، ثم قال لقنفذ: اذهب إليه فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر.. فأقبل قنفذ حتى دخل على علي (عليه السلام) فأبلغه الرسالة، فقال: " كذب والله! انطلق إليه فقل له: لقد تسميت باسم ليس لك، فقد علمت أن أمير المؤمنين غيرك.. " فرجع قنفذ فأخبرهما. كما هو الواضح من الرواية كانت هناك مراسلات عديدة بين الامام علي والقوم بحضور الزهراء ومشاركتها . بل الزهراء خرجت بعد ذلك بنفسها تستنصرهم للرجوع لإمامهم كما جاء في رواية ابن قتيبة: خرج الامام علي (عليه السلام) يحمل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على دابة ليلا يدور في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به..! فيقول علي (عليه السلام): " أ فكنتُ أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه..؟! " فقالت فاطمة (عليها السلام): " ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له وقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم ". ثم بعد ذلك بعد ان يأس القوم من اجابة الامام علي(عليه السلام) لهم عمدوا إلى الهجوم على بيت الزهراء...(17) دور الزهراء (عليها السلام) في قمع محاولات إرجاع عادات الجاهلية ثم بعد ذلك بأيام بلغ بالقوم الضلال أن أخذوا ارض فدك التي وهبها النبي (صلى الله عليه وآله) لها في حياته حيث ذكر اصحاب السير لما نزلت الآية «وآت ذا القربى حقه» دعا رسول الله فاطمة الزهراء وأعطاها فدكاً»(18). ويذكر الامام علي امر فدك بقوله (عليه السلام) «بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين، و نعم الحكم الله». فجاء القوم بحديث من عند انفسهم ليكذبوا به على رسول الله (صلى الله عليه وآله) لإرجاع عادات الجاهلية بحرمان المرأة من الارث، فقال أحدهم: (سمعت رسول الله يقول: نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة)(19). هنا تصدت الزهراء (عليه السلام) للرد على هذا البهتان على رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأخذت بخمارها وتجلببت بجلبابها لتخطب بالناس في المسجد خطبتها الفدية المعروفة التي سنقتطف منها ردها على حديث أبي بكر: قالت عليها السلام: أيها المسلمون أأُغلب على إرثيه؟ يا ابن أبي قحافة‍ أفي كتاب الله أن ترث أباك، ولا أرث أبي؟ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّاً. أ فعلى عمدٍ تركتم كتاب الله، ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ؟ وقال فيما اقتص من خبر يحيي بن زكريا(عليه السلام) إذ قال: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا, يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّاً. وزعمتم ألا حظوة لي، ولا إرث من أبي لا رحم بيننا‍! أ فخصّكم الله بآية أخرج منها أبي؟! أم هل تقولون: أهل ملتين لا يتوارثان؟! أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟‍! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟! فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ). ورجعت لبيتها تاركة القوم في حيرة من امرهم يتنازعون بين حبهم للدنيا والحق الذي بينته لهم الزهراء (عليها السلام). ورفضت بعد ذلك ان ترضى على أبي بكر وعمر رغم مجيئهم مراراً لاسترضائها حتى توفت (20). كانت هذه قبسات من سيرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها حيث تصدت بكل ما تستطيع لمنع الامة من الانحراف والضلال وارجاعهم إلى الهدى والرشاد... لكنهم ابوا الا الضلال . فالسلام عليها يوم ولدت ويوم توفيت ويوم تبعث حية. _____________________ (1) الحجرات الآية 13 (2) النحل الآية 58 و 59 (3) ينظر العهد القديم والجديد للاطلاع على واقع نظرة الدينين للمرأة . (4) دلائل الإمامة : 79| 18. وبحار الأنوار 43 : 9| 16. (5) تاريخ الأئمة | ابن أبي الثلج : 6. (6) الخرائج و الجرائح ج2 ص529 ح4، عنه بحار الأنوار، ج43، ص27. (7) وسائل الشيعة ج 27 ص 111 والحديث بهذا المعنى ورد كثيرا وفي اسانيد صحيحة ومتينة . (8) البحار: 43، ص81 ـ82. (9) الجواء: داخل البيت والبرا: ظاهر البيت. المشاش: رأس العظم اللين. المناقب: لابن شهر آشوب. ج3، ص 337 ، 338. (10) الأمالي، للصدوق: المجلس 24، ص100. (11) الاحزاب الآية 28. (12) الحديث هذا متواتر وبعدة الفاظ وورد في اغلب كتب الفريقين واصحها. (13) الحديث صحيح السند عند الفريقين وورد في الحاكم النيسابوري في (المستدرك) (ج 3 ص 153 . وكتاب احقاق الحق للمرعشي و الكثير من المصادر الاخرى . (14) علل الشرائع لابن بابويه القمي ص 185 ، 186. الطبراني ، المعجم الكبير ، الجزء : ( 22 ) ، رقم الصفحة : ( 404 (15) اجماع الامة على عدم بيعتها سلام الله عليها باتفاق اهل السير. (16) المائدة الآية 67. (17) الهجوم على بيت فاطمة ص103 . (18) الدر المنثور «للسيوطي» عن البزاز و أبي يعلى و ابن حاتم و ابن مردوه عن سعيد الخدري. وذكر ذلك ابن الاثير في الكامل وغيرهم. (19) نهج البلاغة في رسالته لعثمان ابن حنيف. نجلاء المياحي

اخرى
منذ 6 سنوات
3775

هوس التطور

ما هي إلا أيام وتهل علينا السنة الجديدة حاملة معها أجمل تهانينا وامنياتنا بسنة حب وأمان وسعادة للجميع، ونسابق الريح للوصول إلى السوق وشراء مستلزمات هذا اليوم من شجرة الميلاد وتمثال العذراء والصلبان والهدايا وملابس بابا نؤيل!!!. وجُلُّ ما نفكر فيه أنه يوم عيد وفرح وسرور والناس في اوروبا وامريكا وشتى بقاع العالم يحتفلون به ويجب أن نركب طور الحداثة. ونقنع أنفسنا بـ (إلى متى التخلف والرجوع للوراء؟ علينا ان نتقدم). من الطبيعي أن نكرر هذه العبارة عدة مرات في داخلنا لنُسكت عقلنا الباطن ونكررها على مسامع اصحاب العيد الذين وقفوا ينتظرون حلول رأس السنة، ومنظرنا ونحن نحاول الحصول على مكان مميز للاحتفال أثار ضحكهم وازدراءهم الكبير . قبل أيام قليلة كنا في رحاب مصيبة سيد الشهداء، نجلس مستغربين من أهل الشام لجعلهم يوم دخول سبايا اهل بيت النبوة عليهم السلام عيدًا يحتفلون به ويطبّلون فرحين غير آبهين بالذي قدم إليهم سبياً تنزف دماؤه من أثر الجامعة، ولم يبالوا بمنظر سيداتهم سبايا يتم جرهن بالحبال والحديد، نتساءل: كيف أمكن لهؤلاء البؤساء الاحتفال بسبي أولاد نبيهم؟! وهل هناك من يحتفل بخسران دينه ودنياه؟ ويصطحب زوجته ليحتفلا وسط زحام الشباب والرجال من كل الأصناف و كل هذا على ماذا ؟ على قتل من يصلون عليهم في كل صلاة ؟ ما بال هؤلاء يقلدون الرومانيين بالاحتفال بضم أراضٍ جديدة لدولتهم وجعل يوم الانتصار على المظلومين والسلب والنهب عيداً رسمياً؟ ألا يشبه منظرهم قطيع اغنام في مرعى يتبع الأضخم بينهم حتى لو كان هذا الضخم ليس كما يبدو عليه! ونبقى نتناقش مطولا حول شخصية الفرد الشامي الذي حضر ذلك العيد ونضحك على مدى تفاهة عقله أن خسر الدنيا والاخرة، لا لشيء سوى التقليد فيما لا يعنيه بشيء ولم يساهم به حتى. الآن لنترك كل هذا ونقف وقفة إنصاف مع انفسنا، وبدلاً من أن ننهض لنغير مجرى الحديث لأننا اقتربنا من الجواب... غاية ما هناك أن الجواب ذو شجون، لنجلس ونتحاور مع النفس: هل فعل الشامي مثير للاستغراب أو أنه ديدن الناس الجهلاء اللذين يريدون الظهور بمظهر العلم والتحضر والعظمة؟ نعلم جيداً أن اهل الشام كانوا يقلدون لأجل الحصول على الشعور بأنهم أصحاب امبراطورية ضخمة كالرومان، وأنهم وسعوا دولتهم وسيطروا على المتمردين، ويجب أن يكون لهم عيد مثل هؤلاء خاصة لقربهم من اوروبا... بالتأكيد لهم الاسبقية الثقافية... الغاية تبرر الوسيلة. الآن لنترك جراح الماضي ونأتي لجراح الحاضر... بعد قضاء عدة أيام من الركض في الأسواق لشراء كل ما يلزم للكريسمس، نجلس منتظرين حلول اليوم الموعود وبعد الصلاة والعشاء كالعادة نجلس للحديث. ابني يسألني: بابا ما هو الكريسمس؟ أُجيب بكل سرور: إنه يوم ميلاد السيد المسيح . و ابنتي تسأل: بابا من هو المسيح الذي ستحتفل به؟ أُجيب بثقة: إنه أحد أنبياء الله الصالحين... وأسرد لهم قصة السيد المسيح... وكيف ولد وكيف أن المسيحيين جعلوه ابناً لله تعالى، وكيف أن الله تعالى في القرآن الكريم رفض ذلك واعتبره شركاً وكفراً، وكلّما شرحت لهم أكثر، كلما أثار الامر استهزاء ابنتي التي عبرت عنه بنظراتها المستنكرة. - بابا: المسيحيون لا يعتبرونه نبياً... بل هو ابن الله عنده... حتى في الكتاب المقدس ورد (إني أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَعُمُّ الشَّعْبَ كُلَّهُ: فَقَدْ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. إنجيل لوقا، 2/ 10-11. -ابنتي العزيزة: الناس انحرفوا بعد أن صعد السيد المسيح إلى ربه تعالى، ولهذا بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وآله بالدين الإسلامي لتصحيح هذا الانحراف الخطير، لأن جعْل ولدٍ لله تعالى هو كفرٌ، فالله لا يرى بعين ولا تدركه حاسة ولا يتقيد بجسم ولا يحل في مكان والا لكان مثلنا مركباً محتاجاً لأجزائه والمحتاج لا يكون رباً... يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): كَيْفَ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ، وَيَعُودُ فِيهِ مَا هُوَ أَبْدَاهُ، وَيَحْدُثُ فِيهِ مَا هُوَ أَحْدَثَةُ؟ وبعد أن أنكر على كل الفرق التي ضلت بجعلهم لله ولداً او جسداً أو أنه تعالى حلّ في شيء (لَتَفَاوَتَتْ ذَاتُهُ، وَلَتَجَزَّأَ كُنْهُهُ، وَلاَمْتَنَعَ مِنَ الاَْزَلِ مَعْنَاه). - لكن بابا، هل ستحتفل بالسيد المسيح كنبي، أو كابن لله تعالى كما يعتقد المسيحيون في كل ارجاء الارض وهم الآن يحتفلون على هذا الاعتقاد؟ أبي أنا لن أذهب معكم للاحتفال... سأكتفي بتهنئة صديقاتي على أن يجعل الله تعالى علينا هذا العام عام خير وبركة... فهذا المقدار كافٍ بالنسبة لي، لا أريد أن أكون لا الى هؤلاء ولا إلى هؤلاء... أنا محامية... لست بحاجة لتقليد غيري حتى أبدو مثقفة بنظر قطيع من الجهلة . عمت مساءً أبي... وبالطبع صدمةٌ... أن تكون ابنتي أكثر وعياً مني... وخجلي من اختلاف قولي وفعلي يكفيني... الآن أنهي الحوار مودعاً لها و طالباً من الجميع الخلود للنوم ... ويحل الكريسمس... اصطحب العائلة للاحتفال بميلاد الرب يسوع وتبادل الهدايا وارتداء أزياء بابا نؤيل. لكن حواري مع ابنتي لم يفارق مخيلتي ابدا... ديني يخبرني بأن السيد المسيح لم يولد اليوم... والقرآن الكريم أكد كثيرًا على أن المسيح عبد من عباد الله تعالى أُرسل لهداية الناس . اعتزل ضجيج الموسيقى والغناء لأعود للتفكير... انا أؤمن بالله الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له شبيه حتى.... وأنا أحاول إخراج منديل لمسح وجهي... وجدت ورقة بخط ابنتي كتبت عليها: بابا من أحب عمل قوم حشر معهم، ومن تشبه باليهود والنصارى بعث فيهم! آهٍ... ما الذي أفعله هنا في منتصف الليل وسط كل هذا الصخب والطرب؟! العصر الحديث... ويجب أن نتحضر ونكون مثقفين ونتصرف على هذا الأساس، لكن هل الثقافة بتقليد الآخرين دون أن أقتنع حتى بما يفعلون؟!! هل أنا إنسان أو قرد في سيركٍ... يسيرني المدرب كما يريد؟! هل يستحق تصويري من قبل مجموعة شباب بائسين على أني متحضر هذه المجازفة بديني وعقيدتي؟ تعساً وسحقاً... أنا أبيع ديني واعتقادي وعقلي بماذا؟ لأجل يوم لا أؤمن بولادة نبي فيه ولا رب احتفل معه بولادة ابنه! كم منظري مثير للشفقة... التفتُّ يمينا وشمالاً... وأنا انظر: لو كان أحد المسيحيين هنا، كم بدا الأمر مخجلًا أن نغني و نحتفل كالمجانين بميلاد ابن ربهم في الوقت الذي لا أتذكر حتى يوم ولادة نبيي أنا؟ كل هذا التملق والتقليد... كم هو مثير للشفقة. نجلاء المياحي

اخرى
منذ 6 سنوات
1808

ابني يريد الزواج بغير محجبة!

بقلم: نجلاء المياحي من أسئلتكم السؤال: ابني أصبح شاباً ويريد الاقتران بفتاة ليست محجبة، وصارح شقيقته بالأمر، لأنه يخشى ردة فعلنا _ أنا وأبيه_ لو اطلعنا على قراره، وشقيقته طلبت منه أن يشترط على الفتاة ارتداء الحجاب، فقال: إنها لا تقبل بذلك، كما أن أهلها لا يحبون الحجاب. وقال أيضاً: إن الأمر ليس مهمًا فهناك من لا ترتدي الحجاب وهي عفيفة، وهناك من ترتدي الحجاب وليست عفيفة، فلمَ أشترطُ عليها الحجاب وأنا أعلم مدى عفتها... ساعدوني لإقناع ابني الضال هذا... الجواب: أول كلامنا سيكون معك عزيزتي الأم… عليك أن تعلمي أن الشاب الواقف أمامك لم يعد الطفل الذي ولدتيه قبل عشرين عاماً، حاولي أن تتقبلي الأمر رغم صعوبته عليكِ. كلنا نشعر أن أبناءنا مهما كبروا، فبدون إشرافنا لن يُلحقوا بأنفسهم إلا الضرر، وشفقتنا عليهم وهم صغار لا تتغير مهما تقدموا في العمر، الأمر الذي يكون في بعض الأحيان سبباً في تعاستهم في الحياة دون أن يكون قصدنا ذلك. إن الابن بعد البلوغ يشعر أنه أصبح كبيراً بما يكفي ليعرف الخطأ والصواب في كل ما يعترضه أو يقدم عليه، ولهذا يكون دائم العناد مع والديه، فكلما منعاه من شيء أصرّ على القيام به، وكل ذلك ليثبت لهم أنه كبير. وهذا واضح من خلال كلامك عنه أنه خائف من إخباركما بنيّته، وهذا الخوف مبشّر جيد ، إذ يُشير إلى أنه يحترمكما ويريد رضاكما مع إرضاء نفسه وإثبات وجوده لكما. فهو من جانب يريد أن يرضيكما، ومن جانب يريد أن يكون كبيراً يتخذ القرارات التي تخصه بنفسه، لشعوره بأنه يجب أن يستقل عنكما. قد يكون السبب في ذلك أنكما لم تعاملاه بشكل جيد في فترة المراهقة، ولم تشعراه أنه مستقل وهو لكم وزير تستشيرانه وتعتمدان عليه، كما ذكر رسول الله (صلى الله عليه واله): (دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبع سنين، والزمه نفسك سبع سنين فإن أفلح وإلا فلا خير فيه) (١). فجعله يلجأ للتمرد والثورة عليكما لإثبات الذات ولو بتدمير نفسه وحياته. إذن الآن عليكما أن تتعاملا معه بحذر شديد، ولا تجرحاه وتتصرفا معه كطفل بأسلوب: لا يعني لا! أنتِ -بالخصوص- عليكِ أن تكوني له صديقة محبة ومرشدة، اكسبي ثقته عبر عدم الاعتراض على كل ما يفعل، دعيه يخترْ وحده، وإن سقط أمسكي يده وساعديه على النهوض. إن ترك أبناءنا يدبرون شؤونهم بحرية تجعل ثقتهم بأنفسهم أكثر وإطاعتهم لنا أعمق، فلا بأس بأن نتقبل قراراتهم -التي نعلم بأنها خرقاء وستضرهم- إن لم يقنعوا بما نريد. نعود لسؤالك عن موضوع الزواج: أولاً: بادئ ذي بدء عليك بالإطراء على خطوته وقراره كثيراً، وأشعريه إنكِ فرحة بأنه صار رجلاً يريد أن يتزوج وأن يستقل في حياته، وإنكِ عشت لتريه عريساً و... هذا سيسعده بشكل لا يمكن أن تتصوريه، سيشعر أنه حصل على بغيته، وهي لفت نظركِ إليه وكسب تقديركِ واحترامكِ له، و كما يقال: أرضي غروره الرجولي قبل أن تأمريه. ثانياً: وهو الأهم: أن عليك الدعاء لولدكِ بالصلاح والهداية والتوفيق فلا معين ولا هادي سواه تعالى، الشارع الحنيف أكّد كثيراً على أهمية الدعاء للأبناء من قبل آبائهم ومدى تأثير الدعاء في اصلاحهم. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ثلاث دعوات لا تُرد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر). فلا تقصري بالدعاء له في صلاتك وبعدها، ادعي له ما استطعتِ ليصلحه الله تعالى لكما والله تعالى لا يرد عباده الصالحين. ثم اكتبي له رسالة أو كلميه بصورة مباشرة إن كان ممن يمكنه الإصغاء لكِ فالكلام أفضل، وقولي له: ابني الحبيب يا مهجة قلبي وثمرة فؤادي، لا زلت أذكر كل اللحظات التي قضيناها معاً منذ حملت بك وحين كنت صغيراً وحتى كبرت وصرت رجلاً. حمداً لله أن عشت لأرى ابني العزيز اصبح شاباً وسيماً يملئ السمع والبصر، يمكنني أن افارقه باطمئنان لأنه صار يعتمد على نفسه ويمكنه أن يتخذ القرارات التي تكون في مصلحته. بعد أن رأيت هذا اليوم سيمكنني أن أرقد بقبري بسلام لو وافاني الموت الذي لا بد منه... هذه العبارة ستهز كيانه ومشاعره، أولادناً لا يتحملون فكرة أننا راحلون عنهم أبداً، لذا يلجؤون إلى نسيان الأمر، ذكريه به ليلين قلبه لكِ ويسمعكِ أكثر. أكملي معه التالي: جُل ما أريد أن تعلمه أنك ابني وروحي، سواء كنت كبيراً أو صغيراً مخطئاً أو مصيباً وأنا معك دوماً. ابني العزيز، الآن وقد أصبحت شاباً راشداً، اعلم أن ولايتنا عليك صارت محدودة ويمكنك أن تفعل ما تشاء شرط أن لا يكون فعلك مؤذياً لنا حتى لو كان يخصك، فأعظم الناس حقاً عليك والداك، قال (صلوات الله عليه وآله) في جوابه لأحدى المسلمات: يا رسول الله من أعظم الناس حقاً على الرجل فقال (والداه)(٢). وجاء في حديث قدسي (إني أنا الله لا إله إلّا أنا من رضي عنه والداه فأنا منه راض، ومن سخط عليه والداه فأنا عليه ساخط) (٣). أبعدك الله من عقوق الوالدين كل البعد وأرضانا عنك ما حيينا وأدعو الله أن لا أراك نادما أبداً. الآن أريد منك أن تتأمل كلامي وخذ بمشورتي، فما ندم من استشار. لقد أبلغتني شقيقتك بكلامك، وإن كنتُ أتمنى لو صارحتني أنا بالموضوع بنفسك وناقشتني فيه، لكن لا بأس، فشقيقتك لا تقل محبتها لك عني إن شاء الله تعالى. كلامك وَرَدَ فيه الكثير مما ينبغي أن نناقشه معاً. وارتأيت أن أجعل النقاش على نقاط لنفصل كل مسألة على حدة ونفهم وجهات نظر بعضنا بشكل أدق. أولاً: سأتطرق لمسألة مهمة طرحتها في كلامك، ألا وهي: (هناك الكثير من غير المحجبات وهن عفيفات والكثير من المحجبات غير عفيفات فلو تزوجت من سافرة لا يعني أنها ليست عفيفة). دعني أخبرك أن كلامك أثار استغرابي كثيراً، كيف يمكن أن تفكر بهذه الطريقة وأنتَ ما عليه من عقل وفهم؟ من قال: إن المحجبة ترتدي الحجاب لتبدو عفيفة؟! أو من قال: من خلعت حجاب رأسها ليست عفيفة؟ وهل إن من كانت عفيفة يسقط عنها وجوب الحجاب؟! وهل إن الحجاب شُرّع فقط للتمييز بين العفيفة وغير العفيفة؟ من يمكنه أن يحيط علماً بأحكام الله تعالى سواه؟ لا أظنك انجرفت مع تيار اللذين لا عقل لهم بتفسير أحكام الله تعالى وإعطاء علل لها وتصنيف عللهم أنها العلة الحقيقية متناسين أنهم لن يحيطوا بربهم وبعلمه وهو محيط بهم؟ هم مخلوقون له وهو الذي يعلمهم من علمه ما شاء ويخفي عنهم ما شاء، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.) ثم هل تظن أنه يمكننا الحكم على الناس وتصنيفهم: هذا عفيف وهذا غيره؟ مسألة الحجاب يا عزيزي أعلى من هذه الجزئيات البائسة. المحجبة تبرهن على التزامها بدينها وخضوعها لله تعالى، وأنها جاريته لا تتبع سواه ولا يخدعها بريق السراب يحسبه الضمآن ماء. ومن لا تتحجب تبرهن على تمردها على الله تعالى وجرأتها عليه وعدم رجاحة عقلها وانخداعها بتقليد الفنانين والغانيات اللعوب اللاتي كانت أرخص بضاعة يقدمْنها للبيع هي اجسادهن، فأغلبهن جاهلات خُدعْن، وعلينا أن نشفق عليهن وندعو لهن بالصلاح. فلا مجال لقياسك هذا بهذا إطلاقاً، فكما توجد عدة مرتديات الحجاب غير عفيفات توجد مثلهن وأكثر ممن لم ترتدِ الحجاب ولا تملك من الحياء حتى رسمه، وأنت أعرف الناس بهذا فلا تخادع نفسك بهذا الكلام. ثانياً: عليّ أن أبارك لك خطوتك بطلب الزواج، فهو أمر محبّب في الشريعة وإكمال نصف دين المرء، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (ما بُني بناءٌ في الاسلام أحب إلى الله من التزويج) بارك الله بك لسعيك لما يحب ويرضى. واعلم إن لك الحق بالزواج مستقلاً عن رأي والديك، فأنت بالغ وراشد ولو كنت غير ذلك لما أجاز لك الشرع بهذا الأمر. وإنّ حدّ طاعتك لنا كأبوين بما يحسن العشرة وبما لا يكون خلاف أمرنا النابع من شفقتنا عليك، واعلم أنك إن لم تقنع أباك بمن تريد الزواج منها، فإنك ستؤذيه، بما أن من اخترتها ليست كفوءة لك، وأن رفضه نابع من شفقته عليك فستكون آثما عند الله تعالى، أوَ تظن أن زواجاً قام على إثم وعصيان يباركه الله ويجعل بينكما مودة ورحمة لتستمرا مع بعضكما مدى الحياة؟ كلا لن يكون ذلك قال تعالى (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). ثالثًا: صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر يوماً وقال: ( أيها الناس إياكم وخضراء الدمن قيل وما خضراء الدمن؟ قال (صلى الله عليه وآله): المرأة الحسناء في منبت السوء) . هل فطنت لما يريد النبي الأكرم ولي أمر كل مؤمن أن يبين لك؟ إن الزواج مهما كان عظيماً في الشريعة فلابد أن نراعي فيه مَن نتزوج. تزوجْ، لكن اختر بعناية، فليست كل من خلقها الله تعالى أنثى صالحة لتكون زوجة. الزواج ليس شراكة مالية تنتهي بأجل محدد، أو عقد ايجار ينتهي بحلول سنة، الزواج شراكة جسدية وروحية بين إنسانين مختلفين تماماً قررا الاتحاد، فانظر مع من تريد أن تتحد معها ما بقي من حياتك. إن كلمات العقد الشرعي قد اعتبرها الله تعالى الميثاق الغليظ قال تعالى (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)، لأنك بهذه الكلمات ستعيش معها مدى الحياة وتنجب منها الأبناء ويستمر وجودك. فكن دقيقاً لمن تعطي الميثاق الذي ستقف عليه طويلاً بين يديه تعالى. رابعاً: اعلم بني أننا الآن نعيش في القرن الحادي والعشرين، لا تظن أن بإمكانك كأسلافك أن ترغم زوجتك على العيش كما تريده وترتضيه. فالناس أدركوا جيداً أن الله أعطى حرية الاختيار للإنسان ذكراً كان أو أنثى وليس لأحد سلطان على أحد. فزوجتك ستتصرف وتفعل وتتقيد بما تريده وتقتنع به هي، لا بما تريد أنت أن ترغمها عليه، قد تقول إني سأقنعها، حسناً، وماذا إن لم تقتنع؟ هل فكرت بهذا الأمر؟ أنا أيقنت أنك محب لها بعد قبولك الاقتران بها مع ما هي عليه من مخالفة قطعية للشريعة، ويقينك برفض أبويك لهذا الزواج، فأنت لأجل الوصال صرت مستعداً للتخلي عن كل شيء حتى رضا الله تعالى ووالديك، وأن تقع بالعصيان والذنب وتخاطر بمصير أبنائك وسمعتك بين الناس... مع أنك جعلت لقاء كل هذا ثمناً بخساً جداً، كان عليك أن تطلب عرش سليمان النبي لقاء كل هذه البضاعة التي بعتها. لكن ماذا عنها؟ فكّرْ معي، ما الذي تخلّت عنه لأجلك؟ لم تستطع أن تضحي برأي والديها وتتحجب محبة فيك واحتراماً لك، هل ستظن أن بإمكانك إقناعها بعد الزواج؟ من لا يعطيك درهمًا هل سيهديك سيارته؟ أعد هذا السؤال على نفسك مراراً: ماذا لو رفضت الحجاب ولم تقتنع برأيك كيف ستتصرف؟ تخيل الموقف وأكتب حلك لها. هل ستضربها وترغمها بالتهديد على الحجاب؟ هل تظن أن الضرب يرغم الإنسان على الطاعة كما يرغم الحيوان على الرضوخ؟ هل نسيت أن الإنسان حريص على ما مُنع، وأنه لو أراد شيئًا فلا يمكنك أن تفعل شيء سوى التفرج؟ وقوة الضرب لن تذيب قناعات الشخص وصلابة إرادته. هل تبادر للطلاق؟ هل الطلاق أمر هين يمكنك أن تجريه وقت تشاء أينما تشاء؟ وإن كان بينكما أولاد وانفصلتما، هل ستترك أبناءك يدفعون ثمن اختيارك الخاطئ بالزواج من أمهم ثم الاختيار الخاطئ بإنهاء هذا الزواج؟ حسناً، لم يبق إلّا أن تصبر مدى حياتك على العيش مع امرأة تشعر بالعار منها اجتماعياً، لأن الناس لن تحترمك وأنت لا يمكنك حتى أن تختار لك زوجة تشاطرك طريقة حياتك. زوجتك التي لا تتحجب بالتأكيد ستكون مضطراً للخروج معها إلى أماكن والسفر معها والتجوال، فهي ليست قطعة أثاث في منزلك يمكنك ان تخبئها، هل ستتحمل نظرات اصدقائك لساقيها وجسدها الذي تكسيه ألوان الثياب لا الثياب؟ ولو تجرأ أحد على التحرش بها بحجة -المجاملة- هل ستتحمل الأمر وتعتبر قوله لها: لم أر أروع منكِ وأكثر رشاقة وأجمل شعر... مجاملات لا تخفي وراءها الانتقاص منك لأنك لا تستحق الاحترام لمسايرتك امرأة ليست من شأنك؟! ناهيك عن عذابك النفسي وتوقك لزوجة تكون كما تحب تفتخر بها أمام الناس، تخرج معها لكل مكان دون أن تُحرج من ملابسها وتقليدها الأعمى لملابس المغنيات والفنانات الرخيصات. زوجة يؤلمك غيابها ويسرك حضورها، تتوق لوجودها دوماً، حتى حين نموت لا تشعر معها بأنك اصبحت وحيداً بعد عائلتك، تبقى بجانبك دوماً تعمل المستحيل لأجلك . ابني، الزوجة أمك حين تحتاج الحنان، وأختك حين تحتاج اللطف والثقة، وعشيرتك حين تشعر بالغربة، وأبوك حين تحتاج الأمان. أن لذة العيش مع امرأة يمكنك أن تسعد معها لا تعادلها لذة العيون الخضراء والجفون الناعسة لمن اردت زوجة لك رغم كل مساوئها الأخرى. المشاكل بينكما نتيجة اختلاف الراي ستكون أساس حياتكما بدل المحبة والمودة. دعني أروي لك قصة صديقين درسا في أوروبا وأحبا فتاتين أجنبيتين، أحدهما استطاع الاقتران بمحبوبته، والآخر رضخ لرفض والده وتزوج من أخرى تشاطره الرأي والمسلك. وتمر السنوات والابن يشعر بمقت لأبيه الذي منعه من حب حياته كما يتخيل، حتى صادف أن التقى بصديق الطفولة فسأله عن أحواله غابطًا إياه لاقترانه بمن يحب، في حين تزوج -هو- ممن ليست الحب الأول وأنجب منها، فقال له صديقه: أنت مسكين حقاً هل تظني سُعدت معها بأكثر من شهر… تسأل عن احوالي أي أحوال؟ عن بيتي الذي لا أرى فيه أحدا أغلب الوقت واعود لأُكلم جدرانه؟ عن زوجتي التي ترتدي أي معروض على الشاشات مهما كان فاحشاً ومتعرياً ونكثت اتفاقي معها أن تحتشم بعد الزواج بحجة مواكبة العصر؟ تنتظر ماذا ترتدي جنيفر لوبيز أو كيم ..... وكل سيداتها الرخيصات لتقلدهن بطريقة نسخ لصق؟ عن أبنائي الذين لا أدري من أين أبدأ لك بالشكوى منهم؟ لأني لم أَجِد لهم أماً تربيهم على أن رضى الله من رضى الوالدين؟ عن ابنتي التي انتهجت منهج أمها وأسوء. دهش الصديق كثيراً وفكر ملياً بكلام صديقه ثم ودّعه راكضاً لأبيه ليقبل قدميه لمنعه إياه أن يخطأ كما أخطأ صديقة، فيعيش تعيساً مدى الحياة. لكن أنّى، والموت قد خُط على بني آدم مخط القلادة على جيد الفتاة... فأبوه متوفى وترك له سلاماً بيد إخوته طالباً منه ان يسامحه على منعه من الزواج بالأجنبية لأنه لم يستطع أن يرى ولده يرمي بنفسه من الجبل لأنه ظن أن يمكنه التحليق. خامساً: أبناؤك عزيزي هل فكرت بهم؟ كيف ستتمكن من أن تجعلهم متمسكين بدينهم وأنت جلبت لهم أماً لا تعترف بدينها؟ كيف ستتمكن من أن تمنع ابنتك من انتهاج سيرة أمها وخالاتها وأن تعيش كما عشت أنت في عائلة محافظة ومتزنة؟ فكّر بكل هذا قبل أن تقدم على ما تريده، يا بني، واعلم أن حزنك على فراقها أيامًا خير لك من العيش بالندم طوال العمر. وقلبك الذي خفق لها سيخفق لغيرها وأفضل منها، فالإنسان رُزِق النسيان كي يستمر في الحياة، ولولا النسيان لرأيت الناس يفترشون المقابر مع أحبائهم. وإن كنت تتـأمل إصلاحها فتمهل في الأمر حتى تقنعها، واختبر مدى حبها لك بتنازلها عن هذا الأمر البسيط، فإن الحياة الزوجية دون بعض التنازلات من الطرفين تصبح جحيماً لا يطاق، وحتى لو كانت عائلتها غير صالحة سأحاول أن أقنع والدك بالأمر وأنت تعلم مدى حبه لك وتوقه لزواجك، فدعنا نحاول أنا وأنت إصلاحها إن كنت مصرّاً على إمكانية إصلاحها وعسى أن يهدينا ربنا لأهدى من هذا رشدًا. ومن ترك شيئًا لله تعالى عوضه خيراً منه. _________________ 1.الكافي في الحديث 1 من الباب 82 . 2. مستدرك الوسائل , ج 14 , ص237. 3. جامع السعادات ج2 ص202. 4. مكارم الاخلاق، ص 203.

اخرى
منذ 5 سنوات
8146

تزوجت مَن لا أحب

بقلم: نجلاء المياحي من أسئلتكم... السؤال: قبل سنوات مضت تقدم لخطبتي شاب وسيم جدًا ولكن والدي رفض زواجي منه، وتزوجت آخر وأنجبت منه أولادًا لكني لم أحبه حتى بعد مرور سنوات على هذا الزواج، والحق يقال: إنه كان رجلاً طيباً معي وأحبني لكن قلبي مع سواه، احيانا أتألم جدًا كلما تذكرت الرجل الذي وقعت في حبه، الآن أفكّر بالطلاق... ارشدوني للطريق الصحيح فأنا اشعر بالضياع؟ الجواب: من الرائع أن نولي أهمية لما نشعر به ونتكلم لنجد حلاً لمشاكلنا وآلامنا، فالإنسان إن لم يتكلم فلا أحد سيسمع صراخ الألم والعذاب الذي يشعر به في أعماق روحه. قبل أن أُرشدك للطريق الصواب وكيف تتصرفين، دعينا نتحدث قليلاً: إن الحلول أحياناً ليست سوى معرفة المشكلة. جذور متاعبك هي طريقة تفكيرك عزيزتي، لا تستغربي إن اخبرتك: أن عقل الإنسان هو المتحكم الأساس في شعوره وإحساسه وحياته، نصف متاعبنا في الحياة هي نتاج تفكيرنا فقط... العقل البشري رغم كل إمكانياته يكون في الأساس فارغًا مع أدوات تمكنه من التعلم واكتساب المعرفة حتى يصل إلى الدرجات العليا (وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(1) فالإنسان يسمع ويبصر ثم يكتسب العلم والتعلم ليتمكن من العيش بسلام، وإحدى أهم الغايات التي خلق الله تعالى من أجلها الإنسان هي وصوله للسعادة، لكن كيف يصل للسعادة؟ عبر هذا المخلوق الذي حباه الله به وهو (عقله). لكن الإنسان يحشو عقله بالمفاهيم الخاطئة والمغلوطة لسنوات ثم يأتي طالبًا الخلاص مما ألـمّ به من اكتئاب وقلق وتعب! هذا محال. لتكون سعيدًا؛ صحّح مفاهيمك ورتب أفكارك وزن أمورك بميزان مستقيم. من خلال سؤالكِ عزيزتي فهمت أن نظرتك للحب هي ما يتم تلقينه للناس عبر المسلسلات الفارغة وهذه مشكلة كبيرة. إنّ ربط الحب والمشاعر الإنسانية بالأمور الشكلية أحدث عند الناس -ليس فقط أنتِ- خللًا واضحًا في سير حياتهم، وطريقة تعاملهم مع مشاعرهم المختلفة، بحيث صاروا لا يفرقون بين الحب والانجذاب. الحُب (مجموعة مشاعر متنوعة ذات تأثير قوي على الإنسان تنتج عن حسن معاملة المقابل أو أخلاقه أو تفكيره ويتنوع إلى حُب العائلة وحُب الصديق، وحُب المبادئ والأمور التي يؤمن بها المرء ويكون لاحقًا لتعارف مسبق طويل نسبيًا) وظيفة الحُب أو غايته هي: (الحفاظ على النوع البشري من خلال التعاون معاً ضدَّ الصعاب والمخاطر والمحافظة على استمراره، بحسب منطق فلاسفة الإغريق القدامى عمومًا). عالم النفس روبرت ستيرنبرغ يُعبر عن الحب بأنه (يرتكز على الارتباط والعلاقة الحميميَّة، الالتزام، الانجذاب العاطفي) (2). لكن مؤخرًا ومع بدايات السينما ظهر ما يسمى بالحب من نظرة ومن موقف! فجُعلت الرغبة بالطرف الآخر الناتج عن الغريزة الطبيعية بالانجذاب بين الذكور والاناث حُبًا وعشقًا وهذا مفهوم مغلوط وهدفه دنئ جدًا. مؤلفوا الأفلام والمسلسلات أنزلوا الحب من معناه السامي إلى كل رغبة وعلاقة عابرة بين الجنسين. قاموا بزرع هذه المفاهيم الخاطئة فينا منذ الصغر بأفلام الرسوم المتحركة مرورًا بالأفلام والمسلسلات، فصار المرتكز في عقولنا أن الانجذاب الحاصل من نظرة واحدة لمدى تناسق ملابس الرجل ومدى جاذبية تسريحة شعره ومدى عمق نظرته وسحر ابتسامته... حبًا وعشقًا لن نعيش دونه! ونبقى نردد في أعماقنا شعورنا بالحُب حتى ندخل في دائرة الاكتئاب والحزن لعدم حصولنا على هذا الحب الخاطف! وبالطبع، فإن الحزين المكتئب لن يكون إنسانًا ناجحًا في الحياة، وهذا هو الهدف الدنيء الذي يسعى خلفه هؤلاء الضالون المأجورون، من تحطيم حياة الإنسان وابعاده عن السعادة والطمأنينة ليحققوا مكاسبهم المشؤومة بالسيطرة على العالم. لنعد للشاب الذي تقدم لخطبتكِ، كان على ما يبدو من كلامكِ أول شاب ترينه، وأنت في بداية سن الشباب والفتوة، لذلك انجذبتِ له، ولربما كان تأثرك عميقًا بما تشاهدينه على التلفاز من قصص الخيال، وربما لم تلتجئي للمفاهيم الصحيحة لتعرفي ما سر انجذابكِ لهذا الشاب، أوهمتِ نفسك أنك تُحبينه وأنه حُب حياتك وأنك لن تعيشي دونه و... وفي الواقع كان انجذابكِ له غريزيًا بحتًا بسبب الهرمونات الجنسية التي تبرز في سن المراهقة. الآن دعينا نرتب أفكارك بشكل صحيح، لتري نهاية المطاف، إنكِ حبست نفسك في غرفة من الخيال وواقعكِ هي السعادة التي تستحق أن تعيشيها بكل ما فيها من نعم إلهية. امسكي ورقة وقلمًا واكتبي اسئلتي وأجوبتي وطابقي ما قلت بما كان معك، ستجدين النتيجة واحدة... أعدك. كم المدة التي رأيت فيها هذا الشاب الوسيم؟ ساعتين أو ثلاث؟ كم تكلمتِ مع هذا الشاب؟ لم أكلمه لكن صوته يدق مسامعي لم أستطع نسيانه أبدًا. من الطبيعي أن نتذكر أصوات الآخرين، فهل تذكّر الصوت يدل على الحب والتعلق، لا زلت أذكر صوت المراقب والمعاون في المدرسة! هل هذا دال على الحب والعشق؟ صحيح أن الإنسان يختزن أصوات الآخرين في ذهنه خاصة إذا فكر فيهم. ما الشيء الذي جذبك لهذا الشاب؟ هل تعرضت لسرقة فأنقذك منها؟ هل كنت على وشك الموت ففداك بنفسه؟ هل عشتما معًا مدة كافية جعلتكِ تتعقلين بما يحمل من طيب خلق ونفس ورهف أحساس؟ _اطلاقًا لم أره إلّا مرة حتى أنني لم أكلمه وجها لوجه. إذن كيف أحببتيه وتعلقت به وأنتِ لم تريه إلّا مرة، ما الذي عرفت عنه في هذه المرة التي لم تدم سوى لحظات؟ ألا تشعرين أنك صنعت من نفسك بطل مسلسل من انتاجكِ وحدك ولا تريدين له أن ينتهي؟ ارحمي نفسك، فلها عليكِ حقًا. الآن أعيدي كل يوم هذه الأسئلة والأجوبة على نفسك لتبدلي الأوهام التي لقنتيها لعقلك سنوات بالواقع وتكسري جدران الوهم والخيال التي أسرتكِ. والآن اكتبي الواقع الذي تعيشينه... الحياة الوردية التي لا تريدين أن تريها... الحُب الحقيقي الذي في حياتك ... العائلة الجميلة التي تمتلكينها والكثير حُرم منها. لديكِ زوج حنون طيب القلب... تلقينك كله برغبتك بذاك الشاب أيام الصبا -التي أوهمت نفسك أنها حُبّ- لم يستطع إخفاء الأمر، لأنه –زوجك الفعلي- كان فعلًا إنسانًا جيدًا ترك بصمة في قلبك المحاط بالأوهام... انطلقي من هذه البصمة الرائعة، اكتبي كل ما مر عليكِ من لحظات جميلة معه وتعايشي معها، وحاولي تذكر كل التفاصيل الجميلة هذه، هكذا ستعودين من عالم الوهم إلى الحياة الواقعية شيئاً فشيئاً. أكتبي كل اللحظات الرقيقة التي كانت بينكما، كل كلمة طيبة نظرة حنونة منه لا تتركي شيئاً. وأكتبي كل ما فعلتِ لأجله، كل كلمة طيبة قلتيها له، كل هدية اشتريتها له، كل حزن كان عنده فخففتِ عليه، حتى لو كانت تفاصيل صغيرة، اكتبيها، الإنسان لا يقدم شيئاً إلّا لمحبة في قلبه ولو كانت قليلة. هذه الكتابة ستحرك مشاعرك وعقلك وحواسك كلها، وهو المطلوب لتعودي للواقع شيئاً فشيئاً وتنسي أوهامك. ثم انهضي للوضوء والصلاة والدعاء، من ذا الذي يستحق الهيام في حبه وعشقه سواه تعالى... تضرعي له فهو القادر على تخليصك من الأوهام والعذاب الذي تشعرين به، تذكري أن الله تعالى قريب ينتظر قدومك إليه (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (3). ليكن لسان حالك مع ربكِ فليتك تحلو والحياة مريرة ٌ *** وليتك ترضى والأنام غضابُ وليت الذي بيني وبينك عامرٌ *** وبيني وبين العالمين خرابُ إذا صح منك الودُّ فالكل هيِّنٌ *** وكل الذي فوق التراب ترابُ ومساءً، حين يعود زوجك، حاولي أن تنظري في عينيه، وتذكري أن هذا الرجل خليلكِ لسنوات وأنتِ أحببتيه في فترات كثيرة منها، وانجذبت له فيها، وحاولتِ إسعاده لسبب لم تكوني تعترفين به، وهو حبك له الناتج من عشرة سنوات، وحسن قلبه ومعاملته لكِ. ثم التفتي قليلًا إلى أنكما انجبتما أولاداً وكوّنتما أسرة... حقيقة الأمر لا ادري كيف أمكنكِ حتى التفكير بالطلاق مع وجود الأبناء! الأمانة عُرضت على الجبال فأبين أن يحملنها وحملها الانسان! الأولاد أمانة في أعناقنا، نحن من أنجبهم وأخرجهم للعالم بمحض إرادتنا، لا أحد أجبرنا على حَمل هذه الأمانة كيف نتملص منها بهذا الشكل، لا لشيء إلا لأجل أوهام وخيالات تعلمناها من الغاوين الذين يقولون ما لا يفعلون وفي كل واد يهيمون! إن طلبتِ الطلاق، هل فكرت في مدى تأثر الأبناء به؟ وكيف يمكن أن تربي الأولاد وحدك، أتظنين أن تربية الأبناء تربية صالحة لوحدك أمر ممكن؟ حاولي أن تقيسي الأمر على نفسك، هل تكونين سعيدة لو عشتِ في قصر دون أبيك؟ الأب بالنسبة لأي إنسان هو أمنه وأمانهُ، لا تحرمي أولادك من الشعور بالأمن، إنه لعقاب عظيم لهم دون ذنب أبدًا. __________________ (1) سورة النحل آية 78. (2) الموسوعة الحرة .wikipedia موضوع (اهمية الحب). (3) سورة البقرة آية 186.

اخرى
منذ 5 سنوات
1895

زوجتي هي المشكلة!

بقلم: نجلاء المياحي من أسئلتكم السؤال: حين أدخل البيت لا أشعر بالراحة التي يجب أن يشعر بها الإنسان حين يدخل بيته، والسبب في ذلك زوجتي التي لا يبدو أن لمطالبها نهاية، ففي كل مناسبة تريد أن نخرج من البيت ونمضي الوقت في التنزه والتسوق وهذا يحرجني جدًا لأني إنسان ملتزم جدًا وهي أقل مني التزامًا حتى حجابها ليس كما أريد. الآن قرب عيد الفلنتاين وبالتأكيد ستطلب الخروج من البيت إلى الحدائق والمتنزهات، وأنا من الآن في همٍ عظيم، أرشدوني ما العمل معها؟ الجواب: في حقيقة الأمر زوجتك ليست هي المشكلة بل المشكلة هي أنت أخي الفاضل... هل تساءلتَ يومًا لمَ لا يُجيز الإسلام للمرأة الزواج من غير دين إطلاقًا؟ نحن لا نعرف الملاكات الواقعية للأحكام، ولعل السبب هو التالي: أن مشاعر المرأة -عمومًا- تؤثر على تصرفاتها بشكل كبير، فإن أحبت رجلًا كانت على استعداد للتخلي عن كل شيء لأجل رضاه، فمعنى الحب عندها مرتبط بالاتباع والانقياد لمن تحب، ولو أحبت رجلًا من دين آخر لكان تنازلها عن دينها لأجل من تُحب أمرًا ممكنًا على الأقل لبعض النسا،ء وعليه نرى عموم الأديان ترفض زواج بناتها من أديان أخرى لمدى تأثير الحب على قلب المرأة. وعليه ركز على إن الإتباع عند المرأة ناتج حب لا غير، تتبعك وتفعل ما تريده أنت شرط أن تحبك أولًا. وفي الحقيقة مشكلتك هذه، أنت لم تجعلها محبة لك كما يجب لتتبع آراءك وتكون كما تريد، وتفعل المستحيل لرضاك. أنت لم تفرط في حبها حتى يظنك الناس عبدًا لها لتطلب أن تكون لك أمةً بدورها. نعود لمسألة الخروج من البيت والتنزه الذي تطلبه زوجتك أخي الفاضل، صدق من قال: إن المشاكل نتاج عقولنا وعلى أرض الواقع ليس منها إلّا ١٠% . ما الضير في أن تطلب زوجتك منك أن تخرجا من البيت للتسوق أو المتنزه؟ هل كل خروج من البيت محرمًا؟ تأمل في كتابه تعالى وانظر كيف نحن نخلق محرمات وقيودًا لم يفرضها الله تعالى علينا لنحول حياتنا وحياة من حولنا جحيمًا لا يطاق. قال تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ) (1). (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) (2). كل مكان سيء في أي بلد كان ولا يليق بمؤمن التواجد فيه يوجد في مقابله عشرات الأماكن المحترمة التي يُباح لأي مؤمن الذهاب إليها والجلوس فيها والتمتع بما أحل الله تعالى لعباده المتقين من ملذات الحياة الدنيوية. عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "سافروا تصحوا سافروا تغنموا" (3) بما أنك ترى أنها تحب أن ترفّه عن نفسها بالخروج معك والافتخار أمام صديقاتها وأهلها بأن زوجها يهتم بها ويرجو رضاها أقترح عليها بنفسك أن تخرجا معا لزيارة المعصومين (عليهم السلام) أو العشاء في مطعم ما، أو الذهاب للحدائق الجميلة كل فترة وارفق بزوجتك ووفّر لها ما تريد. قال تعالى (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) (4). واعلم أن خير الناس من ينصف الناس حتى من نفسه فكل مطالب زوجتك المحترمة مباحة ولا إشكال فيها لا شرعًا ولا عرفًا. يمكنك بمحبة وود الطلب منها أن تلتزم بحجابها أكثر حتى تصل للحد الشرعي المعروف واليسير ولا تطلب منها ما ليس واجبًا فقط لأنك ترى أنه أفضل. واطلب منها التزين واهتم بزينتها وأناقتها في البيت، بل بادر أنت لشراء مستلزمات الزينة من مكياج وثياب رائعة كهدايا في مناسبات دينية أو ذكرى ولادتها أو زواجكما كي لا تضطر للتزين في مكان آخر للحصول على الإطراء وإشباع رغبتها الفطرية بأن تكون الأجمل في عين أحدهم. المرأة تحب التزين والاهتمام بنفسها لتبدو أجمل الناس لتسمع آيات الثناء والمديح، كن أنت هذا الذي يُسمعها ما تريد سماعه، وتأكد أنها ستكتفي بثنائك ورضاك دون العالمين. وبالنسبة لعيد الفلنتاين، رغم أن الإفلاس الفكري الذي نعيشه أوصلنا للاحتفال بأعياد لا هي من ديننا ولا من ثقافتنا العربية بل ولا نعرف جذوره وعلى أي أسس وُضع عيدًا للناس، لكن لا مشكلة أن تخرجا معًا لحديقة هادئة ليس فيها صخب العطالين وقم بشراء وردٍ لها وارفقه بأبيات شعرية تعبر بها عن حبك وإخلاصك لها. هذه السعادة المباحة التي تريدها منك ما الداعي لتحرمها منها؟ قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) (قول الرجل لأمرأته إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدًا) (5). بهذه الكلمة (أحبُك) يمكنك أن تحل أغلب المشاكل التي تقع بينك وبين زوجتك وتلين قلبها نحوك وتسحرها بآرائك وأفكارك لتكون كما تتمنى أنت فقط. قم برحابة صدر وطيب كلام في يوم آخر ووقتٍ مناسب بإفهامها أننا لسنا مضطرين لتقليد الآخرين ومحاكاة ما يصنعون كالروبوتات، ولو كان هناك حب حقيقي في العالم يستحق أن يُجعل عيدا للعشاق والمحبين لكان يوم زواج النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من السيدة خديجة الكبرى (عليها السلام)، ذلك الزواج الذي كان حبًّا لا مصلحة فيه، نقيًّا طاهرًا متبادلًا بين الطرفين حتى آخر نفس لهما. حب ذلك المحب الذي لم ينس محبوبته حتى بعد مرور سنوات طويلة على وفاتها بل ولا امرأة حلت في قلبه محلها، ما ذكر اسمها إلّا وبكى وما رأى أحدًا تعرفه زوجته إلّا وقال إني لاُحب حبيبها (صلوات الله عليه). وعش حياتك بسلام واعلم بأن أكثر ما تقف عليه يوم القيامة هو الأمانة التي تحملتها ومنها الزوجة. عن الإمام الصادق (عليه السلام): (كل شخص كان بنا أهل البيت رحيماً كان بزوجه أرحم) (6) بقي أن تعلم أن أبويك راحلان والأولاد الذين تنفق حياتك لأجلهم سيتزوجون ويتركونك وحيدًا. الشخص الوحيد الذي يبقى معك حتى آخر نفس لك ويذكرك بعد موتك دومًا بحب واشتياق هي زوجتك. _____________________ ١- سورة الأعراف ٣٢. ٢- سورة الحج ٢٢. ٣- جامع احاديث الشيعة .ج١٦ ص ٣٧٠. ٤- سورة البقرة ٢٣٦. ٥- وسائل الشيعة، ج7، ص10. ٦- المصدر السابق.

اخرى
منذ 5 سنوات
2116

أيُّ رجلٍ خسرناه؟

بقلم: نجلاء المياحي كان رجلًا ينام الناس ويبقى مستيقظًا يفكر فيما يمكنه أن يعمل لأجلهم... يتأمل وجوههم التي غيرتها الشمس وأيديهم التي أنهكها العمل يحدثهم كثيرًا ليخفف عنهم بعض تعب الحياة... يتفحص شؤونهم ليلًا ليعطيهم ما يحتاجونه من مال أو طعام خفية، ملثِّمًا وجهه لكي لا يعرفوه، لكن أنى وعطره يفوح أينما ذهب ونظرات عينيه لا تفارق مخيلتهم أبدًا... ما إن يخرج ملثِّمًا وجهه بإحكام وعلى ظهره الصرة التي يحمل بها طعامًا وشرابًا لهم، حتى يبادروه بالسلام قائلين: السلام عليك يا أبا الحسن، لكنه يصرّ على أن يبقي وجهه مخفيًا وهو يعطيهم الطعام والشراب كي لا يرى الحياء في عيونهم... وبعد عمله الليلي كسائر الأنبياء في الاستمتاع بالليالي الطويلة عبر زرع البسمة والفرحة في قلوب الآخرين، يكفكف دموعه ويذهب لخلوته بربه ليدعو للناس بالهداية ولنفسه بالمغفرة والرضوان ويبقى ما بين راكع وساجد... حتى إذا أسفر الصباح سقط مغشيًا عليه، حاولوا أن يوقظوه فسمعوا الزهراء (عليها السلام) تقول: إنه مع ربه لا تقلقوا عليه، إنها الخشية التي تعتريه حين يقف بين يدي الله... لسنوات طويلة وهو يبتسم إذا ما ضحكوا... ويبكي إذا ما حزنوا... يأكل قليلًا ويطعهم أكثر... وإذا صادف يومًا أن اشترى ثوبًا اعطاه لشاب منهم وبقي على ثوبه وهو فارس العرب والعجم... ذات يوم وبعد أن انهكته الجراح في المعارك أراد شراء درع... تراجع وهو يتذكر بكاء الأيتام وأوضاع الناس المتعبين من الجوع والحصار قائلًا في نفسه: يمكنني أن أتحمل ألم السيوف في الحروب لكن لا يمكنني أن أتحمل ألم الجياع... هذه النقود تطعم بعض الأيتام حتى حين... يزرع الأراضي طوال نهاره وما أن تثمر حتى يهبها للفقراء لتكون لهم مأوى وعملًا... وينتقلوا من حياة الفقر والبؤس إلى حياة الكفاف والوسطية... المبدأ الذي آمن به الإمام كثيرًا وحاول بكل ما أوتي من قوة أن يرسخه في المجتمع ويحارب به الأرستقراطيين الفاسدين من قريش، وهو يهيأ أرضًا ليعمرها لعباد الله، وإذا برياح الألم تعصف داره بوفاة أخيه وابن عمه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في حجره محملًا إياه بلاءً عظيمًا على فارس كبير أجمعت الأمم أن الهروب من سيفه شجاعة: (اسمه الصبر)... أصبر يا علي مهما حل بك من بعدي، أصبر ولا تقم حتى تجد معك أربعين رجلًا... أربعون فقط يا رسول الله؟ بعد عمر أفنيته لأجلهم، ألا أجد منهم أربعين ناصرًا؟! بكى النبي طويلًا لحزن الإمام على قلة الناصر، وصعدت روحه إلى السماء تاركةً الإمام في حيرة وهم عظيم. الآن أصبحت رئاسة أمور الدين والدنيا عليه ولكن أنى، والقوم لم تفارقهم الجاهلية بعد... أنى، والأرستقراطيون متربصون متى يتوفى النبي (صلى الله عليه وآله) كي ينقضوا على الخلافة... التفت محاولًا أن يجد معه من يساعده على دفن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فلم يجد إلا قليلًا من أصحابه وبعض بني هاشم... أين المسلمون؟ إنهم يكيدون أمرًا في السقيفة! وما الذي يكيدونه؟ يبدو أنهم سئموا من عدالة النبي (صلى الله عليه وآله) وحنّت دماؤهم الجاهلية ليعودوا إلى حياة أسلافهم. دعونا ندفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونرى أمرهم فيما بعد. وما أن انشغل بالدفن حتى جاء أبو سفيان ضاحكًا: يا علي لو شئت ملأتها عليك رجالًا! أدار الإمام وجهه عن أبي سفيان وقال وكأنه أراد أن يُفهِمه أني أعلم بقصدك يا أبا سفيان أنت تريد أن يتقاتل المسلمون ويبيد بعضهم بعضًا لتنتقم من النبي (صلى الله عليه وآله)، أجاهلية بعد الإسلام يا أبا سفيان؟! عاد الإمام علي (عليه السلام) إلى داره مكسور الظهر بأخيه ينتظر أن يطرق الناس بابه لمواساته، لكن أنى، والإنسان خُلق كفورا! تأمل الإمام مطولًا في الباب وقال في نفسه: كيف أمكن هؤلاء أن يتنكروا لي بعد كل هذه السنوات التي كنت فيها لهم الأب الشفيق؟ كيف أمكنهم أن يتنكروا لعهودهم وقسمهم لله ولرسوله بنصرتي وبيعتي؟ لحظات وإذا بسلمان يطرق الباب مع أبي ذر ومقداد الثلاثة الذين ما فارقوه أبدًا قائلين: انهض يا ابا الحسن إن القوم بايعوا كبيرهم! نهض الإمام علي (عليه السلام) وهو خائف على مصير الأمة والإسلام وغاضب من كل هذا الجهل والسفه الذي فيه الناس، كيف تؤول أمور المسلمين لمن لا يعرف شيئاً من أمور السياسة والإدارة والحكم؟ فصاح فيهم محاولًا إيقاظ عقولهم المخدرة بدماء الجاهلية: ألم تبايعوني في غدير خم أمام النبي (صلى الله عليه وآله)؟ ألم ينصبني رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليكم أميرًا من أول الرسالة؟ ألم تكونوا معي حين قال النبي (صلى الله عليه وآله): معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قلتم: اللهم بلى. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره، وأخذل من خذله. قالوا: بلى، كنا معك يا أبا الحسن. قال: فما بالكم تبايعون أبا بكر؟ قالوا: إنها قريش أبت أن تكون لكم النبوة والخلافة! جر الإمام حسرة طويلة ونظر إليهم بعين تملؤها الشفقة والخيبة وهو يرى الخطأ الذي يرتكبونه بحق أنفسهم وكيف أنهم بأيديهم خربوا ما بناه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)من حضارة ودولة وتاريخ مشرق لهم. تلفّت الإمام حوله فلم يرَ إلا سلمان وأبا ذر ومقداد وبعض بني هاشم واقفين إلى جنبه وتذكر أمر النبي (صلى الله عليه وآله) له بالصبر حتى يجد أربعين رجلًا. ثم نظر إلى الجموع الغفيرة من الضالين الملتفين حول كبيرهم وتذكر أنه هارون الإسلام وهؤلاء كأصحاب موسى ما أن فارقهم نبيهم حتى استحبّوا الكفر على الإيمان فأدار بوجهه وذهب إلى قبر أخيه وقال: (يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) . وهكذا خسرنا الحاكم الذي لو تولى الحكم أول الأمر لصارت الجنة التي حُرمنا منها بأكلنا الشجرة على الأرض حلالًا طيبًا، خسرنا الرجل الذي تولى الحكم بعد ٢٥ سنة من الدمار والخراب فأدارها أربع سنوات بسياسة وحنكة وإدارة لم يكن لها نظير، حتى في حكم سليمان النبي وأبيه داوود. أربع سنوات شُنت فيها عليه أربع حروب طاحنة ومع كل هذا يدور بالزكاة في شوارع العاصمة ومدنها يطلب من الناس أن يأخذوها فيأبون ذلك قائلين لسنا بحاجة إليها يا أمير المؤمنين.

اخرى
منذ 5 سنوات
3116